استنكر الهجوم العدوانيّ على الصّحيفة الفرنسيّة، فضل الله في مؤتمر التّقريب: حالة من الإحباط تصيب العاملين للوحدة الإسلاميّة

دعا العلامة السيّد علي فضل الله إلى تنقيح الموروث الدينيّ الّذي تستند إليه الجماعات التكفيريّة، مشدّداً على إعادة الاعتبار لمفهوم الأنسنة في التعامل مع المختلف والآخر. من جهة ثانية، استنكر سماحته الأسلوب العدوانيّ الَّذي لا يقرّه الإسلام في الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسيّة، محذّراً من تحميل الجاليات الإسلاميّة مسؤوليّة هكذا أفعال.

 

كما حذَّر سماحته في الكلمة الّتي ألقاها في المؤتمر الدّولي الثّامن والعشرين للوحدة الإسلاميّة، المنعقد في طهران، والَّذي ينظّمه المجمع العالميّ للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة، من وجود حالةٍ من الإحباط في أوساط الكثير من الوحدويّين الإسلاميّين، إلى حدّ القول إنّ الوحدة الإسلاميّة، والتّقريب بين المذاهب الإسلاميّة، لم يحقّقا أهدافهما.

ودعا إلى تفكيك أسباب الإحباط وعناصره، بالعودة إلى جوهر الوحدة المرتكز على القرآن، والسنّة النبويّة، والمشتركات الضَّخمة التي تجمع المسلمين، لمواجهة ما تسعى إليه جماعات ودول لتفتيت الصّفّ الإسلاميّ، إلى درجة أنَّ سلوكاً فردياً واحداً، بإمكانه أن ينسف المساعي المبذولة في سبيل الوحدة.

وانتقد سماحته بعض تجلّيات خطاب الوحدة الذي قد يكون شكلاً وفولكلوراً، وبخاصة عندما تصطدم هذه الدّعوات بتناقض بين المعلن وغير المعلن، مشيراً إلى استهلاك خطاب الوحدة للشعارات ولجميع الأدبيات حوله، وسعيه للإتيان بدليل عليها من القرآن والسنّة، كما انتقد موسميّة الخطاب الوحدويّ وخضوعه للمصلحة السياسيّة والاقتصاديّة وغيرها من ضرورات المسايرة والتّلاقي.

ورأى أنَّ العمل للوحدة يستدعي أن نضع أهدافاً مرحلية وآنية، وأخرى طويلة الأمد، وقال: "لهذا، لا بدّ اليوم من الشجاعة والجرأة في أن يبادر كلٌ في ساحته، وفي إطاره الديني والمعرفي، لتنقيح الموروث الديني الّذي تستند إليه الجماعات التكفيريّة لتبرير إجرامها، وأن يتم  الأخذ بالمقدّس، كالقرآن الكريم، والاستناد إلى المتواتر من السيرة. وأما ما دون ذلك، فيجب إعادة قراءته، إما بتوضيح مقاصده بما لا يقبل الشّكّ، وإما برفضه وضربه بعرض الحائط، إن خالف القران الكريم وثوابت الدين".

وتابع: "لا بدّ أيضاً من إعادة الاعتبار عمليّاً إلى مفهوم الأنسنة في التّعامل مع المختلف والآخر، انطلاقاً من حديث الإمام عليّ(ع): "الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق". ومساواة الإنسان نفسه مع الآخر، إن أُقِرت كمبدأ، ستكون لها مصاديق كثيرة، تربويّة واجتماعيّة ودينيّة، تنقل الحوار والتّعايش إلى القاعدة وإلى النّاس، عوضاً أن تبقى هذه المسألة أسيرة فتوى من هنا أو خلاف فقهيّ من هناك، حتى إنّ هذه المؤاخاة في الدين في أدنى صورها، تتمثّل في أن لا يبخل أحد من جميع المسلمين على الأقل باستنكار وشعور بالأسى والغضب على ضحايا هذا التكفير، إلى أيّ بلد أو جهة انتموا".

وختم سماحته: "إننا نتطلَّع إلى ضرورة تعزيز لغة الحوار والتّلاقي على كلّ المستويات، ولا سيّما المواقع الدينيّة الفاعلة والمؤثرة في النّجف وقم ومصر وغيرها. ويبقى الأساس هو هذا المشهد؛ مشهد التلاقي الذي نريده أن يكون القاعدة في علاقتنا، فاللقاء المبني على الحرص على صورة الإسلام، وعلى استقرار أوطاننا ونهوضنا، سيُساهم في حلّ الكثير مما نعانيه".

 

من جهة ثانية، استنكر سماحته الهجوم الذي استهدف صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسيّة، ورأى أنَّ هذا الأسلوب العدواني لا يقرّه الإسلام والشَّرع، لما تضمّنه من قتل لأبرياء لا علاقة لهم بالإساءة إلى الرسول الأكرم(ص).

وأضاف: "لقد بات واضحاً أنّ هذه الظّاهرة التي انطلقت من حيثيات وأسباب كثيرة، أصبحت تشكّل تهديداً عابراً للحدود والدّول، وبات يكتوي بنارها البعيد والقريب، بمن في ذلك أولئك الذين أطلقوا يدها في بعض المواقع، ولم يتنبّهوا إلى أنها يمكن أن ترتدّ عليهم وعلى كثير من المواقع، وخصوصاً الغربية منها".

وحذّر من تحميل الجاليات الإسلاميّة والمسلمين في فرنسا أو في أوروبا، مسؤوليّة هذا العمل أو ما يشابهه، مؤكّداً أنَّ المرحلة باتت تستدعي تنسيقاً وتواصلاً أكثر مع هذه الجاليات، لمواجهة هذه الظّاهرة، بعيداً عن روح التشفّي والانتقام الّتي لن تفيد أحداً، بل قد تساهم في تعقيد الأمور.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيّد علي فضل الله 

التاريخ: 17 ربيع الأول 1436هـ الموافق: 8 كانون الثاني 2015م

Leave A Reply