التضليل الإعلامي ينتج وعيا معلبا

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

 

الخطبة الأولى 

 

في إطار حديث القرآن عن قصة النبي موسى أشار الى رجل منافق من اعيان اليهود واسمه السامري حيث يذكر انه وبعد خروج بني إسرائيل مع نبيهم موسى إلى سيناء هربا من سلطة فرعون، ذهب موسى إلى ميقات ربّه لتسلّم ألواح التوراة. وكان من المقرّر أن يغيب ثلاثين يوماً، وشاء الله أن يجعلها اربعين. عندها قرّر السامري استغلال الامر وأن يثير القلق والشكوك عند قومه: لماذا تأخّر موسى. هل أضاع الطريق. هل مات؟

وانتقل إلى خطوة أخرى. أقنع النساء بالتخلي عن ذهب كان معهن، صهر الذهب ولأنّه ماهر في الصياغة، فقد شكّل منه عجلاً له منافذ، إن دخلها الهواء أرسل العجل صوتاً كالخوار؟

وبدأت الأسئلة: ما هذا يا سامري؟ إنّه إله موسى. موسى ذهب إلى ميقات ربّه، وربّه هنا. وراح يدعو الناس للتنصت ليلا وسماع خوار العجل حتى فتنهم وظنوا ان هذا العجل إله موسى، وتطوّرت اللعبة إلى ردّة حقيقية، برع السامري في أدائها والنتيجة: تراجع حقيقي عن دين موسى، والانخراط في ضلالة السامري….

كان السامري على بيّنة من أمره، ويعرف ما يريد، فمشروعه واضح أمامه: أن يُضلّل عقول بني إسرائيل بإعادتهم إلى عبادة العجل، وقد نجح في ذلك، بالرغم من وجود هارون اخي النبي موسى. استخلفه عليهم خلال غيابه، لكنه لم يتمكن من منع حدوث ذلك.

لم يكن السامري ساحراً، لكنّه كان كذلك حين لجأ إلى أسلوب التضليل للسيطرة على عقول أبناء قومه، ولأنّه منافق فقد كان يُتقن فنّ طمس الحقائق، فمع التضليل إن نجح تجري الأكاذيب مجرى الحقائق. وهذا ما فعله السامري، وبذلك قاد قومه إلى حيث يريد لهم أن يكونوا.

صحيح أنّ إبليس هو أوّل من أسّس هذا الأسلوب في فن السيطرة على العقول وتسييرها، لكنّ السامري كان أقدم نموذج معروف يضلّل مجتمعاً بمعطيات كاذبة، ويُقنعه بأنّها حقيقة لا غبار عليها. لقد كان السامري يمارس بشكل آو بآخر، ما نُسمّيه اليوم بالتضليل الاعلامي.

أيها الأحبة.

قديماً، كانت الجيوش تزحف من بلد إلى بلد، لتفرض إرادة هذا الحاكم أو ذاك، ومنذ أن صار للخبر والمعلومة أجنحة بات الاستعمار ممكناً بأسلحة ناعمة، من خلال استعمار رؤوس الناس وأفكارهم. ومع تحوّل الاعلام إلى تجارة وفن، لبس التضليل الاعلامي قفازات حريرية، وبات استعمار الرؤوس مشروعاً سهلاً، وأمراً ممكناً وحتى مبررا …

– إنّ الاعلام ليس كلّه نشرات أخبار، وتحقيقات وتحليلات ومقابلات فكرية، وثقافية واقتصادية ورياضية وسياسية، بل هناك حزمة أخرى، من المواد التي تُلحظ، إذا كان المطلوب انتاج خطاب له أهداف تضليلية.

– هنا تتحوّل غرفة اعداد المادة الاعلامية إلى مطبخ فعلي، والعاملون إلى طباخين، بحيث تصبح نشرة الأخبار، أو الحديث عن الشاعر الفلاني مسألة ثانوية، والمسألة المهمّة دسّ بهارات التحريض المذهبي، بين ثنايا النشرة. وحتى ان بعض المعارك او الثورات تدار بالفعل من غرف التحرير والواقع شاهد على ذلك.

– والتضليل الاعلامي ليس مجرد أكاذيب يجري نشرها. هو فنّ، وعلم، ليس بمتناول أي كان. له أساتذته، وكهّانه ومعدّوه، وانتاج طبخاته حسب الأذواق والمناسبات والظروف ويصل الى المستمعين بكل سلاسة.

ويمكن تعريف التضليل الاعلامي ببساطة أنّه عملية بثّ ونشر معلومات، هي خليط من الحقائق والأكاذيب، لتوجيه اهتمامات الناس باتجاه معين، والتأثير في خياراتهم وقراراتهم. وقد يستعمل التهويل والتخويف لزعزعة الثقة، أو التخلي عن خيار أو موقف.

ـ إنّ التضليل الاعلامي ايها الأحبة، يحاصرنا في السياسة، والثقافة، والاقتصاد، والتربية، وفي علاقاتنا الاجتماعية. ويُحاصرنا أكثر في مدارسنا، وأسواقنا، وواجهات محالنا التجارية، وفي معاملنا ومتاجرنا ومصانعنا.

– ومشروع التضليل الاعلامي يطل من على الشاشات ليشرك الشباب والشابات في لعبته. يحدّثهم عن الحرية مثلاً، عن آمالهم وطموحاتهم، ثمّ يمرّر جرعات تدعو إلى التمرّد على التقاليد والعائلة، والأعراف، وحتّى قيود الدين إن أمكن، وربّما دعم كلّ هذا بإحصاءات ودراسات وارقام تبدو بريئة.

هذا باختصار بعض الملامح من معاناتنا مع التضليل الاعلامي، والهدف دائماً أن ينتج وعياً معلباً، وحرف اهتمامات شبابنا عن دورهم، من خلال ترويج برامج ترفيه تافهة او مثيرة للغرائز. فمثل هذا الاعلام يحوّل الإنسان إلى عبد مسخّر له، يأخذه إلى حيث يريد، ويرسم له شخصيته، ومستقبله وأحلامه، وذوقه، ورأيه في السياسة، والأخلاق، والفن والثقافة، ويحدّد له ما يأكل وما يلبس وبما يؤمن، وربّما من ينتخب، ومع من يمكن أن يتحالف او يؤيد او يعارض هي عملية غسل دماغ، لا يحتاج معها الذين يتقنون لغتها الى ان يذهبوا الى الناس بل الناس تذهب إليهم وبكبسة زر.

ايها الأحبة

إنّ مواجهة التضليل الاعلامي، بإشاعاته ودعاياته، وما يبثّه من أخبار وتحليلات، هو من صلب مسؤولية كلّ انسان والمؤمن بشكل خاص، شرط توافر الوعي والقدرة على تفكيك الرسالة الموجهة، ورصد ما فيها من السموم.

– هل بإمكان أي إنسان أن يتجنّب الوقوع في براثن التضليل؟

نعم، وأوّل خطوة في تفكيك لغم الرسالة هو التدقيق في المصدر من هي الجهة التي اصدرت الخبر او المعلومة-إنّ الثقة المطلقة بالمصدر الواحد للمعلومة هو البداية للوقوع في مأزق غسل الدماغ. والحل البحث عن مصادر أخرى لإجراء المقارنة.

عندما نتعوّد طرح الأسئلة، والتفتيش عن المستفيد في نشر هذه الإشاعة، أو هذا الخبر، وما هي مصلحته، وأي هدف يريد الوصول إليه. كلّ هذا يقوّي من عضلاتنا النقدية، فلا نتلقى الخبر أو الرسالة كأنّها أمر منزل.

والامر الثاني هو النظر إلى مضمونها من موقع العقل الناقد.والنظر في الأسباب لا إلى النتائج.

– إنّ الأخذ من مائدة الاعلام الوجبة جاهزة، والكثير والكثير منّا بات مصاباً بعسر في رؤية ما بعد الخبر والتحليل. من دون التمحيص في مكوّناتها يعني أنّنا نوليه كلّ ثقتنا، وأنّنا بتنا نراه كأنه معصوم من الخطأ والزلل والكذب والتضليل. والحكمة تقول أن نعيد النظر في هذا الموقف، بإعادة عقولنا إلى مكانها وتحريك عضلاتها والنظر إلى الاعلام نظرة نقد وتشكيك، وليس النظر إليه كمصدر للحقيقة المطلقة.

هذا وقد حرص القرآن الكريم على توعية المسلمين وتكوين حسّ سياسي واعلامي لديهم، يتقن أساليب المواجهة والوقاية لصيانة الرأي العام الاسلامي، وتحصينه من التأثّر بكلّ أشكال التضليل الاعلامي من إشاعات وترويج أكاذيب، كان يبثّها المنافقون والخصوم، داخل المجتمع الاسلامي، لذلك أرسى القرآن الحكيم قاعدتين أساسيتين للتعامل مع التضليل الاعلامي، والرسائل الاعلامية المشبوهة، التي يسوّقها العدو.

– القاعدة الأولى ضرورة تبيّن أي خبر ينقله فاسق، أو يروّجه، عملاً بالآية الآتية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}

لهذا يقول الرسول (ص):” قولوا في الفاجر ما فيه ليحذره الناس". وهذا تدبير وقائي، والوقاية خير من قنطار علاج لمحاصرة مثل هذه المنافذ للتضليل.

أمّا القاعدة الثانية للتعامل مع الإشاعة والأكاذيب التي يروّجها الاعلام المضلل، فيحدّدها القرآن بالآية الآتية التي نزلت في المنافقين الذين كانوا يشيعون اخبارا كاذبة عن الحروب لاضعاف معنويات المسلمين: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ …} (النساء: ٨٣).

..ايها الاحبة

بعدما أصبح الاعلام جزءا من المعركة حتى بات يذكر ان الاعلام يحسم نصف المعركة وفي بعض الحالات أكثر. لهذا لا يمكن لنا ان نترك للاعلام المضلل ان يجدنا ارضا خصبة له، المطلوب ان نحبط خططه الاعلامية وبالعزم نفسه وبالارادة لاحباط خططه العسكرية وذلك يحتاج منا الى ان نشعر بالمسؤولية عملا بقوله تعالى: {ان السمع والبصر والفؤاد كان عنه مسؤولا} {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}

فهلا سمعنا ووعينا وهل اسمعنا وتثبتنا وهلا سمعنا وتريّثنا

اللهم واجعلنا ممن {. يستمعون القول فيتبعون أحسنه. .} لا أسوأه ولا أخسره. وأعنا على أنفسنا كما تعين به الصالحين على أنفسهم. والحمدلله رب العالمين.

 

 

الخطبة الثانية :

 

عباد الله، {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. ومن التقوى الأخذ بهذا الحديث المروي عن الإمام جعفر الصادق(ع): "عجبت لمن ابتلي بخمس كيف يغفل عن خمس، عجبت لمن ابتلي بالضر كيف يذهب عنه أن يقول {مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}، والله تعالى يقول {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ}، وعجبت لمن بلي بالغم كيف يذهب عنه أن يقول {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، والله تعالى يقول {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}، وعجبت لمن خاف شيئاً كيف يذهب عنه أن يقول {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، والله تعالى يقول {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ}، وعجبت لمن مُكر به كيف يذهب عنه أن يقول {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}، والله تعالى يقول {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا}، وعجبت لمن أنعم الله عليه بنعمة خاف زوالها كيف يذهب عنه أن يقول {مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}، والله تعالى يقول {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}".

أيها الأحبة، في ظلّ كل الظروف الصعبة التي تواجهنا، والمخاوف التي تعصف بنا، وعند كل غم وهم وضر يصيبنا، علينا أن لا ننسى أن هناك رباً رحيماً ودوداً عطوفاً، يكفيه منا أن نتوجه إليه من أعماق قلوبنا، حتى نجده حاضراً يكشف عنا كل غم وكرب.

 وعند ذلك، لن نشعر بأن الحياة من حولنا قاتمة سوداء، بل سنشعر بأنها رحبة برحابة الله، ومنيرة بنوره، وسنستطيع أن نواجه كل التحديات، ولا سيما تلك التي تواجه العالم العربي والإسلامي، الذي لا يزال يعاني الفتن التي تأخذ طابعاً مذهبياً تارةً، وطابعاً سياسياً وعائلياً وعشائرياً تارةً أخرى، وهي تتغذى من أجواء الجهل والتخلف، ومنطق التكفير والإلغاء، والتوترات والانفعالات والحساسيات، ما يجعل هذا العالم أسير الاستنزاف الذي يبدد ثرواته وقواه البشرية ومواقع القوة فيه، بعيداً من التنمية ومواجهة الأعداء الحقيقيين.

إننا في الوقت الذي ندعو كل القوى الفاعلة للقيام بمسؤولياتها، ورأب الصدع الموجود في جسد الأمة، وحل الإشكالات الحاصلة داخل بلدانها، والوقوف بكل قوة وصرامة في وجه الذين يرفضون منطق الحلول، انطلاقاً من قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}، ننظر بإيجابية وتقدير إلى كل المبادرات التي تمت وتتم، ونتمنى تفعيلها، ومنها اللقاءات التي جرت بين تركيا وإيران والعراق، وبين إيران وعدد من دول الخليج، ونريد لهذه المبادرات الاستمرار، لتساهم في إعادة العلاقات بين هذه الدول، وإزالة المخاوف والهواجس التي زرعت فيما بينها، وتصويب البوصلة باتجاه مواجهة العدو الأساسي إسرائيل، والتصدي لمشروعه التهويدي الذي لا يكل ولا يمل، والوقوف في وجه المشاريع التي تريد تقسيم المنطقة على أساس مذهبي وطائفي وعرقي.

وفي هذا المجال، ندعو مجدداً كل مكونات الشعب السوري إلى تلقف أية فرصة تساهم في إيقاف نزيف الدم، حتى لو لم تلب كل طموحاته، والابتعاد عن الشروط والشروط المضادة، فقد جرب الجميع، وطوال السنوات الثلاث الماضية، الاحتكام إلى لغة السلاح، ولكنها لم تنتج إلا خراباً، ودماراً، ودماء، وجرحى، ومعوقين، وإساءة إلى صورة إنسان هذا البلد، الذي لم نعرفه إلا وحدوياً ومقاوماً ومتسامحاً.

وهنا، نأمل من كل الدول المؤثرة في هذا الملف، ولا سيما الدول العربية، أن يكون دورها إطفائياً، لا أن تصب الزيت على النار المشتعلة دوماً، فقد آن للشعب السوري الذي تزداد معاناته يوماً بعد يوم في الداخل والخارج، أن يرتاح.

أما العراق، فإننا نتمنى أن تجتمع كل مكونات الشعب فيه حول طاولة الحوار، بعدما بات أسير التفجيرات الوحشية والقتل على الهوية الطائفية، والذي يتغذى من حالة الانقسام الداخلي الذي يؤمن الحاضنة لكل الذين يريدون استمرار نزيف الدم فيه. ومن هنا، نشدد على ضرورة العمل لتوحيد الشعب العراقي، فبالوحدة يمكن لهذا الشعب أن يتخلص من آلامه ومعاناته.

وهذا الحوار هو ما نريده للبحرين أيضاً، حيث لا تزال سياسة السجن والاعتقال وقمع التظاهرات على حالها، بدلاً من النظر بجدية إلى حاجات الشعب ومطالبه في الحرية والعدالة والعيش الكريم، وهو أيضاً ما نريده لمصر وليبيا وتونس واليمن وغيرها من البلدان.

ونصل إلى لبنان؛ هذا البلد الذي يعيش أهله معاناة يومية، نتيجة الخوف المستمر من التفجيرات أو الاغتيالات، وليس آخرها اغتيال أحد قادة المقاومة الإسلامية الشهيد حسان اللقيس، والمعارك التي نخشى أن تكون صفحتها لم تطو بعد، واستشراء الفساد الإداري، والواقع الاقتصادي الصعب، وعدم انتظام عمل المؤسسات، والشلل الذي تعانيه، والذي تجلى فيما حصل للبنانيين بعد أول زخة مطر، ما يبيّن حجم التردي الذي وصلت إليه مؤسسات الدولة والبلديات.

إننا نقول لكل المسؤولين: ألا يستدعي هذا الواقع منكم التواصل والتلاقي والحوار، لتدارس كيفية الخروج من هذه المعاناة، بدلاً من ترك الأمور على حالها حتى انتهاء ملفات المنطقة، والتي لن تقاربها الحلول سريعاً؟ لا تقبلوا بأن يكون البلد صندوق بريد، أو المكان الذي تتنفس فيه الصراعات الإقليمية والدولية.

إننا نعيد التشديد على ضرورة تأليف حكومة تعالج المشكلات الاقتصادية والأمنية والسياسية، وتهيئ المناخ لانتخابات نيابية ورئاسية، وإن كنا نخشى أن هذا الأمر مؤجل إلى أجل غير مسمى.

أيها المسؤولون، هذه المرحلة حساسة جداً، والنار الطائفية والمذهبية التي يلعب بها الكثيرون، لن تقف عند حدود مثيريها، بل ستطاول الجميع {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}.

إن هذا البلد أمانة في أعناقكم جميعاً، فلا تشرعوه على الرياح الآتية من كل حدب وصوب، ولا تبقوه في متاهات الفراغ القاتل، فتذهب الإنجازات التي بذلت لأجلها الدماء والجهود هباء.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 3 صفر 1435هـ الموافق :6  كانون الاول 2013م

 

 

 

 

 

Leave A Reply