دعوةُ الرَّسولِ المسلمينَ إلى المودَّةِ في القُربى
قال الله سبحانه: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى: 23]. صدق الله العظيم.
إعلانٌ مِنَ الرّسولِ (ص)
نزلت هذه الآية على رسول الله (ص)، لتدعوه أن يعلن للمسلمين أنَّ الأجر الذي يريده منهم جزاء ما قام به تجاههم، عندما أخرجهم من ظلمات الجهل والتخلف والتشرذم والتفرق، وإلى أن أصبحوا أمَّة هي خيرٌ أمَّة أخرجت للناس، أنّ الأجر هو المودَّة في القربى.
إنَّ هذا الإعلان يدعو إلى التَّساؤل: أيعقل أن يدعو اللهُ رسولَه (ص) إلى أن يخضع للحسابات العائليَّة والعشائريَّة، فيدعو النَّاس إلى أن يودّوا أقرباءه، فقط لأنهم أقرباؤه، وحتى لو كانوا على غير ما يدعو إليه.
وهو في ذلك لا ينسجم مع دعوته الَّتي حملت الآيات التي تدعوه أن يتبرَّأ من عمِّه أبي لهب، وهو عمّه، لأنَّه على الشِّرك، فيما دعاه أن يقرِّب كلَّ الناس إليه ما داموا يحملون رسالته ويعيشون معانيها، والتي عبَّر عنها عندما قال: “سلمان منَّا أهل البيت”.. وسلمان الفارسي هو من بلاد فارس.
وفي ذلك قوله سبحانه: {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ}[المجادلة: 22]. وكان (ص) يقول: “لا يمحض رجلٌ الإيمان بالله، حتَّى يكون الله أحبَّ إليه من نفسه وأبيه وأمّه وماله ومن النَّاس كلّهم”.
مَن المقصودُ بالقربى؟!
لقد أجاب رسول الله (ص) عن هذا التَّساؤل، عندما أشار إلى أصحابه أنَّ المقصود من ذوي القربى ليسوا كلّ أقربائه، بل فئة خاصَّة منهم، حيث ورد أنَّه جاء الناس إليه وقالوا: يا رسول الله، مَن قرابتك؟ ومَن هؤلاء الذين أمرنا الله عزَّ وجلَّ بمودَّتهم؟ فقال (ص): “عليّ وفاطمة والحسن والحسين”، قالها ثلاثاً.
فالنبيّ (ص)، إذاً، لم يكن يدعو النَّاس إلى مودَّة أقربائه، كلّ أقربائه، بل أولئك الَّذين تميَّزوا بصفات أهَّلتهم لأن يستحقّوا أن يودّهم النَّاس، وهي صفات العلم والحلم والتواضع وحسن الخلق والبذل والعطاء والتضحية والفداء، والّذين اصطفاهم الله بأن طهَّرهم من الرّجس، وفيهم نزلت الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب: 33]، وكانوا صمَّام أمان من الوقوع في الفتن والضَّلال، فهم من قال عنهم رسول الله (ص): “إنّي تارك فيكم ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً؛ كتاب الله، وعترتي أهل بيتي”.
فالله سبحانه أراد من رسوله في هذه الآية أن يعلن للنَّاس أنَّ شكره (ص) وتقديره يكون بأن يودّوا هؤلاء الأصفياء الأطهار الَّذين استودعهم أمانة عندهم؛ أمانة الإسلام، وأنّهم بمودَّتهم لن يتيهوا ولن يضلّوا ولن يتفرَّقوا، وسيبقى هذا الدّين على صفائه ونقائه.
واجبٌ لا خيار
إذاً، أيُّها الأحبَّة، نحن مدعوّون إلى ما دعا إليه رسول الله (ص) من المودَّة لذي القربى، والَّتي لم يردها الله عزَّ وجلَّ خياراً لنا، بل فريضةً وواجباً، فلا يمكن لإنسانٍ أن ينتمي إلى رسول الله (ص) وأن يكون مسلماً ولا يحمل المودَّة لهؤلاء. والطَّريق إلى المودَّة وسبل الوصول لا يقف عند حدود إبداء العواطف والمشاعر تجاههم، بأن نقيم على اسمهم الأفراح والمآتم والزيارات والمآدب، بل بأن نحبّهم حبّ الإسلام الَّذي لأجله عاشوا وقدَّموا التضحيات ودفعوا أغلى الأثمان: “أحبّونا حبّ الإسلام”، وقد عبَّر عن ذلك الإمام الباقر (ع)، عندما قال: “أيكفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبِّنا أهل البيت؟! فوالله ما شيعتنا إلَّا من اتَّقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون إلَّا بالتَّواضع والتخشّع والأمانة والبرّ بالوالدين، والتَّعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث، وكفّ الألسن عن النّاس إلَّا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء”، “حسب الرَّجل أن يقول: أُحبّ علياً وأتولّاه، ثم لا يكون مع ذلك فعَّالاً؟ فلو قال إنّي أُحبّ رسول الله، فرسول الله (ص) خير من عليّ (ع)، ثم لا يتّبع سيرته ولا يعمل بسنّته، ما نفعه حبّه إيّاه شيئاً”، “والله ما معنا من الله براءة، ولا بيننا وبين الله قرابة، ولا لنا على الله حجَّة، ولا نتقرَّب إلى الله إلَّا بالطَّاعة، فمن كان منكم مطيعاً لله تنفعه ولايتنا، ومن كان منكم عاصياً لله لم تنفعه ولايتنا. ويحكم لا تغترّوا!، ويحكم لا تغترّوا”.
وفي حديثٍ آخرَ له (ع): “إنَّما شيعتنا المتباذلون في ولايتنا، المتحابّون في مودَّتنا، المتزاورون في إحياء أمرنا، الَّذين إذا غضبوا لم يظلموا، وإن رضوا لم يسرفوا، بركة على من جاوروا، وسلم لمن خالطوا”.
فأهل البيت (ع) ما كانوا يريدون للنَّاس أن يرتبطوا بأشخاصهم، أو أن يحبّوهم لذواتهم، بل أرادوا لهم أن يرتبطوا بمبادئهم وسلوكهم وعبادتهم وجهادهم وحسن أخلاقهم.
لذلك، عندما جاء رجل إلى الإمام الحسين (ع) وقال له: أريد أن أكون من شيعتكم، قال له: “إن كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعاً فقد صدقت، وإن كنت بخلاف ذلك، فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من أهلها، لا تقل لنا: أنا من شيعتكم، ولكن قل: أنا من مواليكم ومحبّيكم ومعادي أعدائكم، وأنت في خير وإلى خير”.
المودَّةُ للحسين (ع)
وهذه المودَّة هي ما ينبغي أن نعبِّر عنها في هذه الأيَّام في إحيائنا لذكرى عاشوراء، فتعبيرنا عن هذه المودّة للحسين (ع) ولكلِّ الذين كانوا معه، لا تقف عند حضورنا للمجالس وذرف الدّموع ولطم الصّدور وإقامة المآدب والمضائف، رغم أهميَّة ذلك، ولكن ينبغي في الأساس أن نكون معنيّين بالأهداف الَّتي لأجلها بذلت كلّ التَّضحيات، بأن نكون في موقع الإصلاح لواقعنا؛ إن على الصَّعيد الفردي أو الاجتماعي أو العائلي أو السياسي… أن لا نساوم ونجامل على حساب الحقّ والعدل، وأن لا نعطي كما لم يعط (ع) إعطاء الذَّليل، ولا نقرّ إقرار العبيد، أن نرى الموت سعادة، إن اقتضى الموقف منَّا أن نبذل أنفسنا في سبيل الله.
أن نودَّ الحسين (ع)، هو أن نكون الآمرين بالمعروف والنَّاهين عن المنكر، والسَّاعين إلى الإصلاح ومواجهة الفساد والاستئثار بالمال العام، وأن نكون مع الحقِّ والعدل، مهما بذلنا من تضحياتٍ ودفعنا لأجله الأثمان، أن نكون الصَّادقين كصدق أصحاب الحسين الَّذين كانوا معه في كربلاء، وأوفياء كوفائهم، عندما لم يتخلّوا عن الحسين (ع)، رغم أنَّه أجاز لهم في ليلة العاشر من محرَّم أن يتفرَّقوا في سواد اللَّيل، ويذروه وحده ليبارز القوم، لكونهم لا يريدون غيره، فكان الصَّوت فيهم واحداً: لا أرانا الله ذلك أبداً، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، نقاتل معك حتى نرد موردك، وكانوا مصداق الآية: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}[الأحزاب: 23].
أيُّها الأحبَّة: إنَّ الانتماء إلى أهل البيت (ع) وإلى منطقهم، لن يحصل إلَّا عندما نلتزمهم قولاً وفعلاً وسلوكاً، ونكون في مقدَّم الناس في الإيمان والعلم والحلم والتَّواضع والصدق والتضحية بالغالي والنّفيس من أجل عزّة الأمّة وكرامتها وعنفوانها وحضورها.
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الخطبة الثّانية
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بوصيَّة الإمام الحسين (ع) الَّتي أودعها عند أخيه محمَّد بن الحنفيَّة قبل أن يغادر المدينة إلى كربلاء، وجاء فيها: “إنَّ الحسين يشهدُ أنْ لا إله إلا الله، وَحدَهُ لا شريك له، وأنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه، جَاء بالحقِّ من عنده، وأنَّ الجنَّة حَقٌّ، والنَّار حَقٌّ، والسَّاعة آتيةٌ لا ريب فيها، وأنَّ الله يبعثُ من في القبور، وإنِّي لم أخرج أشِراً ولا بَطِراً، ولا مُفسِداً ولا ظَالِماً، وإنَّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمَّة جَدِّي (ص)، أريدُ أنْ آمُرَ بالمعروفِ وأنْهَى عنِ المنكر، وأسيرَ بِسيرَةِ جَدِّي، وأبي عليّ بن أبي طَالِب، فَمَنْ قَبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقِّ، ومن ردَّ عليَّ هذا، أصْبِرُ حتى يقضيَ اللهُ بيني وبين القوم، وهو خَيرُ الحاكِمين. وهذه وصيّتي يا أخي إليك، وما توفيقي إلَّا بالله، عليه توكّلت وإليه أنيب”.
لم تكن وصيَّة الإمام الحسين (ع) موجّهة إلى الَّذين كانوا في عصره، هو لم يحدَّها بذلك، بل أراد لها أن تمتدّ إلى كلِّ عصر. لذلك هي وصيَّة لنا، يدعونا فيها إلى أن لا ندع الفساد والظّلم والانحراف، بكلِّ عناوينه وأشكاله، ينخر واقعنا ويستشري ونسكت عليه، بل أن نكون من الآمرين بالمعروف والنَّاهين عن المنكر، لا نداري ولا نجامل، ولا نهادن الفاسدين والظالمين والمنحرفين، مهما بلغت الأثمان وغلت التضحيات.
وبذلك نعبِّر عن إخلاصنا للحسين (ع) ولكلِّ الدماء التي سالت في كربلاء، وبذلك تسهم ذكرى عاشوراء في كلِّ سنة بتغيير واقعنا، ونصبح أقوى وأكثر قدرةً على مواجهة التحدّيات.
مراوحةٌ وجمود
والبداية من لبنان، حيث يستمرّ الواقع السياسي على حاله من المراوحة، من دون أن تبدو في الأفق أيّ بوادر لحلّ أزمة الاستحقاق الرئاسي، بعدما بات واضحاً أن لا رغبة لأيّ من الفرقاء السياسيّين بالتنازل عن خياره، بل قد يكون أكثر تشبّثاً فيه، فيما الخارج الَّذي كان يراهن عليه بعد الاجتماع الَّذي صدر أخيراً في الدوحة للّجنة الخماسيَّة، لا يبدو أنَّ لديه رغبة بالحلّ، أو حتى بتهيئة الظروف له، من خلال ما كان يتمّ الحديث عنه برعايته لحوارٍ بين اللّبنانيين، فهو اكتفى بدعوتهم إلى أن يتدبَّروا أمرهم، بل قد تكون التَّصريحات والمواقف الَّتي صدرت تسهم في جعل كلِّ فريق يتشبَّث بقراره.
إنَّنا أمام ما يجري، نعيد دعوة الأفرقاء السياسيِّين إلى أن يبادروا بالقيام بمسؤوليَّتهم، فلا ينتظروا أن يأتي هذا الوفد أو ذاك من الخارج، بعدما أصبح واضحاً أنَّ الخارج ليس مستعجلاً، وأنَّ لبنان ليس من أولويَّاته، كما بات واضحاً أنَّ الحلَّ لن يتمَّ إلَّا بالحوار الَّذي نراه هو الكفيل بإزالة الهواجس والمخاوف من طرح هذا الخيار أو ذاك، وبالتوصل إلى توافق على رئيس يحظى بقبول الجميع.
ولقد خبرنا جميعاً تأثير التَّداعيات التي أدَّى إليها هذا الفراغ على الصَّعيد المعيشي والحياتي للّبنانيّين، والذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وتزداد معاناة اللّبنانيّين معه، كالذي نشهده على صعيد تأمين الدّواء والاستشفاء، أو حصول الأهل على مقاعد الدراسة لأولادهم، للكلفة الباهظة التي باتت تفرض عليهم، أو للفراغ الذي يوشك أن يحصل، إن على صعيد قيادة الجيش، وانعكاس ذلك على الصَّعيد الأمني، على خلفيَّة الدَّور الذي يقوم به الجيش في حماية السِّلم الأهلي أو الحدود، أو على صعيد حاكميَّة المصرف المركزي، والَّذي سيترك آثاره على الانتظام النقدي، أو على سعر صرف الدّولار، بعدما أبدى نواب الحاكم عدم رغبتهم بتحمّل هذه المسؤوليَّة في الظروف الحاليَّة، إلَّا بشروط قد لا تكون واقعيَّة في هذه المرحلة أو غير قابلة للتَّحقيق.
ونحن هنا، ندعو، وعلى الصَّعيد النقدي والمالي، إلى القيام بكلِّ الخطوات التي توقف سياسات الهدر على صعيد الخزينة، والتي لم تتوقَّف طوال السنوات الماضية، والتي تحدَّث عنها بوضوح القائمون على إدارة هذا النَّقد، وجرت بالشَّراكة مع قوى سياسيَّة، والتي أدَّت إلى المسِّ بمصالح اللّبنانيّين وبمكتسباتهم وودائعهم، وفاقمت من ارتفاع سعر صرف الدولار.
أزمةُ المودعين مجدَّداً
في هذا الوقت، تعود أزمة المودعين إلى الواجهة، بعد سلسلة اقتحامات جرت لعدد من البنوك، بعدما شعر المودعون باليأس من المطالبة بحقوقهم بالوسائل السلميَّة، وبات السبيل الوحيد أمامهم هو العنف.
فنحن وإن كنَّا لا نحبِّذ هذا الأسلوب، لا نستطيع في الوقت نفسه أن ندين من يرى أنَّ أمواله وجنى عمره أمامه ولا يستطيع الوصول إليها، ويرى البنوك تزداد أرباحها يوماً بعد يوم، فيما هو لا يستطيع أن يؤمِّن حاجاته الضروريَّة. ومن هنا، ندعو أصحاب البنوك، ومعهم الدولة المعنيَّة بمواطنيها، إلى الإسراع بمعالجة هذا الأمر، والعمل على ردِّ الأمانات التي ائتمنوا عليها إلى أصحابها.
ظاهرةُ الفلتانِ الأمنيّ
ونبقى عند ظاهرة الفلتان الأمني التي باتت تتنقل من منطقة إلى أخرى، والَّتي شهدنا في الأسبوع الماضي مظهراً من مظاهرها في مناطق من المفترض أن تكون أكثر أمناً وأماناً، والّتي أعادت اللّبنانيّين إلى أيام ماضية اعتقدوا أنها لن تعود، وهم لا يريدون العودة إليها، ما يدعو إلى استنفار كلِّ الجهود لمواجهة هذا الفلتان ومنع تكراره واستمراره، وهو لن يحصل إلا بتعاون القوى النَّافذة على الأرض مع الدَّولة وأجهزتها، ورفع أيِّ غطاء عن المخلّين بالأمن، وبهذا التعاون يمكن للأجهزة الأمنيَّة أن تقوم بدورها في معالجة هذه الظّواهر.
استنكارُ الإساءةِ إلى القرآن
ونبقى عند الإساءة المتكرّرة الّتي تعرَّض لها القرآن الكريم، والتي – مع الأسف – تأتي بموافقة الحكومة السويديَّة، وهي في ذلك بدت غير آبهة بالإدانات الَّتي حصلت سابقاً، ولا بالدعوات التي وُجِّهت إليها بالتراجع عن هذه الخطوة الَّتي مسَّت بمشاعر المسلمين وكلِّ الذين يعرفون مكانة القرآن الكريم.
ومن المؤسف فعلاً أنَّ هناك من يتعمَّد الإساءة إلى القرآن ومحاولة الحطّ من شأنه، وهو الذي منح قداسةً لكرامة الإنسان وحريّته، والذي يتميَّز في دعوته للتَّواصل بين الشعوب والأديان والثقافات، وإشاعة الرحمة والعفو الإحسان حتى إلى المسيئين، واعتماد الحوار لمعالجة الاختلافات والمشكلات، باعتماد الحجَّة والدَّليل والكلمة الأحسن، والهادف إلى بسط السَّلام على الأرض على قاعدة العدل والبرّ بالآخرين، والرافض لاستخدام العنف إلَّا لردّ العدوان، والحريص على عدم المسّ بمقدَّسات الآخرين، والذي يكاد لا يماثله كتاب أو دعوة أو فكر في الارتقاء بالقيم الإنسانيَّة والأخلاقيَّة كما ارتقى هو بها.
إنَّنا في الوقت الَّذي نرى في هذا الفعل المستنكَر إساءة إلى مشاعر مواطنيهم من المسلمين والعالم الإسلامي بأجمعه، وتعزيزاً للاتجاهات العنصريَّة، وتعكيراً لمناخ السَّلام بين الشعوب، وتعطيلاً للتَّواصل والحوار، نقف مع الأصوات الَّتي تدعو إلى موقف إسلاميٍّ موحَّد وحاسم لمواجهة هذه الإهانة ومنع تكرارها مجدَّداً في هذا البلد أو غيره، في الوقت الَّذي نطالب الأمم المتَّحدة باتخاذ قرارٍ يجرِّمُ الدولَ والجهاتِ والأفرادَ الَّذين يسيئونَ إلى كرامةِ الأديانِ ومقدَّساتها.