أؤلئك هم الفاسقون

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:

{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ* أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لّا يَسْتَوُونَ* أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ* وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ*وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

الفِسق والفسوق والفاسقين عبارات ترد في القرآن الكريم وفي الأحاديث وفي أدبياتنا الدينية والايمانية ولا يشي معناها الا بما هو بغيض ومنكر وغير مقبول. وفي اللغة، كلمة الفسق تعني انفصال النَّوى عن قشرتها. أما في المفهوم الديني، فهي تعني الانحراف عن خطّ طاعة الله، والتعدي على حدوده، هو مرادف للفجور والعصيان في مقابل الإيمان.  ويقول الله سبحانه وتعالى، وبصيغة الاستفهام الاستنكاري: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ}. ولذلك، تشمل هذه المفردة كلّ مظاهر الانحراف الفكريّ والسلوكيّ والعمليّ، وتحديداً الذي يألفه الانسان ويتبناه بدون نفور ولا تردّد، كما ورد في وصف بليغ من إمام البلاغة. في صفات الفاسقين: «آثَرُوا عَاجِلًا وَأَخَّرُوا آجِلًا وَتَرَكُوا صَافِياً وَشَرِبُوا آجِناً كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى فَاسِقِهِمْ وَقَدْ صَحِبَ الْمُنْكَرَ فَأَلِفَهُ وَبَسِئَ بِهِ وَوَافَقَهُ حَتَّى شَابَتْ عَلَيْهِ مَفَارِقُهُ وَصُبِغَتْ بِهِ خَلَائِقُهُ».

 

أما العلاقة بين المفهوم الدّينيّ لهذه الكلمة والمعنى اللّغويّ، فنحن عندما نتأمل في طبيعة الثمرة، فهي سالمة ما دامت قشرتها سالمة تحفظ اللب في داخلها. فما إن يخرج اللبّ من القشرة، حتى تتعرض الثمرة للفساد والفسق. ولهذا كان فسق الفاسق كفسق الثمرة فالإنسان عندما يبتلى بالفسق، فكأنما يُخرج نفسه من حصن حصين، هو حصن التقوى، ليقيه من نفس تأمره بالسّوء وشيطان يغويه ويزين له.

 

والمتأمل في عشرات الآيات القرآنية التي تناولت الفسق والفسوق والفاسقين، يجد أن الله، استعمل مصطلح الفسق في مروحة واسعةٍ لتبيان درجات مختلفة من فعل السيئات: بدءاً من الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه: لحم غير مذكى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق.} إلى شهادة الزور: {ذلك أدنى ان يأتوا بالشهادة على وجهها. والله لا يهدي القوم الفاسقين} والتكذيب بآيات الله: {والذين كذبوا باياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون} إلى الحكم بما لم ينزل الله: {ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الفاسقون} وصولا الى الذين كفروا بموسى وكانوا مع فرعون ووصولا الى إبليس {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}.

 

والقرآن ليس بقاصر عن إيراد مفردات تفرق بين صغير الفسق وكبيره، ولكن شمولية هذه المفردة قرآنياً، دليل على أن كل هذه الأفعال بعضها من بعض وتستند إلى نهج ومنطلق واحد عماده: التجرؤ على الله مع سابق الاصرار والتصميم أفعال تحمل في طياتها القصدية والتحدّي وتؤسس للخرق بين علاقة الانسان بربه.

 والاسلام عادة لا يبني على الكمية او الكثرة والله يعفو عن الجهل وعن النسيان وعن الاضطرار ولا يعتبرها فسوقاً، إنما القضية قضية مبدأ والقاعدة الإيمانية تقول: "لا تنظر إلى صغر المعصية بل أنظر الى عظمة من عصيت" وفي حديث آخر: "لا تستصغرن حسنة لربما أدخلتك الجنة ولا تستصغرن سيئة لربما أدخلتك النار". ثم أن "مستعظم النار من مستصغر الشرر" فمقاييس الله عز وجل مختلفة أساسها النية وطهارة النفس والقلب {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.

 

إذاً كما ذكرنا فإن افعال الفسق تحمل قواسم مشتركة من التجرؤ والإصرار على المعصية ومن صفاتها أيضا أنها تسند بعضها بعضا، فمثلا الإنسان الذي يتجرأ على الله بالكبائر إذا ما دققنا في خلفياته قد نجد أنه إنما انحرف بعد أن تساهل في الصغائر فقلت مناعته وتخلى عن الإحساس برقابة الله وانجر شيئا فشيئا إلى المزيد من الصغائر، بعدها ترقى وانتقل لمرحلة الكبائر، فالفسق يجر الفسق. انتبهوا ليس فقط على الصعيد الفردي بل على الصعيد المجتمعي أيضا حتى يصل ليكون بلاءً للحياة كلها. ونحن عندما نواجه ونستنكر الفسوق من حولنا ليس من قبيل الدفاع عن الله (الله غني عن العالمين) بل من قبيل الدفاع عن الحياة. الحياة الحرة الحياة النظيفة. الحياة السليمة الآمنة التي لا مكان فيها للفاسقين.

 

فحيث يسود الإيمان فإن النّاس يكونون في منطقة الأمان، محصنون في علاقاتهم وشؤونهم وحياتهم بجميع جوانبها. (والايمان المقصود هو ليس الطقسي والشكلي، بل ما يشتمل على الاخلاق والعمل الصالح).

أما حين ينتشر الفسق، فإنَّ خيمة الامان تتهاوى وتسقط، وتبرز عندها فئات المنافقين والمفسدين والجاحدين، واللاهثين وراء المصالح الخاصَّة على حساب المصالح العامَّة. وهذه الفئة يحددها الله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً}. فهؤلاء المترفون هم دائما القابضون على السلطة الذين يستغلون ويستأثرون، وهم دائماً في طليعة الَّذين يواجهون دعوات الأنبياء والرّسل، وهم حجر عثرة في وجه العاملين للصَّلاح والإصلاح باعتبارها دعوات ورسالات تهدد مصالحهم ومكاسبهم. في مثل هذه المواقع مواقع المترفين الفاسقين، تظهر الصلة الوثيقة بين الباطل والفسق، فحيث يسود الفسق تتغير المقاييس وتنقلب المعايير، فيصبح الحق باطلاً والباطل حقاً، ويصبح الفساد صلاحاً والصلاح فساداً. مع الفسق يهتز الامان بكل انواعه: الامان الاقتصادي والغذائي والثقافي والاعلامي.

 

والفاسق يتحول في المجتمع إلى مصدر متنقل لنشر الضلال والمعاصي، هو لا يستتر، (كما ينصح رسول الله: "إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا") بل لأسباب نفسية يصبح عنده شغف وسعي دائم لإشاعة الفاحشة، فالفاسق مريض وَهْم، وراحته النفسية تكمن في أن يرى الناس مثله لهذا تراه لا يحب أن يعصي وحده انما يدعو ويحث من حوله على المعاصي   لهذا حذر القرآن من هؤلاء، وحدد لهم عقاباً في الدنيا والآخرة: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} ومن هذا الموقع حذر القرآن من الأخذ بأي خبر أو نبأ يأتي به فاسق، من دون تمحيص وتدقيق في صدقية الخبر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.

 

أيها الأحبة:

الدنيا مزرعة الأخرة، لذلك ينصحنا القران الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ * وَاتَّقُوا اللَّهَ * إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ * أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.

المؤمن كالمزارع الذي يكدح ليودِع في التربة حبوب مواسمه وهو على يقين أن الأعمال الصالحة ستكون يوم القيامة بانتظاره في حساب خاص به.

والمشكلة مع الفاسق أنه ينسى استحقاق هذا اليوم أو على الأقل يتناساه أو يسقطه من حساباته.

أما المؤمن في كل لحظة من لحظات كدحه كان يستشعر رقابة الله الدائمة له ويستشعر حضوره الدائم في كل مكان وفي كل حال هو يخشى من محكمة الله وعدله وميزانه. أما الفاسق فقد كانت أشغاله وأهواؤه وملذاته وكل ما يزينه له فسقه، كل هذا كان ينسيه الله وذكر الله وصد أذنيه عن دعوة الله له رأفة به:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ* وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}.

والحمدلله رب العالمين.

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، وبما أوصانا الله به: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ* وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ* أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ* أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ* أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ* بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ* وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ* وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

أيّها الأحبَّة، هذه وصيَّة الله لنا، ويبقى لنا أن نختار، والخيار نرسمه هنا في الدّنيا من خلال كلماتنا وأعمالنا ومواقفنا. وبالاختيار الصَّحيح، نستطيع مواجهة كلّ التحديات.

 

جريمة أمريكا

لقد أقفل الأسبوع الماضي على عدَّة أحداث ومناسبات؛ الحدث الأوَّل تمثّل في الجريمة الَّتي حصلت في أميركا، والَّتي أدّت إلى مقتل ثلاثة شبان في مقتبل العمر، يدرسون في إحدى الجامعات الأميركية. وقد لا يكون غريباً أن تحدث هناك جرائم، ولا سيَّما في ظلّ انتشار السّلاح في هذا البلد، ولكنَّ خطورة هذه العمليَّة في كون الدلائل الأوليَّة تشير إلى أنَّ خلفيَّتها دينيَّة، ولذلك، نخشى أن يكون ما حصل هو حلقة في سياق الاعتداء على المسلمين المتواجدين في أميركا.

إنَّنا في الوقت الَّذي نقدّر مسارعة الشّرطة الأميركيَّة للقبض على القاتل وتقديمه للمحاكمة، ندين التّجاهل الإعلاميّ الَّذي حدث عند حصول الجريمة، والَّذي ما كان ليحصل لو أنَّ هذه الجريمة استهدفت أشخاصاً غير مسلمين.

 

إنَّنا نخشى أن يؤدّي التّمييز بين الناس على أساس دينهم، إلى زيادة شعور المسلمين بسياسة الكيل بمكيالين، كما أنّ التَّساهل مع مثل هذه الجرائم، إن حصل، قد يدفع إلى نوع من الإغراء لأصحاب الأفكار والسلوكيّات المتطرّفة. ومن هنا، فإنَّنا ندعو إلى أن تأخذ العدالة مجراها، وأن تُتّخذ الإجراءات الَّتي تمنع تكرار هذه الحوادث، بحيث يشعر المسلمون بالأمان، كما كانوا يشعرون به سابقاً.. ونحن نرى في هذه الجريمة إنذاراً لوسائل الإعلام ومواقع التّواصل الاجتماعي، التي تقدِّم الإسلام بصورة مشوّهة، بحيث يبدو أنّها داعية عنف وإرهاب، وتضع كلّ المسلمين في خانة واحدة، فتحمّلهم مسؤولية كلّ ما يجري من قتل أو ذبح لمواطنين أميركيين أو غربيين، أو ما يتهدّد أمن هذه الدول. إنّ هذه الصّورة المشوّهة التي تقدّمها، تؤدّي إلى اعتبار كلّ مسلم قنبلة قابلة للتّفجير في وجههم، ما يدفع البعض إلى التّصرّف بالطَّريقة التي حصلت أو بغيرها.

 

إنَّ ما جرى ينبغي أن يدعو الجميع في هذا البلد، وفي الغرب عموماً، وحفظاً لهذا التنوّع الّذي جعل من أميركا والغرب مكاناً حاضناً للتنوّع والحريّات، إلى تعزيز الحوار بين الإسلام والغرب، لإزالة الكثير من الالتباسات الفكريّة والثقافيّة، وتخفيف التشنّج الَّذي قد تساهم به السّياسات الأميركية والغربية في المنطقة.

وأمام هذه الجريمة، ندعو إلى ضرورة رفع الصَّوت عالياً في مواجهتها، كتعبير عن التَّضامن مع أهالي الضَّحايا، وكردّ عمليّ على كلّ من تسوّل له نفسه القيام بجريمة مماثلة.

 

اليمن

والحدث الثّاني في اليمن، الّذي يسعى الكثيرون لإعطاء الصّراع فيه بُعداً مذهبياً، يُدخِله في الصّراع الإقليميّ، أو يربطه بالمفاوضات التي تجري بين أميركا والجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة، ويُغفل هؤلاء البُعد الداخلي المتمثّل في شعور فئات يمنيّة بالتهميش والظلم، وعدم التّعامل معهم كمواطنين من درجة واحدة، وهذا لا يقف عند حدود مذهب معيّن أو منطقة محدّدة، بل بات يمتدّ إلى العديد من المناطق والمذاهب المتنوّعة.

 

وهنا نخشى، وكما جرى في كلّ مواقع الحراك في أكثر من بلد عربيّ، أن تحوّر الأحداث عن وجهتها الحقيقيّة، ويغرق اليمن في حمى الصّراعات الإقليميّة والدّوليّة والمذهبيّة والطائفيّة.

ومن هنا، فإنّنا نرى ضرورة العمل السَّريع للحوار الداخليّ الَّذي يساهم في رفع الظّلم والإجحاف عن الجميع، وإزالة الفساد، ليشعر اليمنيون بالمواطنة العادلة، حرصاً على هذا البلد ودوره الأساسيّ في المنطقة العربيّة والإسلاميّة، ولإبعاد شبح التّقسيم والتّطييف عنه، وحتى لا يقع في قبضة التكفيريين والإلغائيين والإقصائيين.

كما ندعو كلّ الدول الفاعلة والمؤثّرة في المسألة اليمنيَّة، إلى أن تبادر إلى بذل كلّ الجهود، لتسريع الحوار الداخلي، والتَّشجيع عليه.

 

انتصار الثورة الإسلامية في إيران

والعنوان الثالث، يتمثَّل في الذكرى السّادسة والثلاثين لانتصار الثّورة الإسلاميّة في إيران، بقيادة الإمام الخميني؛ الثورة الّتي أعادت لإيران وجهها الإسلاميّ وحضورها الفاعل في قضايا العرب والمسلمين، ولا سيّما قضية فلسطين والقدس، وشكّلت معلماً لدولة منفتحة على الشّرق والغرب، ولكنَّها ليست أسيرة له، أو خاضعة لإرادة المحاور الدوليَّة، فكان شعارها "لا شرقيّة ولا غربيّة".

وفي هذه المناسبة، نبارك للشَّعب الإيراني ولقيادته الرشيدة استمراره في حمل أمانة هذه الثَّورة والحفاظ على منجزاتها، وصبره وتحمّله في مواجهة كلّ الأخطار وكلّ أنواع الحصار المفروض عليه، وحرصه على بقاء هذا البلد موقعاً متقدّماً في حمل قضايا المسلمين والمستضعفين، وفي تقديمه النَّموذج لصورة الإسلام المنفتح على العلم والحضارة، والسّاعي للسير في ركب مسيرة التقدّم التقنيّ والعلميّ والتكنولوجيّ، وفي المجالات كافة.

ولا بدَّ هنا من تثمين سياسة الجمهوريَّة الإسلاميَّة في مدّ اليد غير المشروطة للدّول العربيَّة والإسلاميَّة، بعيداً عن كلّ الحسابات القوميّة والمذهبيّة والدينيّة الَّتي عبَّرت عنها أكثر من مرة، إضافةً إلى حرصها على العلاقة مع الغرب، على أساس الاحترام المتبادل، وحفظ حقوقها في امتلاك القدرة النووية السّلمية، وفي كلّ مجالات التطوّر العلميّ والتكنولوجيّ.

إنَّ هذه السّياسة لا بدّ من أن تُقابل بمثلها، ما يساهم في تعزيز قوَّة العرب والمسلمين ووحدتهم، وفي تحقيق السّلام والأمن العالميّ الّذي نريده ونسعى إليه، انطلاقاً من ديننا الذي يدعو إلى السّلام والمحبّة للجميع.

 

لبنان: ذكرى الرئيس الحريري والقادة الشهداء.

وأخيراً، لا بدَّ من أن نتوقّف عند مناسبتين؛ المناسبة الأولى هي الذكرى العاشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، والَّتي تعيدنا بالذاكرة إلى المعالم الّتي برزت في شخصيّته، في حرصه على النّهوض الاقتصاديّ والعلميّ، وفي تعزيز لغة الحوار بين اللبنانيّين، وتأكيده قوَّة لبنان في مواجهة خطر العدو الصّهيوني، وانفتاح هذا البلد على محيطه العربيّ والإسلاميّ، وعلى العالم.

ونحن نرى في هذه المناسبة، دعوة لتأكيد كلّ هذه العناوين الّتي نحتاجها لمواجهة الأخطار التي تتهدَّد البلد من كلّ جوانبه، ولمواجهة الفتن التي يُراد أن تعصف به.

 

أما المناسبة الثانية، فهي ذكرى استشهاد القادة في المقاومة الإسلاميّة، الَّذين بذلوا دماءهم في مواجهة العدو الصّهيونيّ، ليبقى هذا البلد عصياً على هذا العدو، ومحصّناً في مواجهة كلّ مخطّطاته ومؤامراته.. ونحن نثق بأنَّ هذه الدماء ستبقى عنواناً يُقلق هذا العدو، ويزهر خيراً وبركةً للبنانيين جميعاً.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ: 24 ربيع الثاني 1436هـ الموافق :  13شباط 2015م

 

Leave A Reply