في لقاءٍ مع جمعيّاتٍ ألمانيَّةٍ مدنيَّةٍ في برلين فضل الله: نرفض التعصّب والعنصريَّة ونقدِّر الدول التي تحترم كرامة الإنسان ودينه

عقد سماحة العلَّامة السيِّد علي فضل الله لقاءً مع جمعيات مدنية ألمانية منضوية تحت مظلة “برلينر بلاتفورم”، حضره جمع من أبناء الجاليات العربية والإسلامية، وذلك في مركز الحسنين في العاصمة الألمانية برلين.

في بداية الكلمة، عبَّر سماحته عن سعادته بوجوده في ألمانيا، هذا البلد الذي يحمل في داخله كل التنوعات الدينية والثقافية، وحيث الكلّ يجد فسحة الحريَّة والأمن والسَّلام الَّتي يتحرَّك فيها ويعبِّر فيها عن مطالبه وتطلّعاته، ولذلك أدعو دائماً إلى ضرورة احترام هذا البلد وتقديره، لاحتضانه كلّ الذين جاؤوا من بلادهم نتيجة المعاناة، ووجدوا فيه الكرامة والاحترام.

وقال: إنَّ من واجب هؤلاء أن يكونوا مواطنين صالحين يسهمون في بناء هذا البلد، لا أن يكونوا غرباء همّهم الحصول على الجنسيَّة من دون الإسهام في بنائه. ولذلك ندعوهم دائماً إلى الاندماج، فنحن كمسلمين، ومهما كانت أوضاعنا ومواقعنا، ليس في نفوسنا عقدة من الآخر، أيّاً كانت جنسيَّته أو دينه أو قوميَّته أو ثقافته، فالإنسان الآخر إن لم يكن أخاً لك في الدّين، كما يقول أمير المؤمنين عليّ (ع)، فهو أخ لك في الإنسانيَّة، وكذلك نظرتنا إلى الأوطان والبلدان الأخرى، فنحن أبعد النَّاس من التعصب الوطني أو القومي أو العرقي، حتى إننا في طريقة عيشنا في الأوطان التي انتشرنا فيها، نشعر بالانتماء إليها وبواجب الالتزام بقوانينها، ما دمنا نعيش في مناخ سياسي واجتماعي يحفظ كرامة الإنسان، ويحترم ثقافته ودينه وإيمانه، ونحن في هذا المجال، نهتدي بالحديث النبويّ القائل: “ليس بلد أولى بك من بلد، خير البلاد ما حملك”.

وأضاف سماحته: من هذا المنطلق، أنا أحمل من بلدي لبنان كلَّ المحبة والتقدير لهذا البلد، والرسالة التي أحملها وأعمل لها في لبنان، حيث التنوعات الدينية والثقافية والسياسية، هي نفسها التي أحملها ونعمل لها في هذا البلد، وفي كل البلدان، وهي تعزيز لغة التواصل والحوار، التي نرى أنها السَّبيل الوحيد لمعرفة بعضنا لبعض، واكتشاف الكثير من القيم والروابط الإنسانية التي تجمعنا، لتكون العلاقة بيننا قائمة على الصراحة التامَّة والتواصل المستمرّ والتفاهم المتبادل، التي تؤسّس لتفاعل إنساني عميق يمنحنا الحافز لتعاون فعليّ على كلّ ما يخدم الإنسان وينفع الإنسانية.

وأضاف سماحته: وإلى جانب هذه الرسالة المتواصلة والحوارية الَّتي أمرنا الله بأدائها، ثمة رسالة مماثلة نعمل لها في الوقت نفسه، ونراها تحمل القيمة نفسها في الميزان الإنساني، هي خدمة الإنسان على المستوى الاجتماعي والحياتي بهدف الحفاظ على كرامته وإنسانيَّته، وذلك بمساعدة الأيتام والفقراء والضعفاء والمسنّين الَّذين لا مأوى لهم، وأنا في ذلك أتحرَّك بوحيٍ من إيماني الّذي يأمرني بتحمل هذه المسؤوليَّة. وأنا لا أنطلق في هذا المجال من إيماني الإسلاميّ فحسب، بل إيماني بكلّ الرسالات السماويَّة والأنبياء الذين جاؤوا من أجل مساعدة الإنسان، وهذه هي قيمة الأديان، ولذا فإنّ مؤسَّساتنا مفتوحة للجميع، وفي خدمة الجميع. وهذا ما نستلهمه من الله الذي يتدفَّق خيره على كل مخلوقاته، عندما تشرق شمسه كلَّ يوم لتنير كل هذا العالم، وعندما ينزل المطر التي تملأ بركاته كلَّ هذه الأرض وتفيض خيراته على الجميع.

وأردف سماحته: إنَّنا في ضوء هذا الأفق، نعمل على مدّ جسور التواصل بين الأديان وبين الثقافات، فإن الأديان جاءت لتتكامل فيما بينها، في ظلّ ما يجمعنا من مبادئ إيمانية وأخلاقية وإنسانية، ولنهتدي بها لصناعة عالم أكثر عدلاً وسلاماً.

وركَّز سماحته على أنَّنا من دعاة الحوار الدائم الَّذي ينبغي أن يكون القاعدة التي ننطلق منها في بحث القضايا والمشكلات، والتوصل إلى نظرات مشتركة أو إزالة سوء الفهم تجاهها، مشدّدين على اعتبار الإنسان هو القيمة العليا في هذا الوجود، لذا فإنّ كلَّ الذين يرفضون الآخر ويسيئون إليه من دعاة العنصريَّة والتطرّف الوطني والتعصب القومي، إنما يسيؤون إلى الدين وقيمه، وإلى الإنسانيَّة ومبادئها، وإلى كل المعتقدات التي نؤمن بها. أمَّا مع من نختلف معهم، فلا نأخذ موقف العداء منهم، بل نسعى لمعالجته بالحوار، لأنَّ ما ننشده في رسالتنا هو السَّلام للعالم، السَّلام ليس فقط مع الإنسانيَّة، بل السَّلام مع كلّ مخلوقات الله، والسَّلام مع كلّ ما يحتويه هذا العالم من كائنات حيَّة وجامدة.

وقال سماحته: هذه هي رسالتنا، وهذا هو ما نحمله من مبادئ وتطلّعات، فتعالوا لنلتقي على قيم الرحمة والإنسانيَّة، ونترك كل النزاعات التي تأكل أخضر هذا العالم ويابسه.

أخيراً، شكر سماحته للمنظّمين إتاحة هذه الفرصة له، معتبراً أنّ السّاحة مفتوحة في هذا البلد من أجل الحوار والتعاون والتلاقي، وللعمل من أجل تعزيز القيم الأخلاقية والإنسانية.