اغتنامُ شهرِ رجبَ بالاستغفارِ والتَّوبةِ

السيد علي فضل الله

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الدينية

قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}[التوبة: 36]. صدق الله العظيم.

الأشهرُ الحرُمُ

أشار الله سبحانه في هذه الآية إلى أنَّه اختصّ، ومنذ خلق السماوات والأرض، من أشهر السنة أربعة أشهر حرم، وهي رجب، وذو القعدة، وذو الحجّة، ومحرَّم، وقد سميت الأشهر الحرم، لأنّ الله سبحانه أراد لها أن تكون أشهر سلام، فلا يجوز فيها الابتداء بالقتال، ولا الدخول فيه إلَّا دفاعاً عن النفس، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ}[البقرة: 217].

ولم تقف أهميَّة هذه الأشهر على تحريم القتال فيها، وتجميد النزاعات وتبريد الخلافات على مستوى الأفراد والجماعات والدّول، بل أراد الله لهذه الأشهر أن تكون مواسم للتزوّد الروحيّ والإيمانيّ، وهذا ما دُعينا إليه في هذا الشَّهر المبارك ــ شهر رجب ــ فقد وردت فيه العديد من الأدعية والصّلوات والصّيام والأذكار المستحبَّة، يضاف إليها العديد من المناسبات التي وردت في هذا الشَّهر، والتي يساهم إحياؤها في تعزيز الجوّ الإيماني والروحي والتربوي.. مثل ولادة أمير المؤمنين (ع)، والمبعث النبويّ الشَّريف، وذكرى الإسراء والمعراج، وغيرها من المناسبات.

شهرُ الاستغفارِ

ولعلَّ أبرز ما ورد في شهر رجب، والذي سنتوقَّف عنده اليوم، هو ما أشار إليه رسول الله (ص)، عندما تحدَّث عن هذا الشَّهر، فقال: “رجب شهر الاستغفار لأمَّتي، فأكثروا فيه الاستغفار، فإنّه غفور رحيم”. فهذا الشَّهر هو شهر الاستغفار.

والاستغفار هو طلب الغفران، ويعني أن يدعو الإنسان ربَّه بأن يغفر له ذنوبه وآثامه، ويتجاوز عن تقصيره في أداء الواجبات والقيام بالمسؤوليَّات التي أوجبها الله عليه، سواء أكانت هذه تجاه ربِّه أو عائلته أو أرحامه أو جيرانه، أو تجاه مجتمعه ووطنه وأمَّته، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة العدل ومواجهة الظّلم والظالمين، مما كان يعتذر منه الإمام زين العابدين (ع)، عندما يقول في دعائه: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ مَظْلوُمٍ ظُلِمَ بِحَضْرَتِي فَلَمْ أنْصُرْهُ، وَمِنْ مَعْروفٍ أُسْدِيَ إِلَيَّ فَلَمْ أَشْكُرْهُ، وَمِنْ مُسيءٍ اعْتَذَرَ إِلَيَّ فَلَمْ أَعْذِرْهُ، وَمِنْ ذي فاقَةٍ سَألَنِي فَلَمْ أوُثِرْهُ، وَمِنْ حَقِّ ذي حَقٍّ لَزِمَنِي لِمُؤْمِنٍ فَلَمْ أُوَفِّرْهُ”.

بابُ العودةِ إلى اللهِ

والاستغفار من أهمّ النِّعم الّتي أنعم الله بها على عباده وحباهم بها، فهو لم يشأ لعباده أن يتلوَّثوا بالمعاصي والذنوب والآثام، ولا يفتح لهم الباب للعودة إليه والتراجع عمَّا وقعوا فيه من أخطاء أو تقصير.

فقد فتح لهم الباب واسعاً له، وسهَّل لهم الطَّريق لبلوغه، فيكفي لهم أن يستغفروا الله حتَّى يجدوا الله غفوراً رحيماً، وإلى هذا أشار الله سبحانه، فقال: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً}[النّساء: 110]. وقال: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[المائدة: 74].

وقال عزَّ وجلَّ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً}[الزّمر: 53].

وفي الحديث القدسيّ: “يا بن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السَّماء ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي”.

أثرُ الاستغفارِ

وقد أشارت الأحاديث الشَّريفة إلى مدى الأثر الَّذي يتركه الاستغفار على الإنسان، فالاستغفار يؤدِّي إلى محو الذّنوب وإزالة كلّ آثاره، حيث ورد في الحديث: “مَن تابَ تابَ اللهُ علَيهِ، وأُمِرَتْ جَوارِحُهُ أنْ تَسْتُرَ علَيهِ، وبِقاعُ الأرضِ أنْ تَكْتُمَ علَيهِ، وأُنْسِيَتِ الحَفَظَةُ ما كانتْ تَكتُبُ علَيهِ”، وأن يستعيد علاقته بربّه وتتوطَّد، وأن لا يقع في المحاذير التي تؤدِّي إليها الذنوب، هذه المحاذير أشار إليها الإمام عليّ (ع) في دعاء كميل، عندما قال: “اللَّهُمَّ اغفِر ليَ الذُّنوبَ الَّتي تَهتِكُ العِصَمَ. اللَّهُمَّ اغفِر ليَ الذُّنوبَ الَّتي تُنزِلُ النِّقَمَ. اللَّهُمَّ اغفِر ليَ الذُّنوبَ الَّتي تُغَيِّرُ النِّعَمَ. اللَّهُمَّ اغفِر ليَ الذُّنوبَ الَّتي تَحبِسُ الدُّعاءَ. اللَّهُمَّ اغفِر ليَ الّذنوبَ الَّتي تُنزِلُ البَلاء. اللَّهُمَّ اغفِر ليَ الذّنوبَ الّتي تقطع الرَّجاء”.

والاستغفار جعله الله سبباً لزيادة الرّزق وتوسعته، ودفع البلاء عن الإنسان في الدنيا، وإزالة همومه وغمومه، وباباً للأمان في الحياة.

وهذا ما أشار إليه الله سبحانه: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}[هود: 52]، {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}[هود: 3].

فقد ورد في الحديث عن أمير المؤمنين (ع): “وَقَدْ جَعَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ الِاسْتِغْفَارَ سَبَباً لِدُرُورِ الرِّزْقِ وَرَحْمَةِ الْخَلْقِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً}[نوح: 10 – 12]. فَرَحِمَ اللهُ امْرَأً اسْتَقْبَلَ تَوْبَتَهُ وَاسْتَقَالَ خَطِيئَتَهُ”.

وجاء في الحديث: “مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ، جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فرجاً”. وجاء أيضاً: “من كثرت همومه، فعليه بالاستغفار”.

وقد أشار الإمام عليّ (ع) بعد وفاة رسول الله (ص) إلى الأمان الذي يحقِّقه الاستغفار في الحياة، فقال: “كان في الأرض أمانان من عذاب الله، وقد رفع أحدهما، فدونكم الآخر فتمسَّكوا به: أمَّا الأمان الَّذي رُفِع فرسول الله (ص)، وأمَّا الأمان الباقي فالاستغفار، قال تعالى: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}”[الأنفال: 33].

كيفيّةُ الاستغفارِ

أمَّا كيفيَّة الاستغفار، فلا ينبغي أن تقف عند حدود اللِّسان، بل تتعدَّى ذلك إلى إزالة آثار الذَّنب والتَّقصير وتصحيح المسار.. وقد ورد في الحديث: “المستغفر من الذَّنب وهو مقيم عليه فهو كالمستهزئ بربِّه”.

وفي الحديث: “مَن استغفر بلسانه ولم يندم بقلبه، فقد استهزأ بنفسه”.

وقد بيّن الإمام عليّ (ع) طريقته عندما سئل عن الاستغفار، فقال: “تَدْرِي مَا اَلاسْتِغْفَارُ؟ إِنَّ لِلاسْتِغْفَارِ دَرَجَةَ اَلْعِلِّيِّينَ، وَهُوَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ؛ أَوَّلُهَا اَلنَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى، وَاَلثَّانِي اَلْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ اَلْعَوْدِ إِلَيْهِ أَبَداً، وَاَلثَّالِثُ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى اَلْمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَى اَللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ، وَاَلرَّابِعُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا، وَاَلْخَامِسُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اَللَّحْمِ اَلَّذِي نَبَتَ عَلَى اَلسُّحْتِ فَتُذِيبَهُ بِالْأَحْزَانِ حَتَّى تُلْصِقَ اَلْجِلْدَ بِالْعَظْمِ، وَيَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ، وَاَلسَّادِسُ أَنْ تُذِيقَ اَلْجِسْمَ أَلَمَ اَلطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاوَةَ اَلْمَعْصِيَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اَللهَ”.

المسارعةُ إلى المغفرةِ

ولذلك، أيُّها الأحبّة، نحن مدعوّون إلى أن نغتنم فرصة هذا الشَّهر المبارك الذي يفيض الله فيه برحمته على عباده، بأن نجري فيه مراجعة جادّة مع أنفسنا بين يدي الله تعالى لكلّ ماضينا، لنرى أين أخطأنا وأين قصَّرنا، أفراداً كنّا أو جماعات وأمّة، ونعاهد الله سبحانه بعد ذلك أن لا نعود إلى سابق عهدنا الَّذي أخطأنا فيه أو قصَّرنا، وأن نصحِّح مسارنا، ويكون مستقبل أمرنا خيراً من ماضيه، فلا نفوِّت الفرصة، ونسرع إلى الاستغفار الذي دعانا الله سبحانه، عندما قال: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران: 133].

وعندما قال: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}[الزّمر: 54 – 55].

ولننال بذلك ما وعد الله به عباده التّائبين العائدين إليه، عندما قال: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البقرة: 222].

فليس شيء أحبّ إلى الله من مؤمن تائب، أو مؤمنة تائبة.

وفَّقنا الله لنكون من أولئك الرَّاجين لمغفرة الله، والسّاعين إليها، لننال رضوانه، إنَّه سميع مجيب الدّعاء.

الخطبة السياسية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بوصيَّة الإمام الباقر (ع)، هذا الإمام الَّذي مرَّت علينا ذكرى ولادته في الأوَّل من شهر رجب، حين قال: “يا بنيّ، أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة: يا بنيَّ! اصبر على الحقِّ وإن كان مرّاً”.

فلنستوص بهذه الوصيّة الَّتي تجعلنا نقف بكلّ عزم وإرادة أمام التحدّيات التي تواجهنا، عندما نكون مع الحقّ ومع العدل، وفي مواجهة الظَّالمين والفساد والطّغاة، فنصبر على الآلام والحصار والضّغوط، وبذلك نكون أقوياء وأكثر قدرةً على مواجهة التحدّيات.

التَّدهورُ المعيشيُّ

والبداية من الوضع المعيشيّ والحياتيّ للّبنانيّين، الذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، بفعل استمرار ارتفاع أسعار الموادّ الغذائيّة والدّواء والمحروقات، ومتطلّبات النقل والاستشفاء، والّتي لم تتحسَّن كما كان متوقَّعاً بعد التراجع بسعر صرف الدّولار، وهذا يعود إلى جشع التجّار، ورغبتهم في الرّبح، من دون الأخذ في الاعتبار تداعيات ما يقومون به على صعيد الوطن والمواطن.

وهنا نقدِّر الدَّور الذي تقوم به أجهزة وزارة الاقتصاد، بملاحقة التجَّار الذين يستمرون برفع أسعارهم، وندعو إلى استمرار هذا الدَّور وتوسعته وتعزيزه، وأن لا يقف عند صغار التجار، بل أن يصل إلى الكبار منهم، وإلى الضَّرب بيد من حديد على من يتلاعب بلقمة عيش النَّاس ومقدّراتهم واحتياجاتهم.

في انتظارِ الموازنةِ

في هذا الوقت، ننتظر مع كلّ اللّبنانيّين ما ستؤول إليه المشاورات التي تجري داخل أروقة مجلس الوزراء حول الموازنة، ونحن نأمل أن تكون الحكومة على قدر من المسؤوليَّة، بأن لا تضع على كاهل اللّبنانيّين أعباء إضافيّة هم غير قادرين على تحمّلها ،كالتي يتمّ الحديث عنها، إن على صعيد إقرار الدولار الجمركيّ، أو رفع تعرفة الاتّصالات أو الكهرباء.

إننا مع كلّ اللّبنانيّين نعي واقع الدَّولة، ومدى حاجة الخزينة إلى الضَّرائب لتأمين متطلّباتها واحتياجاتها، ولكنّنا نؤكّد مجدَّداً أنّ هذه الضَّرائب يجب ألَّا تقع على عاتق الطبقات الفقيرة أو المسحوقة، بل على الطبقات الميسورة، ومن أثروا على حساب اللّبنانيّين، كذلك ينبغي الاستفادة من موارد الدَّولة ومقدّراتها، واستعادة الأموال المنهوبة، سواء من الداخل، أو تلك التي هرِّبت إلى الخارج، والقيام بمعالجة جادّة للفساد والهدر الّذي لا يزال يأكل أخضر الدَّولة ويابسها.

إنَّ على الحكومة أن لا تستسهل مجدَّداً الأخذ من جيوب اللّبنانيّين، بعدما أصبحت جيوب أكثرهم فارغةً أو تكاد.

إنّ اللّبنانيّين لن يرتشوا للقبول بضرائب جديدة بتقديمات اجتماعيّة، سواء كانت للأفراد أو للمؤسَّسات، والتي لن تكون حلاً لا للأفراد ولا لهذه المؤسَّسات، ولن يُخدَعوا بتخفيض سعر صرف الدّولار الَّذي يعرفون مسبقاً أنَّه لن يستمرّ على انخفاضه، وهو عندما يتمّ، فهو يتمّ من حساب ودائعهم.

رفضُ التَّهاونِ معَ العملاءِ

أمَّا على صعيد اكتشاف شبكات التجسّس الإسرائيليّة، والتي بلغت بأعدادها وامتداداتها منحى خطيراً، فإنّنا ننوّه بالدّور الذي قامت به الأجهزة الأمنيّة لكشف هذه الشبكات، وندعو القضاء إلى التَّعامل معها بكلّ جدّية ومسؤوليّة، وأن لا تخضع لأيّ مساومات أو تدخّلات بدافع طائفيّ أو مذهبيّ أو سياسيّ أو انتخابيّ، أو لأيِّ حسابات، وأن تؤخَذَ في ذلك الإجراءات الرادعة تجاه من باع شرفه وكرامته وأمن بلده لحساب عدوٍّ لا يزال يحتلّ الأرض، وينتهك السّيادة، ويخطِّط ليلاً ونهاراً للإطباق على هذا البلد الَّذي يراه خطراً على صيغته العنصريّة.

إنَّنا نرى أنَّ التَّهاون الذي حصل في السَّابق تجاه العملاء، هو الذي شجَّع وجود شبكات اليوم، والتهاون إن حصل اليوم، سيشجِّع على وجود شبكات في المستقبل، ولا سيّما في ظل الظروف الاقتصاديّة الّتي تسهّل على العدوّ استقطاب العملاء، وتجعله يتحرك بحرية.

وفي الوقت نفسه، ندعو اللّبنانيّين إلى اليقظة الدَّائمة من هذا العدوّ الَّذي لن يدع أيّ ثغرة لينفذ من خلالها إلى داخل البلد، ليهدِّد أمنه ووحدته، وليعمِّق الهوَّة بين مكوِّناته، ليكون فريسةً سهلة له.

تأييدُ مطالبِ السَّائقينَ

أمَّا على صعيد التحركات المطلبيّة، وآخرها الاحتجاج الذي جرى من قبل السائقين العموميّين، فإنّنا نؤكّد وقوفنا مع مطالب السَّائقين الذين باتوا غير قادرين على تأمين لقمة عيشهم، بعد رفع الدَّعم عن المحروقات، وارتفاع كلفة الصّيانة بسياراتهم وحافلاتهم، لندعو الحكومة إلى الوفاء بوعودها تجاههم، وأن لا تدفعهم مجدَّداً إلى النزول إلى الشَّارع، مع كلِّ ما بات يترتب على هذا النزول من تعطيل لحركة السَّير وتنقّلات المواطنين، مما لا نريده ولا نعتقد أنهم يريدونه.

حادثةٌ خطيرةٌ

أمَّا على صعيد الحادثة التي حصلت في إحدى المؤسَّسات الكبرى بعدم القبول بتوظيف فتاة لكونها محجَّبة، رغم أنها تمتلك الكفاءة الكافية للقيام بالعمل المطلوب منها، فإننا نرى هذه الحادثة خطيرة، كونها تمسّ بصيغة هذا البلد الذي بني على تعدّد الأديان وقبول بعضها لبعض، وتلاقيها وتعاونها، ونرى في ذلك إقصاءً لشريحة واسعة من اللّبنانيّين يرون أنَّ الحجاب ليس خياراً، بل واجباً دينيّاً كبقيَّة الواجبات الدينيّة، ومساهمةً في خلق هوَّة بين مكوِّنات هذا البلد وشرائحه.

ونحن في هذا المجال، ندعو القائمين على هذه المؤسَّسة إلى التراجع عن هذا القرار، حفظاً لصورتها ولصورة لبنان الجميل بتنوّعه في أديانه ومذاهبه.

الحلُّ بوقفِ الحربِ

وعلى صعيد حرب اليمن الَّتي بتنا نخشى من أن تصل تداعياتها إلى المنطقة كلِّها، ولا سيَّما بعد دخول العامل الإسرائيليّ على الخطّ، فإنَّنا ندعو مجدَّداً إلى الإسراع لإيقاف هذه الحرب، والعمل الجادّ لخلق مناخ حوار بين اليمنيّين، يؤمِّن إيقاف نزيف الدَّم في بلدهم، وعودة الاستقرار إليه، وضمان وحدته، ومساعدته على تجاوز الأزمات الَّتي يعانيها إنسانه على كلّ الصّعد.

إننا نجدِّد التأكيد أنّ الحلّ في اليمن لن يكون بمزيدٍ من الحشد الدّولي والإقليمي، كالَّذي يحصل، بل باحترام خيارات هذا البلد وحرّيته واستقلاله.

كيانٌ عنصريٌّ

وأخيراً، نتوقَّف عند القرار الَّذي صدر عن منظمة العفو الدوليّة، باعتبار الكيان الصهيوني دولة عنصريَّة في التعامل مع الفلسطينيّين، لنؤكِّد أهمية هذا القرار، والّذي يدين العدوَّ وينصف الشّعب الفلسطيني.

ومع الأسف، يصدر هذا القرار في الوقت الَّذي يمدّ بعض العرب يده إلى هذا الكيان، ويعزِّز حضوره في العالم العربيّ والإسلاميّ، وقدرته على الاستمرار بممارساته القمعيَّة والإرهابيّة بحقّ الشَّعب الفلسطينيّ.