الإمام الباقر(ع): رائد النهضة الإسلامية والفكر الاصيل

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

{ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}

{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}

أيام قليلة تفصلنا عن بداية شهر رجب. الذي ستكون بدايته وعلى المبنى الفقهي لسماحة السيد يوم الاثنين القادم. وشهر رجب هو شهر تصب فيه الرحمة صباً من عند الباري على عباده. ولذا سماه رسول الله بالشهر الاصب. وهو شهر الاستغفار والدعاء والذكر والصلاة والصيام وقراءة القرآن.. وهو واحد من الأشهر الحرم التي يحرم فيها القتال. وهو أيضاً شهر المناسبات ومنها ولادة الإمام محمد الباقر(ع) الذي سنطل عليها اليوم  بقدر ما يتسع لنا المقام.

 

وتذكر السيرة انه لما ولد الامام الباقر احتضنه الإمام زين العابدين(ع) وضمه إلى صدره وعملاً بسنّة جده رسول الله(ص)، أذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثم قال ما كنت لأسميه حتى استأذن أبي الحسين، فلما جاءه قال: سمه باسم جده رسول الله (سمه محمد وكما أحب جده عن الله أن نسميه) فسمي بمحمد، ولقب بالباقر لتبحره وتوسّعه في العلم.

 

 نشأ الامام الباقر في رعاية ابيه زين العابدين واخذ منه علمه وحلمه وعبادته وتولى الامامة بعده في عمر اربعين سنة .

وقد استفاد الإمام الباقر(ع) من هامش حرية التحرك الناتج من ظروف سياسية واكبت مرحلة إمامته، حيث انشغل الحكم الأموي بالصراعات الداخلية فيما انشغل الإمام بالعمل على حفظ أصالة رسالة الإسلام من خلال العمل على خطين:

 

الأول: تثبيت دعائم خط أهل البيت(ع) الذي هو امتداد لما جاء به رسول الله.. فالأئمة(ع) لم يكونوا مشرعين او مجتهدين بل حاملين لأمانة رسالة رسول الله(ص) وحافظين لها وهذا بالنسبة لهم كان في معظم  مراحل الامامة الهدف الاساس لهم: حفظ رسالة رسول الله غير آبهين بالكثرة او السلطة والموقع انما امتداد مشروعهم واصالته وعدم انقطاعه هو الاساس.. لهذا الامامة انتقلت بشكل تلقائي من امام الى امام من اهل بيت رسول الله.

 

أما الخط الثاني: فكان الالتفات لشؤون الواقع آنذاك والتصدي لمواجهة الانحراف الفكري والعقيدي والاجتماعي والسياسي والمفاهيمي نتيجة اختلاط المسلمين بافكار وحضارات بعد الفتوحات اضافة الى أن بني أمية راحوا يتلاعبون بالأحاديث ليثبتوا دعائم حكمهم إزاء مخالفيهم فألفوا وألغوا وعبثوا بمساعدة علماء وظفوهم لهذه الغاية وسموا بعلماء او وعاظ السلاطين وارتبط من يومها اسمهم بالسوء ..

 

لقد أرسى الإمام الباقر أساسات جامعة، سوف يتخرج فيها آلاف العلماء، وتشهد لجهوده غزارة الأحاديث التي وردت عنه والمسائل التي أجاب عنها والمناظرات التي حصلت بينه وبين أصحاب العقائد والأفكار المختلفة.. وما أخذ به العلماء عنه من شتى المذاهب الإسلامية.

 

 من تجربة الامام الباقر مواجهته وتصديه لجماعة تسمى بالمفوضة كانت تقول: إن الله سبحانه خلق العباد ولكنه تركهم بعد ذلك لشأنهم.. وفوّض أمر أفعالهم إلى إرادتهم نافين أي أثر لمشيئة الله أو إرادته، وهذه الفكرة هي ردّة فعل على منطق معاكس كان سائدا هو منطق الجبريين الذي كان يشدد على أن الله يُجبر العباد على أفعالهم..

الإمام الباقر حارب التوجّهين: الجبر والتفويض وركز بذلك القاعدة الصحيحة: "لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين".

وهذا يعني ان الإنسان ليس مجبراً في أفعاله فهو يملك حرية الاختيار التي أشار إليها الله عندما قال: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}. ومن جهة أخرى الأمر ليس متروكاً له، فالله يتدخل في الحياة عندما تقتضي مصلحة العباد ذلك فهو يسدد ويؤيد ويعز وينصر وكما قال يمحو ويثبت وعنده ام الكتاب وهو القائل {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.. نعم هو أعطى للإنسان الإرادة وحرية الاختيار، ولكن هذا لا يعني أنه لا يتدخل حيث يرى مصلحة للإنسان وللحياة.

 

توجهاً آخر رفضه الإمام هو الإرجاء.. والفكرة تعني فصل الإيمان عن العمل.. أي أن الإيمان وحده كافٍ لدخول الجنة مهما عمل الإنسان، وارتكب من الجرائم والمعاصي.. كما يقول بعض الكسالى عن العبادات والاعمال : "الإيمان بالقلب"..

هذا المنهج الفكري إذا أضفناه إلى الانحراف العقيدي فإنه وصفة ناجحة لنشر الفساد والانحلال الخلقي واشاعة الفواحش، فما المانع حسب هذا الرأي أن يكون الإنسان مؤمناً وهو كاذب أو سارق أو خائن أو ظالم أو طاغية.

وقد بين الإمام الباقر أن هذا المنطق لا أساس له في الدين، ويخالف القرآن الكريم فالإيمان والعمل الصالح لا ينفصل أحدهما عن الآخر وغالباً ما نجد لفظ الإيمان او مشتاقاته في القرآن مقترناً بلفظ العمل الصالح.: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}.

 

ويرد الإمام الباقر(ع) بقوله: "الإيمان إقرار وعمل" الايمان بالله وبالرسول وبالائمة لا يكفي فيه الاقرار والحب..

 لقد كان شديداً في مواجهة المنطق الذي انطلق انذاك (كردة فعل على الشعور بالمظلومية وعلى التعلق بآل البيت). وكان المنطق يقول :انه إذا عرفت فافعل ما شئت.. أي إذا التزمت بولاية أهل البيت(ع)  فافعل ما شئت،(على قاعدة سودت صحيفة اعمالي ووكلت الامر الى حيدر..) وكان ردّه واضحاً وحاسماً: "لا تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع.. " وقال أيضاً لأحد اصحابه " ابلغ شيعتنا انه لا ينال ما عند الله الا بالعمل وقال لاحد صحابته: والله يا جابر لا يُتقرب الى الله تعالى الا بالطاعة وما معنا براءة من النار .."

 

أيها الأحبة: إنما فصلنا بشيء من الإسهاب في حوارات الإمام وحججه في المسائل العقائدية، لنبين مسألتين أساسيتين.. أولاً: إن الإمام(ع) كان يبذل الكثير من الجهد والصبر والوقت في المواضيع العقائدية وفي درء الشبهات ورد حجج الآخرين، إلا ان لغته او منطقه لم يكن تكفيراً ووعيداً…

أما المسألة الثانية، فهي أن اظهار الليونة والمرونة في حواره مع الآخر، كان يقابله موقف حاسم وصلب في تحديد المعايير، التي يجب أن يلتزم بها كل الذين يمثلون الدين وخصوصاً حين تغيب الأمانة والصدق في احاديثهم وكتاباتهم، حيث كان الإمام يشدد على كل الباحثين عن حقيقة دينهم إلى الاحتياط في تبني الأفكار والآراء، حتى لا يقعوا في قبضة المتلاعبين بالعقول والعقائد والمفاهيم والأفكار، لا سيما عندما يصل الأمر إلى الأفكار المتطرفة والإلغائية كما هو الحال في هذه الأيام.. فقال(ع): "الكمال كل الكمال في التفقه في الدين".

وكان يقول(ع): "حق الله على العباد أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون" وكان يطالب الناس: "تحروا الصدق والإيمان قبل الحديث".

 

أيها الأحبة: في ذكرى الإمام الباقر(ع) لا بد لنا من إعادة الاعتبار للعلم واليقين، والتثبت في حياتنا، ولا بدّ من تمحيص الأفكار قبل الأخذ بها.. فالأفكار باتت تطرح في الأسواق كالسلع. ونحن نعيش في فوضى تسويق وفوضى العقائد وفوضى الأحاديث. والسلامة في أن نكون الأمة الواعية التي لا يلتبس عندها الحق من الباطل، كما التبس على الكثيرين ممن أضاعوا البوصلة في عقائدهم ومفاهيمهم وبالتالي في سلوكهم ومواقفهم.

 

نحن لسنا ضدّ النقاش في الدين وهذا ابرز دروس الباقر وتعاليمه إلينا وهكذا نفهم الاسلام: ناقش قدر ما تريد بالدين ومن حقك ان تناقش و يُرد عليك حجة بالحجة و دليل بالدليل ولكن.. اذا أردت أن تتصدى للشأن العام عليك ان تكون اهلا لهذا التصدّي. لا لأن منصب رجل الدين او عالم الدين مقدس، ولكن لأنّ  له تاثير في وجدان العوام.. وتأثيره هذا قد يؤدي الى الفتنة والاقتتال والدم والخراب.. وهذا من وحي واقعنا المتردي الذي يفلت الكلام من عقال الكثيرين ممن يتصدون للشأن العام من موقعهم الديني ويطلقون الاراء والأحكام والمواقف والتي هي في أحسن الحالات تصب الزيت على النار فكيف ان كانت هي البارود نفسه لاشعال النار..

 

في ذكرى ولادة الامام الخامس  من ائمة اهل بيت رسول الله فلنعاهد الله ان يكون حرصنا على هذا الخط بالقول والعمل وان نكون زينا لهم لا ان نكون شينا عليهم وان نتقرب الى الله بحبهم وبالاقتداء والتأسي بهم والتبحر في سيرتهم.. هم والله من نطق القرآن بهم وجسدوه حركة في الحياة طاهرة نقية خالية من الرجس بأمر الله.{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًاوالحمد لله رب العالمين.

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، ولزوم أمره، وعمارة قلوبنا بذكره، وأحذّركُم وأحذّر نفسي من أن نقع في محذور معصيته، وتنكُّر جميل عطائه وإنعامه علينا، وعدم المبالاة بوعده ووعيده. وهنا، أذكّركم وأذكّر نفسي بضرورة الاستفادة من هذا الشّهر؛ شهر رجب، الَّذي يشكّل إحدى المحطات الّتي جعلها الله لنا، لنتزوّد منها بما يعيننا أكثر على مواجهة تسويلات نفسنا الأمّارة بالسّوء، وتسويلات شياطين الجنّ والإنس، ولنحصل فيها على كلّ ما وُعِدَ به الصّائمون والقائمون والذاكرون والمستغفرون والأبرار، وما وعد الله به عباده من عظيم الأجر. بذلك، نحسن إلى أنفسنا، ونكون أكثر قدرةً على مواجهة صعوبات الحياة وتحدّياتها وهمومها ومشاكلها

.

أقفل الأسبوع الفائت على عددٍ من الأحداث:

استعدنا في الثالث عشر من شهر نيسان، ذكرى مرور أربعين سنة على بداية الحرب الأهليَّة اللبنانيَّة الَّتي استمرَّت خمس عشرة سنة؛ هذه الذكرى الّتي لا نزال نعاني آثارها ونتائجها في واقعنا الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسياسيّ.

ونحن هنا، لا نريد أن نستعيد هذه المناسبة لنذكِّر بالصّور الأليمة، وبكلّ ما جرى في تلك المرحلة من مآسٍ، فهذا لا يجدي نفعاً، ولا ينتج سوى المزيد من الأحقاد والضغائن الَّتي نحن بأمسّ الحاجة إلى نسيانها.

إنّنا نريد استعادة هذه الذكرى للتعلّم من دروسها وعبرها والتمعّن فيها، كي لا تتكرّر، ولا سيّما أنّ كلّ الأجواء، مع الأسف، مهيّئة لتجدّدها، وإن بأشكال أخرى وعناوين مختلفة، وقد نرى البعض متحمّساً لعودتها، ويتمنّى لو تحدث مجدّداً. فالاحتقان الطّائفيّ والمذهبيّ والانقسام السّياسيّ، لا يزال موجوداً وبقوّة، وربما أقوى مما كان، والتّدخلات الخارجيّة لا تزال حاضرة، فلكلّ فريق مرجعيّته الخارجيّة، ولكلّ طائفة دولة تستند إليها لتقوّي موقعها بين الطَّوائف الأخرى، بل باتت التدخّلات أكثر، وتصل إلى التّفاصيل.

ومع الأسف، نقول: ليس هناك دولة فاعلة تمتلك قرارها والأمر بيدها، بل هناك دولة الحساسيّات والمحاصصة؛ دولة تجمع الطّوائف والمذاهب والمواقع السياسيّة؛ دولة تستطيع أن تبقى بلا رئيس، أو بلا مجلس نيابيّ، أو حتى يمكنها أن تدبّر أمورها بلا مجلس وزراء، لولا بعض الشَّكليات.

إنّنا نستطيع أن نقول إنَّنا لم ننته من الحرب، فهناك حرب باردة يخشى أن تتحوَّل في أيّ وقت إلى حرب حارة. صحيح أنَّ حكمة بعض اللبنانيّين ووعيهم، كان لهما دور في منع الفوضى والانفجار، ولكن ذلك ليس السَّبب الأساس، فالأمر يعود إلى قرار دوليّ ــ إقليميّ حاسم، من الَّذين يملكون قرار عدم تفجير السّاحة اللبنانيَّة وتهدئتها.

 

ويمكن لنا أن نستلهم الكثير من العبر والدروس من هذه الحرب، ونشير إلى أهمّها:

العبرة الأولى: عدم جدوى الحروب الداخليَّة، فهي لا تنتج سوى الدمار والخراب. وإذا كان هناك من مكاسب، لأنَّ البعض يتحدَّث عن مكاسب حصلت في لبنان من خلال اتفاق الطائف، فهي ليست بمستوى ما ولَّدته هذه الحروب من ضحايا ودمار ومفقودين لم يعرف مصيرهم إلى الآن.

فأكثر ما تصل إليه هذه الحروب، هو تسوية تقوم على قاعدة اللاغالب واللامغلوب، وهذا ما حصل في لبنان، وأيّ تسوية في الداخل على أساس الغالب، هي مشروع لحرب جديدة.

العبرة الثّانية: لقد تأكَّد للبنانيين، وبعدما ذهبت حمى الحرب، وبدت نتائجها وأهدافها، كم كانوا انفعاليّين عندما استكانوا لمنطق من راح يثير مخاوف الطوائف والمذاهب من بعضها البعض.

لقد حصلت الفتنة، وتقاتل الجميع تحت عناوين وطنية، ولكنَّ الأهداف كانت طائفيَّة، والمحفّز فيها كان طائفيّاً، وانتهت الحرب ليتبيَّن للجميع أنَّها لم تكن لحساب المسلمين، ولسواد عيون المسيحيين، بل كانت على حسابهم جميعاً.

العبرة الثالثة: إنَّ الدَّول الكبرى والخارجيَّة غالباً لا تأخذ في الحسبان مصالح الطّوائف والمذاهب والمواقع السياسيَّة، بل تريدهم معبراً لمصالحها، فهذه الدول تقدّم الدّعم لهم، عندما ترى لها مصلحة في ذلك، وتمتنع عنه عندما تتبدّل مصالحها وتصبح في موقع آخر.

إنّ الدّول الكبرى وغير الكبرى، ليست جمعيَّة خيريَّة هدفها الحفاظ على مصالح الآخرين، بل هي تدفع المال لتملك قراراً تريده لحسابها.

أما العبرة الأخيرة؛ فهي أنَّ اللعب بالنّار الطائفيّة والمذهبيّة يحرق البلد، ويجعله أسيراً لا لتوترات الداخل فحسب، بل لتوتّرات الخارج أيضاً. ولهذا، نقول دائماً: حذار من اللعب بالنار الطائفية والمذهبية، وليبقَ الاختلاف على المستوى السّياسيّ فقط.

 

إنَّ اللبنانيين مدعوون إلى أن لا يكرّروا التجربة، بالتنكّر لأسبابها، فالمؤمن لا يُلدغ من جحرٍ مرتين. وتثبيت السّلم الأهليّ لن يكون إلا بترسيخ العدالة، وبتفعيل قيم الأديان، الّتي هي عنوان تميّز لبنان، وبنبذ الطائفيّة والعصبيّة والمذهبيّة، وباعتماد الحوار أسلوباً لحلّ الخلاف بين اللبنانيين، والجدل بالتي هي أحسن، وأن نأخذ من الخارج إيجابياته لا سلبياته، كي لا يبقى لبنان في مهبّ رياح الآخرين.

 

أما اليمن، فلا يزال على حاله من نزف الدم وهدم بنيته التحتيَّة ومنشآته الحيويَّة، حيث لا صوت يعلو في هذا البلد فوق صوت المعركة، التي لا تقف عند حدود ما يجري على الأرض، بل أيضاً ما يأتي من الجوّ والبحر.

لقد كنّا نرجو لقرار مجلس الأمن، أن يعيد السَّلام والأمن المفقوديْن في اليمن، وأن يقدّم حلولاً توقف النار، وتعيد إلى هذا البلد استقراره ووحدته، فهذا هو المطلوب من مجلس الأمن الراعي للسلام في العالم، لا أن يزيد الأمور تعقيداً حين يدخل على خطّ الصّراع الدّاخليّ، فيبدو فيه فريقاً لا حكماً.

إنَّ الحلَّ في اليمن لا يكون بإثارة المزيد من الهواجس والمخاوف، أو بزيادة شعور البعض بالغبن والتهميش وانعدام العدالة. وعلى الّذين يريدون الحلّ، أن يعالجوا الأسباب بدل النتائج.

 

وأخيراً، نضمّ صوتنا إلى كلّ الأصوات الَّتي وقفت مع قناة إعلاميَّة لبنانيَّة، هي قناة الجديد، في ممارستها لحقّها في الحريّة الإعلاميّة المُصانة في لبنان، الَّذي يعدّ بلد الحريات.

وإذا كان من تجاوزات ترى هذه المحكمة أنها حدثت، فليكن القضاء اللبناني هو الحكم، فهذه المحكمة إنَّ اقتضتها ضرورة معيَّنة، وجعلتها خارج القضاء اللبناني، فالضرورات تقدّر بقدرها…

إنّنا ندعو الدولة اللبنانيَّة إلى أن تمارس دورها في هذا الأمر، فلا تكون على هامشه، حفاظاً على صدقيّتها ودورها تجاه مواطنيها.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله                                       

التاريخ : 28 جمادي الثانية 1436هـ الموافق : 20نيسان 2015م

 

 

Leave A Reply