الأذى مظلمة لا يغفرها إلا صاحبها

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

الخطبة الأولى

قال رسول الله(ص): "نزل عليّ جبرائيل، فقلت له: عظني بموعظة من ربّك"، فقال له جبريل(ع): "عش ما شئت فإنّك ميت، وأحبب من شئت فإنّك مفارقه، واعمل ما شئت فإنّك ملاقيه…"، ثم قال له: "وشرف المؤمن صلاته باللّيل، وعزّه كفّ الأذى عن النّاس".

وورد في الحديث أيضاً: "كُفَّ أذاك عن النّاس، فإنّها صدقة تصدّق بها عن نفسك". هذا وقد حذّرت الآيات القرآنيّة من عواقب الأذى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}(الأحزاب:58).

وعن يوم القيامة، حيث الحساب بين يدي الله، يتحدّث رسول الله(ص) إلى أصحابه قائلاً: "أتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟"، قالوا: نعم يا رسول الله؛ المفلس من لا درهم له ولا دينار.. فقال رسول الله(ص): "لا، ليس هذا ما أريد… المفْلس مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شَتَمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكل مال هذا، واغتاب هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته يؤخذ من سيّئاته، حتى يدخل النّار". ولهذا، عندما ذُكرت امرأة بين يدي النبيّ(ص) بكثرة صلاتها وصيامها، قال(ص): "هي في النّار رغم صلاتها"، لأنّها كانت تؤذي النّاس بلسانها.

ذنب لا يغفره الله

أيّها الأحبّة، في موضوع الأذى، علينا أن نلتفت إلى أنّ الله قد يقبل توبة الإنسان في تقصيره في حقوق ربّه، ولكنّه لا يغفر الذّنوب الّتي يذنبها المرء بحقّ النّاس, حتّى يغفرها النّاس الّذين تعرّضوا للأذى منه.

هذه صورة رائعة للعدالة يريدنا الله أن نلتزم بها، لأنّ في ذلك صلاح الحياة وسلامتها..

ورد في الحديث: يؤتى للإنسان يوم القيامة بقارورةٍ من دم، فيقال: هذا نصيبك من دم فلان، فيقول: يا ربّ، أنا لم أقتل ولم أجرح، فيُقال له: صحيح، ولكنّك تكلّمت بكلمةٍ، فتسبّبت هذه الكلمة بإثارة جوّ ضدّ إنسان، فقتل أو جرح، أو أسيء إليه، فأنت تتحمّل جزءاً من هذه المسؤوليّة…

لهذا، علينا أن لا نغفل أبداً عن الرّؤية من هذه الزّاوية؛ أن نراقب أنفسنا فيما آذينا به النّاس من حولنا، أن لا ننام قبل أن نتأكّد أنّنا لم نسئ إلى أحد، وحتّى لو كان من آذيناه ولداً أو قريباً أو صديقاً. وقد علّمنا الإمام زين العابدين(ع) في دعاء يوم الاثنين أن نقول: "فَأَيَّما عَبْد مِنْ عَبيدِكَ، أو أَمَة مِنْ إمائِكَ، كانَتْ لَهُ قِبَلي مَظْلِمَةٌ ظَلَمْتُها إِيّاهُ في نَفْسِهِ أوْ في عِرْضِهِ أو في مالِهِ أو في أهْلِهِ وَوَلَدِهِ، أو غيبَةٌ اغْتَبْتُهُ بِها، أو تَحامُلٌ عَلَيْهِ بِمَيْل أو هَوىً أو أنَفَة أو حَمِيَّة أو رِياء أو عَصَبِيَّة، غائِباً كانَ أو شاهِداً، وَحَيّاً كانَ أو مَيِّتاً، فَقَصُرَتْ يَدي وَضاقَ وُسْعى عَنْ رَدِّها إلَيْهِ وَاْلتَحَلُّلِ مِنْهُ، فَأَسْأَلُكَ يا مَنْ يَمْلِكُ الْحاجاتِ وَهِي مُسْتَجيبَةٌ لِمَشِيَّتِهِ، وَمُسْرِعَةٌ إلى إرادَتِهِ، أَنْ تُصَلّيَ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَأنْ تُرْضِيَهُ عَنّي بِما شِئْت، وَتَهَبَ لي مِنْ عِنْدِكَ رَحْمَةً".

لقد ركّزت الآداب الإسلاميّة والأحكام الشرعيّة في الشّأن الشخصيّ كثيراً على احترام الحدود والمساحات والحقوق الشّخصيّة، وعدم التسبّب بأيّ أذى لأيِّ إنسان إلا في إطار الدّفاع عن النّفس… وللأسف، صارت سلوكيّات الأذى هذه الأيّام هي اللّغة السّائدة…

أكبر الأذى

لقد حذّر الإسلام، أيّها الأحبّة، حتّى من الأذى النّفسيّ، فكيف بأذى الجسد والصحّة والمال والرّزق؟! في الحديث الشّريف، كما ورد عن رسول الله(ص): "إذا كنتم ثلاثاً، فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتّى لا يؤذياه". وهذا قمّة الأدب والتّعايش السّليم بين النّاس، حيث لا وشوشة، ولا لغة خاصّة، ولا إشارات أو غمزات مما يؤذي الحاضرين، حتى النّظرة غير الطّبيعيّة: "من نظر إلى مؤمن نظرةً ليخيفه بها، أخافه الله يوم القيامة".

والذّنب يكبر كلّما كانت النّتائج الّتي تترتّب على الأذى بالغة السّوء، وخصوصاً حين تمتدّ تداعيات هذا الأذى إلى الشّأن العامّ، كمن يؤذي البيئة، أو يحوّل نفاياته إلى بركة شرب أو نهر، أو كمن يسرق من شبكة الكهرباء ويسبّب احتراق المولّدات، أو كما عشنا في الأيّام الماضية مع الّذي يمارس الأذى بالطّريقة الّتي تؤدّي إلى فتنة، كأن يُسيء إلى دين أو  طائفة أو إلى مستقبل النّاس وأمنهم، وهذا قمّة الأذى.. إنّ الأمن والأمان هما من حقّ الجميع صغاراً وكباراً، وكلّ من يؤذي أو يعكّر صفو العيش المشترك أو الوحدة واللّحمة بين النّاس، فقد جعل  للنّاس جميعاً حقوقاً في رقبته، سواء كانت توتّرات أو قلقاً أو خوفاً، فكيف إذا كانت تتعلّق بالكرامات أو السلامة؟!

نفسيّات مريضة

أيّها الأحبّة، إنّ الّذي يؤذي قد يتّكل على عضلاته أو عشيرته أو جماعته أو على ضعف الآخرين أمامه، فيسمح لنفسه بأن يهدر كراماتهم، أن يروّعهم ويخيفهم، أن يأخذ أموالهم بغير حقّ، أن يقلق راحتهم، ظانّاً أنّه قويّ، وأنّ القوّة هكذا تكون.

في الدّعاء نقرأ: "إنّما يحتاج إلى الظّلم الضّعيف"، وهذه العنتريّات ليست إلا ضعفاً، لأنّ القويّ الحقيقيّ لا يفعل هذا..

إنّ نفسيّة المؤذي نفسيّة مريضة قائمة على كره الخير للآخرين، وهو يعيش على توتير الأجواء من حوله، ويشعر باللّذّة في ذلك. ولطالما حذّر الإمام عليّ(ع) من ذلك: "لا يكن أفضل ما نلت في دنياك بلوغ لذّة وشفاء غيظ، بل إطفاء باطل وإحياء حقّ".

والإنسان المؤذي لديه مشكلة رؤية وتقييم للأوزان، فهو يظنّ أنّ قدرته مطلقة؛ يهدر ويصول ويجول ويخيف النّاس، وينسى أن يتطلّع إلى حجم قدرته أمام قدرة الله عليه، فالله يسمع دعوة المضطهدين والمظلومين، وهو للظّالمين بالمرصاد، وهو في جبروته قد توعّد هؤلاء قائلاً: "ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن"، وليتذكّر كلّ من يستقوي بجماعته، أنّه سيقف وحيداً يوم القيامة، حيث {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}(مريم/95).

تعزيز الإحساس برقابة الله

أيّها الأحبّة، نحن بحاجة في كلّ أجواء التوتّر والانفعال، وفي ظلّ تفاقم لغة العصبيّات والحساسيّات الّتي باتت سمة واقعنا، أن نبعث برسالة اللّطف والسّلام والمحبّة، وأن تبدأ هذه اللّغة بتصفية قلوبنا من كلّ حقد وبغضاء للآخرين، كما قال الإمام عليّ(ع): "احْصُدِ الشّرَّ مِنْ صَدْرِ غَيْرِكَ بِقَلْعِهِ مِنْ صَدْرِكَ".

أن نغرس في داخلها المحبّة حتّى مع الّذين نختلف معهم، فنتطلّع إلى نقاط اللّقاء دون أن نستغرق في الأوهام الّتي صنعناها وصنعها الواقع من حولنا.. أن نغيّر قاموس مفرداتنا، فننتقي الكلمات الّتي تقرّب ولا تبعّد، تبشّر ولا تنفّر، تجمع ولا تفرّق، أن ندفع السيّئة بالّتي هي أحسن، أن لا نتسرّع في ردود الفعل، فندقّق في ما نسمع ونقرأ، ونبحث دائماً عن الخلفيّات وما وراء الكلمات، أن يكون شعارنا الدّائم وعنوان حركتنا كلام أمير المؤمنين، فهو رغم كلّ ما عاناه من ألم عندما أُبعد عن الخلافة وأثيرت حوله الفتن، كان يقول، وقد سمع قوماً من أصحابه يسبّون أهل الشّام أيّام حربهم في صفّين: "إِنّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ، وَلَكِنّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ، وَذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ، كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ، وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ، وَقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ: اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَدِمَاءَهُمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنِهِمْ، وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ، حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ، وَيَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ".

أيّها الأحبّة، ليس أمامنا إلا أن نعزّز إحساسنا برقابة الله علينا وقدرته، حتّى وإن كان كلّ ما يحيط بنا يدفعنا إلى أن نفكّر بغير مسؤوليّة، وأن نتصرّف بغير مسؤوليّة، لأنّ هناك من يراقبنا وسيحاسبنا، وهو الله تعالى.

وليكن شعارنا ومبدأنا دائماً شعار عليّ ومبدأه من الأذى والظّلم: "وَاللهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جِلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ، وَإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا. مَا لِعَلِيّ وَلِنَعِيمٍ يَفْنَى، وَلَذَّةٍ لاَ تَبْقَى!".

"اللّهمّ اكسرْ شهوتي عن كلّ مأثم، وأَزِد حرصي عن كلّ محرم، وامنعني عن أذى كلّ مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة".

والحمد لله ربّ العالمين.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله.. ويكفي المتّقين عزّاً، قول الله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}[النّحل: 128].

ومن التّقوى كما ورد عن رسول الله(ص): "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النّخلَةِ".. فالنّخلة تقف شامخة راسخة أمام العواصف والأعاصير..

كذلك المؤمن، يقف ثابتاً رافع الرّأس، لا يسقط أمام التحدّيات برغم اشتدادها عليه…

أيّها الأحبّة، لنكن مثل النّخلة الّتي تمثّل في شموخها وعلوّها، الثّبات والصّلابة والقدرة على مواجهة التحدّيات، سواء كانت تحدّيات الخارج أو الدّاخل. فماذا هناك؟

لبنان: كابوس الفتنة

لقد عشنا في الأيّام القليلة الفائتة، ما يشبه الكابوس السياسيّ والأمنيّ المتنقّل، بفعل الاعتداء الّذي تعرّض له بعض مشايخ الطّائفة الإسلاميّة السنيّة الكريمة، الأمر الّذي ترك بعض تداعياته على السّاحة اللّبنانيّة بعامّة، والإسلاميّة بخاصّة، لولا وعي العقلاء، وتدخّل العلماء والقيادات السياسيّة والقوى الأمنيّة، الّذين حالوا دون اشتعال نار الفتنة وتوسّعها.

ونحن إذ نقدّر كلّ المواقف المستنكِرة والرّافضة لهذه الفتنة، ندعو الجميع إلى اعتبار ما حدث بمثابة إنذار لمدى ارتفاع منسوب الشّحن الطّائفيّ والمذهبيّ على أرض الواقع، ما يستدعي نزول القيادات الواعية والعلماء إلى الأرض، لوضع حدٍّ لهذا الوضع، وإعادة إنتاج أجواء الوحدة والتّآلف والتّوادد والتّحابب بين مختلف مذاهب المسلمين وتنوّعاتهم، ودعوة كلّ المعنيّين بالخطاب الدّيني والسياسي إلى الابتعاد عن أسلوب التّحريض والإثارة الّذي يتّبعون لاستمالة جمهورهم، أو تلبيةً لغرائزهم الطائفيّة والمذهبيّة، من دون النظر إلى انعكاسات ذلك على أرض الواقع، والّذي قد يخرج عن السّيطرة…

لقد دعونا في السّابق إلى لقاء إسلاميّ ـ إسلاميّ موسّع في هذه المرحلة، ونجدّد الدّعوة للقيادات الدّينيّة والسياسيّة إلى التّداعي، رأفةً بهذا البلد، وسعياً لإخراجه من حال عدم الاستقرار، ولا سيّما في هذه الظّروف البالغة التّعقيد…

إنّ على القيادات السياسيّة والأمنيّة ألاّ تكتفي بتنفّس الصّعداء لتجاوزها "قطوع" الأيّام السّابقة، بقدر ما عليها أن تبقى يقظةً، كي لا نُفاجأ بالمزيد من ارتكابات من اعتُبِروا خارجين عن القانون العام والمسار الوحدويّ، ونخشى تكرار التّجربة مجدّداً، ولا سيّما أنّ هناك من ينتظر الظّروف الملائمة للاصطياد بالماء العكِر…

ونحن في الوقت الّذي نؤكّد على كلّ وسائل الإعلام، أن تكون مسؤولةً، وأن تتصرّف بوعي وتبتعد عن كلّ تحريض وحساسيّة وتشنّج، ندعو المسؤولين إلى بذل كلّ ما باستطاعتهم لتجنّب الوقوع في تجارب مماثلة، كما ندعوهم إلى العمل جديّاً لإيجاد قانون انتخابيّ بعيداً من أيّة حسابات ذاتيّة، وحسابات الحصص وتقسيم الكعكة الّتي ينتظرها هذا الفريق أو ذاك، لأنّنا نعتقد أنّ حلّ هذه المسألة، ولو على الطّريقة اللّبنانيّة، طريقة اللاغالب واللامغلوب، سيعزّز مناخ الاستقرار الدّاخليّ، ويمنع المحاور الدّوليّة من الدّخول على خطّه…

ونحن نستغرب أن يُشغل البلد بالشّحن الطّائفيّ والمذهبيّ والتوتّرات الأمنيّة المتنقلة، في حين يواصل العدوّ استعداداته العسكريّة، وطلعاته الجويّة، وتهديداته المستمرّة للبنان، ما يستدعي موقفاً وطنيّاً قويّاً، يمنع العدوّ من التّمادي في مشاريعه…

كما نعيد التّأكيد على الحكومة، بضرورة الاستمرار في عملها، لمعالجة المشاكل الاجتماعيّة الصّعبة الّتي باتت تثقل كاهل المواطنين، وتزيد من مساحات الفقر، وعدم معالجة المشاكل المطروحة بعد إقرار الحكومة لسلسلة الرّتب والرّواتب وغيرها، بتمويلها من جيوب النّاس المستضعفين، فيما الهدر والفساد على حالهما، ينعم أصحابهما بتغطية هذا الفريق أو ذاك.

إنّنا ندعو مجدّداً إلى أن تكون هذه الحكومة، كما وعدت، حكومة الفقراء، وأن تعيد إليهم حقوقهم، لا حكومةً تزيد الفقراء فقراً والأغنياء ثراءً.

فتاوى تستبيح الدّم السوريّ

وليس بعيداً من لبنان، ننظر بكثير من الخطورة إلى ما يجري في سوريا، حيث نيران الأزمة السوريّة بدأت تقترب عسكريّاً وسياسيّاً من الأرض اللّبنانيّة في الشّمال والبقاع والدّاخل اللّبنانيّ، الّذي بات الصّدى لكلّ ما يحدث هناك، وخصوصاً في ظلّ الحديث عن استخدام أسلحة كيميائيّة، ما يساهم في تفاقم الوضع وخروجه عن مسار الصّراع التّقليديّ، بحيث قد تدفع الأمور إلى متاهات لا نريد للشّعب السوريّ أن يقع فيها، ولا أن يكتوي بنار التّفجيرات، كالتّفجير الأخير الّذي طاول أحد الرّموز العلمائيّة، الشيخ محمد سعيد البوطي، في أثناء تواجده في المسجد، حيث لم يعد للرّموز الإسلاميّة الكبيرة بكلّ تاريخها أيّة حرمة، كما لم يعد لدور العبادة أيّة حصانة، في ظلّ هذه الاستباحة الخطيرة للدّم بفتاوى تحمل عناوين إسلاميّة.

ونحن نخشى من أن يكون وجود حكومة جديدة للمعارضة السوريّة، مقدّمة لتقسيم سوريا، وسط حديث عن أنَّ الأزمة قد تمتدّ وتطول في ظلّ الصّراع الدّوليّ والإقليميّ المتواصل حول هذا البلد.

ولذلك، نطلق الصّرخة مجدّداً لكلّ المكوّنات السوريّة: كفى قتلاً ودماراً، كفى عذاباً لإنسان هذا البلد، كفى تهجيراً، عودوا إلى قيم أديانكم وإيمانكم، ولينطلق صوت العقل، صوت الحوار، صوت مدّ الجسور، صوت التّواصل بين الجميع، صوت وأد الفتنة…

زيارة أوباما لدعم العدوّ

وفي النّهاية، لا بدَّ من أن نتوقّف أمام زيارة الرّئيس الأمريكيّ لكيان العدوّ، الّذي جاء ليشدّ من أزر هذا الكيان الّذي بات يخشى على وجوده، ولا سيّما بعد الضّربات الّتي تعرّض لها من المقاومة الإسلاميّة في لبنان وفلسطين، وبعد تنامي قوّة الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، وتنامي دور الشّعوب في العالم العربيّ والإسلاميّ، ليرسل بعد ذلك رسائل تهديد إلى قوى المقاومة في لبنان وفلسطين، في الوقت الّذي راح يستجدي هذا الكيان في ضرورة العمل من أجل سلام مزعوم يعيد إلى الفلسطينيّين حقوقاً شكليّة، من دون أن يقدّم أيّ مبادرة للحلّ، أو يمارس أيّ ضغط على هذا الكيان، سوى دغدغته مشاعر الفلسطينيّين بالحديث عن معاناتهم.

إنّنا أمام هذه الزّيارة، نقول لكلّ العرب والمسلمين الّذين يراهنون على أمريكا: أين موقعكم من الرّئيس الأمريكي؟ لا شيء سوى كلمات معسولة واستنزاف الموارد والقدرات لحساب القتال الدّاخليّ، من دون الشّروع في بناء قوّة توازي قوّة الكيان الصّهيونيّ وتردّ اعتداءاته… إنّ المشكلة ليست في الآخرين، المشكلة فينا…

Leave A Reply