التوكّل على الله من سمات المؤمنين

 

التوكّل على الله من سمات المؤمنين

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

الخطبة الأولى

{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ*فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}(آل عمران/173-174).

قصّة آية

لهذه الآية مناسبة نزول تعود إلى ما حصل بعد معركة أحد، الّتي مُني فيها المسلمون بهزيمة كبيرة. يومها، أراد زعماء قريش، وعلى رأسهم أبو سفيان، أن يستفيدوا من نتائج هذا الانتصار، وأن يتابعوا سيرهم باتجاه المدينة، عقر دار المسلمين، فالوقت مناسب لذلك في ظلّ الهزيمة والجراحات والخسائر.

في البداية، كان وقع الخبر صاعقاً على المسلمين، ولكنّهم سارعوا للاستجابة لنداء رسول الله(ص)، والاستعداد لمواجهة قريش بكلّ ما تبقّى لهم من أسلحة وقوّة، لثقتهم بأنّ الله سبحانه لن يخذلهم في هذا التحدّي الصّعب.

وكان المشهد مؤثّراً ومعبّراً، وقد مثّل أنموذجاً للصّفاء والإخلاص وصدق التوكّل، فخرج مع رسول الله كلّ من كان قادراً على حمل السّلاح والقتال، حتّى الجرحى والمصابون. عضّوا على الجراح، ولسانهم يردّد مع رسول الله: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}(آل عمران/173).

في هذا الوقت، حدث أمر غيّر مجرى حركة أبي سفيان، فقد مرَّ برسول الله وأصحابه رجل اسمه معبد الخزاعي، وكان على علاقة بأبي سفيان، فرقّ لحال المسلمين، رغم أنّه لم يكن مسلماً. وفي الطّريق، عندما التقى أبا سفيان وهو ماضٍ لغزو المدينة، سأله معبد: إلى أين تريد؟ فقال له: أريد أن أستأصل الإسلام من جذوره. فقال له: لا يا أبا سفيان، إيّاك أن تغامر بجيشك، فإنّي رأيت محمداً قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قطّ، يتحرّقون عليكم تحرّقاً، وقد اجتمع معه من كان تخلّف عنه في يومكم(أي يوم أحد)، وندموا على صنيعتهم، اِرجع منتصراً إلى مكّة قبل أن ترجع مهزوماً إليها.

كان تخويف الخزاعي كافياً ليقرّر أبو سفيان أن يعود إلى مكّة سريعاً، فيما بقي رسول الله(ص) مع أصحابه في مواقعهم ثلاثة أيّام تخوّفاً من غدر قريش، عندها نزلت الآيات الّتي ذكرناها، وعاد رسول الله مع أصحابه إلى المدينة ولم يمسسهم سوء، وكان الله لرسوله والمسلمين نعم الوكيل ونعم السّند ونعم الظّهير، وكانت بعدها معركة الأحزاب، وكانت خيبر، ثم فتح مكّة…

طاقة الحياة

أيّها الأحبّة، التوكّل على الله طاقة الحياة، يزوّد الإنسان بمدد روحيّ ومعنويّ ومادّيّ، وبيقين أنّه لن يصيبه إلا ما كتب الله له. ومعنى أن تتوكّل على الله، يعني أن يكون الله سبحانه بعظمته وقدرته وعلوّه هو وكيلك، يتكفّل بك ويكفيك، يعني أنّك به تستغني عن كلّ العباد، وأنّك قويّ عزيز به {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا}(الأحزاب/3). {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ}(الفرقان/58). {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}(الشّعراء/217).

وتكرّرت آية {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}(آل عمران/122) في موارد كثيرة ومتعدّدة في القرآن الكريم.

لقد اعتبر الإسلام التوكّل على الله أساساً في شخصيّة الإنسان المؤمن، وخلاف ذلك فيه تناقض وعدم انسجام مع شخصيّته الإيمانيّة، فلا يمكن لمؤمن يعرف الله حقّ معرفته، وأنّ بيده الأمر والملك والتّدبير وإليه يرجع الأمر كلّه، أن يتوجّه في حياته إلى سواه، أو يطلب الحاجة من غيره، بل سيتطلّع إلى الله دائماً أنّه هو الّذي رزق، وهو الّذي نصر، وهو الّذي سهّل… لهذا، نهى الإمام الصّادق(ع) عن قول: "لولا فلان لهلكت، أو لولا فلان لضاع مالي أو هلكت عيالي، بل يقول: لولا أن منّ الله عليّ بفلان"، واعتبر ذلك من الشّرك.

إنَّ من الشَّائع أن تسمع أحدهم يخاطب آخر بالقول: (اتّكلت عليك) أو (اتّكلت على الله وعليك)، فحتَّى هذا المصطلح علينا أن نعتاد تغييره، لأنّ الاتّكال هو على الله فقط، وكلّ الآخرين لا يملكون من أمرهم شيئاً إلا من خلاله، والله علّم رسولنا الأكرم أن يعلن: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ}(الأعراف/188).

التوكّل لا التّواكل

أيّها الأحبّة: قد يسيء البعض إلى قيمة التوكّل على الله، عندما يتحوّل عنده تواكلاً أو كسلاً أو ابتعاداً عن السّعي والجدّ والعمل، من دون أن يقوم هو بمسؤوليّته كاملة. كلّنا يعرف كيف واجه رسول الله(ص) هذا المنطق بقول: "إعقلها وتوكّل". هذه العبارة قالها لأعرابيّ أضاع ناقته بعدما تركها عند باب المسجد، وقال: توكّلت على الله… وكذلك عندما أقدم بعض أصحاب الرّسول على إغلاق أبواب بيوتهم، وامتنعوا عن العمل، فقال لهم: "ما حملكم على ما صنعتم؟"، فقالوا: يا رسول الله، قد تكفّل الله بأرزاقنا، فأقبلنا على العبادة، فقال: "إنّه من فعل ذلك لم يُستجب له".

وقد قرَّب إمامنا الصّادق(ع) مفهوم التوكّل، عندما قال في تفسير قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}(التّوبة/51): "المتوكّلون هم الزّارعون".

فالمتوكّلون مثالهم مثال من يحرثون الأرض؛ ينقّونها، يحرثونها، ويبذرونها… يقومون بكلّ ما عليهم، وبعد ذلك يقولون لله سبحانه ساعدنا.

تراخ في التّطبيق

أيّها الأحبّة: في واقعنا اليوم، يعاني مفهوم التوكّل من التّراخي في تطبيقنا له، فكلمة (اتّكل على الله)، أو (على الله الاتّكال)، نردِّدها دائماً في عباراتنا، من دون أن نعيش حقيقة التوكّل الفعليّ، الّذي يجعلنا نستحضر كلّما هممنا بأمر أو عمل أو أيّ خطوة صغيرة أو مصيريّة، أنّ الله  حاضر معنا، وهو وكيلنا وسندنا، وهذا من شأنه أن يلعب دوراً كبيراً في حركة حياتنا.

فغياب قيمة التوكّل، سيشعرك بأنّ الحياة ضيّقة، محدودة بحدود قدراتك وقدرات الآخرين، وستعيش القلق والتوتّر والخوف، وقد يسبّب ذلك أمراضاً، ونشهد اليوم أنّ أكثر أمراض العصر هي في الأعصاب والقلب، أي مما يسبّبه التوتّر والقلق والخوف والحسابات والاحتمالات.

قد يقال إنّ من الطبيعيّ للإنسان أن يتوتّر ويقلق، هذا صحيح، ولكنّ الإنسان الواثق بالله والمتّكل عليه، سرعان ما يزول توتّره، إذ يجد صيغةً بينه وبين نفسه ليقنعها ويداويها بالتوكّل على الله، فيهدأ ويطمئنّ ويبرّد أعصابه، وهذا بالفعل يشكّل علاجاً ودواءً. ومن هنا نفهم سرّ الآية: {أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }(الرّعد/28). فهلاّ استخدمنا التوكّل الحقيقيّ على الله كبديل للكثير من العلاجات العصبيّة، الّتي باتت ـ للأسف ـ سمة من سمات مجتمعاتنا حتّى المؤمنة؟

حقيقة ملموسة

أيّها الأحبّة: إنّ الحديث عن التوكّل ليس حديث معنويّات وشعور بالقوّة الموهومة، كما يتحدّث البعض عن الإيمان، بل هو حقيقة ملموسة، وليس هناك من حقيقة أسطع منها، نلمس نتائجها في كلّ ساحات الحياة؛ في كلّ الذين وثقوا بالله واستندوا إليه، وآمنوا بأنّ الله يخرجهم من أزماتهم ومعاناتهم، نرى ذلك في حياة السّابقين، وفي تاريخنا المعاصر في جبل عامل وفلسطين، وفي كلّ قضايا صراع الحقّ مع الباطل. يقول لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه: "يا بنيّ، ثق بالله، ثم سل في النّاس؛ هل من أحد وثق بالله ولم ينجه؟ يا بنيّ، توكّل على الله، ثم سل في النّاس من الّذي توكّل على الله فلم يكفه؟"؛ إنّه وعد أعطاه الله لعباده المتّقين عندما قال: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}(الطّلاق/2-3)، وقد قال رسول الله(ص) لأبي ذرّ عن هذه الآية: "يا أبا ذرّ، لو أنّ النّاس كلّهم أخذوا بهذه الآية لكفتهم".

آثار التّوكّل

أيّها الأحبة: مع التوكّل على الله نشعر بأنّنا أحرار، لا نخضع لإرادة من يستغلّون حاجاتنا وضعفنا ليساومونا على عزّتنا وكرامتنا…

مع التوكّل على الله لن نشعر باليأس، مهما تكالب علينا الأعداء، وادلهمّت من حولنا الظّلمات، بل سنشعر دائماً بأنّ هناك من هو قادر على أن يخرجنا من أزماتنا، ويزيل عنّا همومنا ويكشف غمومنا، ويكتفي بأن ندعوه حتّى يجيبنا.

مع التوكّل على الله، سنشعر دائماً بالاطمئنان والأمان، لاستنادنا إلى ربّ لا ينام ولا يغفل ولا يضعف ولا يُغلَب… يكفي أن نقوم بواجباتنا حتّى يكفينا.

مع التوكّل على الله نشعر بالغنى، وهو الّذي فتح أبواب خزائن رحمته، وشرّعها لنا في كلّ الأوقات.

أيّها الأحبّة: كم نحن اليوم بحاجة إلى تعميق هذه القيمة في نفوسنا، ولدى أجيالنا، لتوطيد علاقتهم بالله على أساس عمليّ ومتين وليس ظاهريّاً.

كم نحتاج إلى أن نعيش حقيقة التوكّل في هذه المرحلة الصّعبة من حياتنا، حيث الأخطار تُحدق بنا، والخوف الكبير من المستقبل الآتي، والظّروف القاسية الّتي تواجهنا من كلّ جانب، تدفع البعض إلى اليأس والاحباط.

كن مع الله يكن معك، عندها لن يكون للإحباط واليأس مكان في ساحاتنا. ولا يسعنا إلا أن نردّد دوماً، وفي كلّ أحوالنا وأوقاتنا، وبقلوبنا قبل ألسنتنا: "اللّهمّ ومن أمسى وأصبح وله ثقة ورجاء غيرك، فإنّي أمسيت وأصبحت وأنت ثقتي ورجائي في الأمور كلّها، فصلّ على محمد وآل محمد، واقض لي بخيرها عاقبةً، ونجّني من مضلاّت الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وبارك لي فيما أعطيتني يا كريم".

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، الَّتي هي الزّاد والمعين لنا لبلوغ الدّنيا والآخرة.. والتّقوى هي أن نتدبّر ما ورد في هذه القصَّة، حيث يُذكر أنَّ النبيّ سليمان(ع) كان جالساً على شاطئ البحر، فأبصر نملةً تحمل حبَّة قمح وتسير باتجاه الماء. ولما وصلت، أخرجت ضفدعةٌ رأسها من الماء، وفتحت فمها، ودخلت النّملة فيه وغاصت.

وبعد برهةٍ من الزَّمن، رجعت الضّفدعة وفتحت فمها، فخرجت النَّملة وهي لا تحمل حبّة القمح، فدعاها النبيّ سليمان وسألها ـ وكما تعرفون، كان النبيّ سليمان(ع) يفهم لغة النّمل والطّير، وآتاه الله ملكاً لا ينبغي لأحدٍ بعده ـ أين ذهبتِ؟ وما شأنك؟

فقالت: يا نبيّ الله، إنّ في قعر هذا البحر صخرة مجوّفة، وفيها دودة عمياء لا تقدر على أن تخرج لطلب قوتها، وقد وكلني الله برزقها، فأنا أحمل إليها حبَّة في كلّ يوم، وسخّر الله لي هذه الضّفدعة، تحملني إلى قعر هذا البحر، ثم تخرجني إلى السّاحل…

أيّها الأحبّة، هذا هو الله. كم هو رحيم بخلقه! كم هو حريصٌ على عباده! فلا يتركهم في الحياة ليواجهوا مصيرهم وحدهم، هو معهم يهديهم ويرشدهم، وقد تكفّل بأرزاقهم من دون أن ينتظر منهم شيئاً. ألا يستحقّ منّا هذا الرّبّ، حتّى لو لم يطلب منّا، أن نشكره ونقدّره؟! ويكفيه منّا أن نكون نحن على خير، أن لا نعاني، أن يكون حاضرنا جيّداً، ومستقبلنا أكثر عزّة وحريّة؟!

انشغال عن فلسطين

بهذه المسؤوليَّة، ينبغي أن نطلّ على الواقع الصّعب الّذي يحتاج إلى الّذين يعيشون المسؤوليّة. ومن هنا، نتطلّع إلى عالمنا العربي والإسلامي، الّذي تستمرّ معاناته، من خلال سياسة الاستنزاف الدّاخليّ الّتي يتعرّض لها من داخله وخارجه، والّتي نراها جليّةً في الصّراعات الّتي تدور في أكثر من بلد عربيّ وإسلاميّ، والّتي تتمثّل فتناً طائفيّة ومذهبيّة وسياسيّة، وصراعات حتى قبائليّة وعشائريّة، لتذهب كلّ عناصر القوّة فيه.

في الوقت الّذي يسعى العدوّ الصّهيونيّ إلى تحصين مواقعه وتثبيت كيانه وإنعاش اقتصاده، ولا سيّما بعد البدء بمشروع استخراج الغاز من حقل "تمار"، ليكون الأقوى في المنطقة، فيما الفلسطينيّون لا يزالون في معاناتهم، في ظلّ انشغال العالم العربيّ والإسلاميّ عن قضيَّتهم، حيث بات البعض يعتبرها عبئاً عليه. وما يتعرّض له الأسرى الفلسطينيّون المنسيّون في سجون الاحتلال، ولا سيَّما قضيَّة استشهاد الأسير أبو حمديّة، هو أكبر دليل على ذلك، حيث لم يحرّك هذا العالم ساكناً، باستثناء إطلاق تعابير الاستنكار الخجولة الّتي لا تسمن ولا تغني من جوع، هذا إلى جانب استمرار هذا العدوّ بسياسته الاستيطانيّة، وسعيه لتهويد القدس وإزالة المعالم الإسلاميّة والمسيحيّة وتهويد كلّ فلسطين.

إنّنا نخشى من أن يُغري هذا الواقع العدوّ بمزيدٍ من الضَّغط على الفلسطينيّين، وأن تمتدّ اعتداءاته إلى أبعد من فلسطين، حيث يستمرّ في اختراقه للأجواء اللّبنانيّة، وقصفه للأماكن المتاخمة لحدوده مع سوريا، فضلاً عن تهديداته للبنان وإيران، وآخرها تهديدات وزير الحرب الصّهيونيّ، بأنّ اجتياح لبنان مسألة حتميّة…

ومن هنا، فإنّنا في الوقت الّذي ندعو الشعب الفلسطيني إلى توحيد جهوده وانطلاقه بانتفاضة شاملة ضدّ العدوّ الصّهيونيّ، ندعو الدّول والشّعوب العربيّة والإسلاميّة إلى الوقوف مع هذا الشّعب، لدعمه وتقوية صموده في مواجهة هذا العدوّ، وعدم السّماح باستفراده، ولا سيّما بعد الدّعم غير المحدود الَّذي قدَّمه الرّئيس الأميركيّ له، وإعطائه حريَّة الحركة…

سوريا: معاناة بلا أفق

أمَّا سوريا، فيستمرّ النزيف فيها على مختلف المستويات، حيث لا يُراد لهذا البلد أن تهدأ رحى الحرب فيه، بل على العكس من ذلك، يراد للمعركة أن تزداد حرارتها، بتدفّق المزيد من المقاتلين والأسلحة من شتى البلدان، لتبقى هذه النّار متأججة.

إنّنا نعيد التأكيد على الشعب السوريّ بكلّ مكوّناته، أن لا يجعل نفسه في مهبّ الصّراعات الدوليّة والإقليميّة، أو في لعبة تكريس الانقسام الدّاخليّ، أو أن يقع في دوّامة العنف الّتي لن تنتج إلا دماراً وأحقاداً، بل أن يتداعى الجميع لدراسة كلّ السّبل الّتي تعيد إلى سوريا دورها الرّياديّ، وتؤمّن الإصلاحات الّتي ينادي بها الشّعب السّوريّ، والّتي يبذل التّضحيات لأجلها…

وفي هذا المجال، تبقى معاناة الإنسان السّوريّ الّذي يهيم على وجهه في بلاد الله الواسعة، وخصوصاً في المخيّمات. إنّنا نقول للعرب وللجميع: أين الرّوح العربيّة، أين الأخوّة الإسلاميَّة؟ أين الضّمير الإنسانيّ؟ أين الضّمير العالميّ إزاء كلّ هذا الدّم النّازف والدّمار الهائل والإنسان المعذّب، كما نقول لكلّ الّذين يفكّرون في القضايا الكبرى: أين هي هذه القضايا وسط احتدام الحرب الّتي لن تقف تداعياتها على الدّاخل السوريّ، بل ستمتدّ لتسقط الواقع العربيّ والإسلاميّ، وقد لا يسلم منها هذا البلد أو ذاك، وخصوصاً مع تصاعد لغة الحسم العسكريّ، وابتعاد منطق الحوار عن الجديَّة والفاعليَّة؟

لبنان: الحلّ بحكومة جامعة

أمّا لبنان، فإنّنا نأمل أن تساهم التوافقات الأخيرة على اسم رئيس الحكومة في تهيئة مناخات حلّ، وإن كان مرحليّاً، لإزالة القلق الّذي بات هاجس اللّبنانيّين، كما نأمل أن تساهم هذه الأجواء في تشكيل حكومة وحدة وطنيّة تعالج كلّ الملفات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، وتعمل على مواجهة التحدّيات الّتي قد يتعرّض لها لبنان من العدوّ الصّهيونيّ أو مما يجري من حوله، وتهيئة مناخات حوار داخليّ، لإعادة اللّحمة إلى هذا البلد، بدلاً من الاصطفافات الطّائفيّة والمذهبيّة والسياسيّة…

إنَّ اللّبنانيّين ينتظرون مبادرات عمليَّة من كلّ المخلصين، ولا سيّما أولئك الّذين يشكّلون صمّام أمان لإخراج البلد من أزماته، كما ينتظرون أن يتنازل الجميع عن أنانيّاتهم الشخصيّة والطائفيّة والمذهبيّة، لحساب إنسان هذا البلد ومستقبله ومستقبل أبنائه.

ولا بدَّ هنا من التّذكير بالمخطوفين اللّبنانيّين في سوريا، الّذين نخشى أن تدخل قضيّتهم في دائرة النّسيان، وفي الوقت نفسه، ندعو أهالي المخطوفين إلى أن تكون خطواتهم وتحرّكاتهم واعية ومدروسة، لا تترك تداعيات سلبيّة على المخطوفين، وعلى علاقة لبنان بمحيطه.

وإنّنا نشدّد على الدّولة القيام بمسؤوليّاتها، والتحرّك بفعاليّة في هذا الملفّ، كما ندعو كلّ الدّول المؤثّرة إلى عدم التنصّل من مسؤوليّاتها في هذا الملفّ الإنساني.

وأخيراً، مرّت علينا وستمرّ أعياد الفصح لدى المسيحيّين، والّتي يستعيدون فيها آلام السيّد المسيح ومعاناته؛ هذه المعاناة الّتي صاحبت مسيرة كلّ الرّسل والأنبياء الّذين أرسلهم الله ليزيلوا الآلام والمعاناة من حياة النّاس.

إنّنا نقول، وانطلاقاً من وعي الرّسالات: إنَّ المسؤوليّة تقع على عاتق المسلمين والمسيحيّين، للوقوف صفّاً واحداً في وجه كلّ الّذين يتسبّبون بالآلام النّاتجة من الظّلم الدّاخليّ والظّلم الاستكباريّ، فلا يمكن لإنسان يعيش آلام السيّد المسيح، أو آلام رسول الله(ص)، الّذي أُوذيَ كما لم يؤذَ أحدٌ من قبله، أن يرى النّاس يتألمون ولا يتحرّك لإزالة الألم من حياتهم أو ظلماً ولا تقف في وجهه..

إنّنا نقول للمسيحيّين والمسلمين: تعالوا، وانطلاقاً من رسالاتنا السماويّة، لنشكّل جبهة واحدة لمقاومة الظّلم والفقر والجهل والتخلّف؛ جبهة لبعث روح المحبَّة والرحّمة والعدل والقيم فينا، لينعم العالم بالأمن والسّلام…

التاريخ: 24 جمادى الأولى 1434 هـ  الموافق: 05/04/2013 م

 

Leave A Reply