أهداف التَّسبيح وأهميَّته

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً}. صدق الله العظيم.

لقد تكرَّر في القرآن الكريم الحديث عن تسبيح الله، وبصيغٍ مختلفة، في سبعةٍ وثمانين موضعاً، وقد سمّيت سبع سور بالمسبِّحات، لأنها ابتدأت بالتّسبيح، وهي سورة الجمعة، والتي تبتدئ بـ: {يُسَبِّحُ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}، وسورة الأعلى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، وسورة التغابن والحديد والحشر والصّفّ، وسورة الإسراء. وقد كان رسول الله(ص)، كما ورد في سيرته، يحرص على أن يقرأها في كلّ ليلة، وهذا كلّه يشير إلى مدى اهتمام الله سبحانه وتعالى بهذا الذّكر وبالدّعوة إليه.

فما هو مدلول هذا التسبيح الذي ينطلق من ألسنتنا وأعماق قلوبنا، ونكرّره في الصلوات والفرائض؟ وماذا يراد منه؟

 

معنى التَّسبيح

التّسبيح، اصطلاحاً، هو إعلانٌ من الإنسان ومن كلّ مخلوق، بتنزيه الله جلّ وعلا، عن كلّ نقص وعيب وحاجة، هو اعتراف من المخلوق بأنّ الله هو منتهى العظمة والكبرياء والقدرة، لا يماثله في ذلك أحد، ولا شريك له فيه.

ولكن، هل يحتاج الله عزّ وجلّ، وهو الغنيّ عن عباده، إلى مثل هذا الإعلان؟

سؤالٌ لطالما يُطرَح، لنقول إنَّ التسبيح هو نعمة، هو مثل الكثير من المفردات: (الحمد لله والشّكر لله…)، أريد منه تعميق العلاقة بالله، فالتّسبيح هو تعبير من المخلوق للخالق عن إحساسه بعظمته وقدرته وحكمته، والتسليم لأمره، والثقة به ربّاً وخالقاً.

ومن الطبيعي أن تعلن المخلوقات العاقلة؛ الإنسان والملائكة والجنّ، عن هذه الحقيقة السّاطعة، وأن تشهد بها وتسبِّح لله، عندما ترى هذا الكون، بكلِّ ما فيه من مظاهر إبداع وإتقان صنع وحسن تدبير.

ولكن ما قد يبدو غريباً، أن يصدر التسبيح عن الجماد وعن النّبات وعن الحيوان، فالسهول والجبال والوديان والأشجار والثّمار والبحار والهواء والحيوان والحشرات والطيور والأسماك والفضاء والكواكب والريح والرعد، كلّ من عليها، وكلّ ما عليها، هو في تسبيح دائم لا يتوقّف.

 

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}، {هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.

هو تسبيح من الكون لا نفقهه نحن البشر، بل إننا نعجز عن ذلك، والله يقول: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}.

 

وهنا قد يطرح السؤال عن ماهية هذا التّسبيح من وجودات لا تعي ولا تعقل ولا تنطق!

وهناك رأيان للمفسِّرين في الإجابة عن هذا السؤال؛ رأي اعتبر أنّ هذه الموجودات بحدّ ذاتها آيات تسبّح الله، وتنزّه الله عن التفاوت والخلل والعيب والنقص، وتعبّر بنظامها، بدقّة صنعها، بإتقانها، بجمالها، عن عظمة الخالق وجلاله وجماله {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ}.

 

ورأي آخر ذهب إلى القول إنَّ الله عزَّ وجلَّ أودع في كلّ ذرّة من ذرّات الوجود نوعاً من الإدراك والشّعور، يتيح لها التّعبير عن التّسبيح وحتى السّجود {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْض}، واستندوا في هذا الرأي إلى آيات مثل: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}، {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}. وهذا، في رأيهم، ينمّ عن إدراكٍ وشعورٍ لديها أودعه الله فيها، ويؤكّدون رأيهم أكثر باستشهادهم بالنبيّ داوود(ع)، الذي منحه الله صوتاً جميلاً وقويّاً ومتميّزاً، فقد كانت الجبال والطير تتجاوب معه وتردّد تسبيحه ودعاءه: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ}، {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ}. وقد ورد في الحديث: "كان داوود إذا قرأ بالزّبور ـ وهو الكتاب الذي أنزله الله عليه ـ لا يبقى جبل ولا حجر ولا طائر إلا ويردِّد معه".

 

أهداف التَّسبيح

على كلّ الأحوال، نستنتج من الرأيين أنَّ التسبيح، إضافةً إلى كونه ذكراً لله وعبادة، يمثِّل باباً لمعرفة الخالق، ومعرفتنا بأنفسنا وبخلق الله بتجلّياته كافّة، وبالتالي، ينبثق عن ذلك كلّه أهداف تربويّة يريدها الله عزّ وجلّ من ذلك، ولا بدَّ من أن نلقي الضّوء عليها.

الهدف الأوَّل: هو أن نرى الكون بصورة أخرى، هي أشمل وأوسع مما نراه نحن، فنحن غالباً ما نرى الكون ببعده المادّيّ، ومن منطلق حاجتنا إليه وانتفاعنا منه. لكن ما يريده الله عزّ وجلّ منّا، هو أن نراه ببعد آخر، وهو البعد الروحي، بأن نراه وهو يسبّح لله ويمجّده ويسجد له ويخشع، وإن بشكل غير مباشر، كما الرأي الأوّل، أو بشكل مباشر كما الرأي الثاني، وهذا يجعل المؤمن أكثر ارتباطاً بالكون وانسجاماً معه، لأنّه يرى فيه محور لقاء به في علاقته بالله، ويرى معه الكون، كلّ الكون، وبكلّ ما فيه ومن فيه، ساحة عبادة وذكر لا تحدَّد بمكان أو زمان.

 

الهدف الثاني: إنّ معرفة الإنسان بعلاقة هذه الوجودات مع الله – من خلال خطِّ التّسبيح المفتوح بينها وبينه ضمن لغة لا نفقهها – ستدفعه إلى أن يحسب لها حساباً، فلا يعبث بها، ولا يسيء إليها، ويرى أنَّ الإساءة إليها، لا تقف عند الأضرار التي تحدث له من ذلك، بل تتعدَّاها إلى علاقته بالله، فالله لن يقبل الإساءة إليها فيما هي تسبِّح له وتقدِّسه وتمجِّده {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}(الرّوم: 4).

وهذا ما أشار إليه رسول الله (ص)، عندما قال: "للدابّة على صاحبها ستّة حقوق؛ لا يحمّلها فوق طاقتها، ولا يتَّخذ ظهرها مجالس يتحدَّث عليها، ويبدأ بعلفها إذا نزل، ولا يسمها ولا يضربها في وجهها، ويعرض عليها الماء – وقد بيّن السبب من ذلك فقال- فإنها تسبّح الله".

 

وهذا الحديث يعني أيضاً النهر والبحر والهواء والأرض والفضاء والنّبات، بأن لا نعبث بها، وأن لا نلوّثها، لأنها تسبِّح الله.

وفي ضوء إيماننا بهذه الرّؤية، سوف يختلف تعاملنا مع كلّ مفردات الكون، وسنكون أكثر احتراماً وأشدّ حرصاً على سلوكيّاتنا اليوميّة مع البيئة، بأن لا نهدِّد كائناتها، ولا نخلّ بالتوازن الموجود فيها.

 

أمَّا الهدف الثالث، فيتمثّل في تنبيه الإنسان بأنَّ قيام جميع الكائنات بالتّسبيح لله، هو تحدّ له، كونه المخلوق العاقل، وهو الّذي جعله الله خليفةً عليها وحمّله أمانتها، فكيف لا يعترف بفضل الله ويشكر نعماءه ويسبِّحه ويحمده ويسجد له؟! وكيف تكون المخلوقات التي هي دونه مقاماً، أكثر ذكراً أو أفضل منه شكراً وتقديراً لخالقها؟! وهذا ما يدعو كلَّ فردٍ إلى أن يعود إلى فطرته، ويختار – وهو المخيَّر وليس المجبر – فيتناغم مع الكون في تسبيحه وتعظيمه، فيسبِّحه كما أمره الله تعالى: {بُكْرَةً وَعَشِيّاً}، ويسبِّحه {بُكْرَةً وَأَصِيلاً}، ويسبّحه {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ}.

 

الحاجة إلى التّسبيح

ما أحوجنا اليوم، وقبل أيّ يومٍ آخر، ليكون ذكر الله حاضراً على ألسنتنا وقلوبنا وأفعالنا؛ أن نسبّح الله لا بألسنتنا فقط، بل بقلوبنا وعقولنا، بأنَّ لله الأسماء الحسنى والصّفات العليا والكبرياء والجمال والعلوّ، هذا التسبيح الذي كان دأب الأنبياء والأولياء، فقد كان هدف النبيّ موسى(ع)، وعبَّر عنه عندما قال: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً}!

 

وهو هدفٌ جاء لأجله رسول الله (ص)، كما ورد في قوله عزَّ وجلَّ: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}. ومتى أحسسنا بذلك وعشناه، فإنّنا سنشعر بالاطمئنان في الدّنيا، والأمان في الآخرة، ونبلغ ما أوصانا به رسول الله (ص)، عندما قال لأصحابه: "هل أنبِّئُكُم بخيرِ أعمالِكُم، وأزكاها عندَ مليكِكُم، وأرفعِها في درجاتِكُم؟ قالوا: بلَى. قالَ: التَّسبيح، فما شَيءٌ أنجى مِن عذابِ اللهِ من تسبيحه".

 

ويبقى أن نختم بأنّ التّسبيح، ولأهميّته، هو دعاء أهل الجنّة وهم يعيشون في النعيم: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ}.

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بوصيّة الإمام عليّ (ع) لمالك الأشتر عندما ولاه مصر، والّتي سُمّيت بعهد الأشتر، حين أمره بتقوى الله وإيثار طاعته، واتّباع ما أمر به في كتابه، من فرائضه وسننه الّتي لا يسعد أحد إلا باتّباعها، ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها، وأن ينصر الله بيده وقلبه ولسانه، فإنّه قد تكفّل بنصر من نصره، وإعزاز من أعزّه، وأمره أن يكسر من نفسه عند الشّهوات، وينزعها عند المحجمات (المطامع).

 

ثم قال له: "ثم اعلم يا مالك، أني وجّهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور، وأنّ الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم. وإنما يستدلّ على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده. فليكن أحبّ الذخائر إليك ذخيرة العمل الصّالح، بالقصد فيما تجمع وما ترعى به رعيّتك، فاملك هواك، وشحّ بنفسك عمّا لا يحلّ لك…".

 

لقد أراد الإمام عليّ (ع)، من خلال هذا العهد، أن يبيّن بعض الصفات التي يراها في الحاكم والمسؤول في أيّ موقع من مواقع المسؤوليّة، فالمسؤول عنده هو من يتّقي الله في كلّ أمر ونهي، ويرى موقعه مسؤوليّة لا امتيازاً، ويغالب هواه، ولا يخضع لإغراءات السّلطة وشهواتها ومصالحها، وهو من لا يعمل عملاً كان ينتقد من سبقوه به، فيكرِّر أفعالهم ويقع في أخطائهم، ومن يترك أثراً طيّباً في نفوس الناس الذين يتولى أمرهم، من خلال سيرته والأعمال التي يقوم بها.

إننا بحاجة إلى هذه النماذج التي نغيّر بها واقعنا، وترتقي بها الحياة، ونواجه بها التحدّيات، ونحقِّق معها الانتصارات.

 

تشكيل الحكومة

والبداية من لبنان، الذي تشكّلت فيه الحكومة بعد تسعة أشهر من الانتظار. ومهما كانت الأسباب التي دعت إلى إزالة الحواجز أمامها، فهي أتت بعد أن شعر الجميع بأن لا خيار لهم إلا التّوافق، وبضرورة أن يتقدّم كلّ منهم خطوة نحو الآخر، فلا يكابر بإدارة الظّهر للآخرين ولمطالبهم، وبعد أن وعوا، ولو متأخّرين، أن استمرار الفراغ الحكومي سيسقط الهيكل على رؤوس الجميع، بعد أن بلغت القضايا الاجتماعية والاقتصادية والمالية حدّاً قد يترك تداعياته على الاستقرار السياسي والأمني للبلد، وبعد الضغوط الدوليّة التي حذَّرت لبنان من مصير مؤلم إن لم تؤلَّف الحكومة.

 

ولكن يبقى من حقّ اللّبنانيين أن يتساءلوا، بعد أن رأوا مشهد الحكومة ومن تمثَّل فيها: أما كان من الأجدر لهذه القوى السياسية أن تقوم بهذه الخطوة قبل تسعة أشهر، وأن توفّر على اللّبنانيّين المعاناة والآلام والتّبعات، وعلى هذا البلد الأعباء التي أنتجها هذا التّأخير على صورته في العالم، وآثاره على المستوى الاقتصادي والمالي، بعد أن وصل إلى حافة الانهيار؟!

 

لن ننغّص على اللّبنانيّين فرحتهم بوجود حكومة، ولكنّنا نريد من كل القوى السياسيّة أن تستفيد من ذلك، لتدرس السبل التي تقي لبنان من أن يقع في مثل هذا الفراغ ثانيةً، وأن لا يصاب به مجدَّداً. فمع أهمية الاعتراف بالذّنب والاعتذار، فهو لا يكفي، بل لا بدّ من العمل حتى لا يتكرّر الأمر، وتعويض اللّبنانيّين عمّا فاتهم، وإصلاح ما فسد بسبب تقصيرهم في أداء الأمانة التي حمّلهم الناس مسؤوليّتها.

 

إنّ أمام الحكومة الكثير من المسؤوليّات التي ينتظر اللّبنانيّون القيام بها بحرارة، والتي سيتمّ تقييمهم هذه المرّة على أساسها، وبها وحدها يجري الردّ على من يشكّكون في قدرة هذه الحكومة، بكلّ ما فيها من تناقضات، على القيام بها.

ولعلّ من الأولويات في هذا المجال، مواجهة الفساد، حيث لا إصلاح للواقع الاقتصادي والخدماتي والاجتماعي، وللنهوض بالبلد من كبوته، إلا بمواجهته. ومن هنا، فإننا نعيد التَّشديد على ضرورة المواجهة الفاعلة لحالة الفساد، فلا يكاد يوم يمرّ إلا ويصطدم اللّبنانيون بما يطلقه سياسيون من تصريحاتٍ عن فساد في هذه المؤسَّسة أو هدرٍ في تلك، أو ما تبثّه وسائل الإعلام عن تفاقم هذه الحالة، حتى يكاد لا ينجو قطاع تابع للدولة من آفاتها، أو من تغطية مرتكبيها، هذا كلّه من دون أن يكشف رسمياً إلا عن النادر منها، باستثناء استمرار التّراشق والسجالات والاتهامات المتبادلة.

 

إننا نعتقد أن المسألة لا تعالج بتسجيل النقاط في هذا الشأن، كما شهدنا في الأسبوع الماضي وقبله وقبله، فبيوت الزجاج كثيرة، ويمكن لأيّ فريق أن يرمي حجارته على الآخرين، ولكن بيته معرّض للرّمي أيضاً.. إن علاج الفساد لن يتمّ إلا عندما يبدأ كل فريق سياسي بتنظيف ساحته وتطهيرها من هذه الآفة، فلا يغطي الفاسدين عنده، وإعطاء القضاء والمؤسّسات الرقابية الصلاحيات المطلقة اللازمة لممارسة دورها، ووقف التّدخلات فيها.

 

أزمة القروض السّكنيَّة

وبالانتقال إلى الأوضاع الاجتماعية، وبعد صدور التعميم عن المصرف المركزي المتعلّق بالقروض السكنية، فإننا في الوقت الذي نرى أهميّة تحريك هذا الملفّ الذي نعرف جميعاً مدى خطورة عدم تحريكه وإيقافه، فإننا نرى أنّ هذا القرار لم يحلّ المشكلة، فهو بحسب الموازنة المقدَّرة لهذا العام، لا يسدّ إلا نسبة عشرة في المئة فقط من الطلب على القروض السكنيّة، والتي يضاف إليها مئات الطلبات قيد الانتظار منذ العام 2018، ويضاف إلى ذلك ارتفاع الفائدة التي تمنع ذوي الدخل المحدود، وهم أكثرية المواطنين، من فرصة الإقدام على هذا القرض، وحجم المبالغ المقترحة لسدّه، وهو ما يدعونا إلى مطالبة المعنيّين بإعادة النظر في أعبائه، واليوم نضعه بين أيدي الحكومة الجديدة.

 

هل تشهد فنزويلا حربًا؟!

وبالانتقال إلى ما يحدث في فنزويلا، والذي يترك تداعياته على هذا البلد الذي لا ننسى وقوفه مع قضايا العرب والمسلمين، عندما رفض العدوان الإسرائيلي، وواجه احتلاله واضطهاده للشَّعب الفلسطيني، وقطع العلاقة مع هذا العدوّ…

إننا أمام ما يجري، ندعو الشعب الفنزويلي إلى أن يبعد عنه الكأس المرّة، فلا ينجرف نحو أيّ حرب أهليّة داخليّة لاتزال العديد من الدول العربية والإسلامية تعاني نتائجها الكارثية، فالحوار هو السبيل لمعالجة الأزمة، وهو السبيل لقطع الطريق على التدخّلات الخارجية التي تنظر إلى فنزويلا كخزان بترول، وكاحتياطي نفطي ينبغي أن يصبّ في خدمة مصالحها وأطماعها.

 

حكم مؤبّد!

أما في البحرين، فإننا نستنكر تثبيت الحكم الظّالم الصادر بحقّ رئيس جمعية الوفاق، سماحة الشيخ علي سلمان، بالحكم عليه مؤبّداً، وندعو السلطات البحرينيّة إلى التراجع عن هذا الحكم، والعودة إلى فتح باب الحوار، لأنّ ذلك هو الأسلم للبحرين ولاستقرارها وتوازنها.

 

Leave A Reply