حاضر في الجامعة الأميركية للثقافة والتعليم، فضل الله: للشباب اللبناني دوره في مواجهة المأزق الوطني الراهن

أكد العلامة السيد علي فضل الله على دور الشباب في رفض كل انحراف وفساد سياسي مشدداً أتن يكون لهم موقفهم في مواجهة المأزق الكبير الذي يعيشه الوطن…

 

جاء ذلك في محاضرة لسماحته في الجامعة الأميركية للثقافة والتعليم-فرع الحدث-تحت عنوان:"دور الشباب إزاء التحديات الراهنة"

 

بعد تعريف من مديرة فرع الجامعة في الحدت الدكتورة عبير زهوي تلاه النشيد الوطني ثم كلمة ترحيبية من رئيس الجامعة الأميركية للثقافة والتعليم الدكتور عبد المجيد عبد الغني ألقى سماحته  كلمته التي جاء فيها: نلتقي في رحابِ هذا الصَّرحِ العلميِّ، حيثُ الحديثُ هو حديثُ العلمِ الَّذي يهدفُ إلى الوصولِ إلى الحقيقةِ البعيدةِ عنْ أيةِ حساباتٍ ذاتيةٍ أو اعتباراتٍ خاصةٍ. ونحنُ دائماً بحاجةٍ إلى استهداءِ العلمِ، للنظرِ في قضايا أساسيةٍ، تتعلقُ بتحدياتِ هذهِ المرحلةِ، وهي الأخطرُ، حيث يمرُّ العالمُ العربيُّ والإسلاميُّ بأصعبِ مراحلِه، حيث تضجُّ فيه الفتنُ والصّراعاتُ والمؤامراتُ التي نخشى آثارَها وتداعياتِها.. ولا بدَّ من العملِ لمواجهتِها.

 

 ورأى سماحته أن دور الشباب ـ كبيرٌ في مواجهةِ هذا المأزقِ الكبيرِ الذي يعيشُه الوطن، وهو في العمقِ ليس مأزقاً سياسياً، بل هو مأزقٌ وطنيٌ، صنعته هذهِ الطبقةُ السياسيةُ التي أرادت، حرصاً على مصالحِها الضيقة، سجنَ هذا الوطنِ وتطلعاتِ مواطنيه في سجونِ الصراعاتِ الطائفيةِ والمذهبيةِ، لتحسينِ حصةِ هذا الزعيمِ أو ذاك، ولو على حسابِ هذا النزيفِ المستمرِ في الاقتصادِ والسياسةِ والأمن ِوالاجتماعِ، الَّذي باتَ يهدّدُ بانهيارِ البلدِ.. وأنا أحذّر منْ هذا الانهيارِ، حيثُ ينحدرُ البلدُ إلى أسفلِ الدرك، فيما الدولُ التي تحترمُ نفسَها منهمكةٌ في تعزيزِ وحدةِ أوطانِها في مواجهةِ رياحِ التفتيتِ التي تهبُ من كلِّ جانب، ومشغولةٌ بالمشاريعِ التنمويةِ، وتطويرِ مناهجِ التعليم والتعلّم، وحجزِ مكانٍ يليقُ بها في مجالاتِ التطورِ التقنيِ والتكنولوجي، والسعيِ إلى توسيعِ دائرةِ التفاعلِ والتبادلِ مع العالم…

 

وفي ضوءِ ذلك، فإننا، إذا أردنا أن ننظرَ إلى واقعِ المشكلةِ في هذا البلدِ، نجدُ أنَّ أزمتَه في كونِه لم يبنَ بعد ليكونَ وطناً، فهو عبارةٌ عنْ تجمّعٍ لطوائفَ ومذاهبَ، وهيَ بالطبعِ ستتصارعُ عندما تتضاربُ مصالحُها، ويجدُ كلٌّ منها في هذا العالم منْ يقوي له موقعَه ويزيدُ من حضورِه الداخلي، وهذا الخللُ في التعايشِ الذي يحدثُ، لم يكن سببُه دينياً أبداً، فالدينُ بعيدٌ كلّ البعدِ عنْ ذلك.. وعلى العكسِ من ذلك، فإنّ الدين يدعو إلى أن تكونَ المحبةُ للآخرين، لا لجماعتِك فقط، وخصوصاً أنه جاءَ رحمةً للآخرين..

 

أضاف:  فالحربُ التي حصلَت في لبنانَ، لم تكنْ بسببِ صراعٍ إسلاميٍ مسيحيٍ بالمعنى الدينيِ، ولا هيَ حربٌ سنيةٌ وشيعيةٌ، حتى يأتيَ البعضُ ليقولَ: الدينُ هو المشكلةُ، أخرجوه منَ الحياةِ، فأينما وجدَ الدين، وجدَت التوتراتُ والصراعاتُ، فالصراعُ كانَ دائماً سياسياً،  وصراعُ دولٍ استقوَتْ بها الطوائفُ، ومهدَتْ لها ليكونَ صراعُها على أرضِ هذا الوطن، والطائفيةُ ليسَتْ ديناً، إنما هي تجمعٌ قبليٌ عشائريٌ، يأخذُ الدينَ كعنوانٍ، ولكنَّه لا يتحرَّكُ على أساسِه.

 

نعم، يُستخدمُ الدّينُ في الصراعِ السياسيِ، ويُستفادُ منه لكونِ المجتمعاتِ متديّنةً، ولكونِ لغةِ الدينِ هي الأكثرَ قدرةً على الإثارةِ وتجييشِ الجماهيرِ. ففي الماضي، استُخدمَ أسلوبُ تخويفِ المسيحيينَ منَ المسلمينَ وبالعكسِ. واليومَ، يتكرَّرُ الحديثُ عن تصاعدِ المدِّ السنّيِ أو التمدّدِ الشيعيِ، أو خروجِ الماردِ الشيعيِ أو السنيِ من قمقمِه، فيما الواقعُ غيرُ ذلكَ. هناك صراعٌ بينَ محاورَ سياسيةٍ لها امتداداتُها الإقليميةُ والدوليةُ، ويريدُ كلٌّ منها أنْ يثبتَ موقعَه، منْ خلالِ إثارةِ الخوفِ والهواجسِ التي تواكبُها إثاراتٌ عقائديةٌ وتاريخيةٌ وفقهيةٌ وغيرُ ذلك، فيما الدينُ بقيمِه ومبادئِه، بعيدٌ عنْ ذلكَ كلِّه. وهذا هوَ ما نجدُه في لبنانَ والمنطقةِ.

 

وقال: ولا نريدُ للشَّبابِ الذينَ هم دائماً قوةُ رفضٍ لكلِ انحرافٍ وفسادٍ سياسيٍ، والَّذينَ قامَتْ على أكتافِهم كلُ حركةِ خيرٍ، وكلُ دعوةٍ لاحترامِ قيمِ الرسالاتِ السماويةِ ودعواتِ التغييرِ، أنْ يكتفوا بوضعِ اللومِ على الطبقةِ السياسيةِ، أو الطبقةِ الدينيةِ، أو ضغوطِ الخارجِ، رغمَ أنَّ ذلكَ قد يكونُ واقعياً في كثيرٍ منَ المجالاتِ، ولكنْ منْ مسؤوليتِهم أنْ يعملوا على دراسةِ الوسائلِ التي تعيدُ إنتاجَ اللحمةِ فيما بينَهم، وتعزيزَ القواسمِ المشتركةِ، والتواصلَ والحوارَ الهادئَ والعقلانيَ لمصلحةِ الوطنِ، لا لمصلحةِ هذهِ الطائفةِ أو تلك، كما يجري في الحواراتِ السياسيةِ السائدةِ، وحتى في بعضِ اللقاءاتِ الدينيةِ الشكليةِ.

 

وفي ظلِّ وجودِ مظاهرِ التقسيمِ التي تشهدُها الأحياءُ والمناطقُ، حيثُ باتَ الخوفُ المتبادلُ يحكمُ حياةَ اللبنانيينَ، ويؤدي إلى الفرزِ بينهم، فبتنا نرى مناطقَ إسلاميّةً، وأخرى مسيحيّةً، وأخرى درزيةً وعلويّةً، بحيثُ لم يعدْ أحدٌ يشعرُ بالأمانِ إلا في ظلِّ طائفتِهِ أو مذهبِه أو موقعِه السياسيِ.. هنا يبرزُ الدورُ الكبيرُ للجامعةِ، لكونِها محضناً للشبابِ الواعي المنفتحِ على العلمِ وعلى الأفقِ الواسعِ، وما جرى وما يجري في التاريخِ والواقعِ، مما ينبغي أخذُ العبرةِ منه.. طبعاً، هذا لا يعني إلغاءَ الأدوارِ الأخرى، سواءٌ للإعلامِ أو مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِ، وحتى للمساجدِ والكنائسِ.
 

إنَّنا نريدُ للجامعةِ أنْ تكونَ ساحةً مفتوحةً يعبّرُ فيها الجميعُ عن أفكارِهم وتطلعاتِهم، وأن تكونَ ساحةً للحوارِ الحضاريِّ حولَ كلِّ القضايا الخلافيةِ، وأن لا تجترَّ الانقساماتِ الطائفيةَ والمذهبيةَ، بحيثُ يتقوقعُ طلابُ كلِّ طائفةٍ ومذهبٍ في دائرةٍ خاصةٍ.
 

وشدد على أننا نريدُ للطالبِ الجامعيِّ أن لا ينغلقَ على نفسِه، أو أنْ يعملَ لمنعِ الآخرينَ منَ التعبيرِ عنْ وجودِهم. فهذا الانغلاقُ لا يرفعُ الجامعةَ، بل يقوّضُها، ولا يخدمُ الأهدافَ الساميةَ للدينِ وللرسالاتِ السماويةِ وللأفكارِ الإنسانيةِ، بل يبقيها في واقعٍ منَ العزلةِ، ويجعلُها حبيسةَ سجنِ الذاتِ؛ الذاتِ المذهبيةِ والذاتِ الحزبيةِ وما إلى ذلك، فيما المطلوبُ هو الانفتاحُ على الآخرِ، ذلك أنَّ خدمةَ الفكرِ الذي تحملُه، أو الهويةِ التي تتنسبُ إليها، قد لا تتمُ إلا عندما تطرحُ فكرَك بإيجابيةٍ، من خلالِ الحوارِ والتفاعلِ، ومنْ خلالِ اعتمادِ لغةِ العقلِ والعلمِ، أي أنْ تعبرَ عنْ نفسِك بأدواتِ الجامعةِ ولغتِها وأساليبِها وتنوعِها.
 

Leave A Reply