مِنْ دروسِ قصَّةِ المباهلة: احترامُ الآخرِ وتعزيزُ الحوار

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[آل عمران: 60 -61]. صدق الله العظيم.

في الرابع والعشرين من شهر ذي الحجّة، وفي السنة التاسعة للهجرة، كانت المباهلة الَّتي أشار إليها الله سبحانه في الآية الكريمة التي تلوناها، والَّتي حصلت بين نصارى نجران ورسول الله (ص)…

قصَّة المباهلة

ونحن سنتوقَّف عند هذا الحدث لأهميَّته، ولنأخذ منه الدروس والعبر لحياتنا.

فقد ورد  في السيرة النبوية، أنّ رسول الله (ص) كتب كتاباً إلى أسقف نجران أبي حارثة، يدعوه فيه إلى القدوم إلى المدينة المنورة للحوار، وذلك تنفيذاً لما أمره الله عزّ وجلّ ، والذي ورد في قوله: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا الله وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ}[آل عمران: 64[.

لبَّى أسقف نجران دعوة رسول الله (ص)، وأرسل لذلك وفداً كبيراً مؤلَّفاً من ستّين شخصاً من كبار نجران وعلمائهم، فاستقبلهم رسول الله (ص) في مسجده في المدينة حيث كان يستقبل الوفود.

وعند الموعد المحدَّد للّقاء، ابتدأ رسول الله (ص) حديثه، فأشار إلى أنَّ الرسالة التي جاء بها لم تأت من فراغ، بل هي تتمَّة لما جاء به السيّد المسيح (ع)، واستكمالاً لكلّ الرسالات السماوية، وأنه يدعو إلى الإيمان بكلّ الأنبياء وبما جاؤوا به، وأنه لا يفرق بينهم، وهذا ما دعا إليه الله عزّ وجلّ المسلمين: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[البقرة: 136.[

عندها قال له رئيس الوفد، لكنك لا تقول ما نقول في السيد المسيح، فأنت تقول إنه بشر، فيما نرى أن له صفات الألوهية، فقال له رسول الله (ص)، أنا أقول فيه ما قاله هو عن نفسه: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُوَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً}[مريم: 30 – 31]… فردَّ عليه رئيس الوفد: إذا كان ما تقوله في السيِّد المسيح بأنَّه عبد الله وأنَّه بشر، فكيف يولد بشر من دون أب، فتلا عليه رسول الله (ص) قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[آل عمران: 59]. فلو أنَّ ولادته من دون أب تستوجب أن يكون إلهاً أو ابناً لله، فآدم أولى بذلك.

هنا قال رئيس الوفد: إذا كان هذا القول حقاً، فكيف أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص؛ فهل يستطيع بشر أن يفعل مثل ذلك؟ فقال رسول الله (ص)، إنَّ ما جرى من السيد المسيح هو معاجز لإظهار نبوَّته، وهي حصلت مع الأنبياء قبله، فلكلِّ نبيّ معجزة، وهي تحصل بمشيئة الله وبإذنه، وهذا ما أشار الله إليه عزّ وجلّ: {وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ الله وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ الله وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران: 49]، فهي جعلت على يديه بإذن الله سبحانه، وبناءً لأمره.

عندها قال رئيس الوفد: لكنَّك لا تقول في السيد المسيح إنَّه صلب، فإذا لم يكن قد صُلب، فمن الّذي صُلب إذاً؟ فقال له النبيّ (ص): أنا أقول ما أخبرني به الله عزّ وجلّ المطَّلع على الأمور، والأقدر على تبيان الحقيقة: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ}، فهو لم يصلب، ومن صلب غيره، وقد تراءى لمن أرادوا صلبه أنَّه صلب، ولم يكن ذلك حقيقة، فيما رفعه الله عزّ وجلّ وحماه منهم، وذلك قوله: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ}[النساء: 157 – 158]…

وطال النقاش، ووفد نصارى نجران يسأل، والرَّسول (ص) يقدِّم لهم البراهين الدالَّة والشَّواهد الثّابتة. ولما لم ينتهِ الحوار إلى نتيجة، دعاهم إلى ما دعاه الله إليه، وهو المباهلة. وهي تحصل عندما لا يصل المتحاورون إلى نتيجة، ويبقى كلّ على رأيه.. عندها يتداعى كلّ منهم أن يأتي بأبنائه ونسائه، ثمّ يدعون الله أن يطرد من رحمته الجاحد للحقّ المنكر له بعد معرفته به.

 عندها، ذهب وفد نصارى نجران يتداولون في ما بينهم بما يصنعون، وكيف يواجهون هذا الأمر، فقال رئيس الوفد: قد جاءكم الرّجل بالفصل من أمره وأمركم، فانظروا بمن يباهلكم، فإن باهلنا بالكثرة، وهذا صنع الملوك، باهلناه، وإن أتانا بنفرٍ قليلٍ من أهل بيته خاصَّة، كما هي سجيّةُ الأنبياء، فلا نُباهله.

وفي الصباح، وبينما كانت الجموع تصطفّ، إذ برسول الله (ص) قد قدم إلى المباهلة، وهو يحتضن الحسين (ع)، وآخذاً بيد الحسن (ع)، وخلفه عليّ (ع) وفاطمة (ع).

تقدّم النبيّ (ص) إلى حيث نصارى نجران، وهو يقول لهم: “إذا دعوتُ فأمِّنُوا”.

لما رأى نصارى نجران أنَّ هؤلاء الأربعة، وهم أهل بيته، هم من سيباهلُ بهم الرَّسول (ص)، قرّروا، كما اتّفقوا، أن لا يدخلوا في المباهلة، وأن يجروا اتفاقاً مع رسول الله تعهَّدوا فيه أن لا يسيئوا إلى النظام، وأن يخضعوا للقرارات التي تصدر عن الدولة الإسلامية بقيادة رسول الله (ص)، فيما ضمن لهم رسول الله (ص) حريَّة التعبير عن دينهم، وأن لا يتدخل في شؤون كنيستهم، ويدافع عنهم إن حصل عليهم أيّ اعتداء، وأن لا يُظلَموا في حقوقهم، وأن يُعاملوا كمواطنين لهم كّ الحقوق والواجبات، على أن يدفعوا الضريبة أسوةً بالمسلمين الَّذين يدفعون ضريبة الزكاة والخمس.

دروسٌ مستفادةٌ

أيُّها الأحبَّة: لقد جاءت هذه الحادثة لتظهر أموراً عدة؛ أوّلاً، أشارت إلى نوعية العلاقة التي بناها الإسلام مع أتباع الديانة المسيحية، فهو بناها على المحبة والاحترام المتبادل، وعلى الجدال بالتي هي أحسن، وفي ذلك قوله: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى}[المائدة: 82].

وتذكر السّيرة في ذلك أنَّ نصارى نجران عندما قدموا إلى المدينة، لم يعترض رسول الله (ص) ولا المسلمون على وضعهم صلباناً، رغم الموقف الإسلامي من صلب السيِّد المسيح (ع). وتعبيراً عن احترام شعائرهم وممارساتهم العباديَّة، أتاح النبي لهم أن يقيموا صلاتهم في مسجده، وأن يدقّوا النواقيس فيه، وعلى مرأى المسلمين.

ثانياً، إنَّ المباهلة – بمقاصدها – يمكن اعتمادها كأسلوب لتسوية العلاقة بين المختلفين، فعندما لا يصل الحوار بينهم إلى نتيجة، ويبقى كلٌّ على موقفه، يُرجع الأمر إلى الله عزّ وجلّ، وهو أسلوب يساعد على التخفيف من التوتّر، ويحلّ الأمور بالتي هي أحسن.. ولذلك، لا يقف مثل هذا الحلّ عند حدود ما جرى في ذلك اليوم، بل هو تشريع يمكن أن يحدث في كلِّ وقت يحتدم فيه الخلاف ولا يصل إلى نتيجة.

وإذا كان البعض يعترض أنَّ المباهلة تشتمل على اللَّعن للظالمين، فهو دعاء على من يعرف الحقّ وينكره، لا الذي يرى أنَّه يلتزم الحقّ.

لتعزيزِ لغةِ الحوار

أيّها الأحبَّة: إننا أحوج إلى هذه الذكرى لنعزِّز فينا لغة الحوار الَّتي دعا إليها الإسلام، واعتبرها أساساً في العلاقة مع الآخر ممن نختلف معهم، وأن يكون هو الأسلوب الَّذي نتبعه مع أتباع الديانة المسيحيَّة لإزالة الهواجس والمخاوف الَّتي ينتجها الاختلاف، وتأكيد القواسم المشتركة بينهما، والعمل معاً لمواجهة التحدّيات التي تواجه الإسلام والمسيحيَّة، إن على صعيد القيم الأخلاقية، أو العدالة، أو القيم الإنسانية التي يراد لها أن تنتهك في هذه المرحلة، لتكون بديلاً من التَّنافر والتحاقد والصّراع…

جعلنا الله من المهتدين بنور القرآن وبنهج رسول الله، ومن السَّائرين على هدى خطِّ أهل البيت وخطِّ المتطهّرين بطهرهم.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بالآيات الَّتي أشارت الأحاديث إلى أنها نزلت في الخامس والعشرين من ذي الحجَّة، وهي قوله: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً}[الإنسان: 5- 12].

حيث ورد في سبب نزولها، أن الحسن والحسين (ع) مرضا، فعادهما رسول الله (ص) في ناس معه، فقالوا لأمير المؤمنين (ع): لو نذرت على ولديك، فنذر عليّ وفاطمة (ع) وفضَّة الجارية لهما، إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيَّام، فشفيا، فكان عليهم أن يفوا بالنَّذر، فصاموا ثلاثة أيّام وفاءً للنَّذر، وباتوا في الثلاثة جياعاً لإطعام إفطارهم لفقير جاء إليهم في اليوم الأوَّل وقت إفطارهم، ومسكين في اليوم الثَّاني، وأسير في اليوم الثالث، فنزلت هذه الآيات على رسول الله (ص) لتشير إلى ما نعموا به من وراء إيثارهم.

إنَّنا أحوج ما نكون إلى أن نستلهم هذه القيمة؛ قيمة أن نكون عوناً لليتيم والفقير والمسكين وكلَّ من يحتاج إلينا، وأن نجاهد لبلوغها، بأن نؤثر مثل هؤلاء الضعفاء على أنفسنا، وبذلك نعبِّر عن حبنا وولائنا لأهل البيت (ع)، ونحظى بما حظوا، ونبني بذلك مجتمعاً أكثر قوَّة ومنعة وتماسكاً وقدرة على مواجهة التحديات.

تداعياتُ الشّغورِ الرّئاسيّ

والبداية من أزمة الشغور الرئاسي التي يبدو أن لا خروج منها في وقت قريب، وذلك لإصرار كلّ من القوى السياسية على خيارها على شخص الرئيس أو هويته، وعدم رغبة أي منها بالتراجع عن الخيار الذي أخذه، على الأقل في هذه المرحلة، فيما الخارج الذي ينتظر الكثيرون مبادرة منه تفضي إلى تقريب وجهات النَّظر بين القوى السياسية، أو استعمال مونته عليهم للتوصّل إلى تأمين هذا الاستحقاق، يبدو أنَّه ليس جاهزاً لذلك، إمَّا لأنه غير قادر لعدم التوافق بين دوله على صيغة حلّ، أو للاستعصاء الداخلي الذي يعرقل الحوار والحلّ، أو أنّه ليس بوارد التدخل في هذا الملفّ، لأن لبنان ليس في سلَّم أولوياته، ولم يحن بعد أوان الحل فيه، ما يجعل البلد رهينة الفراغ الذي نخشى أن يمتدّ إلى وقت طويل.

إنَّ من المؤسف أن نستمع إلى تصريحات ترى أن لا مشكلة في إبقاء الفراغ ولو لسنوات طويلة حتى تصل إلى الرئيس الَّذي تريده، من دون الأخذ في الاعتبار ما آل إليه البلد من انهيار، وما يعانيه اللبنانيون على الصعيد المعيشي والحياتي، والذي بات يهدِّد حياتهم واستقرارهم، بعدما وصلت تداعياته إلى المسّ بمرفقين أساسيّين لهما دور على الصعيد الأمني والاستقرار النقدي، وهما قيادة الجيش وحاكميَّة المصرف المركزي، بعدما أصبح واضحاً أنَّ هناك، ولاعتبارات طائفية وسياسية، معارضة قوية لملء هذا الشغور الذي سيحصل في هذين المرفقين بدون تأمين الاستحقاق على الصعيد الرئاسي، وتأليف حكومة مكتملة الصلاحية، ما سيترك آثاراً قد تكون كارثية على صعيد الوطن والمواطن.

مخاطر قرار البرلمان الأوروبّي

ونبقى على صعيد الداخل، لنحذر من مخاطر القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي، الذي يدعو إلى إبقاء النازحين السوريين في لبنان، والذي أراد منه حصر أزمتهم في لبنان وإلقاء العبء عليه، منعاً لوصول اللاجئين إليه، من دون أن يأخذ في الاعتبار السيادة اللبنانيَّة والتداعيات التي يؤدي إليها هذا القرار، والأعباء الاقتصادية والاجتماعية التي تترتَّب عليه، والتي تزيد من مخاوف اللبنانيّين وهواجسهم من رغبة دوليَّة بتوطينهم في هذا البلد، ما يستدعي موقفاً لبنانياً ضاغطاً على الدول الأوروبيَّة للعودة عن هذا القرار، ودعوته للعمل بدلاً من ذلك بتسهيل إعادتهم إلى وطنهم، في الوقت الذي ندعو إلى استمرار التواصل مع الدولة السورية لإيجاد حلّ لهذه القضيَّة ومنع تداعياتها.

ردعُ العدوِّ على الحدود

ونتوقف عند ما يجري على الحدود اللبنانية الفلسطينية، لندعو اللبنانيين إلى الوقوف صفاً واحداً في وجه الممارسات العدوانية التي يقوم بها العدو الصهيوني، وجعل ذلك هماً وطنياً لكل الحريصين على السيادة اللبنانية، ولا سيما بعد احتلاله القسم اللبناني من بلدة الغجر، وفرض أمر واقع على اللبنانيين، من دون الأخذ في الاعتبار حقوق لبنان، الأمر الذي يتطلب أن يعمل الجميع لردع هذا العدوّ بكلّ الوسائل المتاحة لذلك، ومنعه من فرض أمر واقع على هذه القرية.

ونحن نرى أنَّ لبنان ليس ضعيفاً في هذه المواجهة إن توحَّدت جهوده ووقف صفاً واحداً خلف جيشه ومقاومته.

ذكرى حرب تمّوز

ونتوقَّف عند الذكرى السابعة عشرة لحرب تموز، الَّتي استطاع لبنان بفعل صمود شعبه ومقاومته وجيشه أن يسقط الأهداف التي كانت مرسومة لهذه الحرب، والتي أريد لها أن تكون المخاض لبناء شرق أوسط جديد يكون فيه للكيان الصهيوني اليد الطولى في المنطقة، والذي عبَّرت عنه آنذاك وزيرة الخارجية الأمريكيَّة، وأن يثبت مجدَّداً أنه عصيّ على هذا العدوّ، وقادر على جعله يخرج ذليلاً إذا كرَّر عدوانه على أرض لبنان.

إننا في هذا الوقت، لا بدَّ أن نستذكر كلَّ التضحيات التي قدِّمت لتحقيق هذا الإنجاز، والشهداء الذين سقطوا، والجرحى الذين عانوا، ومن لا يزالون يعانون من جراحهم، والصمود الذي شهدناه من أهل الضاحية الجنوبيَّة والجنوب والبقاع، رغم التهجير والدمار الذي حلَّ بهم، من دون أن ننسى تقدير كلِّ هذا الاحتضان اللبناني الواسع للّذين عانوا تداعيات العدوان.

إننا لن ننام على حرير هذا الإنجاز، ونبقى على حذر لعدوّ يقوم بمناورات شبه دائمة تحاكي الدخول إلى أراضٍ لبنانيَّة، ونحن ننوّه بكلّ جهد يؤدي إلى تعزيز المناعة الداخليَّة وكلَّ عناصر القوة والجهوزية لمواجهة أيِّ عدوان، ما يجعل العدوَّ غير قادر على تكرار فعله، وأن يحسب ألف حساب، كما بات يحسب، قبل أن يدنِّس أرضاً لبنانية.

موعدٌ جديدٌ مع عاشوراء

وأخيراً، نحن على موعد يوم الأربعاء القادم مع سنة هجريَّة جديدة، هي سنة ألف وأربعمائة وخمس وأربعين، والَّتي نسأل الله أن تحمل لنا بشائر الخير والبركة والسَّلام والأمن والطمأنينة، وأن تكون خيراً من ماضيها، وأيضاً على موعد مع موسم عاشوراء جديد، نستعيد فيه كلَّ معاني الإباء والشّموخ والعزَّة والكرامة، وتتوحَّد فيه الجهود لتحقيق الأهداف الَّتي لأجلها بذلت كلّ التضحيات التي لأجلها كانت كربلاء.

***