التشريعات الإلهية ليست جامدة بل تحتمل التغيير

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:
 
الخطبة الأولى
 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} صدق الله العظيم…

 

كان المسلمون ومنذ بداية الدعوة الإسلامية يتوجهون في صلاتهم إلى المسجد الأقصى، فقد كان المسجد الأقصى هو قبلة المسلمين الأولى وبقوا على ذلك طوال وجودهم في مكة وعلى مدى سبعة عشر شهراً من وجودهم في المدينة حين نزلت الآية الكريمة على رسول الله(ص) بعد الهجرة، وخلال صلاته في أحد مساجد المدينة والذي يسمى الآن مسجد القبلتين، لتدعوه إلى تغيير القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}..

 

استغل اليهود والمشككون في الإسلام هذا التعبير وراحوا يعيبون على رسول الله(ص) ذلك ويقولون إذا كان الله هو من أصدر حكم القبلة إلى المسجد الأقصى أيعقل أن يغير الله حكمه أو أن يبدل رأيه؟

 

ونزلت عندها الآية القرآنية لترد على هؤلاء وترسي من خلال ذلك قاعدة عامة، وهي أن أحكام الله وتشريعاته قابلة للتغير والتبدل.. فالتشريعات عندما توضع فهي وضعت لمصلحة الناس والناس قد تتغير ظروفهم وتتبدل مصالحهم، فلا يبقى الحكم الذي كان في ظرف على حاله بل هو يتبدل في ظرف آخر بتغير المصلحة…

 

ولذلك قالت الآية: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا…} وهي تؤكد أن الله قد يغير حكماً أو يبدله، ولكنه عندما يغيره أو يحذفه فهو يأتي بمثله أو بخير منه…

 

وقد أوردنا هذا المدخل لنصل إلى خلاصة مفادها أن التشريعات الإلهية ليست كما يعتقد كما يظن الكثيرون للوهلة الأولى جامدة بل فيها مرونة وتحتمل التغيير بحسب ما تقتضيه المصلحة.. نعم هذا التغيير يبقى في حدود التشريعات، فهو لا يمس أسس العقيدة ولا القيم الأخلاقية والإنسانية.

 

هنا يطرح التساؤل الذي يثار حالياً وبقوة هذه الأيام، وهو أننا نفهم حدوث هذا التغيير في الشرائع السابقة، حيث نزلت الشرائع السماوية بشكل متدرج وكانت كل شريعة قد تلغي بعض ما ورد في الشريعة السابقة لضرورات التغيير والتبديل..

 

ولكن هذا لم يرد مع ظهور الإسلام الذي جاء ليكون خاتم الديانات.. فهو الرسالة التي ليس بعدها رسالة وبتبليغها نزلت الآية لتقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً }.. وهل يمكن أن يحدث تغيير في الشريعة أو تجديد فيها، بعد أن أرسى رسول الله(ص)  قاعدة قد يفهم منها عدم جواز أي تغيير "حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة".. وعندها سيقال كيف يمكن للإسلام كدين أن يكون لكل الزمن القادم حيث يشهد العالم تغييرات وتبدلات لا سيما في هذه المرحلة.. ففي كل يوم هناك جديد لا بد أن يكون للإسلام رأي فيه.

 

والجواب عن هذا السؤال بيِّنٌ إن تدبَّرنا القران. فنحن ومن خلال محكم القرآن الكريم نرى تغير الشرائع التي حملها الأنبياء، فهي تغيرت  بظروف الزمان والمكان وتبدّل مصالح الناس، وهذا يوحي أن التغيير وارد في جوانب تشريعية ــ نعم لا يرد هذا في المُحكم قرآنياً أو المتواتر حديثياً الذي ليس فيه قابلية للأخذ والرد في صدوره، أو في فهمه، فهناك من الدين ما هو غير قابل للنقاش والأخذ والرد.. طبعاً للدين في ذلك وجهة نظر ونحن نلتزم بها لإيماننا بالله وبما ورد عنه في القرآن الكريم أو بما جاء به رسوله المصدق.. (طبعاً هناك في هذه الأيام تيار أضحى جل همه التشكيك من دون أي مسوغات منطقية أو علمية فتضحي مواضيع كالحجاب أو تحريم الزنا أو الخمر مواضيع قابلة للتشكيك لا في إطار النقاش العلمي ولكن في إطار الهدم).

 

إذا هناك في الإسلام تشريعات هي قابلة للتغير بفعل تغير الفهم للنصوص عندما يكون الفهم لها بشرياً لا نصاً محكماً أو لكون الظروف التاريخية والثقافية هي التي حكمتها، أو هي بالأساس وجدت لظرف معين أو أنها صدرت كأحكام تدبيرية لها علاقة بكون الرسول حاكماً لا بكونه مشرعاً.. فهذه لا بأس من كونها قابلة للتغيير بتغير الظروف وتبدل المصالح، وإلا لبقيت هذه الشريعة جامدة من دون أن تواكب التغيرات، وباتت معيقة لنمو الحياة وتطورها وسد احتياجاتها المتزايدة..

 

ثمة موقف للإمام علي(ع) يشير بوضوح إلى هذا الجانب وذلك حين سئل الإمام عن قول الرسول(ص) "غيّروا الشيب بالخضاب ولا تشبّهوا باليهود" حيث كان الرسول قد أمر الشيوخ من أصحابه أن يستروا الشيب (عن العدو) بالخضاب ليظهروا أمامه أقوياء فقال(ع) إنما قال(ص) ذلك والدين قل (أي لم ينتشر في الناس ويكثر أتباعه)، "فأما الآن وقد اتسع نطاقه (مساحة الانتشار) وضرب بجِرانه (استراح) فامرؤ وما اختار".

 

وقد أشار الفقهاء إلى عدة من مثل هذه الأحكام في الحديث عن استحباب كثرة النسل.. يذكر الفقهاء أنها كانت مرتبطة بالمراحل الأولى للدعوة الإسلامية حيث كانت هناك حاجة للعدد لمواجهة التحديات، بينما اليوم لم تعد الكثرة العددية واردة.. ومثل آخر يرد هو استحباب تناول الملح قبل الطعام وبعده فهناك من قول إن ذلك يتعلق بالبيئة الشديدة الحرارة التي يحتاج معها الإنسان إلى الملح لتعويض الأملاح الناتجة عن كثرة التعرق أو عند الحديث عن أفضلية زيارة الإمام الحسين(ع) على الحج المستحب، فهذا يرتبط بظروف كانت الحاجة فيها لتعزيز روحية الشهادة والاستشهاد ومواجهة الخلفاء الذين كانوا يمنعون زيارة الإمام الحسين.

 

وبالتالي فإنه لا خلاف على أننا ملزمون بحلال محمد(ص) وكذلك ما حرم، ولكن السؤال هو كيف نستنبط الثابت وما هو من أصل الدين وجوهره من الحلال والحرام وما هو عرضي تتداخل فيه النواحي الاجتماعية أو الظرفية وخاصة أن الأحاديث التي هي مصدر أساسي للتشريع في الأمور الثانوية إنما هي جزء من سياق يجب أن يدرس وكذلك السند.

 

ومن أهمية هنا فتح باب الاجتهاد الجدي والذي جعله الإسلام واجباً على الأمة.. هي لا تقدر على التطور إن لم يتوفر فيها مجتهدون والذين يقع عليهم عاتق إعادة النظر فيما صدر من أفهام للدين، والاستجابة للمستجدات التي تطرأ في العصر.. وهنا يجب أن نؤكد  أن هذا الاجتهاد لا يسعى إلى تغيير التشريع ــ فالشرع شرع الله وليس لنا أن نغيّره أصلا ولكن الفهم للبعض من جوانبه إنما هو فهم بشري في غياب المعصوم والوحي. والمجتهد ــ أيها الأحبة ــ لا ينطلق أو لا يجب أن ينطلق في أحكامه من خلال تقديرات ذاتية في تثبيت أو تغيير ما شاء من الشريعة، والتي هي عبارة عن نصوص ثابتة واردة في الكتاب، ومما صح من السنة النبوية وأحاديث أهل البيت(ع) ولكنه تم من خلال إعمال العقل في التعامل مع النصوص ودراسة سياقاتها، وفي فهم الواقع المعاش.. الذي فيه من  الأمور الكثيرة والمستجدة التي لم ترد بتفاصيلها ولكن يمكن ان تؤخذ من القواعد العامة للتشريع..

 

فالمجتهد دوره أن يستنطق هذه النصوص والتشريعات، فلا يقف عند ما قام به السابقون، بل قد يخالفهم ولكن من منطق علمي يلبي احتياجات الواقع المستجدة، والنصوص الدينية فيها من المرونة (القرآن يجري مجرى الشمس والقمر) ما يجعل المجتهد قادراً على أن يستخرج منها أفهاماً وأحكاماً مختلفة تستوعب متغيرات الظروف وقابلة للتكيف مع متطلبات أي عصر.

 

نعم تتأثر نتائج الاجتهاد في استخراج الأحكام لدى الفقهاء، كأي علم من العلوم، بقدرات المجتهد التحليلية وإمكاناته الفكرية وبانفتاحه وسعة أفقه وبفهمه العميق للواقع.. فهناك من الفقهاء من ارتقوا بالفقه مثلا وجعلوه مواكباً للحياة وملبياً لمصالح الناس.. وهناك من جمد الشريعة وأوجد شرخاً بين الإنسان المعاصر والإسلام.. وهنا دور المكلفين والمجتمع أن يأخذ اجتهاداته ممن يحسن فهم النصوص ووعيها وتطبيقها ويستجيب للقواعد الإسلامية التي دعت إلى عدم الأخذ بما يخالف العقل القطعي أو العلم الثابت أو بما لا يخل بمقاصد الشريعة وأهدافها..

 

وتبقى مشكلة أن ما واجه وما يواجهه الاجتهاد الفاعل هو الحساسية المفرطة من أي رأي تجديدي، وهذا ما واجهه الفقهاء المجددون والذين يلاقون مقاومة من التيار الديني السائد الذي بقي أسير ألفة مع ما هو قديم من الآراء والأحكام التي أصبحت عندهم بمثابة مسلمات دينية وتتعامل معها كحقائق بحيث من يخالفها يعتبر مبتدعاً في الدين، حتى بتنا نجد من المجتهدين في الفقه أو العقيدة أو في التاريخ لا يعلنون آراءهم خوفاً من الجو العام والسائد.. وهذه مشكلة عانى منها حتى كبار العلماء.. وهي ليست كذلك فكم من الأحكام التي تتصل مثلا بالمرأة والدور الذي يمكن أن تلعبه في المجتمع قد تغيرت، أو التي تتصل بالنظرة إلى طهارة الإنسان، أو العلاقة مع أهل الكتاب أو مع غير المسلمين أو بالدولة.. ولا زال الكثيرون يسارعون إلى أخذ موقف سلبي من أي حكم شرعي غير مألوف لديهم، وقد يعود السبب في ذلك  إلى الخوف من الوقوع في البدعة كما يدّعون إذا افترضنا حسن النية، أو مجاراة الشعبويين، واللعب على وتر الغرائز من جانب أخر.

وفي ذلك مخالفة عن قصد أو عن غير قصد للدور والمسؤولية التي حملوا إياها إذ تصدوا للإجتهاد والإفتاء.

 

أيها الأحبة:

حديث التغيير حديث قد يكون متخصصاً بجانب من جوانبه ولكن ما يهمنا أن تتواجد ثقافة التغيير بين الناس وان يكون مطلبآً من مطالبها  بحيث يسعى الفقهاء الى الاجتهاد دوما ولا تتوقف هذه الحركة العلمية أبداً  وأمامنا عمل دؤوب للاجتهاد ومساحة للبحث  واسعة  خاصة في أبواب المعاملات والسياسة والاقتصاد والاجتماع وغيرها..

 

ما يهمنا  اليوم هو أن نتأمل الواقع الإسلامي من حولنا إذ أننا أحوج ما نكون في هذه المرحلة إلى إعادة الاعتبار لصورة الإسلام، إلى إعادة الثقة به بعدما سعى الكثيرون لتشويه هذه الصورة انطلاقاً من فهمهم القاصر للإسلام وخلطهم بين صلابة هذا الدين وروعته منطقا وروحية وروحانية وبين التطبيق الذي إنما هو نتاج تقصير الإنسان وقصوره.. وهذا لن يتم الا بالعمل الجاد والدؤوب على المستوى البحث العلمي في الشأن الديني وما يتعلق به الذي هدفه تبليغ رسالة الله وبالجرأة والشجاعة في ذلك.

{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً}.

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بالاقتداء برسول الله(ص)، عندما وصل مشركو قريش إلى باب الغار الذي كان يختبئ فيه مع صاحبه الذي كان معه خلال هجرته من مكة إلى المدينة. والكل يعرف أن قريش عندما علمت بهجرة الرسول(ص)، أرسلت رجالها للبحث عنه وإعادته إلى مكة، ولكنه لم يخف ولم يرتعب حين وصلوا. وهذه الآية الكريمة تعبّر عن حاله: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

 

علينا أن نستهدي برسول الله(ص) ونحن نستعيد ذكرى هجرته التي بدأت مع بداية هذا الشَّهر؛ شهر ربيع الأول، بأن نعزز في أنفسنا الإحساس بوجود الله، عندما تواجهنا الصعوبات والتحديات والأزمات، وأن نثق بأنه قادر على أن يغيِّر حالنا، مهما كان هذا الحال، فلا يعتقدن أحد أن الله يخيب ظن إنسان يثق به حقّ الثقة، أو يخيب ظنّه، أو يخذله، أو يدعه يواجه مصيره لوحده، إذا رأى منه الصدق في ذلك.. فقد وعد عباده بذلك، وهو خير من يعد، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}. علينا أن نتّكل على الله، ونثق به، وليكن دعاؤنا: "اللهم من أمسى وأصبح وله ثقة ورجاء غيرك، فإني أمسيت وأصبحت وأنت ثقتي ورجائي في الأمور كلها". ومتى حصل ذلك، فإننا لن نكون وحدنا في الحياة، بل سيكون الله معنا، وعندها لن يهزمنا أحد، وسنواجه التحديات..

 

لبنان

والبداية من لبنان، الذي يستمر فيه الكباش السياسي بين المواقع السياسية على توزيع المقاعد والحصص داخل الحكومة، حيث يسعى كل فريق من خلال ذلك إلى تحسين موقعه، وتثبيت حضوره داخل طائفته أو في العلاقة مع الطوائف الأخرى، من دون أن يكون هناك استعداد لدى أيّ فريق للتنازل أو إيجاد مخارج في هذه المرحلة، ما يجعل البلد مجدداً ساحة تجاذب وصراع، في وقت هو أحوج ما يكون إلى أجواء التوافق والاستقرار، ولكن، مع الأسف، أدمنت القوى السياسية شدّ الحبال فيما بينها.

 

إنّنا نخشى، وانطلاقاً من مسار تأليف الحكومة، أن نكون في صدد بناء حكومة تناقضات ومناكفات وكيديات، والوطن لا يُبنى بذلك، فبناؤه يتم عندما يخرج الجميع من حساباتهم الخاصة إلى الحسابات العامة، ومن حسابات الطوائف إلى حساب الوطن.

إننا نجدد دعوة كل القوى السياسية إلى أن يرأفوا بإنسان هذا البلد، وألا يزيدوا يأسه يأساً وإحباطه إحباطاً، وإلى الإسراع في تأليف حكومة تستوعب كل المكونات، وتستثمر نفوذها في سبيل العمل لأجل الوطن وإنسانه..

 

في هذا الوقت، يبرز إلى الواجهة مجدداً الحديث عن قانون الستين، كخيار للانتخابات النيابية القادمة، وهناك من يرى أنه السبب الوحيد لتأخير تشكيل الحكومة، أو لعدم التوافق حتى الآن في المجلس النيابي على قانون انتخابي موحد، رغم تنصّل الجميع منه، واعتبارهم أنه قد مات، ولم يعد قابلاً للحياة، وإن كنا دائماً نقول إنَّ ما يعلنه الكثير من المواقع السياسية، ليس هو حقيقة ما يفكرون فيه ويعدّون له.

 

إننا نرى في إعادة تعويم هذا القانون صفعة للعهد الجديد الذي جاء حاملاً عناوين الإصلاح والتغيير إلى اللبنانيين، وخيبة لآمال الناس الذين يتطلعون إلى قانون عصري يساهم في تغيير المشهد اللبناني، ويؤدي إلى نقلة حقيقية في العمل السياسي اللبناني.

 

كما أنّنا نرى في هذا الطّرح تعزيزاً للمقولات الَّتي تتحدَّث عن أنّ أحد أسباب تأخير الحكومة، هو تهيئة الجو لإعادة السير بقانون الستين. ومن هنا، ندعو كل الحريصين على قانون انتخابي عصري إلى الإسراع في تأليف حكومة، لتتفرغ للعمل على قانون عصري جديد، ولا سيما أن هذا الأمر مطلب كل اللبنانيين وكل الحريصين على هذا البلد.

 

وفي ظل كل هذا الواقع القاتم، يستمر الجيش والقوى الأمنية اللبنانية في أداء الدور الملقى على عاتقهم، بأن يكونوا العين الساهرة على حماية لبنان من الخلايا الإرهابية والعابثين بأمنه، وكل من يريد له أن يكون ساحة لتصفية الحسابات، أو لإعادة الصراع الطائفي والمذهبي إليه.

 

ونحن في الوقت الّذي نثمّن إنجازات الجيش والقوى الأمنية، نتمنى أن نرى هذه الجدية والمثابرة في المشهد السياسي، كما هي في المشهد الأمني.. حيث تستمر معاناة اللبنانيين في كلِّ شيء، إذ لا زالوا ينتظرون من العهد الجديد أن يعبر عن آمالهم في التغيير وفي الوفاء بالعهود التي أطلقها لحل القضايا الاجتماعية، من ماء وكهرباء وصحة وغيرها، وأن لا يتكرر لديهم المشهد الذي يعانونه عند كل شتاء، حين تطوف الشوارع والمنازل، حتى لا يكون الشتاء الذي هو مصدر خير وبركة، مصدر خوف وقلق لديهم.

 

لن نحمّل العهد الجديد كل أزمات الماضي، ولكن نخشى عليه، كما خشينا على كل العهود السابقة، التي أطلقت أحلاماً على مستوى الوطن، ثم عادت إلى حساباتها الخاصة أو حسابات طوائفها.

 

سوريا

وإلى سوريا، حيث تستمرّ معاناة المدنيين في القتل وتدمير البيوت والتهجير، مما تنقله الصور والمشاهد، في ظل اشتداد الصراع الذي استهدف منذ البداية إسقاط دور هذا البلد الريادي، وتحويله إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية، أو التنفيس عن الأحقاد والضغائن، أو تقاسم النفوذ بين المحاور الدولية والإقليمية.

 

ونحن في هذا المجال، نرفع الصوت عالياً لحماية المدنيين، لكننا لا ندعو إلى ذلك على طريقة الذين يحولون الأزمة إلى مادة للاستثمار السياسي، بل نحرص على توفير كلّ الطرق لحل سياسيّ يضمن لكل سوريا الوحدة والاستقرار، ويبعد عنها كلّ الذين يريدون أن يعبثوا بأمنها واستقرارها.

 

رحيل كاسترو

وأخيراً، ودّع العالم شخصيةً وزعيماً كان له حضوره في عدة ميادين، وهو الرئيس الكوبي السابق، فيديل كاسترو. ونحن على الرغم من اختلافنا الفكريّ والدينيّ معه، فإننا لا نقدر إلا أن نثمّن دوره في قضايا التحرّر، ولا سيما القضية الفلسطينية، وفي تقديمه أنموذجاً في مواجهة الهيمنة والغطرسة التي أُريد لكوبا أن تخضع لها، وقد تحمّل في ذلك محاولات الاغتيال العديدة، والحصار الذي فرض على بلاده، واستطاع أن يقدم نموذجاً في قدرة الدول والشعوب على تحقيق حريتها واستقلالها، وفرض نفسها كأمر واقع إن قررت ذلك.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ :  3ربيع الأول 1438هـ الموافق :2 كانون الأول 2016م
 
 

Leave A Reply