افتتح مركز التآخي الطبّي في بلدة عين بعال الجنوبيَّة فضل الله: الحلّ بالحوار الَّذي يأخذ بالاعتبار هواجس الجميع ومخاوفهم

رعى العلَّامة السيِّد علي فضل الله افتتاح مركز التآخي الطبي في بلدة عين بعال الجنوبيَّة، بحضور مفتي صور وجبل عامل سماحة الشيخ حسن عبدالله ممثلاً بفضيلة الشيخ ربيع قبيسي، مفتي صور سماحة الشَّيخ مدرار الحبال ممثَّلاً بفضيلة الشيخ حسن موسى، مطران صور للروم الكاثوليك جورج إسكندر ممثّلاً بالأب كامل إيليا، النّائبين علي خريس وحسن جشي، قائمقام صور الأستاذ محمَّد جفال، المسؤول التنظيمي لإقليم جبل عامل في حركة أمل المهندس علي إسماعيل، مسؤول المنطقة الأولى في حزب الله الحاج أبو حسين ناصر، رئيس اتحاد بلديات قضاء صور المهندس حسن دبوق، قائد الكتيبة الإيطالية العقيد روبيرتو فيرغوري، رئيس بلدية عين بعال السيِّد حاتم بسما، مدير عام جمعيَّة المبرات الخيرية الدكتور باقر فضل الله على رأس وفد، وفد من الدفاع المدني لكشَّافة الرسالة الإسلاميَّة، وفد من الدفاع المدني للهيئة الصحيَّة الإسلاميَّة، وفد من مؤسَّسات الإمام الصَّدر، وفد من الأطباء والمراكز الصحية في المنطقة، إضافةً إلى شخصيات دينية وحزبية وعسكرية وبلدية وثقافية واجتماعية وطبية وإعلامية…

استهلَّ الحفل بآيات من القرآن الكريم، ثمَّ النشيد الوطني اللبناني، تلاه كلمة للحاج حسين حسون باسم مراكز التآخي الطبّية، رحَّب في بدايتها بالحضور الكريم، شارحاً لهم أهمية هذا المركز، لما يتضمَّنه من تقنيات حديثة ومتطوّرة هدفها تقديم أفضل خدمة وبأقلّ الأسعار. ثمَّ ألقى العلَّامة فضل الله كلمةً رحَّب في بدايتها بالحضور، مقدِّراً مشاركتهم في هذا اللّقاء الذي نكرّم فيه قيمة إنسانيّة وإيمانيّة، وهي قيمة البذل والعطاء غير المحدود، والتي تمثلت في إنشاء هذا الصرح الطبي الإنساني الَّذي نفتتحه معاً، والذي نريده أن يتكامل ويتعاون مع كلِّ الصروح الطبية الأخرى، لا ليكون بديلاً منها أو منافساً لها، بل أن يقدِّم أفضل خدمة صحية لكلّ محتاج ومريض، منطلقاً من مبدأ أنّ أيّاً من يقصده سوف يجد فيه ما يداوي جراحه ويخفِّف من الآمه وهمومه.

وأضاف: الروحيَّة التي انطلقنا منها هي الأخوَّة الإنسانيَّة التي أخذتها عنواناً لها عندما عنونت كلَّ مراكزها بالتآخي، والَّذي عبَّرت عنه وستعبِّر بأنها ستكون لخدمة الإنسان، كلّ الإنسان، بعيداً من أيِّ اعتبار طائفي أو مذهبي أو سياسي، انطلاقاً من قناعتها بأنَّ الإنسان لا يكون إنساناً حتى يتحسَّس آلام الآخرين ويسعى لخدمتهم، وبأنَّ المؤمن لا يكون مؤمناً حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه، ومن أن لا  بلوغ لمحبَّته ورضاه إلَّا بخدمة النَّاس: فـ“الخلق كلّهم عيال الله، وأحبّهم إليه أنفعهم لعياله”، “ومن أدخل على أهل بيت من المسلمين سروراً”… ومن أنَّ  قمَّة العبادة هي خدمة النَّاس، وما قاله الله سبحانه وتعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا{[المزمّل: 20]…

ويأتي هذا المركز من باب الحرص على هذا الوطن بأن يكون قويّاً مقتدراً يشعر أبناؤه بالعزَّة والكرامة، فلا نريد لهم أن يشعروا بالذّلّ إذا أرادوا الحصول على حاجاتهم، أو أن يتسكَّعوا أمام هذا الباب أو ذاك للحصول على دواء أو استشفاء، وهي لذلك سعت وتسعى لأن يكون الأداء فيه نموذجيّاً متميزاً، انطلاقاً من القاعدة التي بنى عليها السيِّد المرجع الوالد (رض) كلَّ صروح الخير والعطاء، عندما كان يقول للقيّمين عليها أريد مؤسَّسات متميّزة لا أريدها عاديَّة، متميّزة بإدارتها وعناصرها في علمهم وخبراتهم وأخلاقياتهم، ومتميزة في أجهزتها وتقنياتها، بحيث تقدِّمون للنَّاس الخدمة على أحسن صورة…

وتابع: إنها لقيمة إنسانيَّة كبيرة أن تجد في هذا الوطن في هذه المرحلة الصَّعبة من يفكِّر في مجتمعه وإنسانه، وبأن يترك أثراً طيّباً عندما يغادر الحياة، وهو ما فعله عندما أوصى بهذا الصَّرح ليكون جزءاً من ماله في عمل الخير، وصدقة جارية له، ويبقى أثراً طيّباً في قلوب الناس، فكل الرحمة له، وكل التقدير له، وهنيئاً لما قام به، وبالطبع سوف يكون قدوة للآخرين…

وتزداد القيمة عندما يكون المشروع صحياً، بعدما باتت الحاجة ماسَّة إلى مشاريع صحيَّة تحمل البعد الخيري في عملها، حيث أصبح الهمّ الصحّي هو همّ كلّ مواطن وهاجسه اليومي، بحيث إن الإنسان في هذا الوطن بات يخشى أن يمرض لأنه غير قادر على دفع تكاليف العلاج والأدوية، ونحن نعرف أن الكثيرين باتوا يكتفون بالمسكّنات في بيوتهم، لأنه ليس لهم القدرة المالية على الذهاب إلى الطبيب…

وقال: تزداد قيمة هذا الصّرح أكثر عندما يكون من نصيب هذه البلدة الطيّبة عين بعال، ولهذه المنطقة، منطقة صور ومحيطها وأبعد من محيطها، وهي المناطق الَّتي تستحقّ كلّ خير وبذل وعطاء، والتي يشهد لها تاريخها وحاضرها بأنها كانت دوماً على قدر المسؤولية في مواجهة كل الذين أرادوا استباحتها، وهي قدَّمت لأجل ذلك التضحيات دفاعاً عن هذه الأرض، وفي احتضانها لقضايا الأمَّة الكبرى، ولا سيَّما القضيَّة الفلسطينيَّة، وهي كانت حاضرة في ميادين البذل والعطاء من أهلها المقيمين فيها ومن المغتربين الَّذين لم ينسوا وطنهم، بل كانوا دائماً يداً ممدودة لشعبهم وأهلهم، حين ساهموا في إقامة المشاريع، وقدَّموا المساعدات للمحتاجين والفقراء، رغم أنّ وطنهم لم يف تجاههم بما يستحقّون من اهتمام وعناية، بل تمّت الإساءة إلى مقدّراتهم وإمكاناتهم وأموالهم الَّتي أودعت في البنوك .

وأكَّد أنَّ هذا الصّرح لن يكون الأخير، بل هو من سلسلة مباركة ستستمرّ حتى تملأ مواقع الخير والعطاء كلّ أرجاء الوطن، وهي دائماً كانت بفضل أهل الخير والعطاء أمثال هذه الشخصيّات الكريمة من دون الاستعانة بجهة أو دولة، وكلّ همّها أن تكون حيث يوجد محتاج ويتيم وعاجز وطالب علم، ونسأل الله أن يعيننا على أن نكون أمناء على مسيرة العطاء، ورسل محبة وخير للنّاس، كلّ الناس…

وأشار إلى أنَّ هذه الأرض امتزج فيها الخير بالدماء الطاهرة الَّتي سالت أنهاراً على مذبح الوطن، ولم تستطع كلّ المجازر أن تنال من أهلها، كما حصل في قانا والمنصوري وغيرهما، فهذه الأرض الّتي كانت دائماً مسكونةً بحبّ الوطن، والتي خرَّجت القادة والعلماء والمجاهدين، كانت ولا تزال علماً على مستوى الوحدة الوطنيَّة والإسلاميَّة واللّقاء الإسلامي المسيحي والوطني وللعيش المشترك، والتي كان أسمى تعابيرها، من لا يزال حضورهم في الوجدان وعلى أرض الواقع، الإمام السيِّد عبد الحسين شرف الدين، والإمام السيِّد موسى الصَّدر… وهي تستحقّ منا جميعاً ومن الدولة التي هي المعنيَّة الأساس، التفاتة وفاء لها، وأن تتضافر كلّ الجهود لرفع الحيف عنها.

 وأردف: إنَّنا من خلال افتتاح هذا الصّرح، نؤكِّد أنّ لبنان إنما يبنى بالخير والمحبَّة، ويستطيع أن يواجه أزماته بالتواصل والحوار بين أبنائه… فالوطن لا يبنى بالأحقاد والعداوات والصِّراعات… لقد جرَّبنا كلَّ ذلك ووصلنا إلى هذا المنحدر. لذلك، نقولها بأنَّ معالجة أزماتنا ومشاكلنا لن تكون إلَّا بروحية المحبة وبالحوار الجادّ الذي يأخذ بالاعتبار هواجس الجميع ومخاوفهم، وآمال اللّبنانيّين وطموحاتهم، وعندما يحصل ذلك، لن تكون هناك عقبات في انتخاب رئيس للجمهوريَّة أو في تشكيل حكومة، أو إنجاز الاستحقاقات الضروريَّة التي تؤدِّي إلى الاستقرار النقدي والأمني والسياسي.

وأضاف: قدرنا في هذا الوطن أن نعمل معاً، طوائف ومذاهب ومواقع سياسيَّة وغير سياسيّة، وأن نقلِّع أشواكنا بأيدينا، لا بأيدي الآخرين الّذين إن عملوا فسيعملون لمصالحهم لا لمصالحنا، وقد لا يعملون عندما تقتضي مصالحهم أن يبقى البلد على حاله ولا يعود من أولوياتهم… وأن يتكافل بغضنا مع بعض للأم جراحاتنا وبلسمة أوجاعنا والتعاون بعضنا مع بعض، وعندها سنصنع الكثير كما صنعنا تحريراً وانتصارات، ونحن نعيش هذه الأيام في أجوائها…

 وفي الختام، توجَّه بالشّكر والامتنان الجزيل إلى من قدَّم وبذل، سائلاً المولى أن يجعله في أعلى علّيين، ولمن صمَّم وبنى وقدَّم لنا هذه الصّورة الجميلة، ولإدارة مراكز التآخي بكلِّ فروعها المنتشرة على أرض هذا الوطن، من بيروت والجنوب والبقاع والهرمل وجبل لبنان… وكلّنا ثقة بأنَّ الجهاز الطبي والإداري لهذا المركز سيكون على مستوى الآمال به والطّموحات التي ترتجى منه.

***