الرّقابة على اللّسان ضرورة لحماية المجتمع

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

 

قال الله سبحانه وتعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ}. صدق الله العظيم.

 

لقد أشارت هذه الآية إلى مدى الخطر الّذي يتركه اللّسان عندما يخرج عن وظيفته التي أرادها الله منه، فقد أراد الله للّسان أن يكون أداة للتواصل بين الناس، وتفاعل الآراء والأفكار فيما بينهم، ولبعث الخير في النفوس، وبثّ روح الألفة والمحبّة والتعاون داخل المجتمع أو الوطن، وأن ينطق بالحقّ والصّدق، ولم يرده أن يكون أداةً لبثّ بذور الفتنة والأحقاد والتوتّرات وشقّ الصفوف ونشر الفساد والانحراف.

 

ويكفي نظرة إلى الواقع حتى نرى مدى هذه الخطورة، وهي ازدادت بعد انتشار وسائل الإعلام والتواصل، حيث لم يعد للكلمة حدود وحواجز تقف عندها على مستوى الزَّمان والمكان، وصار بالإمكان لأيِّ كان من موقعه أن يطلقها.

 

خطورة اللّسان

وقد أشارت هذه الآية إلى مدى هذه الخطورة عندما قالت: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ}، وهذا ما بيّنته الأحاديث الشريفة، فقد ورد في الحديث: "رُبَّ كلام أنفذ من سهام".

وقد جاء في الحديث: "رُبَّ لِسَانٍ أَتَى عَلَى إِنْسَانٍ"، "اللِّسان سَبُعٌ إن خُلِّيَ عَقَر"، وورد أيضًا: "إذا أصبح ابن آدم، أصبحت الأعضاء كلّها تستكفي اللّسان، تقول: اتّق الله فينا، فإنّك إن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا"، حتى ورد: "بلاء الإنسان من اللّسان".

وهذا لا يقف عند الحياة الدنيا، بل يمتدّ إلى الآخرة، فعن رسول الله (ص)، لما سأله أحد أصحابه، وهو معاذ بن جبل، عمّا يدخله الجنّة ويباعده من النَّار، فقال له (ص): "كفّ عليك هذا"، وأشار إلى لسانه. قلت: يا نبيَّ الله، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟ قال: "ثكلتك أمّك يا معاذ، وهل يكبّ النّاس في النار على وجوههم ـ أو قال على مناخرهم ـ إلا حصائد ألسنتهم؟!".

وإلى ذلك، ورد تحذير رسول الله (ص)، عندما قال: "إنّ الرّجل ليتكلّم بالكلمة من رضوان الله، ما كان يظنّ أن تبلغ ما بلغت، يَكتب الله تعالى بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإنَّ الرّجل ليتكلّم بالكلمة من سخط الله، ما كان يظنّ أن تبلغ ما بلغت، يَكتب الله بها سخطه إلى يوم يلقاه".

وقد ورد في الحديث أيضاً: "يعذّب الله اللّسان بعذابٍ لا يعذّب به شيئاً من الجوارح، فيقول: أي ربّ! عذّبتني بعذاب لم تعذّب به شيئاً من الجوارح. فيقال له: خرجت منك كلمة بلغت مشارق الأرض ومغاربها، فسفك بها الدّم الحرام، وانتهب بها المال الحرام، وانتهك بها الفرج الحرام".

 

الرّقابة على اللّسان

ومن هنا، فرض الله سبحانه الرّقابة على اللّسان بما لم يفرضه على غير الجوارح: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، فهناك رقابة على اللّسان تختلف عن الرّقابة على بقيّة الجوارح.

وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين (ع)، فهو عندما رأى رجلاً يتكلّم بكلامٍ من دون وعي وتدبّر لطبيعة كلامه أو لنتائجه، قال: "يا هذا، إنّك تملي على حافظيك كتاباً إلى ربِّك، فتكلّم بما يعنيك، ودع ما لا يعنيك".

وقد بيّنت الأحاديث الأثر الّذي قد يتركه عدم متابعة اللّسان وحفظه، حيث ورد في الحديث: "وليخزن الرَّجل لسانه، فإنّ هذا اللِّسان جموح بصاحبه. والله، ما أرى عبداً يتقي تقوى تنفعه حتى يختزن لسانه". فحفظ اللّسان هو باب لبلوغ التقوى، وهو باب للحصول على الكرامة.

وفي الحديث: "من حفظ لسانه أكرم نفسه".

وقد اعتبرت حفظ اللّسان علامةً فارقة تميِّز المؤمن من المنافق.

ففي الحديث عن الإمام عليّ (ع): "إنّ لسان المؤمن من وراء قلبه، وإنّ قلب المنافق من وراء لسانه، لأنَّ المؤمن إذا أراد أن يتكلَّم بكلام، تدبَّره في نفسه، فإن كان خيراً أبداه، وإن كان شرّاً واراه، وإنَّ المنافق يتكلَّم بما أتى على لسانه، لا يدري ماذا له وماذا عليه".

ولذلك، نرى أنَّ بعض صحابة رسول الله (ص)، والتزاماً بحفظ ألسنتهم من الانزلاق والخطأ، كانوا يضعون حصاةً في أفواههم، فلا يرفعونها حتى يتأكّدوا أنّ ما يقولونه حقّ، وأنّه لا ينتج إلا الخير، أو يكتبون ما يقولون ويتدبّرونه جيّداً قبل أن يقولوه، حتى يتوقّوا تبعات كلماتهم.

 

خارطة طريق

ونحن عندما نتحدَّث عن اللّسان، فلكونه الوسيلة الأبرز للتَّعبير، وإلّا، فإنّ الأمر يتعلّق بكلّ وسائل التعبير، بما يكتب، وبما يدوَّن عبر مواقع التّواصل وغيرها، أو عبر شاشات التلفاز.

وقد جاءت التّشريعات لترسم خارطة طريق للّسان لا بدَّ من أن يتحرَّك ضمنها.

فهي تشدَّدت في النهي عن كلّ المحاذير التي تصدر عن اللّسان، إذ نهت عن الغيبة والكذب والنّميمة والسّخرية والطّعن بالآخرين، والتّنابز بالألقاب والسبّ، والقول بغير علم وبدون دليل واضح، واللّغو والغناء اللاهي…

وقد حمَّلت الإنسان مسؤوليّة الكلمة وكلّ تداعياتها على أرض الواقع، فقد ورد في الحديث ما مضمونه: يُؤتى للإنسان في يوم القيامة بقارورة فيها دم، فيقال له خذ هذا نصيبك من دم فلان، فيقول يا ربّ، لقد عشت حياتي ولم أرق دماً، فيقال: سمعت كلمة من فلان فنقلتها إلى فلان الجبّار فقتله، فهذا نصيبك من دمه.

ولم تقف التّوجيهات الإلهيّة عند ذلك، بل إنّها دعت الإنسان إلى أن يحسن اختيار ما يصدر عن اللّسان، فلا يختار إلا الأحسن.

وإلى هذا، أشار عزَّ وجلّ: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، حيث دعا المؤمن إلى القول الأحسن، على مستوى الفكر، وفي الخطاب، وعند الجدال والحوار. فالمؤمن عندما يقف بالخيار بين كلمتين، فلا يختار الحسن بل الأحسن، والأحسن هي الكلمة التي تنساب إلى قلب الآخر قبل أن تدخل إلى عقله، الكلمة التي لا تستفزّ الآخر، الكلمة التي لا تهدف إلى تسجيل النّقاط عليه، بل إطفاء الباطل عنده، وتقريبه من الحقّ أو إدخاله فيه.

وهذا ما نجده عند رسول الله (ص) ذي الخلق العظيم، الذي كان يحرص إذا عرف بخطأ أحد من أصحابه، على أن لا يخدشه أو يحرجه، بل كان يقف أمام النّاس، وهو بينهم، ليعظ النّاس جميعاً من دون أن يسمّي فلاناً بعينه، ويوجّههم إلى أن لا يقعوا في هذا الخطأ، ويبيِّن لهم سبل العلاج.

أمّا لماذا كلّ هذه التّشريعات؟ فلأنّ الشيطان يترصّد الكلمات المشبعة بالعداء والتوتّر والحقد، كما جاء في قوله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِين}. والنَّزغ يعني في اللّغة الإفساد، فالشّيطان الحاقد على الإنسان، من أولويّات مشروعه أن يثير الفتن بين النّاس.

إننا أحوج ما نكون إلى أن نفتح القلوب بدلاً من أن نغلقها، وأن نطفئ نيران العداوة والبغضاء والفتنة بدلاً من أن نوقدها، وأن نؤلّف بين النفوس بدلاً من أن نباعد بينها، وأن نوصل كلمة الحقّ والخير بدلاً من أن نبعِّد عنها.

وقد بيّن الله سبحانه أهمية نتائج هذه الكلمة وآثارها، عندما قال: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا…}.

وفي وصايا الإمام الصّادق (ع) إلى شيعته: "معاشر الشّيعة، كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيناً، قولوا للنّاس حسناً، احفظوا ألسنتكم، وكفّوها عن الفضول وقبيح القول".

وقد ورد في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (ع) في ذلك: "حقُّ اللّسان إكرامه عن الخنا، وتعويده الخير، وترك الفضول التي لا فائدة لها، والبرّ بالنّاس، وحسن القول فيهم".

 

صورة عن صاحبه!

أيّها الأحبّة: إنّ ألسنتنا تمثّل التّعبير العمليّ عن شخصيّاتنا، فكما لا نحبّ أن نظهر أمام الآخرين إلا بالمظهر الجميل على مستوى الشَّكل واللّباس، فلنحرص على أن لا نُظهِر إلا جميل قلوبنا وعقولنا وكياننا، ولنتذكر قول عليّ (ع): "المرء مخبوء تحت لسانه".

وهذا لا يعني أن نداري الآخرين ونجاملهم، ونقدِّم لكلّ واحد ما يناسبه حتى يقبلنا أو يرضى عنا، بل أن نقدّم ما نحن عليه بصدق وشفافية، وبقالب جميل يتناسب ومنطلقاتنا الدينيّة والتربويّة.

إننا أحوج ما نكون إلى الكلمة الطيّبة، أن نعوّد ألسنتنا عليها، حتى نتّقي بها الفتن والتوتّرات والتشنّجات، ومواقع سوء الظنّ التي تحمِّل الكلمة المحامل السيّئة، لشحن النفوس بالكراهية والأحقاد.

وبها نبلغ ما عند الله الّذي يقول: {أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيم}.

جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه.

 

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الله عندما قال: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ}. فالله يدعونا إلى التروّي والسّكينة، وهدوء الفكر في التّعامل مع الأحداث، والتثبت من المعلومات، وتدبّر العواقب قبل أن نأخذ بها أو نرسلها إلى أحد.

وقد ورد عن رسول الله (ص): "إنّما أهلك النّاس العجلة، ولو أنّهم تثبّتوا لم يهلك أحد". وورد عن عليّ (ع): "مَعَ العَجَلِ يَكْثُرُ الزَّلل".

وقد اتّبع القرآن هذا الأسلوب في تعامله مع الّذين كانوا يتحدّثون عن النبيّ (ص) ويتّهمونه بأنه ساحر ومجنون ويعلّمه بشر، إذ دعاهم إلى عدم الاستعجال في إطلاق مثل هذه الأحكام بحقّه (ص)، ونصحهم بالابتعاد عن الأجواء الانفعاليّة الضاغطة التي تؤثّر في مواقفهم، وطلب منهم أن يجلسوا فرادى أو اثنين اثنين، ليفكّروا بهدوء وتأنٍّ في شخصيّة هذا الرّسول وفيما يطرحه، لكي تكون أحكامهم صائبة: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ}. إذاً، لا بدَّ من عدم الاستعجال، ليكون التثبّت والتّبيّن هو المعيار في الحكم. وبذلك، نكون أكثر وعياً وقدرةً على مواجهة التحديات.

 

الخطر يحدق بلبنان

والبداية من لبنان، الَّذي يستمرُّ على حاله من المراوحة على المستوى السياسيّ، حيث لم تفلح بعد كلّ الجهود التي بذلت لتأليف حكومة تلبي مطالب الشارع والقوى السياسية الفاعلة، ولايزال التأليف محكوماً بالشّروط والشّروط المضادّة وتعقيدات الخارج الَّذي لم يسهّل بعد مهمّة العاملين للوصول إلى حلّ.

يأتي ذلك في ظلِّ تصاعد المخاطر على الصعيد الاقتصادي والنقدي والمعيشي، وعدم قدرة المواطنين على تلبية احتياجاتهم من الغذاء والدّواء، وأخيراً الوقود، والخوف من انزلاق البلد إلى الفتنة وما يهدّد حياة المواطنين وممتلكاتهم وسلمهم الأهلي، والذي عبرت عنه أكثر من حادثة مؤسفة جرت الأسبوع الماضي، وفي أكثر من منطقة لبنانيّة.

وفي هذا الجوّ، كانت الفاجعة الأليمة الّتي وقعت على الطريق السّاحليّ في الجيَّة نتيجة قطع الطرقات، والَّذي كنّا قد حذَّرنا سابقاً من آثاره وتداعياته، ونأمل أن تساهم هذه الفاجعة في ردع كلِّ من يعتمد هذا الأسلوب كوسيلة احتجاج أو لأجل تحقيق المطالب، فقطع الطريق لا ينبغي أن يكون أبداً وسيلة، فلا حقّ لأحد بقطع طريق الناس أو تقييد حرّيتهم، ولا سيّما ممن يعلن أن تحرّكه هو لأجلهم ولحسابهم ولحلّ مشاكلهم.

ونحن في الوقت الَّذي ندين هذا الأسلوب، فإننا لا نريد أن يصل ردّ الفعل عليه إلى حدّ التعرّض لحياة الناس وممتلكاتهم وأرزاقهم أو تهديد سلمهم الأهليّ.

 

لا للشّعارات الطّائفيّة

ولا بدَّ هنا من أن نحذِّر من تداعيات رفع الشعارات الطائفية والمذهبية، وكلّ ما يذكّر بتوترات أخذت هذا البعد، مما لا يريد أحدٌ من اللّبنانيين العودة إليه، فالكلّ يعرف الآثار الكارثية التي قد تنتج من رفع الشعار الطائفي أو المذهبي في ظلّ التوترات الحاصلة، فهذا الشّعار سيواجه بمثله، ونحن في بلد سرعان ما تتأجَّج فيه الحساسيات وتستثار فيه المشاعر والغرائز.

إنَّ على الواعين، ممن يملكون التأثير في الساحات، أن يتحمَّلوا مسؤوليّتهم في هذا المجال، وأن لا يتركوا مثل هذه الأصوات تنطلق، وإذا انطلقت، أن يسارعوا إلى علاجها، ومنع أيّ تداعيات أو ردود فعل قد تنتج منها، وأن لا يخضعوا في ذلك لمنطق الشّارع وردود أفعاله، فليس من مصلحة أحد في هذا البلد أن تعود إليه بذور الفتنة، أو يفتح المجال للداخلين على خطّها.

إنَّ من حقّ كلّ فرد وجهة وموقع أن يعبِّر عن قناعاته وما يفكّر فيه، ولكن بما لا يستفز مشاعر الآخرين، ولا يثير أية حساسيات لديهم.

إنَّنا في هذا البلد محكومون بأن نعيش معاً بكلّ تنوّعاتنا الدينيّة والمذهبيّة والسياسيّة، ولن يستطيع أحد، مهما بلغ من القوّة والإمكانات، أن يلغي أحداً أو يسيطر على أحد أو يحتكر الساحة لنفسه. فلنوفّر على هذا البلد كلّ ما يؤدّي إلى الشّرخ بين مكوّناته وتعميق الهوّة فيما بينها، وإذا كان لأحد أن يطالب برفع غبن أو ظلم عن نفسه أو دفع فساد، فليطالب بالعدالة للجميع.

 

لتكن مرحلة العمل

ويبقى أن نتوجَّه إلى كلّ القوى والمواقع السياسيّة التي تولَّت إدارة البلد طوال هذه الفترة، لندعوها إلى تحمل مسؤوليّتها، فلا يستطيع أيّ منها أن يتنصَّل من مسؤوليته أو أن يخرج نفسه منها. الكلّ مسؤولون، ولا بدّ لكلٍّ منهم أن يقوم بدوره في هذه المرحلة الصّعبة، وذلك بالعمل سريعاً لتشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن، والكفّ عن المناورات والتمسّك بالأسقف العالية، بعدما لم يعد مبرَّراً أيّ تأخير. وما لم يتحقّق ذلك سريعاً، فعلى الأقلّ إبقاء الحرارة في الحكومة المستقيلة للقيام بتصريف الأعمال، إذ إنَّ مرحلة تصريف الأعمال لا تعني الشَّلل وترك الأمور على غاربها.

إنَّ المرحلة التي نعيشها ليست مرحلة تقاذف الكرات بين القوى والمواقع السياسيّة، بل مرحلة العمل معاً، وبعيداً من كلّ الحسابات، من أجل حفظ هذا البلد من أن يتداعى إنسانه، أو أن يهيم على وجهه أو أن يموت كمداً من معاناته.

 

العراق الجريح

أخيراً، لا بدَّ من أن نطلّ على العراق، هذا البلد العزيز الَّذي تزداد جراحاته وآلامه، ويرتفع عدد الضّحايا التي تسقط فيه يومياً بفعل الفساد المستشري فيه وتدخّلات الخارج، لندعو كلّ القيادات السياسية إلى تحمّل مسؤوليتها، والعمل سريعاً لإخراج العراق من الواقع الذي وصل إليه، بالإصغاء إلى صوت الشّارع ومطالب الناس المحقّة، حتى لا يضيع هذا البلد، أو يصبح لقمة سائغة في يد من لا يريد له خيراً، وعندها يسقط الهيكل على رؤوس الجميع.

 

Leave A Reply