الابتسامة..الصدقة المهجورة

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} صدق الله العظيم.

 

لقد أراد الله للإنسان المؤمن من خلال هذه الآية أن لا يكون حضوره في الحياة عادياً بحيث يمر على الحياة مرور الكرام كالكثيرين ممن يختنقون في ذواتهم ليس لهم في الحياة إلا شهواتهم وغرائزهم ولذاتهم.. بل أن يكون وجوده فاعلاً بأن يترك أثراً طيباً على حياة الناس…

 

ومن هنا كانت دعوته للإنسان حتى يكون صادقاً في إيمانه أن ينفق على الآخرين من كل ما أعطاه الله فقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}.. والإنفاق لا يتوقف بالطبع على إنفاق المال.. فقد ينفق علماً أو خلقاً كريماً أو دعوة إلى هدى أو إبعاداً عن ضلال.. وقد يكون تقديراً أو تشجيعاً أو بإشاعة أجواء سرور أو تفاؤل..

 

وقد ورد في الحديث عن الإمام علي(ع) في إشارة إلى الصورة التي لا بد أن يكون عليها المؤمنون في معاشرتهم للناس وبدون تمييز بينهم: "خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ".. "كونوا في النّاسِ كالنحلِ في الطير".

 

وعندما تحدث رسول الله(ص) عن المؤمن قال: "المؤمن مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف".. "وخير الناس أنفعهم للناس".. "المؤمن الذي نفسه منه في عناء والناس منه في راحة".. فالمؤمن حيثما يوجد لا ينبعث إلا الخير منه ومن عقله أو من قلبه أو سلوكه أو في الأثر الذي يتركه في قلوب الآخرين.

 

وبذلك نفهم أن المؤمن ليس بهذه الصورة النمطية التي ترسخت في أذهاننا ممن يستغرق في أجواء الصلاة أو الحج أو الزيارات.. فالإيمان لا قيمة له إن لم ينعكس كل ذلك على كلامه وسلوكه وحياته.. المؤمن هو من يكون مؤمناً في البيت وفي العمل وفي مجتمعه وفي وطنه وحيثما يكون، هو يرى ذلك المدخل لله إلى الجنة ورضوانه والمدخل إلى الجنة..

 

فعندما جاء رجل إلى رسول الله(ص) قال له: دلني على عمل إن عملت به دخلت الجنة.. قال(ص): "تقوى الله وحسن الخلق".. وفي حديث آخر: "ثلاث من أتى الله بواحدة منهن أوجب الله له الجنة: الإنفاق من إقتار، والبشر لجميع العالم، والإنصاف من نفسه ".. وقال(ص): "أول أهل الجنة دخولاً إلى الجنة أهل المعروف".

 

ونحن اليوم سنتوقف عند واحدة من هذه التجليات التي ركزت الأحاديث في اعتبارها عنواناً لشخصية المؤمن.. فقد ورد في حديث رسول الله(ص): "المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه"..

 

وفي ذلك إشارة إلى الابتسامة التي ترتسم على وجهه، هو يظهرها حتى لو كان الحزن يغمر كيانه.. فالمؤمن من صفاته أنه دائم الابتسامة يفيض بها على من حوله.. وهو لا يقف بها على المؤمنين فقط بل على الناس جميعاً.. طبعاً المقصود بذلك الابتسامة الصادقة التي تنبع من القلب، لا الابتسامة الزائفة والخادعة التي ترتسم على الوجه، ولكنها تخفي الكثير في القلب..

 

أن تكون بشوشاً بحيث تحمل في وجهك البشرى للناس.. وإلى ذلك أشار الحديث الوارد عن رسول الله(ص): "ابذل لأخيك دمك ومالك، ولعدوّك عدلك وإنصافك، وللعامة (أي لكل الناس) بشرك وإحسانك"..

 

وقد رفع رسول الله من موقع الابتسامة عندما اعتبرها صدقة يتصدق بها الإنسان على نفسه ويوصلها إلى الناس.. فثوابها ثواب الصدقة ونتائجها هي نتائج الصدقة.

 

فقد قال(ص): "تبسّمك في وجه أخيك صدقة.. تتصدق بها على نفسك"..

 

وهو بذلك وسع من مفهوم الصدقة التي غالباً ما يتبادر أنها من المال، لكنها تتسع لأكثر من ذلك.. ولهذا عندما روي عن النبي(ص): "إن على كل مسلم في كل يوم صدقة، قيل: من يطيق ذلك؟ قال(ص): "إماطتك الأذى عن الطريق صدقة، وإرشادك الرجل إلى الطريق صدقة، وعيادتك المريض صدقة، وأمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، وردك السلام صدقة".. فالإنسان يمكنه أن يتصدق في كل زمن حتى لو لم يدفع من ماله شيئاً.. وقد حث رسول الله(ص) على الابتسامة عندما قال: "إذا لقيتم إخوانكم فتصافحوا، وأظهروا لهم البشاشة والبشر، تتفرقوا وما عليكم من الأوزار قد ذهب".

 

وهو السلوك الذي ابتدأه رسول الله بنفسه وانتهجه في سلوكه مع أصحابه ومع كل الناس.. فقد نقل عنه أصحابه أنه كان أكثرنا تبسماً، فهو كان دائم التبسم حتى وهو في أحلك الظروف وحتى مع من كانوا يسيئون إليه.. ومن هنا ورد أن النبي(ص) كان يسير في شوارع المدينة وعليه برد نجراني غليظ الحاشية.. فأقبل إليه أعرابي من خلفه وبدون مقدمات جبذه بردائه جبذة شديدة.. يقول أحد أصحابه وهو أنس بن مالك: نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله(ص) وقد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، فقال له: يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه وتبسم في وجهه، ثم أمر له بعطاء…

 

ومن الواضح مدى الأثر الذي تتركه الابتسامة على الحياة حتى كان كل هذا التأكيد والحث عليها.. فالابتسامة هي علامة أخاء ورسالة مودة وخطاب محبة، هي تطرد بإطلاقها وساوس الشحناء وتغسل أدران الضغينة وتزيل بواعث القطيعة وتمتص أي غضب أو توتر قد يحمله الآخر وتبعث الأمل في قلوب من تحتاج إليه.. فكم من الأفراد والعائلات والمجتمعات والشعوب تسامحت مع بعضها بابتسامة واحدة، وكم من زوجة سامحت زوجها ووأدت مشكلة معه بابتسامة صادقة والعكس صحيح.. وكم من صداقات تكونت بابتسامة هي تُشعر الآخرين بالدفء الإنساني ولها رونق جميل.. وكم إنسان اهتدى بمرأى عالم ينفتح على الناس بطلاقة أو مريض ساهمت ابتسامة طيبة ومن حوله بشفائه والتخفيف عنه.

 

وإلى ذلك أشار رسول الله(ص): "البشاشة حِبالة المودَّة".. "سبب المحبة البشر"..

وقال علي(ع): "إن أحسن ما يألف به الناس قلوب أودائهم، ونفوا به الضغن عن قلوب أعدائهم، حسن البشر عند لقائهم، والتفقّد في غيبتهم، والبشاشة بهم عند حضورهم".

وقال(ع): "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فالقوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر".. وقال الإمام الصادق(ع): "تبسم المؤمن في وجه أخيه المؤمن حسنة"..

 

ومع الأسف نجد الكثيرين رغم كل هذه التعاليم من يبخل بها على نفسه وعلى الآخرين..

 

إننا أحوج ما نكون وسط أجواء الصراع والتوترات والأزمات وما أكثرها إلى تلك النفوس الطيبة المعطاءة التي تبث من خلال ابتساماتها بذور التفاؤل والأمل في الحياة لتصبح أجمل رغم قساوة ظروفها وصعوباتها.. فالحياة لا تبنى بزارعي اليأس والقنوط والكآبة والقلق.. فلا تبخل بإشاعة أجواء الأمل والسرور من خلال تلك الابتسامة الصافية المفعمة بالحب والعطف والفرح التي تطل بها على الناس.. أن لا يبخل بها الزوج على زوجته والزوجة على زوجها، والأولاد على أهلهم والأهل على أولادهم.. والتاجر على زبائنه والمدير على موظفيه والمدرس على طلابه والطبيب على مرضاه.. وبالطبع عالم الدين على من يوجههم ويربيهم.. فالابتسامة إن رسمتها لحبيب شعر بالرحمة وإن رسمتها لعدو شعر بالندم وإن رسمتها لمن لا تعرف فتحت قلبه عليك وإن رسمتها لنفسك ازددت ثقة بها وهي باب هداية ومفتاح أمل..

 

البعض تراه عابساً دائماً وحجته في ذلك بأن التبسم ينزل من مكانته ويقوض من هيبته أمام الآخرين.. ويفقده الجدية التي لا بد أن يكون دائماً عليها.. هؤلاء هم واهمون، فالجدية لا تعني أن لا تبتسم ومن أكثر جدية من رسول الله(ص)، وإذا كان البعض يريد عزة من عدم تبسمه فالعزة لا تحصل بإغلاق قلوب الآخرين عليك، والهيبة لا تنال إلا بما عند الله وعند رسول الله(ص).

 

فقد ورد في الحديث: "من أراد عزاً بلا عشيرة وغنىً بلا مال وهيبة بلا سلطان فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته".. ومن طاعة الله أن نقرب الناس إليه.

 

والبعض قد يستند في عيوبه وتقطيب وجهه إلى الحديث الذي يقول: "أمرنا أن نلقي أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة".. وإلى حديث آخر: "من تبسّم في وجه مبتدع فقد أعان على هدم دينه".. وما أكثر الخائنين والمذنبين والمبتدعين..

 

ولكن هذا يرد عليه، بأن هذا الأسلوب قد يكون استثناء ولا يمكن البناء إلا على قاعدة، فقاعدة الدعوة إلى الله هي أن تفتح قلوب الناس على الحق بالكلمة الطيبة والابتسامة الممزوجة بالمحبة وبالأسلوب الذي ينفذ إلى القلوب ويقربها إلى الحق.. ولذا وصفه الله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.. فرسول الله(ص) لم يصل إلى قلوب من وصل إليهم إلا بخلقه العظيم.. قال الله له: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.

 

إذاً أيها الأحبة ليكن المبدأ والمسار هو أن نبتسم دائماً في وجه الآخرين.. أن نبتسم في بيوتنا في شوارعنا، في حديثنا مع الآخرين، وعندما نتعامل معهم وفي كل لقاءاتنا.. وحتى لو كنا يائسين حزينين.. فمن مسؤوليتنا إذا كنا كذلك أن لا نزرع البؤس في قلوب الآخرين.. بل نشيع الأمل في نفوسهم والسرور في قلوبهم.".

 

فالمؤمن يفرح أن سعد الناس ويحزن إن هم حزنوا هو يرى أن الطريق إلى الله يمر بإسعاد الآخرين.. "فالخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله ومن أدخل على أهل بيته سروراً"

 

جعلنا الله سبحانه ممن يدخلون السرور على قلوب الآخرين لا لشيء إلا حباً بإسعاد من حولنا وتخفيف معاناتهم وبعث الحيوية لديهم إنه مجيب الدعاء

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الله موسى بن عمران عندما سأله: "يا رب، أوصني، فقال: أوصيك بي، فقال: يا رب، أوصني، قال: أوصيك بي، ثلاثاً. قال: يا رب، أوصني. قال: أوصيك بأمك. قال: يا رب، أوصني. قال: أوصيك بأمك. قال: يا رب، أوصني. قال: أوصيك بأبيك".

 

إنّ الأمّ هي وصية الله لنا، وقد كرّر تعالى هذه الوصيَّة، حتى يعزّز فينا شكرها وامتناننا ورعايتنا لها واهتمامنا بها، لأنَّ عطاءها لا بدَّ من أن يقدّر، وهي التي حملتنا حيث لا يحمل أحدٌ أحداً، وأعطتنا من ثمرة قلبها حيث لا يعطي أحدٌ أحداً، ووقتنا بجميع جوارحها، وهي بذلك لا تتأفَّف ولا تضجر، بل نراها مستبشرة فرحة، تجوع لتطعمنا، وتعطش لتسقينا، وتهجر النوم، وتضحي لأجلنا، فحقها علينا أن نبادلها جميلها بجميل، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان!؟

 

ولذلك، هنيئاً لكلّ من عبّر عن ذلك في اليوم الَّذي تعارف الناس على أنَّه عيدها، ولكننا لسنا ممن يكتفي بذلك في يوم أو مناسبة، بل لا بدَّ من أن يبقى شكرها وتقديرها وعطاؤنا لها قائماً ما دام فينا نبضٌ من حياة، فحقها علينا كبير، وكلّ ما وصلنا إليه، يعود الفضل فيه إليها. ولذلك، ينبغي أن نحرص على أن ننفذ وصية الله، بالحرص على رضاها وتكريمها، وأن نفعل ذلك بدون تأفّف منا، وأن لا نكلّ عن دعائنا لها بعد كلّ صلاة وفي كلّ وقت، وأن تكون كلمتنا: ربِّ ارحمها كما ربّتني صغيراً، وأن لا ننساها من صالح أعمالنا، إن هي غادرت الحياة، فإن فعلنا ذلك، ستلاحقنا دعواتها وبركاتها التي تخترق حجب السّماء، لنحصل على بركات وعطاءات ربٍّ غفورٍ رحيمٍ كريم، وبذلك نكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، الَّذي تستمرّ فيه حال المراوحة في كلّ الملفات المطروحة، فلم تقرّ الموازنة حتى اليوم، ولم تأخذ سلسلة الرتب والرواتب التي هي حقٌ لا لبس فيه للأساتذة والقطاع العام، طريقها إلى التنفيذ، ولم يجرِ التحضير لأي خطط عملية لتحقيق ما وُعِد به اللبنانيون من كشف مواقع الفساد والهدر الذي يأكل أخضر مال الدولة ويابسها، ولم ينجز القانون الانتخابي الذي هو مفتاح التغيير وبناء الدولة. كل هذا التأجيل لا يحصل بسبب الحاجة إلى مزيد من الدراسة والتعمّق والبحث، للوصول إلى الحلول الفضلى التي تستحق الانتظار، بل بفعل تجاذب القوى السياسية، وتضارب مصالحها، وانتظار التوافقات، التي إن حصلت، فهي غالباً لا تكون لسواد عيون اللبنانيين، بل تحقيقاً لمصالح هذه القوى، وبذلك يصدق القول إن الويل للبنانيين إن اختلفت القوى السياسية وتضاربت مصالحها، والويل لهم إن هم توافقوا.

 

ولذلك، لن نراهن كثيراً على أن تصدر الحلول والقوانين التي ينبغي أن تكون في مصلحة اللبنانيين بشكل طبيعي، بحيث يتسابق من هم في المواقع السياسية على رضا الشعب اللبناني، بل سيبقى رهاننا على قلةٍ منهم لم يمتهنوا السّياسة، ولم يحوّلوها إلى مجدٍ شخصيّ أو ذاتيّ.. وعلى الشّعب الَّذي سنبقى ندعوه إلى تحمّل مسؤولياته ليكون رقيباً ومتابعاً ومحاسباً، أن يرفع صوته في وجه أيّ تقصير أو فساد، وأن لا يستقيل من مسؤولياته، وأن لا يكون، كما يُراد له، عدداً من الأعداد، أو مجرد قطيع.

 

إنَّ شعباً يراقب ويتابع، سيُحسب له حساب، وسيغيّر الكثير من الوقائع. ولذلك، كنا ولا نزال مع أيّ حراك شعبيّ، شرط أن يكون صادقاً وجاداً في أهدافه وغاياته، لا يجيَّر لحساب أحد، ولا يكون وسيلة يتسلق من خلالها من يريد الوصول، أو من يعبث بأمن الوطن.

 

وفي هذا الوقت، تدخل إسرائيل على الخط، ولا تكتفي بتهديداتها للبنان دولةً ومقاومةً، بل تمارس أيضاً الضغوط لإيقاف ما بدأته الدولة اللبنانية من تلزيم بلوكات الغاز والنفط المحاذية لفلسطين، بادّعاء أن هذه البلوكات تعود إلى هذا الكيان، وهي في ذلك لم تكترث بالوثائق التي قدمتها الدولة اللبنانية، والتي تؤكد أنها جزء لا يتجزأ من الساحل اللبناني.

إنّنا أمام ذلك، نقدّر الموقف الرسمي اللبناني الرافض لتهديدات العدو الصهيوني ومزاعمه، ونؤكد الاستمرار في العمل لمواجهته. وهنا، ندعو إلى موقف لبناني موحّد لمواجهة هذا التحدّي الجديد، لأن العدو يستفيد من الظّروف السّياسيّة المستجدّة في السّاحة الدوليّة والإقليميّة، للعبث بثروة لبنان ومقدراته.

إنَّنا نثق بأنَّ اللبنانيين، دولةً وشعباً ومقاومةً، الذين استطاعوا أن يمنعوا العدو الصهيوني من أن يعبث ببرّهم وبحرهم، وإن أمكن بجوِّهم، سيمنعونه مجدداً من أن يعبث بثروتهم النفطية وبمقدراتهم الوطنية.

 

ونبقى في لبنان، لنحيّي الموقف الذي اتخذته الأمينة التنفيذية للإسكوا، ومقرّها لبنان، باستقالتها من الأمانة العامة، رداً على مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة لها بسحب تقريرها الَّذي دانت فيه الكيان الصهيوني وممارساته التعسفية والعنصرية بحق الشعب الفلسطيني.

 

إنَّنا في الوقت الَّذي نثمّن هذا الموقف، نشير إلى الانحياز الَّذي وصلت إليه الأمم المتحدة في تبريرها لممارسات الكيان الصّهيونيّ، في الوقت الّذي يفترض أن تكون عنواناً لمساندة حقوق الشعوب المظلومة والمقهورة، ومنها الشّعب الفلسطينيّ، بدلاً من أن تدعم ظالميه.

 

اعتداء بريطانيا

وإلى بريطانيا، حيث الاعتداء الَّذي قام به أحد المتأثرين بالمنطق الإرهابي لداعش، والّذي أدّى إلى سقوط العديد من الضحايا. إنّنا ندين هذا الاعتداء، ونراه مسيئاً إلى القيم الدينيّة والإنسانيّة، لكونه اعتداءً على النفس التي حرّمها الله، ومساهماً في تعقيد العلاقة الوطيدة التي نريدها بين أبناء هذا البلد والمسلمين فيه، حيث ينعمون بالحرية.

 

إنّ هذا الاعتداء يشوِّه صورة الإسلام، لكون منفّذه مسلماً، من دون أن يعزز موقفاً سياسياً محقاً، أو يلبي لشعوبنا مطلباً عادلاً. وهنا، لا بدَّ من أن ننبّه إلى خطورة المنطق الَّذي يسارع البعض من خلاله إلى إلصاق التهم بالإسلام، أو الإساءة إلى صورة المسلمين، وجعلهم في بوتقة الإرهاب. إنَّ مواجهة ما يجري ينبغي أن يتمَّ من خلال تعزيز الحوار الذي نريده بين الغرب والمسلمين، وتعزيز الفهم المتبادل، والعمل معاً لمواجهة ظاهرة التكفير، وذلك بإزالة أسبابها والفكر الَّذي يتغذّى منها.

 

أول رجب

وأخيراً، نستقبل الأربعاء القادم، أول أيام شهر رجب، وهو شهر سلام روحيّ نريد منه للمسلمين أن يعيشوا في أجواء الذكر والدعاء والاستغفار، وهو شهر سلام فردي واجتماعي، لكونه الشهر الذي أمر الله أن تتوقف فيه النزاعات والحروب والفتن، وما أكثرها في واقعنا!

نسأل الله أن يعين المسلمين على الالتزام به، حتى يئدوا الفتن الّتي يُراد لها أن تعبث بأرضهم وأوطانهم، وتشقّ صفوفهم.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله
التاريخ:25 جمادى الآخرة 1438هـ الموافق:24 آذار 2017م

Leave A Reply