السيد علي فضل الله: لا لسب الصحابة .. والشيعة “أحرار في قناعاتهم”

في أول حوار من نوعه لمنبر إعلامي مغربي، أكد المرجع اللبناني الشيعي البارز، علي فضل الله، وهو نجل المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله، في حوار خص به هسبريس، أنه "لا يجوز سب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو الإساءة إليهم تحت أي اعتبار من الاعتبارات"، موضحا أن "السب لا يزيد المشاكل إلا تعقيدا".

وأفاد مؤسس "ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار" بأنه "من حق كلّ مذهب أن يعبّر عن قناعاته، ولا ينبغي لمسلم أن يتعرض للقمع والإقصاء بسبب انتمائه إلى مذهب ما في أي بلد إسلامي"، داعيا الشيعة إلى أن "يكونوا مواطنين صالحين في أي موقع تواجدوا فيه، وأن يكونوا حريصين على مصلحة وطنهم".

ودعا المرجع اللبناني ذاته إلى "تشكيل لجنة من العلماء تشرف عليها المرجعيات الإسلامية الكبرى، وعلى رأسها الأزهر الشريف، والمرجعيات الحركيّة في النجف وقم ولبنان والحجاز، لتعمل على معالجة كل ما يدخل إلى الدين من تطرف وغلو وانحراف".

 

 

عاد الدفء تدريجياً إلى العلاقات بين المملكة المغربيَّة والجمهوريَّة الإيرانيَّة، دون أن تعود العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين البلدين منذ العام 2009. كيف تقرأ هذه المعطيات الحالية في العلاقات بين الطرفين؟

 

إننا نشجّع على كلّ تطوّر في العلاقات بين الدول الإسلاميَّة وندعمه، لأنَّه يساهم في تبديد الهواجس والمخاوف، وتعزيز مناخات الوحدة التي نحن أحوج ما نكون إليها في هذه المرحلة، حيث نواجه مخاطر الفتنة والانقسام، اللذين يراد لهما أن يكونا طابع هذه المرحلة.

 

من أسباب القطيعة بين إيران والمغرب، تخوّف الأخيرة من نشر إيران للتشيّع، وهو ما يعيب عدد من البلدان الإسلامية الأخرى، طهران عليه أيضاً. كيف يمكن، في رأيك، معالجة هذه المشكلة؟

 

عندما تتطوَّر الخلافات السياسيَّة بين الأطراف حول قضايا معيّنة، يعمل كل طرف لاتهام الطرف الآخر بما يعيبه ويحاصره ويضعفه، حتى لو لم يكن موجوداً فيه، وهذا ما عهدناه في الصراع السياسي، وخصوصاً في بلداننا العربية والإسلامية.

وإذا كان ثمة وقائع تفيد أن أفراداً في هذا البلد أو ذاك قد تشيعوا، فإنَّ ثمة وقائع مقابلة تفيد أن هناك أفراداً تسنَّنوا، ولا ضير في ذلك ما داموا قد وصلوا إلى تلك القناعة عبر التفكير الحر، وإن كنا لا نتفاعل مع أية مخطَّطات "للتبشير" في الدائرة الإسلاميّة، ولا نريد حصول أي أمر يوتر العلاقات بين المسلمين، علماً أننا، وللأسف، نشهد ظاهرة ملفتة تتمثل في انتقال أفراد مسلمين من الشيعة والسنة معاً، إلى أديان أخرى وإلى العلمانية، بل إلى الإلحاد أيضاً، هرباً من انسياق أغلب التيارات الإسلامية في الصراع المذهبي…

ويؤسفني أن أقول إن من بؤس المذاهب الإسلامية، شيعية كانت أو سنية، أن تصاب بالهلع إذا انتقل أفراد منها من دائرة إسلامية إلى دائرة إسلامية أخرى، أو أن يشعر كل مذهب بالتهديد من المذهب الآخر، ولا يصاب بالهلع من تهويد القدس، أو ابتعاد الناس عن الدين.

 

في المغرب، يوجد العديد من الشيعة، لكن لا يتم الاعتراف بأنشطتهم بشكلٍ قانوني. ما رأيك في ذلك؟

أعتقد أنّ من حق كلّ مذهب أن يعبّر عن قناعاته، ولا ينبغي لمسلم أن يتعرض للقمع والإقصاء بسبب انتمائه إلى مذهب ما، في أي بلد إسلامي، فهذا أولاً، يسيء إلى الوحدة الإسلامية والوطنية، ويمهّد ثانياً الأجواء ليدخل على الخط من ليس لهم مصلحة في استقرار البلاد…

ونحن نرى أن مواقع اللقاء بين المسلمين أكثر بكثير من مواقع الخلاف، وندعو الشيعة دائماً إلى أن يكونوا مواطنين صالحين، في أي موقع تواجدوا فيه، وأن يكونوا حريصين على مصلحة وطنهم وشعبهم…

 

يتّبع الكثير من الشيعة المغاربة مدرسة الوالد محمد حسين فضل الله رحمه الله. هل لديك تواصل معهم؟ وكيف تقرأ توجّهاتهم في هذا المجال؟

طبعاً، هناك تواصل دائم معهم، ونحن نحرص على هذا التواصل الفكري والثقافي والروحي، كما نحرص على التواصل واللقاء مع كل المذاهب والطوائف والتيارات الفكرية والثقافية الأخرى…

لقد أرسى سماحة السيد دعائم الوحدة الإسلامية والتواصل مع الجميع، ونحن نعمل مع كل المخلصين لإعلاء هذا البنيان، من خلال العلاقات الطيبة والدعوة بالتي هي أحسن.

 

أسَّستَ ملتقى الأديان والثقافات للحوار منذ أشهر خلت. ماذا حقَّق الملتقى عملياً على مستوى التقريب بين السنة والشيعة؟

يسعى هذا الملتقى إلى معالجة التوترات التي تحدث في الساحة الإسلاميَّة، والتخفيف منها، وعدم إرباك هذه الساحة وإدخالها في الصراعات والفتن، كما يسعى إلى فتح قنوات التواصل مع الجميع، في إطار الرسالات السماوية، وحتى مع من نختلف معه ثقافياً وفكرياً وما إلى ذلك. ونحن لا زلنا في بداية الطريق، ونأمل من الله عزّ وجل أن يوفقنا للمساهمة في تعزيز أجواء الحوار، ومد جسور التواصل، وتحقيق أواصر الوحدة.

 

بم تردّ على من يقول إن التقريب بين المذاهب، وبخاصة بين الشيعة والسنة، فشل، باعتبار تصاعد العداء بين الطرفين، وتحوّل الصّراع المذهبي والفقهي إلى صراعات سياسيَّة وعسكريَّة حالياً؟! فبم ينفع الحوار والتقريب إذاً؟

إننا نعمل بكل جهد لمنع استغلال أيّ خلاف سياسي وتحويله إلى خلاف مذهبي، ونعمل أيضاً على أن يبقى هذا الصراع السياسي في دائرته، وأن يكون محكوماً بالقواعد الإسلامية في الاختلاف… ولا يجوز أبداً أن نيأس من الحوار والتقريب، وإن اعترضته عقبات كثيرة، فمن الطبيعي أن يسعى من لا يريد خيراً للأمة، إلى إفشال أية مساعٍ وحدوية، لتداعيات ذلك عليه.

لقد أمرنا الله جميعاً بالاعتصام بحبله، واعتبر العمل للوحدة واجباً، بل عدّه أوجب الواجبات. وسوف نستمر بالعمل وفق هذه الرؤية، وندعو الله أن يوفّقنا لذلك، ولا سيما أننا نعتمد الكلمة الأحسن والحكمة، لإصلاح ما تفسده السياسة، وما تلحقه من أضرار بقضايا المسلمين وأحوالهم.

 

يُعتبر الوالد من أكثر الشيعة انفتاحاً على التيارات الأخرى، هل أخذتم منه هذا الانفتاح؟

من الطّبيعي أن نواصل السير على المنهج الذي رسمه سماحة الوالد، لأنه يمثل منهج الإسلام، ومنهج أهل البيت عليهم السلام والصَّحابة الأبرار.

 

بم تخاطبون من يسبّ الصحابة الكرام ويلعنهم من الشيعة؟

إننا ندعوهم إلى أن يتقوا الله في وحدة المسلمين، وأن يلتزموا ما قاله أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، عندما رأى بعض أصحابه يسبون أهل الشام: "إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إياهم: اللّهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم"…

إنَّ السبّ لا يحلّ المشاكل، بل يزيدها تعقيداً، ولذلك، لا يجوز سبّ الصَّحابة والإساءة إليهم، تحت أي اعتبار من الاعتبارات.

 

هذا السب في حق الصحابة وغيرهم قد تكون وراءه أطراف معيّنة تصب الزيت على النار، لخلق العداء بين السنة والشيعة؟

نعم، هناك من يعمل على ذلك انطلاقاً من عدائه للأمة الإسلامية، وخوفاً من توحّدها. ولذلك، يستغلّ أي منفذ من أجل تسعير الفتن، وإدخال البلاد في أتون الصراعات والحروب التي لا يستفيد منها إلا أعداء هذه الأمة.

إنَّ علينا أن نلتفت إلى مخططات هؤلاء، وأن نحاصرهم ونظهر أهدافهم للناس، حتى لا يكونوا ضحايا لهم، وبذلك، نعمل على وأد الفتنة قبل أن تطل برأسها.

 

هناك سنة متطرفون، وهناك شيعة متطرفون أيضاً. ما دواء التطرف المذهبي الَّذي مزق الوحدة الإسلامية؟

نحن نرى أن مواجهة هذه الأفكار المتطرفة، لا تكون إلا بالعودة إلى الإسلام الأصيل؛ إسلام العقل والرحمة والحب، إسلام الحوار والانفتاح والتعاون، إسلام مد الجسور والوسطيّة… ونحن نعتبر أن من ينجرف في خط الخرافة والغلو، يساهم بطريقة وأخرى في زيادة نسبة التطرف والتوتر داخل صفوف الأمة. وقد قال الإمام علي: "أوثق النَّاس حالاً بي النَّمط الأوسط فالزموه".

ومن هنا، ندعو إلى تشكيل لجنة علمائية تشرف عليها المرجعيات الإسلامية الكبرى، وعلى رأسها الأزهر الشريف، والمرجعيات الحركيّة في النجف وقم ولبنان والحجاز، لتعمل على معالجة كل ما يدخل إلى الدين، من تطرف وغلو وانحراف، والتصدي لكل تمذهب قائم على العصبية وبعيد عن مفاهيم الدين الحنيف في السماحة والرحمة والانفتاح.

 

المصدر: هسبريس ـ حسن الأشرف

 
 

Leave A Reply