التطير والتشاؤم:عادات جاهلية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

بسم الله الرحمن الرحيم

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}

 

لا يُذكر شهر صفر إلا وينسب إليه بعض الناس أنه شهر النحس، تماما كما ينسب البعض هذه السمة ليوم الأربعاء، وإلى  أيام أخرى من كل شهر، في أحاديث تُنسب إلى رسول الله أحياناً و الأئمة أحيانا أخرى و يأخذ الكثيرون بها بكل خفة و بساطة و خاصة في عصر التواصل الإجتماعي الذي نحن فيه حيث فَقَدَت الصدقية في ما يُنقل، الكثير من أهميتها.

و الاعتقاد بالنحس، بشكل عام، لا يقف مداه عند شعب من الشعوب أو حضارة من الحضارات، فحتى عند البلدان المتقدمة كما في بلدان ما يسمى بالعالم الثالث، نجد مظاهر النحس و التطير و التشاؤم أكان ذلك من عدد معين (كالرقم 13) أو لون معين أو حيوان ، أو يوم أو شهر أو ما إلى هناك.

لكنه أي هذا الاعتقاد ، يصبح أخطر و أبعد مدى إذا ما اسبغ عليه لباس القداسة الدينية من ناحية وإن أضحى وساوس تودي بصاحبها إلى حالة من التكبيل نتيجة للخوف و التوجس الدائم.

 

فما هو موقف الدين من هذه الاعتقادات و ما هي سبل المعالجة منها؟

 إن موقف الإسلام أيها الأحبة واضح و صريح، لا لبس فيه.

 فليس في الإسلام مجال للخرافة، و لا هناك امكانية  التقاء أو تقاطع بينهما. و يتبين ذلك بمصاديق ثلاثة: القران و السيرة و العقل.

 

1- فالقران الكريم عد التطير و التشاؤم علامة من علامة المشركين و صفاتهم. فعندما كان الله تعالى يبتلي أل فرعون بالقحط و الجفاف لاشعارهم بالعجز و الضعف، كان هؤلاء يصرون على عنادهم و كفرهم بما أتاهم موسى و يرون فيه نحسا و سببا لما ينزل بهم: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ..} (الأعراف، ١٣١) وقد يأتي من يقول إن القرآن تحدث عن النحس نعم، صحيح أن القران تحدث عن أيام نحسات و عن يوم نحس، في إطار الحديث عن البلاء النازل بقوم عاد: { كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ* إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ}(القمر، ١٩) و لكن هذه النحوسة ليست صفة خاصة بذلك اليوم و إما بتلك الأيام الثمانية، و إنما اعتبرها القران الكريم نحسا بلحاظ ما وقع في تلك الأيام ،أي ان صفة النحس أطلقت على الأيام نتيجة لما حصل فيها  وليس النحس هو السبب بل اعمالهم هي التي جرت عليهم البلاء .

 

2-أما الاستناد إلى السيرة  فيُبيِّن لنا بوضوح  كيف حارب الرسول (ص) هذه الأنواع من الشرك بحزم : وأبرز هذه المواقف يوم انكسفت الشمس حين مات إبراهيم بن رسول الله فقال الناس انكسفت الشمس لموت إبراهيم فقال النبي "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله وإلى الصلاة " .

 

وقال أيضاً :" ليس منا من تطير أو تطير له" من ردته الطيرة( التشاؤم) عن حاجاته فقد كفر بما أنزل على محمد. ومع ذلك ايها الاحبة ،  نشهد في تراثنا الإسلامي من ينسب إليه (ص)أحاديث مثل: "إنما الشؤم في ثلاثة في الفرس و المرأة و الدار" و كذا شهدنا في السياق نفسه ، نسبة أحاديث لأهل البيت (ع)، فمثلا يُنسب للإمام الصادق (ع): "لا تخرج يوم الجمعة في حاجة فإذا كان يوم السبت و طلعت الشمس فاخرج في حاجتك." ايعقل هذا ؟  و مثل هذه الأحاديث لا تحتاج حتى إلى نظر في الأسانيد أو تدقيق في المتون لتبيان تهافتها و مخالفتها لا لصريح القران أو الاحاديث الصحيحة بل و لسيرة أهل البيت (ع) أيضاً.

 

3- واذا حكمنا المنطق و العقل  فهنالك أيضا الدليل الدامغ على تهافت ما في تراثنا من النحوسة. فلو استعرضنا ما ورد في بعض مروياتنا و أخذنا بصحتها جميعا لوجدنا أن تسعة أيام من كل شهر، فضلاً عن شهر كامل ، هي أيام نحس بطبيعتها بمعزل عن تصرفات الناس، يعني حوالي ثلث الشهر أي خمسة أشهر في السنة ،على المرء أن يقضيها حذرا محاذرا محتاطا قابعا في منزله، يحذر الزواج فترة و البيع و الشراء فترة و الإنتقال من منزل إلى أخر فترة أخرى و هكذا يستمر على هذا المنوال، أبهذا نقود الحياة !

 

ايها الاحبة :

ان الاسلام رفض بشدة هذه المعتقدات وعلينا بدورنا ان نرفضها ولا نجعل لها موطئا في معتقداتنا   فهي  تتناقض مع عدة مبادئ إيمانية ثابتة:

الأول:  مبدأ خضوع العالم لتدبير الواحد الأحد.  فلو كانت أمور الكون و الأرض تجري بالحظوظ و الطوالع لكان ناقوس الكون ونظامه  قد تهدم من زمن طويل.

 

والثاني: مبدأ العدل الالهي ، فلو كانت الأرزاق تعطى و تصيب المرء بالحظ لا بالجهد و العمل لانتفى مبدأ العدل الإلهي من أساسه.

والثالث والأهم:  تنافي هذه المعتقدات مع مبدأ التوكل على الله سبحانه، وأن الله مصدر كل خير و إليه يعود أمر كل شيء في هذا الكون. إذ كيف يمكن أن يجتمع في نفس الشخص التصديق أن للزمن بذاته سطوة عليه من خلال الايام او الساعات ، و في الوقت نفسه يدعي هذا الشخص الإيمان بالله و أنه يتوكل على الله؟ أمر يحتاج إلى إعادة فحص وتدقيق وتدبر لأن بهذا تحبط الاعمال من حيث لا يدري الانسان  ..

 

أيها الأحبة:

إن عادات التطير و التشاؤم و تصديق القول بالنحس ، ليست مسائل فكرية بحتة، بل هي حالة نفسية تعبر عن ذاتها بمواقف هي أقرب ما تكون إلى حالة قلق و خوف و وسواس نشأت نتيجة ظروف تربوية و ضغوط معيشية أو أمنية، و هذه الحالة النفسية غالبا ما تتستر بالفكر أو المعتقد بسطحية لإضفاء حالة من الشرعية عليها.

فبالتالي  فإن المعالجة  هي أيضا من جزأين  اثنين : جزء فكري يفكك هذه المعتقدات أو الأحاديث أو التفسيرات و يعرضها على القران و سيرة الرسول و أهل بيته المتواترة ويعرضها على العقل و حججه الواضحة.

 

ولكن هذا الجزء (الفكري)على أهميته و ضرورة التصدي له يبقى ثانوياً أمام المعالجة التربوية النفسية.  و تبقى الأسرة هي المدرسة الأولى لتربية نماذج عصية على الوقوع في شرك النحوسة و التطير في حال تجنب الأبواق و الهفوات. في داخل البيت تلعب ردات الفعل العادية احيانا دورها في زرع هذه المعتقدات أليس في واقعنا  اذا ما اجتمعت العائلة وسرت بينها حالة من الضحك لسبب أو لأخر حتى يقوم أحد الأبوين بالقول" الله يسترنا من هذا الضحك. أو أنهم يبتعدون عن اختيار بعض الارقام لتحديد مناسباتهم أو يتفاءلون بأرقام أخرى، هذه السلوكيات من شأنها  أن تزرع نوعا من الشك وبذور خوف، وقلق غير مفهوم الاسباب والدوافع عند الاطفال والفتية وبالتالي تؤسس لذهنيات تتقبل بطواعية مقولات التطير والنحس وفيما بعد التبصير والكشف عن الطالع،  وهذا يعني ان الداء غالبا ما يبدأ في حضن العائلة ومن حضن العائلة أيضا يجب أن يبدأ  العلاج.

 

إن مقولة تفاءلوا بالخير تجدوه ليست شعارا يكتب على لافتة لترفع في الشوارع أو على الجدران، و هي أيضا ليست حبة مهدئ نأخذها عند الضيق بل يجب ان نحوّلها الى برنامج وسلوك ، و اللطيف أن هذه المقولة الموجودة في تراثنا منذ أمد بعيد، حتى أن هناك من يضعها في منزلة الحديث عن رسول الله (ص) قد أخذها بعض علماء النفس و الإجتماع الغربيين و فصّلوا منها نظرية و كتباً باعت الملايين و قدمت هذه النظرية أو "السر"على أنها من أهم أسباب النجاح. و بعيدا عن نقد النظرية بالطريقة التي قُدِّمت بها، المهم أن نعلّم المتشائم و المبتلى بالنحس كيف يتفاءل بممارسة التفاؤل، أن نحوِّل الشعار إلى إيحاء عملاني، فالنفس كما الطفل، أوحِ لها بالألم تتألم ، وأوح لها بالبهجة و التفاؤل تبتهج و تتفاءل. أوح لها بالبؤس تبتئس وهكذا…

 

ايها الاحبة ان موضوعا كموضوع التشاؤم لا يمكن ان يترك الانسان معافى مطمئناً بل يسحبه تدريجيا الى ساحة الخوف والقلق وصولا الى ان يقيده ويربكه ويعطله  لهذا لا بد من التصدي له ومعالجته ..

واستعادة الأمل تبدأ باستعادة الثقة بالله  والتوكل عليه و معرفته حق المعرفة فهو الذي خلق هذا الكون بنظام وقدر ونحن ندور في فلك هذا النظام وهذا القدر ولا مكان للمصادفة  او للخلل او للعبثية او الفوضى..

 تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ* ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ}

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، فهي الزاد في الدّنيا والآخرة. ولبلوغ التّقوى، علينا أن نهتدي بوصايا الإمام الحسن(ع)، الَّذي نستعيد ذكرى وفاته في السّابع من شهر صفر؛ ففي وصية له لأحد أصحابه، وهو جنادة بن أبي أمية، عندما قال له: "عظني"، قال الإمام: "استعدّ لسفرك، وحصّل زادك قبل حلول أجلك، واعلم أنَّك تطلب الدنيا والموت يطلبك، واعلم أنك لا تكسب من المال شيئاً فوق قُوتك، إلا كنت فيه خازناً لغيرك، واعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً، وإذا أردت عزاً بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فاخرج من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعة الله عزَّ وجلَّ".

وفي وصية أخرى لأخيه الحسين(ع)، قال: "فإنّي أوصيك يا حسين بمن خلفت، أن تصفح عن مسيئهم، وتقبل من محسنهم، (هذا هو المبدأ، ولكلّ مبدأ استثناء)، وتكون لهم خلفاً ووالداً، (أن تشعر بأنَّ أبوّتك تتَّسع للنّاس كلّهم)، وأن تدفنني مع جدّي رسول الله(ص)؛ فإنّي أحقّ به وببيته.. فأنشدك بالقرابة الّتي قرب الله (عزّ وجلّ) منك، والرّحم الماسّة من رسول الله(ص)، أن لا تهرق فيَّ محجمةً من دم"، فقد كان الإمام حريصاً على دماء المسلمين. وفعلاً، دفن في البقيع حتى لا تسقط قطرة دم عندما اعترض من اعترض على دفنه إلى جانب جدّه رسول الله(ص).

أيها الأحبَّة، غادر الإمام الحسن(ع) الحياة، بعد أن ترك لنا إرثاً كبيراً من علمه، وحلمه، وخُلُقه، وتواضعه، وشجاعته، وصبره، وحكمته، وبذله، وعطائه، وحبّه لله، وحبّه للناس، وهو من كان أشبه الناس خَلْقاً وخُلُقاً وهدياً وسؤدداً برسول الله(ص)، وكان سيّداً من شباب أهل الجنة، فلنقتدِ به حتى نكون أكثر وعياً، وأكثر مسؤوليةً وقدرةً على مواجهة التحديات.

 

فلسطين

والبداية من فلسطين، الَّتي تواجه تحدياً كبيراً في هذه الأيام، يتمثّل بإعلان حكومة العدوّ مشروع يهوديَّة الدولة، لا ببعده الديني، بل ببعده القومي والعنصري، ونعتقد أنَّ الكنيست سيصادق عليه لاحقاً. وتكمن خطورته في انتزاع الهوية العربيَّة والإسلاميَّة من فلسطين، وما يستتبع ذلك من تهديد واستباحة للأرض وللحقوق المدنية لفلسطينيي الداخل ولوجودهم، ومصادرة لحقّ العودة لفلسطينيي الخارج.

لقد كنّا ننتظر أن يستفزّ هذا القرار الصّهيونيّ العالم العربيّ والإسلاميّ، وأن يهبّ ثأراً لكرامته وعروبته وإسلامه، بحيث تتداعى مواقع القرار الرسمية العربيّة والإسلاميّة للاجتماع العاجل، وتستنفر كلّ جهودها لمواجهة هذا القرار العنصريّ، ولكنّه الصّمت المطبق، وكأنَّ الأمر لا يعنيهم! وهذا الصّمت نفسه، تعيشه الشّعوب العربيّة والإسلاميّة، الّتي تشغلها الفتن والحروب الدامية.

 ومن المخجل هنا، أن نستمع إلى تصريحات صدرت عن شخصيات غربيَّة وأميركيَّة، تنتقد هذا القرار، وتعتبر أنه مسيء إلى مبادئ الديمقراطيَّة وحقوق الإنسان والمساواة بين المواطنين، وأنَّه قرار عنصريّ يشبه قوانين العبوديّة الَّتي تجاوزها العصر، فيما لم نشهد مواقف عربيَّة وإسلاميَّة بمستوى هذا الخطر الَّذي ينذر بضياع فلسطين، كلّ فلسطين.

إنَّنا أمام ما يجري، نعيد دعوة الدول والشعوب العربيَّة والإسلاميَّة، إلى تحمّل مسؤوليّتها تجاه هذه القضية، الَّتي ينبغي أن تبقى أمّ القضايا وأساسها، وأن تجمّد كلّ الحروب والخلافات والانقسامات لأجلها، مهما عظمت وكبرت.

 

البحرين

ونصل إلى البحرين، الَّذي جرت فيه انتخابات نيابيَّة وبلديَّة، وقد كنّا نأمل أن لا تجري هذه الانتخابات قبل أن تتوافر الظروف التي تسمح بمشاركة كلّ مكونات الشَّعب البحريني، لا أن يقاطعها فريق أساسي منه، حتى تعبّر عن وحدة هذا الشّعب، بدل من أن تعمّق الانقسام الداخلي.

إننا أمام هذا الواقع، وبعيداً عن لغة (أرقام المشاركة ونسبتها)، لا نزال نرى أنَّ الحلّ في البحرين، وتحقيق الاستقرار السياسي فيه، لا يكونا إلا بحوار جاد وموضوعي بين الدولة والمعارضة، فلن تجدي وسائل الضَّغط على رموزه الدينيَّة، أو استعراض القوّة، أو القمع، نفعاً، فهي لن تحل الأزمة، بل ستزيدها تعقيداً.

إنَّنا نريد للبحرين أن يبقى عنواناً من عناوين العدل والوحدة والتلاقي والتّميز، وأن يشعر المواطن فيه بإنسانيّته، بعيداً عن طائفته ومذهبه.

 

تونس

وإلى تونس، الَّتي جرت فيها انتخابات رئاسيَّة بعد الانتخابات النيابيَّة، في ظلّ أجواء من الحريّة، منحت الشَّعب التونسي القدرة على تحديد خياراته، بعيداً عن لغة العنف والعنف المضاد التي طبعت العديد من البلدان التي حصلت فيها الثورات العربيَّة.

وهنا، ندعو هذا الشَّعب إلى أن يعمّق تجربته، ويجعلها نموذجاً وقدوة، من خلال تثبيت دعائمها على أسس متينة، وأن يختار الأفضل لبناء حاضره ومستقبله، بعيداً عن كلّ الاعتبارات الخاصّة والحساسيّات الفئويّة والحزبيّة، ويعيد الأمل للشعوب العربية بقدرتها على إدارة شؤونها والإمساك بقرارها عندما يرتفع عنها سوط طواغيتها.

 

لُبنان

وبالنّسبة إلى لبنان، الغارق في أزماته السياسيَّة والأمنيَّة والمعيشيَّة، وأزمة العسكريين المخطوفين ومعاناة أهلهم، وأزمة الغذاء، وفي ظلّ الخوف الآتي من حدوده الشرقيَّة والجنوبيَّة، مما لا يمكن مواجهته إلا بتماسك داخلي ووحدة وطنيَّة.. فإننا نؤيّد ونبارك أيّة فرصة لحوار داخلي، تؤدي إلى تبريد الساحة الداخلية من أية أجواء توتر مذهبي، وتساهم في حلّ الكثير من الملفات، إذا ما صدقت النيات. ولكننا طبعاً، لا ننتظر أن تحلّ كلّ الملفات، لا سيما تلك المرتبطة بظروف إقليميَّة ودوليَّة، ونحن هنا، ندعو إلى حوار جديّ ومستمر وبنّاء، فقد تعب اللبنانيون من حوار موسميّ، أو حوار ديكور، أو حوار تقطيع الوقت، انتظاراً لظروف جديدة.

أيها اللبنانيون، لقد جرّبتم الانقسام، فلم يزدكم إلا ضعفاً، وسقوطاً، وتمزّقاً، وهدراً لطاقاتكم، وافتقاراً لمتطلّبات حياتكم الكريمة واستقراركم السياسيّ، فجرّبوا الحوار الجديّ، لأنّه خلاص لبنان من كلّ أزماته، عندما تصدق النيات، ويكون الهدف هو إنسانيَّة الإنسان، لا طائفته أو مذهبه أو موقعه السياسي.

 

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله                                                     

التاريخ : 6 صفر 1436هـ الموافق : 28 تشرين الثاني 2014م

 

 

Leave A Reply