الركون إلى الظالمين..خسران في الدنيا والآخرة

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 
الخطبة الأولى

{وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ}

{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}

 

ورد في حديث للإمام الصادق(ع): «إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ أَوْحَى إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَاءَهُ فِي مَمْلَكَةِ جَبَّارٍ مِنَ الْجَبَّارِينَ: أَنِ ائْتِ هَذَا الْجَبَّارَ فَقُلْ لَهُ إِنَّنِي لَمْ أَسْتَعْمِلْكَ عَلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ وَاتِّخَاذِ الأمْوَالِ وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلْتُكَ لِتَكُفَّ عَنِّي أَصْوَاتَ الْمَظْلُومِينَ فَإِنِّي لَمْ أَدَعْ ظُلامَتَهُمْ وَإِنْ كَانُوا كُفَّاراً» لا أريد أن أسمع صوت المظلومين.

 

عندما بعث الله سبحانه وتعالى رسله وأنبيائه حمَّلهم رسالة واحدة إلى الناس، عنوانها العبودية له وحده والطاعة له، وهذه العبودية والطاعة لله وحده هي ضمانة حفظ الكرامة الإنسانية.

ومن هنا نرى الاسلام الذي جاء به رسول الله(ص) كجامع لكل الديانات السماوية انطلق في كل تشريعاته وسن قوانينه من قاعدة تكريم الانسان ورفع شأنه قيمة ومكانة ودوراً، لذلك لم يكن إصدار الأوامر والنواهي موضوع معركة الاسلام الأولى.. الهم الأول كان تحرير الانسان من سلطة أي وثن أو صنم أكان حجراً أم بشراً… لذلك كرس القرآن الكريم جزءا من خطابه لتحصين النفس الإنسانية ومعالجة أمراضها التي تحوّل طاقات الانسان وإمكاناته إلى معول هدم له وللآخرين. وفي مقدمة هذه الأمراض الظلم..

 

أن تظلم إنساناً، مجتمعاً، أمّة، يعني أن ما تملك من سلطة أو قوة أو جاه أو مال يتيح لك أن تجعله طوع أمرك، حيث تكون مصلحتك تسخره وتهدر حقوقه وتسحق شخصيته وكرامته وانسانيته..

فالظلم إذا ساد مجتمعا حوله إلى مجتمع شقاء وبؤس وذل وأنانية وعدوانية لا تعاون فيه ولا رحمة…

وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى النتائج المدمرة التي يتركها الظلم عندما يستشري في المجتمعات وعند الأفراد ولا سيما عندما يكون الظلم صادراً ممن يملك قرار الناس وبيده أمورهم.. حين قال سبحانه وتعالى في ذلك:

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا}

وقال سبحانه: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.

وفي الحديث عن الإمام علي(ع): «وَلَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ وَهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ».

 

ولكي تزال آثار الظلم من الحياة ويتحقق العدل فيما بين الناس…أمر الله سبحانه بالأخذ على يد الظالم فقال سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}.

وفي وصية لأمير المؤمنين(ع) إلى الحسن والحسين(ع): « قُولَا بِالْحَقِّ وَاعْمَلَا لِلْأَجْرِ وَكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً وَلِلْمَظْلُومِ عَوْناً». وفي الوقت نفسه دعا إلى الوقوف مع المظلومين وتقويتهم ومدهم بكل أسباب القوة. وقد ورد في الحديث عن رسول الله(ص):"من أخذ للمظلوم من الظالم، كان معي في الجنة".

 

وفي سورة هود يذهب القرآن الكريم في التحذير من مواجهة الظلم والظالمين إلى أبعد من ذلك: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}

والركون في اللغة هو السكوت على الشيء والميل إليه.. ويقصد من الركون إلى الظالمين، الرضا بأعمال الظلمة وتبرير أعمالهم وتحسين صورتهم بين الناس.. وتأييدهم بكل وسائل التأييد وصولاً لمواجهة من يعارضونهم، ومد يد العون إليهم لبسط نفوذهم وتقوية حضورهم بين الناس. وهؤلاء الذين يركنون إلى الظالمين، دورهم أساسي في الظلم، بل قد يكونون الظالمين الأساسيين.

لأن الظالمين وحدهم لا يملكون قوة ذاتية تؤهلهم للتسلط والجور، قوتهم تأتي من الأزلام والأتباع ممن يهللون لهم ويسبحون ويمجدون بحمدهم.

 

وإلى هذا يشير الإمام الصادق(ع) عندما يتحدث عن السبب الذي جعل من بني أمية لهم هذا الشأن والحضور فقال: "لولا أن بني أميّة وجدوا من يكتب لهم، ويجبي لهم الفيء، ويقاتل عنهم، ويشهد جماعتهم، لما سلبونا حقّنا…" ولما فعلوا ما فعلوا بأهل البيت(ع).

 

فالناس الذين أيدوهم أو سكتوا على ظلمهم وجورهم أو شاركوهم هم الذين منحوهم هذه القوة وثبتوهم في مواقعهم.

ومن هنا كان التشديد في الأحاديث على دعوة الناس إلى الامتناع عن مد الظالمين بأي سبب من أسباب الدعم والتأييد.

ففي الحديث: "إذا كان يوم القيامة نادى مناد من السماء من قبل الله عزّ وجلّ: أين الظلمة، أين أعوان الظلمة، أين من برى لهم قلماً، أين من لاق لهم دواةً، أين من جلس معهم ساعة، فيؤتى بهم جميعاً، فيؤمر بهم أن يضرب عليهم بسور من نار، فهم فيه حتى يفرغ الناس من الحساب، ثم يؤمر بهم إلى النار".

 

وفي الحديث: "من أعان على مؤمن بشطر كلمة (قال يستأهل، أو من حق الظالم أن يفعل به ذلك.. وغيره من أنواع العون) لقي الله عز وجل يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمتي".

وفي الحديث: "من عذر ظالما بظلمه سلط الله عليه من يظلمه فإن دعا لم يستجب له".

"من مدح سلطاناً جائراً وتخفف وتضعضع له طمعاً فيه كان قرينه في النار".

وفي حديث آخر: " من دعا لظالم فقد أحب أن يعصى الله في أرضه".

 

إذاً بهذه الحساسية المفرطة لا بد أن نتناول مسألة الظلم، فلا يكفي للإنسان في حسابات الله أن يكون بمنأى عن الموقف الصعب يوم يأتي المظلومون إلى ظالميهم ليقولوا يا عدل يا حكيم خذ لنا من ظالمنا،ح يث سيعلم الذي ظلم  أي منقلب ينقلب، حيث إذا لم يظلم الناس، وإذا هو لم يقتل، وإذا لم يسرق، وإذا هو لم يغتب، ولم ينم، ولم يأكل حقوق الناس.. سوف يكون بريئاً في يوم الحساب، فليراجع نفسه فلعله يكون شريكاً للظالم بتأييده بكلمة، بتعزيز قوته عبر الدفاع عن ظلمه، أو السكوت على ظلمه… وقد يؤتى للانسان يوم القيامة بقارورة فيها دم ويقال له هذا نصيبك من دم فلان ، فيقول أنا لم أقتل ولم أجرح، يقال:أنت أيدت الظالم بكلمة او ان الظالم تشجع على الظلم لأنه ضمن موافقتك وعدم معارضتك ..أو كنت من الدافعين على ظلمه. إذا لا حياد مع الظالم سواء أكان الظالم في شخصه أو في عمله أو في المجتمع والسياسة، الكل ظلم

 

 وفي الشأن العام نلتقي بأحاديث  أوردها البعض عن النبي وتزعم "وجوب طاعة الأمير وإن أخذ مالك وضرب ظهرك" فلا نأخذ بها بل نضرب بها عرض الحائط لأنها بكل بساطة ووضوح تخالف نص القرآن {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}.

 

فالطاعة لا بد أن تكون للحاكم العادل..كما قال علي(ع):"إن هذه أعظم من ولايتكم إلا أن أقيم حقاً، عدلاً وأدفع باطلاً وظلماً." وهذه الأحاديث التي وردت في طاعة الظالم هي جزء من الأحاديث التي أدخلها بنو أمية وبعدهم بنو العباس لأجل تثبيت دعائم حكمهم والقبول به مهما كانت صفات الحاكم وأفعاله وظلمه وجوره..

.

ثم لماذا هذا الإصرار القرآني والنبوي على رفض الركون إلى الظالمين.. قد يكون سببه هو عدم  تثبيت حكمهم، ودعمهم، لكن هناك ما هو أكبر من ذلك،  هو خلق ذهنية لا تتقبل الظلم مما قد ينعكس على الهوية الإيمانية للمجتمع وبنائه الإنساني الداخلي..

 

والركون إلى الظالم، لا سيما إذا طالت مدته فإنه يترك أثره في النفوس، هو يشوه الفطرة الإنسانية ويجعل الإنسان يكف عن استقباح الظلم أو انتقاده، يصبح أمراً عادياً، بل قد يأخذ بالنظر إليه على أنه شيء ضروري لحياته وحياة الآخرين، بحيث يبرر معه استمرار هذا الظلم. بل يصبح ثقافة  ويقينا ورضا لا شيء فيها اسمه قبح الظلم يعني ان الفطرة المتمردة على الظلم في اعماق الانسان يحل محلها فطرة خانعة مشوهة مستعبدة  وهذه هي حال القسم الاكبر من الأمة .. واللافت ان هذه الفئة اذا استتب الأمر لها نهجت الظلم تماما وتشبهت بظالمها .

 

وهذه هي الصورة التي واجهها الأنبياء والمصلحون، فهم كان يجدون أمة اعتادت وألفت العيش مع الظالم والالتزام بنهجه حتى لو كان على نمط فرعون ونمرود وغيرهما من الطغاة.. وهذا هو ما واجهه الحسين(ع) في كربلاء مع أمته والتي وصل بها الأمر إلى قتل ابن بنت نبيها لحساب شخص مثل يزيد الفاسق والفاجر والقاتل. واجه هذا المنطق الذي يقبل بالظلم، لا فقط يعايش معه، وفرق بين التعايش والقبول.

 

ومن هنا تأتي مسؤولية كل الواعين، أن يتقدموا إلى الناس، لبث الوعي فيهم حتى لا يتحول الظلم ليصبح هو الحقيقة أو يتحول النبي المصلح إلى عدو… لا بد أن يبقى هناك صوت يحمل نداء الوعي، صوت يرفض الظلم ويواجهه في أي موقع كان.. حتى لا يستقر الظلم ويصبح مألوفاً في أي مرحلة وحتى لا تتشوه فطرة الأمة..

 

أيها الأحبة:

إننا أحوج ما نكون في واقعنا الذي يكثر فيه المتملقون والمتزلفون والمجاملون للظالمين والفاسدين ، إلى من يقول لا للظلم باليد تارة وباللسان وبالقلب كأضعف الإيمان.  نحتاج إلى الذين يفهمون أن الطريق إلى الله لن يكون إلا بالوقوف في وجه الظالمين والفاسدين ، يقولون ما قاله النبي موسى لربه: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ} نحتاج الى أولئك الذين يفهمون ان الايمان بالله لا يمكن أن يلتقي مع ظلم عباده هما طريقان لا يلتقيان أبداً:

{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}

 

نحتاج اليوم الى الذين يقفون بوجه أولئك الذين يظلمون باسم الله وتحت لوائه إنه لظلم مركب أنه لظلم عظيم {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}

 

 

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، والحذر من أن تكونوا من أولئك الَّذين أشار إليهم الله تعالى بقوله: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ}.

 

أيها الأحبّة، لا يمكن أن ننتمي إلى الله ورسوله وإلى أوليائه ونحن نؤيد ظالماً أو نساعده أو نجامله في ظلمه، فالله بنى الحياة على العدل، وأرسل رسله لإقامة العدل، فالعدل مشروع الله ومشروع رسوله، وهو لا يجتمع أبداً مع مشاريع الظّالمين والطّغاة والمستكبرين. هذه مسيرتنا، وهنا البداية والنّهاية.

 

لبنان

لا يزال اللبنانيون يعيشون تحت وطأة الصَّدمة الّتي أحدثها مشهد النفايات التي جرفتها السيول والأمطار.. وهي تطوف في عاصمة لبنان وضواحيه ومناطقه، وتهدّد بكارثة بيئية وصحية، وتسيء إلى جمالية بلدهم وحضارته، والَّذي يقوم جلّ اقتصاده على السّياحة…

لقد كنا نأمل أن يدفع ما جرى من هم في موقع المسؤولية إلى تحمّل مسؤوليتهم، وعلى الأقل الاعتذار إلى اللبنانيين مما جرى من تقصير في حقهم، بدلاً من تقاذف المسؤوليات، أو وضع اللوم على الطبيعة، أو إدخال ذلك في دائرة المؤامرة، ولكن، كما اعتدنا في هذا البلد، أنَّ المسؤول محمي بموقعه السياسي وطائفته ومذهبه، وأن الاعتراف بالتقصير يسيء إلى موقعية هذه الطائفة أو هذا المذهب أو هذا الموقع السياسي..

 

ولذلك، بقي الواقع السّياسيّ على حاله مرتاحاً لمصيره، سوى أسفه على ما جرى، أو التخفيف من تداعيات الأزمة، وكأنَّ البلد بألف خير، لتبقى هذه القضية أسيرة الاتهامات المتبادلة، ولتطاول مرةً هذه الطائفة أو تلك، وهذا الموقع السياسي أو ذاك.. ما أظهر البلد كمجموعة طوائف ومواقع سياسية تمارس فيه كل طائفة خياراتها ويحدد كل موقع سياسي مساراته بناءً على مصالحه الخاصة.

 

إنَّنا أمام هذا الواقع، نعيد ما قلناه أكثر من مرة من أن مشكلة هذا البلد ليست في الأزمات، فهي تحدث في كلّ بلد، بل في أسلوب التعامل معها، فهي سرعان ما تسيَّس، أو تطيَّف، أو تمذهب، أو تدخل في لعبة المصالح.. فيما يبقى الإنسان في هذا البلد آخر الاهتمامات.

 

إنَّنا لا نريد لكلّ من هم في مواقع المسؤوليَّة أن يتجرَّدوا من جلدتهم الطائفيَّة والمذهبيَّة والسياسيَّة، فهذا قد لا يكون هذا واقعياً، بقدر ما نريد لهم أن يعوا أنَّ السبيل لتحقيق ما يريدون، لا يتحقق إلا بتحقيق المصالح العامة لكلّ اللبنانيين…

إننا نريد لمن هم في مواقع المسؤولية أن يجعلوا لقمة عيش الإنسان وصحَّته وبيئته وسلامة غذائه والماء والكهرباء في جلّ اهتماماتهم، فإذا كانت القضايا الأخرى، رغم أهميتها، قابلة للتأجيل، فالقضايا الاجتماعية والمعيشية لا تؤجّل، وينبغي أن تفتح أبواب المجلس النيابي لأجلها، وتُعقد جلسات مجلس الوزراء.

 

ويبقى لنا، ورأفة بهذا البلد، ولإبقاء بعض الأمل في نفوس أبنائه، أن ندعو مجدداً إلى تبريد الخطاب السياسي العلني، نظراً إلى تداعياته على الداخل، وحتى على الخارج، وليكن الحوار مساحة لمناقشة الخلافات السياسية..

 

 

قضية الشيخ النمر

وفي مجال آخر، وبعد مصادقة القضاء السعودي على إعدام عالم الدين السعودي الشيخ نمر النمر، فإننا في الوقت الذي لا نريد أن نتدخل في القضاء ومجرياته، ندرك، ومن خلال معرفتنا بسماحة الشيخ، حرصه على الوحدة الإسلامية والوطنية، والأمن الداخلي لوطنه، مع الأخذ بالحسبان  الملاحظات والاعتراضات التي طرحها هنا وهناك، فهي لا تستوجب ما يحدث بقدر ما تستوجب التقدير، في ضوء ما عرفناه من رسالة الإسلام السمحاء التي تشدّد على قبول النقد، بل اعتباره هدية، وهذا ما عهدناه في سيرة النبي(ص) وأصحابه.

 

ومن هنا، فإننا ننتظر، وانطلاقاً من حرصنا على أفضل العلاقات بين كلّ مكونات هذا البلد، وللحؤول دون حصول أية تداعيات سلبية على تنفيذ هذا الحكم، لو قدّر له أن ينفّذ، إطلاق صراح هذا الشيخ الجليل وعودته إلى أهله وعائلته ومحبيه، ليمارس دوره الرسالي، وهو الأمين على مصالح وطنه ووحدته، ونرى أن ذلك هو القرار الحكيم والصّائب لمثل هذه القضية.

 

سوريا

وإلى سوريا، حيث نأمل أن تساهم الحركة السياسية التي تجري في داخلها، وفي أكثر من عاصمة عربية وأوروبية، في الوصول إلى تسوية تزيل عن كاهل الشعب السوري آثار المحنة الطويلة التي يعانيها، ويعيد لسوريا دورها الفاعل والرائد في العالم العربي.

وهنا ندعو الدول العربية، وانطلاقاً من الشعور بالمسؤولية تجاه هذا البلد العربي وشعبه، أن تكون أكثر حرصاً على إيقاف نزيف الدم السوري الذي هو دم عربي، فقد آن الأوان لأن ننهي هذه المأساة التي تستنزفنا جميعاً، ونخرج من المنطق الراهن؛ منطق تصفية الحسابات الضيّقة وردود الفعل.

 

فلسطين

أما فلسطين فإنّ شعبها يتابع انتفاضته دون أن يثنيه عن ذلك كل التهديدات والاعتداءات الصهيونية، وقرارات سحب الجنسية من المواطنين الفلسطينيين المقيمين في القدس.

ومع الأسف، يجري كلّ ذلك والعالم العربي والإسلامي وكل دعاة حقوق الإنسان في العالم، في سبات عميق، حيث لم تكن ردود الفعل بمستوى الجرائم الصهيونية التي ارتكبت، ولا بمستوى الأهداف التي سعى الكيان الصهيوني إلى تحقيقها. لقد بات الشعب الفلسطيني أكثر وعياً، ولم تعد تنطلي عليه الألاعيب الصهيونية التي تتحدث عن حرص الصهاينة على أمن المصلين وحريتهم، وعلى عدم وصول المستوطنين إلى حرمة المسجد، في حين قالت نائب صهيونية: "حلمي أن أرى علم إسرائيل يرفرف فوق جبل الهيكل"، وهي التسمية الصهيونية للمسجد الأقصى، وليواكب ذلك هجمة جديدة من المستوطنين على المسجد، غير مبالين بما تم الحديث عنه من تفاهمات..

ومن هنا، تبقى دعواتنا إلى الشعب الفلسطيني بالمزيد من الوحدة والتماسك لمواجهة هذه الغطرسة الصهيونية، وإلى الشعوب العربية والإسلامية بأخذ دورها في حماية هذا الشعب، فهل من مجيب؟!

 

المخدرات

وفي مجال آخر، لا بدّ من أن نطلّ على مسألة المخدّرات الّتي ظهر خطرها أخيراً من خلال حجم الكمّيات المصادرة، والّتي باتت تشكّل معضلة كبيرة للبنان وللعالم العربي، ووسيلة إفساد للشباب وللجيل الصاعد، وهدم للأسرة وللأمن الاجتماعي والقيم الأخلاقية والدينيَّة. إننا في الوقت الذي نقدّر للقوى الأمنية دورها في حماية البلاد العربيَّة وغير العربية، ومنع وصول هذه الآفة إليها، ندعو إلى المزيد من بذل الجهد لعدم جعل لبنان بؤرة لها، ما يترك آثاراً سلبية على صورة لبنان واللبنانيين، وندعو إلى الضرب بيد من حديد وملاحقة على كلّ الضّالعين بتسويقها وترويجها، مهما كان موقعهم أو دينهم أو مذهبهم..

 

تعزية بضحايا حادثة منى

ويبقى أخيراً أن نتقدَّم بأحرّ التعازي إلى عائلة سماحة السيد حيدر الحسني، الَّذي توفّي في رحاب الأرض المقدّسة وهو في ثياب إحرامه في منى، بعد أن تمّ التعرّف إليه، سائلين المولى أن يتغمّده هو وكلّ الَّذين سقطوا في هذه البقعة الطاهرة، بالمغفرة والرحمة.. ولا زلنا ننتظر العثور على بقية الجثامين، ومن بينها جثمان الصديق والأخ العزيز غضنفر ركن أبادي، الّذي عرفناه إسلامياً وحدوياً ومدافعاً عن القضايا الكبرى.

 

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله 

التاريخ : 17 محرم 1437هـ الموافق : 30ت1 2015م

 

 

Leave A Reply