الإسلام يتصدَّى لمنطق الاتّباع الأعمى

السيد علي محمد حسين فضل الله

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

الخطبة الأولى

قال الله سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ}. صدق الله العظيم.

منطق الاتّباع!

لقد أشارت هذه الآية إلى المنطق الذي عاناه الأنبياء في كلّ مراحلهم، عندما كانوا يدعون الناس إلى ما جاؤوا به من عند الله، فكان منطق النّاس: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ}. فهم كانوا يخضعون لمنطق آبائهم وأجدادهم، وليسوا على استعداد للتفكير فيما جاء به هؤلاء الأنبياء، حتى لو كانوا جاؤوا بالحقيقة وكان ما فيها لمصلحتهم، ولذلك يردّ الله عليهم: {أوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ}، وفي آية أخرى: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ}.

وهذا المنطق لا يقف عند حدود الاتّباع للآباء والأجداد، بل نراه في كلّ الذين يتبعون الجهات التي ينتمون إليها، سواء في المواقع الدينية أو السياسية أو الاجتماعية، أو الذين يتبعون الأعراف والتقاليد السّائدة في المجتمع، أو ما يجري عليه النّاس من دون وعي وتدبّر له.

وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم، عندما دعا رسوله إلى أن يقول لكلّ الّذين واجهوه أن يفكّروا: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا…}.

منطق الأنبياء!

لقد واجه الأنبياء هذا الاتّباع الأعمى، وتصدّوا لهذه الحالات، لأنهم أرادوا للناس أن يفكّروا ويحكّموا عقولهم في كلّ ما يرد إليهم، وأن لا يكونوا صدى للآخرين وخشبة في تيّارهم.

وهذا ما أوضحه رسول الله (ص)، عندما نهى الناس عن أن يكونوا إمّعة، فقال: “لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاؤوا فَلَا تَظْلِمُوا”.

وفي حديث آخر عن الإمام الكاظم (ع): “أبلغ خيراً، وقل خيراً، ولا تكن إمّعة”. قال: وما الإمّعة؟ “قال: لا تقل: أنا مع النّاس، وأنا كواحد من النّاس. إنّ رسول الله (ص) قال: إنَّما هما نجدان؛ نجد خير ونجد شرّ، فلا يكنْ نجد الشرّ أحبَّ إليكم من نجد الخير”.

ففي منطق رسول الله (ص)، لا بدَّ للإنسان من أن لا ينطلق في مواقفه من خلال ما عليه النّاس، بأن يسير حيث ساروا ويقف حيث وقفوا. ففي الحياة، هناك طريقان؛ طريق خير وطريق شرّ، طريق حقّ وطريق باطل، فلا بدّ من أن يكون المؤمن مع الحقّ، حتى لو كان الناس كلّهم في مواجهته، وأن يكون ضدّ الباطل، حتى لو أيّد الباطلَ كلُّ الناس.

المسؤوليّة الفرديّة

وقد عزَّز القرآن الكريم هذا الموقف، عندما حمّل الإنسان مسؤوليّة خياراته وحده، وأنه هو من سيحاسب عليها عندما يقف بين يدي ربّه، ولن يقبل منه أن يقول أنا أخذت هذا القرار أو الموقف بناءً على رأي عائلتي أو الجهة التي أنتمى إليها أو هوى هذا أو ذاك، قال تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَ}. وهذا ما أشار إليه الله سبحانه: {وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْد}، {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيب}.

وقد نقل القرآن الكريم لذلك مشاهد يوم القيامة، عندما يلتقي التابعون بالمتبوعين؛ ماذا سيقول كلّ منهم للآخر.

قال تعالى: {وَبَرَزُوا للهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}.

وفي آية أخرى، تحدّث القرآن عن جواب أهل النار، حين يسألون عمّا فعلوا حتى واجهوا هذا المصير: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِير}.

وفي مشهد آخر، يشير إلى جواب من يدخلون سقر، وهو وادي سحيق في جهنّم، حين يُسألون: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ}…

اتّباع الرّسل والعلماء!

وهنا قد يطرح السؤال: إذا كان للإسلام هذا الموقف من الاتّباع والتقليد للآخرين، فكيف نبرّر دعوته إلى اتّباع الأنبياء والرّسل والعلماء والمجتهدين، ومن دون نقاش، أليس هذا اتّباعاً؟

إنَّ الله لم يرد للنّاس اتّباع الأنبياء اتّباعاً أعمى، أو بناءً على إكراه، بل بناءً على قناعة، حتى لو كان الله يملك كلّ القوَّة والسّطوة لفرض ما يريد، بل قدَّم كلّ الأدلَّة التي تدلّ على نبوءتهم، وأمدّهم بالمعجزات، وأرسل معهم الرّسالة المقنعة، حيث قال: {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}، {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.. وقال: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، وعندما قال لرسوله (ص): {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ}. لذا، لا تقليد في العقائد، أمّا تقليد المجتهد، فلا بدَّ من أن يبنى على القناعة بعلمه وقدرته على تبيان الأحكام الشرعيَّة، وذلك عندما لا يكون المكلَّف قادراً بنفسه على الوصول إلى تلك الأحكام من القرآن والسنَّة، لكون الأمر يحتاج إلى تخصّص ودراسة. ومن المفيد أن نقول إنّ تقليد المكلَّف للمرجع ينحصر في الأمور الفقهيّة، ولا يتعدّاه إلى الأمور الاعتقاديّة أو السياسيّة أو الاجتماعيّة أو الحياتيّة اليوميّة، وهنا بيت القصيد.

الوعي قبل الاتّباع

لذلك، أيّها الأحبة، من الطبيعيّ أن ينتمي الإنسان في هذه الحياة إلى عائلة أو عشيرة أو تنظيم أو جهة سياسيّة واجتماعيّة، فالإنسان لا يمكن أن يعيش وحيداً، فلا بدّ من أن يعيش ضمن جماعة ومجتمع، وأن يتواصل مع كلّ مكوّنات المجتمع الذي يعيش فيه، ولكن هذا لا يعني أن يجمد الإنسان تفكيره وقناعاته، وأن يكون محكوماً في ما يفكّر فيه، بل لا بدّ من أن يبقى قراره بيده لا يأخذه من الآخرين، فإن التقى تفكيره مع تفكير الآخرين، سعى في ذلك الرأي معهم، وإن اختلف تفكيره معهم، اتّخذ القرار الّذي يراه مناسباً، وبعيداً من كلّ العاطفة والهوى والانتماء.

ولذلك، أيّها الأحبّة؛ فلنضع كلّ ما يرد إلى سمعنا وبصرنا، وكلّ ما نقرأه، على طاولة النّقد والبحث والتَّدقيق والدراسة، فنملك أذناً واعية، ونستند إلى البصر والبصيرة، وأن يكون لنا لسان ينطق بالعلم والوعي والحقيقة، وعقل يتفاعل مع عقول الآخرين، وبما أفاء به الله مما جاء عنه، وما نقله رسول الله (ص) والأئمّة من بعده.

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي، في أجواء ذكرى ولادة السيّدة زينب (ع)، الّتي تمرّ علينا في الخامس من شهر جمادى الأولى، بأن نتمثَّلها في موقفها أمام يزيد، حين أُدخلت عليه مكبّلةً بقيودها، متعبةً من مشاق الطّريق، ورأته منتشياً بالنّصر الَّذي توهّمه في كربلاء، وأرادت أن تريه الحقيقة الّتي خفيت عنه، بأنَّ المستقبل لن يكون كما خطَّط، وهي في ذلك لم تخش بطشه وجبروته، بل وقفت بكلّ عنفوان الإيمان وصلابته لتقول: “يا يزيد، كد كيدك، واسع سعيك، وناصب جُهدَك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها. وهل رأيك إلا فند، وأيَّامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد؟ يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظّالمين”.

لم يكن موقف السيّدة زينب طارئاً أو انفعاليّاً، بل هو موقف انطلق من عمق إيمانها وتربيتها، وينبغي أن يطلقه كلّ الذين يحملون إيمانها وروحيَّتها في مواجهة الطّغاة والجبابرة، الّذين يظنون أنهم يملكون مقادير الأمور بجبروتهم وطغيانهم وإمكاناتهم، وأن يكرّروا قولها: “كد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا”.

إنَّ هذه الصّورة ينبغي أن نرسمها دائماً في أذهاننا عن السيّدة زينب (ع)، حتى لا تبدو، كما يحلو للبعض أن يصوِّرها، مهزومةً مكسورةً ذليلة. ستبقى السيّدة زينب، كما هي، رمزاً للمجاهدين، وقدوةً للأحرار، وعنواناً يقتدى به في مواجهة كلّ التحدّيات التي تعصف بنا.

تفاقم الأزمة

والبداية من لبنان الذي لا تزال تتفاقم فيه الأزمات على الصّعيد الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي، والتي ستزداد تفاقماً عندما تصدر الحكومة قرارها المنتظر برفع الدّعم عن السّلع الأساسيّة كليّاً أو جزئيّاً، والذي أصبح واضحاً أنّه مسألة وقت، حتى لو تمَّ تغيير الاسم من رفع الدعم إلى ترشيده، فهو لن يغيِّر في الواقع شيئاً، والذي إن حصل، لن تقتصر تداعياته على لقمة عيش المواطنين وصحّتهم وقدرتهم على تأمين متطلّبات حياتهم، بل على أمنهم واستقرارهم، وهو ما نشهده هذه الأيّام من ازدياد منسوب السرقات والتعدّيات على الأملاك الخاصّة والجرائم المتّصلة بها، وقد تصل إلى المسّ بسيادة الوطن وبقراره الحرّ، بعدما أصبح واضحاً مدى ارتباط السياسة والأمن بالاقتصاد.

لا حلّ في الأفق

في هذا الوقت، لا تزال القوى السياسيّة المعنيّة بتأليف الحكومة غارقة في سجالاتها وصراعاتها، والتي لا تتعلّق بكيفيّة إخراج البلد من معاناته في تأليف الحكومة الأقدر على إدارة أموره في هذه المرحلة، بل على الصّلاحيّات أو من يمسك بقرارها ومن له الحظوة فيها، من دون أن يأخذوا في الحسبان واقع البلد، وأنّ هذا البلد لا يبنى إلا بالتّوافق والمشاركة، لكن لا على أساس المحاصصة أو التَّعطيل، بل لإخراجه من أزماته.

وهنا نأمل أن تؤدّي الاتّصالات الجارية إلى فتح ثغرة في هذا الجدار، وإن كان ذلك لا يبدو قريباً.

إنّنا أمام هذا الواقع، نجدّد تحذيرنا للقوى السياسيّة من تداعيات الاستمرار في سياسة إدارة الظهر لمعاناة اللّبنانيّين وآلامهم وتقطيع الوقت، وأن يتّقوا غضب هذا الشعب وسطوته، الذي لا يزال يمهل ولكنّه لن يهمل.

إنّنا نقول لكلّ هذه القوى السياسيَّة، إنّكم لا تزالون قادرين على كسب ودّ هذا الشّعب الذي أعطاكم قياده، عندما يراكم صادقين وجادّين في العمل لإخراجه من معاناته، وقد خرجتم من كلّ حساباتكم ومصالحكم الخاصّة، وجعلتم حسابه فوق كلّ حساب، وسيقف النّاس معكم عندما تواجهون التحدّيات في هذا الطريق.

إنَّ من المعيب أن نرى من كان ينتظر الرّئيس الفرنسي حتى يُخرج لبنان من معاناته، أو من ينتظر إلى حين تسلّم الرئيس الأميركي الجديد مهمّاته، وكأنّ البلد يتحمَّل الانتظار، وكأنَّ اللّبنانيّين قاصرون عن إدارة شؤونهم.

إنَّ على الجميع أن يعوا أنّه لن يستطيع أحد أن يساعد لبنان إن لم يساعد نفسه، وأنَّ الدول ليست جمعيّات خيريّة، بل هي تعطي لتأخذ، وهي تأخذ الكثير.

لحفظ صدقيّة القضاء

وعلى صعيد انفجار المرفأ، لا يزال اللّبنانيون، ولا سيّما أهالي الضحايا، ومن تضرّرت أملاكهم ومقدّراتهم، ينتظرون جلاء الغموض على هذا الصّعيد.

ونحن في هذا المجال، كنّا دعونا القضاء إلى تحمّل مسؤوليّته تجاه هؤلاء، وأن يُظهر حقيقة ما جرى، وهذا لن يحصل إلا باتباع الأصول والأخذ بمقتضيات العدالة، بأن يكون التحقيق شاملاً لكلّ من تعاقبوا على حمل مسؤوليَّة إدارة المرفأ والإشراف عليه، لا يفرِّق بين مسؤولٍ وآخر وبين كبيرٍ وصغير، وأن يبتعد كلَّ البعد عن الحسابات الطائفيّة والمذهبيّة والسياسيّة، وأن لا يخضع للضّغوط من أيّ جهة كانت، ليثبت القضاء اللّبناني أهليّته وقدرته في مواجهة من يشكّكون فيه وفي نزاهته، ولكي يعرف المتسبّب في ذلك حتى لا يتكرَّر ما حصل.

إنّنا اليوم، وفي ظلّ كلّ اللّغط الجاري حول القضاء، نجدّد هذه الدعوة حفظاً لصدقيّة القضاء وإحقاق العدالة، فلا نرى، كما رأينا، انتقائيّة في الاتهام أو الخروج عن الأصول فيه، بحيث بدا القضاء أداةً في الصّراع السياسي.

إننا نجدد حرصنا على إبعاد القضاء عن كل الدهاليز السياسية والطائفية، حيث لن يبقى بلد بدون قضاء عادل ونزيه، في الوقت الذي ينبغي أن لا يكون في القانون من هو ابن ستّ ومن هو ابن جارية، وأن يكون الكلّ فيه سواء تحت سيف العدالة، وبدون ذلك الهلاك الذي حذّر منه رسول الله (ص) عندما قال: “إنَّما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضّعيف أقاموا عليه الحدّ”.

تحذيرٌ وتنبيه!

ونبقى على هذا الصعيد لنحذّر مجدّداً من الاستخدام الطائفي والمذهبي في الصّراع السياسي، والذي عانيناه سابقاً ودخل على خطّه الكثيرون.

فالحذر، كلّ الحذر، من اللّعبة الطائفيّة والمذهبيّة التي إن اشتعلت فلن توفّر أحداً أو طائفة أو مذهباً، بل ستحرق الجميع.

الوقاية مطلوبةٌ

وأخيراً، لا بدَّ من الدّعوة إلى ضرورة التقيّد بإجراءات الوقاية من كورونا، وعدم التَّهاون، منعاً لازدياد أعداد المصابين، والذي شهدناه في الأيّام السابقة. وندعو الدّولة التي تتوسّع في فتح القطاعات، إلى زيادة رقابتها وإجراءاتها، للحؤول دون العودة إلى إجراءات لا يريد اللّبنانيّون العودة إليها، وهم غير قادرين على تحمّلها، ولعدم الوصول إلى كارثة صحيّة لا يقدر القطاع الصحّي تحمّلها.