ولادةُ زين العابدين (ع): رسالةُ الحقوقِ ومسؤوليَّاتُ المؤمنِ

 

قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب: 38]. صدق الله العظيم.

ذكرى ولادة زين العابدين (ع)

مرَّت علينا في الخامس من شهر شعبان ذكرى الولادة المباركة للإمام عليّ بن الحسين (ع)، زين العابدين، وسيّد السَّاجدين، هذا الإمام الَّذي شاء الله عزَّ وجلَّ أن يكون من أولئك الَّذين أذهب عنهم الرّجس وطهَّرهم تطهيراً، ومن العترة الَّذين قال فيهم رسول الله (ص): “إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِن تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَبَدًا؛ كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي”.

وقد اقترن اسم هذا الإمام بلقب زين العابدين وسيّد السَّاجدين، لما عُرف عنه من كثرة صلاته وسجوده وتسبيحه، وملازمته لصلاة اللّيل، ودعائه الَّذي كان يفيض حبّاً وتعظيماً لله، وشكراً وحمداً له على نعمائه، والّذي بلغ أن يقول: “إلهي، لَو قَرَنتَني بِالأَصفادِ – لو شددت وثاقي – ومَنَعتَني سَيبَكَ – العطاء – مِن بَينِ الأَشهادِ، ودَلَلْتَ عَلى فَضائِحي عُيونَ العِبادِ، وأمَرتَ بي إلَى النّارِ، وحُلْتَ بَيني وبَينَ الأَبرارِ، ما قَطَعتُ رَجائي مِنكَ، وما صَرَفْتُ تَأميلي لِلعَفوِ عَنكَ، ولا خَرَجَ حُبُّكَ مِن قَلبي، أنَا لا أنسى أيادِيَكَ عِندي، وسِترَكَ عَلَيَّ في دارِ الدُّنيا”.

مسؤوليّةُ الإمامة

تولَّى الإمام زين العابدين (ع) مسؤوليَّة الإمامة بعد استشهاد أبيه الإمام الحسين (ع) في كربلاء، هذه المعركة الَّتي كان حاضراً في كلِّ تفاصيلها، وما أقعده عنها هو المرض الَّذي أصابه في اليوم العاشر من المحرَّم. وقد كان له دوره الكبير بعدها مع عمَّته زينب (ع)، في حفظ الأهداف الَّتي لأجلها استشهد الإمام الحسين (ع) وكلّ الَّذين كانوا معه، بأن لا تشوَّه ولا تضيع ولا تُنسى.

وقد عمل طوال فترة إمامته على توعية الأمَّة وتوجهيها وإخراجها من جهلها، ومواجهة الانحراف الَّذي بدأت تشهده على الصعيد العقدي والتشريعي، وعلى صعيد الحكم والحاكم. وعبَّر عن ذلك في دروسه التي كان يمليها على تلامذته الَّذين كانوا يفدون إليه من كلّ حدب وصوب، وأحاديثه ومواعظه وخطبه، ومن خلال الدعاء الَّذي حوَّله من كونه ملجأً للإنسان في طلب الحاجات من الله عزّ وجلّ، إلى أن يكون مدرسة تربوية واجتماعية وسياسية وجهادية، والَّتي تشتمل عليها الصَّحيفة السجادية وكتب الأدعية الأخرى، ومن خلال رسالته “رسالة الحقوق” الَّتي تعدُّ من أهمّ الوثائق على صعيد الحقوق.

وهنا أدعو أن تكون هذه الرّسالة موجودة في كلِّ بيت، والأخذ بمضامينها والتربية عليها، فقد أودع فيها الإمام (ع) المسؤوليَّات التي تقع على عاتق الإنسان، وتجاه ربّه، وتجاه جوارحه الَّتي أودعها الله عنده، والعبادات الَّتي فرضها عليه، وتجاه أرحامه وجيرانه والنَّاس الذين يعيش معهم، ممن يتَّفق معهم أو يختلف معهم، ووضع لكلّ ذلك خريطة طريق للوصول إليها.

ونحن اليوم سنتوقَّف عند بعض هذه الحقوق، لنستفيد من مضامينها، ونؤدّي دورنا تجاهها.

حقّ النّفس واللّسان

الحقّ الأوَّل الذي يشير إليه الإمام (ع)، هو حقّ النفس: “وأمَّا حَقُّ نَفْسِكَ عَلَيْكَ، فَأَنْ تَسْتَوْفِيهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ، فَتُؤَدِّي إِلَى لِسَانِكَ حَقَّهُ، وَإِلَى سَمْعِكَ حَقَّهُ، وَإِلَى بَصَرِكَ حَقَّهُ، وَإِلَى يَدِكَ حَقَّهَا، وَإِلَى رِجْلِكَ حَقَّهَا، وَتَسْتَعِينُ بِاللَّهِ عَلَى ذَٰلِكَ”، بأن تسخّر كلَّ قدراتك وإمكاناتك، لتحقيق الأهداف الَّتي دعا إليها الله عزَّ وجلَّ، وهي إعمار الحياة بالبناء، وتحقيق العدل، ونشر القيم الأخلاقيَّة والإنسانيَّة.

وقد أبرز تفاصيل ذلك، عندما قال: “أَمَّا حَقُّ اللِّسَانِ، فَإِكْرَامُهُ عَنْ الْخَنَا – وهو القبيح من القول، ويراد به الكلام البذيء والنَّميمة والكذب، وأن يكون الإنسان بلسانين – وَتَعْوِيدُهُ عَلَى الْخَيْر – بأن يكون طريقاً للإصلاح، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وبعث المحبَّة في النفوس، وحمله على الأدب – وَتَرك الْفُضُول الَّتي لا فائِدَةِ لَها، وَالبِرُّ بالنَّاسِ، وَحُسْن القَولِ فيهم، وَيُعَدُّ شَاهِدَ الْعَقْلِ وَالدَّلِيلَ عَلَيْه، وَتَزَيُّنُ الْعَاقِلَ بعَقْلِهِ، حُسْنُ سِيرَتِهِ فِي لِسَانِهِ، وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ”.

حقّ السَّمع والبصر

“وَأَمَّا حَقُّ السَّمْعِ، فَتَنْزِيهُهُ عَنْ أَنْ تَجْعَلَهُ طَرِيقًا إلَى قَلْبكَ، إلَّا لِفُوهَةٍ كَرِيمَةٍ تُحْدِثُ فِي قَلبكَ خَيْرًا، أَو تَكْسِبُ خُلُقًا كَرِيمًا”، فإنَّه باب الكلام إلى القلب.

“وَأَمَّا حَقُّ بَصَرِكَ، فَغَضُّهُ عَمَّا لا يَحِلُّ لَكَ، وتَرْكُ ابْتِذَالِهِ إلَّا لِمَوضِعِ عِبْرَة تَسْتَقْبلُ بهَا بَصَرًا، أَو تَسْتَفِيدُ بهَا عِلْمًا، فَإنَّ الْبَصَرَ بَابُ الِاعْتِبَارِ”، يتأثَّر به القلب، ويترك أثراً على قناعات الإنسان، فلا تبصر به إلَّا ما فيه الفائدة لقلبك وعقلك.

حقُّ اليدين والرّجلين

“وَأَمَّا حَقُّ يَدِكَ، فَأَنْ لا تَبْسُطَهَا إلَى مَا لا يَحِلُّ لَكَ”، بأن تتعرَّض بها لأذى الآخر، أو أن تمدَّها إلى مال حرام، أو أن تصافح بها من يحرم مصافحته، أو أن تستعملها في ظلم النَّاس والإساءة إليهم.

“وأمَّا حَقُّ رِجْلَيْكَ، فأَنْ لَا تَمْشِيَ بِهِمَا إِلَى مَا لَا يَحِلُّ لَكَ، فِبهِمَا تَقِفُ عَلَى الصِّرَاطِ، فَانْظُرْ أَنْ لَا يَزِلَّا بِكَ فَتَتَرَدَّى فِي النَّارِ”.

حقُّ النّاس

وبعدها يشير الإمام (ع) إلى حقوق النَّاس عليك، فيقول: “وَحَقُّ أَهْلِ مِلَّتِكَ، إِضْمَارُ السَّلاَمَةِ لَهُمْ وَالرَّحْمَةِ لَهُمْ، وَالرِّفْقُ بِمُسِيئِهِمْ… وَكَفُّ الأَذَى عَنْهُمْ، وَتُحِبُّ لَهُمْ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَتَكْرَهُ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ، وَأَنْ يَكُونَ شُيُوخُهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَبِيكَ، وَشَبَابُهُمْ بِمَنْزِلَةِ إِخْوَتِكَ، وَعَجَائِزُهُمْ بِمَنْزِلَةِ أُمِّكَ، وَالصِّغَارُ بِمَنْزِلَةِ أَوْلَادِكَ.”

وأشار (ع) إلى حقّ من يقدّمون إليه خدمة، أيّ خدمة: “وَأَمّا حَقّ ذِي الْمَعْرُوفِ عَلَيْكَ، فَأَنْ تَشْكُرَهُ وَتَذْكُرَ مَعْرُوفَهُ، وَتَنْشُرَ لَهُ الْمَقَالَةَ الْحَسَنَةَ، وَتُخْلِصَ لَهُ الدّعَاءَ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللّهِ سُبْحَانَهُ، فَإِنّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ، كُنْتَ قَدْ شَكَرْتَهُ سِرّاً وَعَلَانِيَةً، ثُمّ إِنْ أَمْكَنَ مُكَافَأَتُهُ بِالْفِعْلِ، كَافَأْتَهُ، وَإِلّا كُنْتَ مُرْصِداً لَهُ، مُوَطّناً نَفْسَكَ عَلَيْهَا”.

“وَأَمَّا حَقُّ مَنْ أَسَاءَكَ، فَأَنْ تَعْفُوَ عَنْهُ، وَإِنْ عَلِمْتَ أَنَّ العَفْوَ عَنْهُ يَضُرُّ انْتَصَرْتَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيل}”.

الحقُّ الأكبر

ويبقى الحقّ الأكبر عليك، وهو حقّ ربّك الَّذي خلقك وأوجدك، ولم يبخل عليك بنعمه وعطائه وفضله: “فأَمَّا حَقُّ اللهِ الأَكْبَرُ، فَأَنْ تَعْبُدُهُ لا تُشْرِكُ بهِ شَيْئاً”، بأن تحقِّق إرادته في هذه الحياة، ولا تشرك معه أحداً، قولاً وعملاً وسلوكاً، “فَإذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ بإخلاصٍ”، بحيث يكون عملك خالصاً لله، ولله وحده، لا شريك له فيه، “جَعَلَ لَكَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَكفِيَكَ أَمْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَحْفَظَ لَكَ مَا تُحِبُّ مِنْهَما”.

الإخلاصُ لنهج الإمام (ع)

أيُّها الأحبَّة: إنَّ إخلاصنا للإمام زين العابدين (ع) في ذكرى ولادته، هو أن نخلص لكلِّ هذا التراث الَّذي تركه من سيرته ودعائه وكلماته وحكمه ومواعظه، وأن نقوم بكلِّ المسؤوليَّات التي أمرنا بها، لتسمو بذلك علاقتنا بالله عزّ وجلّ، وتعمر نفوسنا بالرقيّ الإنسانيّ والخلقي والروحي، ونبلغ به قلوب النَّاس وأفئدتهم، كما بلغها هذا الإمام.

نسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول ويتبعون أحسنه، إنّه مجيب محقّق الدعاء.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى الإمام زين العابدين (ع) أحد أصحابه طاووس اليماني، حين رأى الإمام يصلّي في المسجد الحرام وهو يدعو ويبكي في دعائه، فجاء إليه وقال له: “يا بن رسول الله، رأيتك على تلك الحال، ولك ثلاث هي أمان لك من الخوف، أحدها: أنّك ابن رسول الله، والثَّاني: شفاعة جدك رسول الله، والثالث: رحمة الله، فقال: يا طاووس! أمَّا إني ابن رسول الله (ص) فلا يؤمنني، وقد سمعت الله تعالى يقول: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ}، وأمَّا شفاعة جدّي فلا تؤمنني، لأنَّ الله تعالى يقول: {لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}، وأمَّا رحمة الله، فإنَّ الله تعالى يقول: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}”.

لقد أراد الإمام (ع) أن يؤكّد من خلال وصيَّته هذه، أنَّه بالعمل الصَّالح نبلغ ما عند الله، وأن لا نجاة إلَّا به، وإذا كان من رحمة نرجوها، فهي لا تأتي بالمجَّان، بل هي نتاج إحسان نبذله لمن حولنا وللنَّاس، ومتى وعينا ذلك، سنكون أكثر مسؤوليّة في ميادين الحياة، وبه نكون قادرين على مواجهة التحدّيات.

تواصلُ الخروقاتِ

في البداية، يستمرّ العدوّ الصّهيونيّ بخروقاته في التفجيرات الَّتي تحصل في الشَّريط الحدوديّ في المناطق التي لا يزال يتواجد فيها، والتي تستهدف البنى السَّكنيَّة والبنية التَّحتيَّة، سعياً منه لتهجير أهلها، ومنعهم من العودة إليها، وجعلها مناطق غير قابلة للحياة، وفي الغارات الَّتي نخشى أن لا يكون آخرها تلك التي حصلت في البقاع وإقليم التفَّاح، والتي تأتي رغم التمديد الذي حصل لوقف إطلاق النَّار، والذي جاء مشروطاً من قبل الدولة اللبنانيَّة بإيقاف أيّ خروقات له.

ومع الأسف، يجري ذلك تحت مرأى ومسمع من اللّجنة المشرفة على وقف إطلاق النَّار والدّول الراعية لها، من دون أن يصدر عنها أيّ موقف يردع هذا العدوّ عن الاستمرار في أعماله العدوانيَّة هذه، وهذا ما يدعو الدَّولة اللّبنانيَّة إلى اتخاذ كلّ الإجراءات الكفيلة بالضّغط على الدّول الراعية للاتّفاق، للوفاء بالتزاماتها، ومنع العدوّ من مواصلة خروقاته اليومية، وإلَّا فلا سبيل أمام اللّبنانيّين إلّا بأن يتابعوا ما بدأوه بالعمل على تحرير أرضهم بكلّ السّبل المتاحة.

إنَّ من المؤسف أن لا نشهد مع كلّ ما يجري وما جرى، موقفاً جامعاً من اللبنانيين في مواجهة الاحتلال وتجاوزاته وخروقاته، وأن لا تتوحَّد جهودهم في مواجهة أطماعه والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، إن على الصعيد الأمني أو السياسي، وكأنَّ هذه المنطقة من الأرض تخصّ أهلها فقط لا كلّ اللبنانيين.

أزمةُ تأليفِ الحكومة

في هذا الوقت، لا يزال اللبنانيّون ينتظرون تأليف حكومة تواكب هذه المرحلة بكلّ صعوباتها وتحدّياتها، وتحقّق الأهداف التي أعلنها العهد الجديد، وهي، مع الأسف، لا تزال أسيرة المطالب والمطالب المضادَّة، ومن يسعى من الداخل والخارج لإقصاء فريق أو تهميشه، مع كونه يمثل شريحة شعبية وازنة، وله دوره، لا على مستوى طائفته فحسب، بل على مستوى الوطن كلّه.

ونحن في هذا المجال، نؤكّد حرصنا على كلّ ما يساعد الحكومة على استقرارها لتؤدّي دورها، لكنَّ ذلك لا يمكن أن يبنى بالإقصاء والتَّهميش والغلبة، بل هو يبنى بالتَّكامل بين كل مكونات الوطن والتعاون فيما بينها، في مرحلة البلد أحوج ما يكون إلى هذا التكامل والتعاون، ونحن جرَّبنا في هذا البلد ما أدى إليه الإقصاء السياسي من مآسٍ وويلات.

ومن هنا، فإنَّنا نجدّد دعوتنا للإسراع بمعالجة الإشكال الَّذي حصل، والذي أدَّى إلى عدم تأليف الحكومة، بعدما كانت قاب قوسين أو أدنى من التَّأليف، ونحن على ثقة بأنَّ ذلك سيحصل مع صدق النيَّات، وعدم وجود رغبة لدى أيّ من الأفرقاء بتعطيل مسيرة العهد، كما ندعو إلى التَّأكيد أنَّهم في جبهة متماسكة تستهدف تحرير الأرض، وقطع الطَّريق على المحاولات الإسرائيلية الحربيَّة لإحداث ثغرات لبنانيَّة تتيح للعدوّ تعزيز مواقعه في الساحة الداخليَّة.

غزّة والضّفة: المؤامرة المستمرّة

ونصل إلى الضفَّة الغربية، حيث يواصل العدوّ اقتحامات مدنها ومخيَّماتها، والتَّدمير والنسف لمبانيها، سعياً منه لاستكمال مشروعه الَّذي بدأه في غزَّة، والَّذي يهدف إلى تيئيس الفلسطينيين وإرغامهم على ترك وطنهم وأرضهم، فيما يستمرّ الشَّعب الفلسطيني بمواجهة هذا العدوّ والتشبث بأرضه، لمنعه من تحقيق أهدافه، رغم القهر والمعاناة التي يتعرَّض لها.

وفي هذا الإطار، شهدنا ما صدر عن الرئيس الأمريكي برغبته بترحيل أهل غزَّة، ودعوته مصر والأردن وغيرهما من البلدان إلى توطينهم فيها، وقد جاء ذلك من دون أن يكلّف نفسه بأخذ رأي هذه الدول، ليؤكّد ما كنا نشير إليه، أنَّ العدوَّ الصهيوني يرمي من خلال تدميره للمباني السكنيَّة والبنى التحتيَّة لتحقيق هذا المشروع، وها هو وزير دفاعه يصرّح بأنَّه سيسعى إلى ذلك، وهو يخطّط له، ما يدعو إلى العمل الجادّ للتصدّي لهذا المشروع، والذي لن يردعه أو يحول دون تحقيقه البيانات التي صدرت عن الأمم المتحدة والدول العربية والإسلامية، وحتى مواقف الدول العربية، بل المواقف العملية ومواجهة الضغوط التي قد تحصل لتحقيقه.

إنَّ المرحلة تتطلَّب وعياً من كلّ الأطراف في لبنان وفلسطين وفي المنطقة، لخطورة ما يرسم ويخطَّط لها من القوى الاستكباريَّة، والتي تثبت الأيَّام أن لا مستقبل لشعوب منطقتنا إلا بمواجهتها بكلّ الوسائل والسبل في سبيل تحرير الأرض والإنسان.