إرادة الإنسان في مواجهة الشيطان

 بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}

من أنباء وأخبار الغيب وحقائقه التي يقدّمها لنا القرآن الكريم ،قصة خلق آدم وحواء وإخراجهما من الجنة مع إبليس، بعد أن أوقعهما في حبائل غواياتهوكانت تلك أوّل شبكة نصبها شيطان لإنسان ، وأوّل امتحان مواجهة بينهماوما دام الإنسان حيّاً، فهذا التحدي قائم كلّ يوم، بل في كلّ لحظة، ولا يقف رحاه عن الدوران إلاّ عند لحظة الموت.

والقصة بدأت عندما أمر الله تعالى ملائكته بالسجود لآدم، فسجدوا إلا إبليس، أبى وتمرّد وعصى وتكبّر:

{.. أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }، وكان عقابه أن خرج رجيماً مطروداً من ساحة رحمة الله تعالى ، لا تتوقف لعنة الله عليه ولعنة الناس أجمعين منذ آدم وحتى يوم يُبعثون . لقد اختار إبليس لنفسه التمرّد على الله تعالى، والغرور والتكبّر والتعصّب ، فتركه الله يختار.. فهبط مع الانسان على الارض ليمارس خياراته ..

لن ندخل في مواصفات إبليس الشكلية ،إذ لا دليل لدينا انه كان ممسوخاً او مشوهاً، ولكن الارجح ان مخيّلة الانسان نسجت للشيطان صوراً وأشكالا نتيجة أفعاله .. ـ(فقد اعتاد الناس ربط العمل بالشكل، فالعمل السيء يعني بشاعة حتى ولو كان في غاية الجمال فنقول عنه ان تقاسيمه شيطانية ،(مع العلم ان العكس ليس صحيحا فليس كل بشع الصورة هو سيء)ـ

المهم، ما يعنينا ان لا نستغرق في شكل الشيطان وكينونته ، لان ما يهمنا هو مشروعَه ،الذي أعلنه ولم يخفه .ومشروع الشيطان هو تشويه إنسانية الانسان، و تشويه علاقته بالله وتخريب مشروع اعمار الارض وعبادة لله الواحد الاحد .{..لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وقد تفرغ الشيطان لمشروعه ، وهو مخلص له ،متفان من أجله ،ومحترف ايضا وتسجّل له نجاحات كثيرة تبدأ في تشتيت عمر الانسان وتبذيره بلا حصاد ، وتنتهي بالحروب والقتل والفساد بين بني البشر.ولا يظنن أحد أن نجاح إبليس هو محدود بالمنحرفين والفاسدين ،بل قديمتد حتى الى العلماء واصحاب الرأي.

ولم يصف القرآن الكريم مخلوقاً من مخلوقات الله بكلمة«عدو» غير الشيطان، وزاد فقال «عدو مبين» أي واضح وبيّن، مع أننا لا نراه ولا نسمع وسوسته، ولكننا نرى نتائج هذا العدو :الخسران والهلاك والشرور ،عبر اساليب وادوات واضحة أخبرنا الله سبحانه و تعالى عنها.

والملفت ايها الاحبة، ان الله عندما يذكر عداوة الشيطان فانه يتحدث عن خطوات الشيطان، {..وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ انها خطوات وليست خطوة واحدة، وهذا هو أبرز أسلوبٍ للشيطان ، فهو يدرك ان مسألة التخريب على الناس لا تتم دفعة واحدة، والا ،كان لاقى صداً ومنعاً ورفضاً، لهذا لا بد من التدرج (يقوم الإنسان بالخطوة الأولى نحوه، فيستدرجه ويسير أمامه، يشاور له ليلحق به).الشّيطان لا يدفع أحداً من خلف ولا يجبره أبدا ،هو لا يستأذن، أويطلب السماح بالدخول، لا يصرخ، ولا يرعب، يرتدي القفازات الناعمة حتى لا يكون لمعركته أي صدى أو قرقعةيمزج عمله دائماً بالتستر، حتّى يفكر الإنسان أنّ هذه الوسوسات التي يسمعها بروحه ما هي إلاّ من بنات أفكاره وانها قناعاته هو .

يقول الإمام السجاد (عفي مناجاته ليوم السبت :” وشيطاناً يغويني قد ملأ بالوساوس صدري، وأحاطت هواجسه بقلبي يُعاضد لي الهوى ويُزيّن لي حبّ الدنيا، ويحول بيني وبين الطاعة والزُلفى.”

 

لن ندخل في تفاصيل اساليب الشيطان التي لها مسميات عدة.وقد حذرنا القرآن من انه يوسوس، يمس، ويهمز ويئز وينزغ ،ويزيّن، ويزخرف للإنسان ما يريد له أن يمضي فيه، فإذا أنشب مخالبه في الروح والنفس والقلب، انتقل إلى الخطوة التاليةيُنسيه ذكر الله.. اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ..} يسجل نجاحه ويبدأ بالبحث عن ضحية أخرىوهناك وصف دقيق ورائع للإمام علي (عفي كيفية استعباد الشيطان لضحاياه،إذ يقول (ععن اتباع الشيطان"اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لِأَمْرِهِمْ مِلاَكاً ، وَاتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكاً ، فَبَاضَ وَفَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ، وَدَبَّ وَدَرَجَ في حُجُورِهِمْ، فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ، وَنَطَقَ بِأَلسِنَتِهِمْ، فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ ، فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَهُ الشَّيْطَانُ في سُلْطَانِهِ، وَنَطَقَ بِالبَاطِلِ عَلى لِسَانِهِ!”

ولكن انتبهوا…. ان كل هذه الهمة والفاعلية والنشاط للشيطان في الدنيا، تتلاشى وتتبخر يوم القيامة :{ ..وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

هذه هي ايها الاحبة حركة الشيطان وعلى لسانه تخريب للإنسان في الدنيا وانقلاب عليه في الآخرة ، تشجيع له وقت المسؤولية وتخل عنه وقت الحساب .. فهل يريد الانسان أوضح وأبْين من هذا العدو الذي لا يجلب الا الهلاك في الآخرة.؟ {..إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ لكن للاسف {.. قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ } {… قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ } {…قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ}

ولكن بالرغم من كل هذا الواقع ، يوضح الله لنا حقيقة قوة الشيطان : { إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا والضعف ليس مقابل كيد الله، بل مقابل ارادة الانسان الصلبة والقوية ، التي لن تجعل للشيطان اي سلطة عليه .. وقال الله مخاطبا ابليس:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} (الحجر: 42).

الله يعلنها لابليس بانك لن تتمكن ان تبسط نفوذك ووسوستك وتزيينك على كل الناس ، لماذا لان الانسان حر وقراره بيدهفمن عدل الله ورحمته انه لم يترك الإنسان أعزلا،فريسة سهلة للشيطان ولشياطين الانس معه، فالله ،أن جعل من نفس الإنسان وسريرته منطقة محرّمة، ومُصانة، وقدس أقداس، لا تخضع لقهر أو جبر.. فأنت حرّ.. أحلامك وأفكارك ونواياك ملك لك.. مخبأة في خزانة مفتاحها بيدكوفوق ذلك هداك النجديْنطريق الشر وطريق الخير، ثمّ قال لكاختر الطريق الذي تريد.. وفوق كلّ هذا أيضاً أرسل أنبياء رسل هدى ورشد.

لهذا ، ومهما بلغت وسوسات الشيطان من قوّة في الإبهار والإقناع، فإنّها لا تسلب الإنسان الإرادة والاختيار ومهما كان الآخر ذا نفوذ..

ولكن، هذه الحرية لها ثمن ، وبناءاً عليها فإن الانسان وحده يتحمل مسؤولية أعماله وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ في يوم القيامة ،ايها الاحبة، الله تعالى لا يعمل اي أسباب تخفيفية و لا يقبل الشيطان كعذر ، فالشيطان بكل صورته وسمعته عند البشر ليس عذرا .. كل هذه الشرور التي يتسبب بها، لا تُلزمه بشيء تجاه من يتبعونه يوم القيامة ..أرأيتم انقلاب المشهد :الشيطان في الدنيا يلازمك كظلّك{.. لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ..} الشيطان يقعد للانسان حتى في الصلاة، و في التصدق، امام الفقر وعند النعم … ولكن يوم الحساب، تلتفت حولك لا أثر لشياطين الجن ولا لشياطين الانس ،انت وحدك :{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ، {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا }،اما الشياطين فلهم مع الله حسابا آخر ..

لهذا ما هو مطلوب منك ليس ان تبحث عن شيطان لتبارزه وتقارعه وتصارعه لان الاخذ والعطا معه والتفاوض قد يجرك الى ساحته ولن تقدر عليه، لهذا مطلوب منك ان تظل صاحيا ؛ عقلك صاحيا وحواسك صاحية وقلبك صاحيا وغريزتك ملجومة فاذا كنت كذلك اطمئن و لا تعر الشيطان انتباها، قف مع الله، مع اوامره ونواهيه ، استهدِ عقلك وقرآنك ، واستفت قلبك ، وطريقك لن يدخلها شيطان ..سينهزم وحده و سينكفئ وحده، انه خناس يفر وينسل بعيدا، ونحن نقرأ كيف ان الصوم يسوّد وجهه ، والصدقة تكسر ظهره ، والحبّ في الله والموازرة على العمل الصالح يقطعان دابره ، والاستغفار يقطع وتينه ..

الشيطان ، ايها الاحبة، يفر من عباد الله المخلصين المؤمنين..ويفر من الصادقين الذين يقولون الحق ولو على قطع رقابهم ، ويفر من العادلين الذين يطبقون العدل ولو على انفسهم ،وينسل هاربا امام صلابة المجاهدين ووقت خشوع الذاكرين والمستغفرين و يفر امام عفو القادرين ورحمة العاملين وعطاء المحسنين .. ان كل اؤلئك يرجمونه بأعمالهم وأفعالهم وقوة ايمانهم وثبات خطواتهم ..

واما رجمنا للشيطان في موسم الحج بالحجارة فما هو الا رمز ودرس تربوي، اسوة واقتداء بما قام به نبي الله ابراهيم.. وتنفيذا وطاعة لما أمرنا الله به .. ونحن مع كلّ حجرٍ نقذف به، فكأنّنا نقطع عهداً على أنفسناخذ… هذا آخر عهدي بكخذ لقد أغلقت كلّ أبوابي بوجهك… لقد تحرّرت منك ومن طاغوتك، ورجائي أن أعود من رحلتي كما ولدتني أمّيخذ… هذا دليلي وعهدي أمام الله أنّني لن أكون ضحية من ضحاياك.. خذ..هذه حجارة من سجيل.

وأخيرا ،إنّ سلطان الشيطان ايها الاحبة ليس سلطاناً مطلقاً، ولا قدراً محتوماً، يكفي في حالة ضعف ان نستعيذ بالله من شياطين الجن وشياطين الانس قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلَهِ النَّاسِ، مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ، مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ السلاح بأيدينا:{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ }

وآخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين

 

الخطبة الثانية 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله؛ هذه التقوى الَّتي لا يمكن أن نصل إليها إلا إذا أخذنا بمنطق النبي إبراهيم(ع)، الذي لم يتردَّد في أن يترك زوجته وولده في مكَّة، رغم أنها كانت أرضاً قاحلة جرداء، لا زرع فيها ولا ماء، عندما أمره الله بذلك، كما لم يتردَّد في الاستعداد للقيام بأعظم التَّضحيات عندما أمره الله بأن يذبح ولده بيده.

إنَّ التقوى هي أن نسلم حياتنا لله، ونلتزم طاعته للارتقاء بدنيانا وآخرتنا، وعند ذلك نستطيع أن نكون أقوياء أشداء، وأن نواجه كلّ التحديات التي تعصف بنا. لقد انتهى موسم الحج؛ هذا الموسم العبادي والتربوي الَّذي أراده الله أن يكون موسماً للقاء المسلمين من كل فجٍ عميق، يؤكدون فيه وحدتهم عندما يطوفون ويسعون معاً، ويقفون في عرفات والمزدلفة معاً، ويسعون في منى معاً، ويرجمون الشياطين معاً، ويضحّون معاً، فأراد الله للمسلمين أن يتعلَّموا من هذه الفريضة أنهم مهما اختلفوا وتوزّعوا إلى مذاهب واتجاهات اجتماعية وسياسية وكيانات وأقاليم، فإنهم يلتقون في الحج على الإسلام الذي جاء به رسول الله(ص) امتداداً لكلّ الأنبياء السابقين.

ولكن مع الأسف، رغم كلّ هذه الصّورة الوحدويّة المتآلفة التي نشهدها عندما نكون في الحج، لا نرى أنَّ هذا المشهد هو نفسه في كثير من واقعنا العربي والإسلامي، ونحن في ذلك، لا نريد أن نشمل كلّ المسلمين، فهناك الكثيرون الذي يعيشون هذه الوحدة، ولكن الكلمة، للأسف، تبقى لأولئك الذين يعيثون في الأرض فساداً، ويزرعون المآسي والآلام تحت راية إسلام أفقدوه الرحمة والمحبة والتواصل.

وهذا ما نراه في العراق، حتى في أيام العيد المباركة، حيث لم يغب عنه مسلسل التفجيرات التي تتصاعد بشكل غير مسبوق، ويبقى الهدف هو زجّ العراقيين جميعاً في حرب مذهبية، وتعميق الأحقاد بينهم، وزعزعة استقرار هذا البلد وأمنه، وجره إلى تقسيم يقود إلى رسم حدود دمويَّة بين مكونات الشعب العراقي.

ونحن في الوقت الذي لا نزال نلح في السؤال عن السبب الذي يمنع الكثير من المرجعيات الإسلامية والسياسية من استنكار هذه الأعمال الوحشية، وتعرية من يقوم بها، وفضح الجهات الداعمة لها، نثمّن مواقف الشَّعب العراقي الصابر، الذي لا يزال يواجه هذه الجرائم بطريقة تفوِّت الفرصة على الَّذين يريدون تدمير واقع العراق وحاضره ومستقبله ووحدته.

أما مصر التي أُريد لها أن تدخل في الفتنة من البوابة الأمنية بعد السياسيَّة، فإننا نتطلَّع إلى أهل الحكمة فيها، ليعملوا على تطويق الصراع الداخلي الذي بدأ يتحوَّل إلى أخبار شبه يوميَّة عن انفجارات وعبوات واشتباكات تُنذر جميعها بأنَّ ما يُراد لمصر هو عينه ما يُراد لغيرها من البلدان العربية التي دخلت مرحلة اللاتوازن وانعدام الوزن السياسي والاستراتيجي والأمني، بعدما ضربتها رياح الفتنة وعصفت بها رياح التعصب والفوضى.

وهذا المشهد نفسه يتمثَّل في البحرين، حيث نريد لعجلة الحوار فيه أن تتحرك، وأن تتوقف آلة القمع والاعتقال والمحاكمات التي تتواصل ضد الشعب المسالم، الذي أثبت للعالم أنه مثال في الانضباط، رغم محاولات استدراجه للخروج عن خطه السلمي الواضح الَّذي رسمه لنفسه منذ البداية، ونحن نريد للسلطة في البحرين أن تتجاوب مع مطالب هذا الشعب، وأن لا تراهن على تعبه وإنهاكه، من خلال القيام بخطوات إصلاحية ملموسة تفضي إلى تحقيق مطالب الشَّعب وانهاء هذه الأزمة، بعيداً عن كلّ عمليات الاستغلال والاستفزاز.

أما سوريا الغارقة في معاناتها الكبيرة؛ هذه المعاناة التي وصفتها عدة تقارير صادرة عن المنظَّمات الدوليَّة، حيث أشارت إلى حجم الجرائم والمجازر الَّتي تؤكّد أنَّ الشَّعب السّوري دفع ويدفع الأثمان الباهظة جراء هذا المنطق التدميري، الَّذي يمارسه البعض وتفاقمه العوامل الخارجية المتداخلة في هذه الأزمة المعقدة.

إنَّنا أمام كلّ هذه الدماء، نؤكّد أنَّ الخيار الوحيد لإخراج سوريا من أزمتها، هو اندفاع الجميع إلى طاولة الحوار، واستغلال ما يلوح من فرص أمامنا، للتعامل مع كلّ القضايا بعين المسؤولية، لتعود سوريا موقعاً من مواقع الوحدة والقوة والمنعة في مواجهة كلّ التحدّيات.

أما لبنان، فإننا نريد لعجلة الحكومة أن تعود إلى الدوران، ولا سيما في الملف النفطي، الَّذي لا بدَّ من أن يُعالج بشفافية وبسرعة، للحفاظ على ثروات لبنان، واستثمارها لإخراج لبنان من أزماته الاقتصادية المتفاقمة، بدلاً من الهروب إلى الأمام، والاستغراق في جدل حول كل ما يتصل بتلزيم التنقيب عن النفط، ليكون التعامل في هذه القضية انطلاقاً من الحرص على مصالح الوطن، دون أن تعيقها حدود الطوائف.

وليس بعيداً عن هذا الملف، ثمة هموم أخرى أبرزها ما يتَّصل بالجانب الأمني، من خلال اكتشاف السّيارة المفخَّخة الجديدة، الأمر الذي يعيد الضاحية، ومن خلال ذلك كل لبنان، إلى دائرة الاستهداف، ما بات يتطلب التحرك من جميع اللبنانيين لمواجهتها، والعمل على تعزيز المناخ الداخلي، من خلال تشكيل حكومة جامعة على قاعدة الاستناد إلى الحوار المنفتح في كل القضايا.

ونحن في هذا الوقت، ندعو إلى استمرار العمل على حل أزمة المخطوفين في أعزاز وإنهائها نهاية سليمة.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله                                                 

التاريخ : 13 ذو الحجَّة 1434هـ  الموافق :18 تشرين الأول 2013م

 

 

 

Leave A Reply