السيد فضل الله: 2015 عاماً للحوار والسلم الاهلي

عندما أصبح الربط بين الدين والسلم والاهلي أمرا شبه مستحيل بالنسبة الى كثيرين ممن توقفوا عند مشاهد التشنجات السياسية والقتل باسم الدين، تكون الحاجة الى تعزيز مناخات التلاقي والحوار، واجباً وليس خياراً على قاعدة ان السلم اساس والحرب استثناء. امّا الانطلاقة فمن جعل العام 2015 عاما للسلم الاهلي، وتاريخ الثالث عشر من نيسان من كل سنة يوما وطنيا للسلم الاهلي، من خلال نداء يهدف الى تحفيز الانضمام الى حراك مجتمعي يكون فيه الدور الابرز للمجتمع المدني للضغط باتجاه تعزيز السلم. وللغاية أنجز "ملتقى الاديان والثقافات للتنمية والحوار"، وثيقة تحت عنوان "نداء للحوار من أجل السلم الاهلي"، سيُعلن عنها الجمعة المقبل في لقاء موسع في قاعة الاونيسكو. "البلد" حاورت رئيس المنتدى العلامة السيد علي فضل الله للحديث عن آليات تنفيذ المبادرة واهمية هذا النداء، والذي شدد على اهمية دور المجتمع المدني في تعزيز السلم الاهلي، داعياً الى دراسة موضوعية لاسباب التشنج كإحدى الطرق لمواجهة التعصب.

• كيف انطلقت فكرة المبادرة الجديدة لدعم الحوار والسلم الاهلي في لبنان، والتي أثمرت وثيقة "نداء للحوار من أجل لبنان" بعد تحضيرات استمرت أكثر من ثلاثة اشهر؟
تشكل الفكرة منهجاً سنعمل له على امتداد المراحل المقبلة، واستمراراً لاهداف ملتقى "الاديان والثقافات للتنمية والحوار" بتعزيز مناخ التلاقي بين الاديان والثقافات المختلفة، لاننا نؤمن بأنّ الحوار هو السبيل الى التواصل مع الاخر والطريق الى تقليص التوتر والتشنج اللذين يحكمان ساحتنا، وخصوصاً مع ادخال الدين وسيلة تساهم في ازكاء الصراع السياسي. ونعتبر الفكرة صماماً للامان في مجتمعاتنا، ما جعل لنا رغبة في اطلاق وثيقة تعزز مناخ السلم الاهلي، فالاساس هو السلم والحرب استثناء. في البداية كنا حريصين على التلاقي في ملتقى الاديان وأتت الحاجة الى تفعيل دور المجتمع الاهلي، فعادة ما يكون المجتمع متلقياً وليس فعالاً. وسنعلن عما توافقنا عليه مع التأكيد على دور كل المجتمع في لبنان سواء في الاطار السياسي او الديني والتركيز على دور المجتمع الاهلي. 

• في ظل كل التشنجات السياسة والمذهبية التي نشهدها على امتداد البلدان العربية، ما أهمية هذا النداء وهل بقي للحوار مكانٌ؟
بالطبع للحوار مكان، على الرغم من حالات سفك الدماء والدمار، فالحل لن يتم الاّ من خلال التواصل والحوار، وسيجد الجميع في نهاية المطاف انفسهم يحتاجون اليه. نحن نسعى الى ان نستعجل الخطى في هذا الاطار، فنجد انّ الحوارات السياسية وايضاً الدينية تأخذ منحى مهماً في لبنان، بعد أن توصل كثيرون الى الاقتناع بمدى الحاجة الى التحاور، فماذا علينا ن ننتظر اذاً امام كل هذه الدماء التي تسقط.

• ولكن الاشخاص المؤثرين في قرارات الحرب والسلم في لبنان، ليسوا من المشاركين في اعداد الوثيقة ويغيب دورهم عن المشاركة في تنفيذ آلياتها، ألا يؤدي ذلك الى اعتبار البرنامج ناقصاً؟
بشكل عام ستكون هناك دعوات عامة وحضور سياسي من مختلف الاطياف السياسية، ولكن منطلق الوثيقة سينتج عن عمل مجموعات المجتمع المدني الذين سيكون لهم الحضور الابرز، امّا السياسيون فيمكنهم ان يشاركوا من خلال المساعدة في تعزيز المناخ الحواري، فنحن لا نستغني عن دور السياسيين ولكن نؤكد على دور المجتمع المدني والاهلي. هذا المجتمع الذي يجب ان يكون لديه دور ضاغط لتثبيت دعائم السلم الاهلي من جهة والضغط على السياسيين من جهة اخرى. نكرر اننا لا نستثني احداً، ونحرص من خلال الملتقى ان يكون هناك تمثيل للمواقع الدينية والسياسية ايضاً.

• وماذا عن تجارب المجتمع المدني في أكثر من قضية والتي لم تستطع ان تشكل قوة ضاغطة، فبقيت صوتاً بلا صدى؟
نحن نقول انّ المجتمع المدني يحتاج الى من يحفزه فيؤكد من جهته على دوره، ويتوجب بالتالي على الجميع اعطاؤهم احساساً بأهمية ما يقومون به، وخاصة لان مؤسسات المجتمع الاهلي لديها احباط في هذا المجال. فيجب ان يكون هناك دور فاعل له من أجل ان يقف في مراحل متقدمة لمحاسبة المخطئين. 

• للأسف، أصبح الربط بين الدين والسلم أمراً مستحيلاً بالنسبة الى كثيرين مع كل ما نشهده من تعصب وقتل باسم الاسلام، إلى أي مدى يُعد هذا الكلام دقيقاً، واي دور سيؤديه نداء الحوار بعيداً عن مشاهد الاكراه والتعنيف والارهاب؟
دائماً ما نقول بانّ المشكلة تكمن في عدم فاعلية القوى الدينية التي تترك الساحة الى اناس لا يملكون علماً دينياً حقيقياً او انهم ينطلقون في عملهم من خلال توتراتهم الداخلية. فسابقاً عندما كان للدين حضور حقيقي لم نشهد على حدوث مشاكل بالمعنى الديني، ولم يُترك المجال للتوترات السياسية التي تستخدم الدين. فالمشكلة اذاً ليست في الدين بل في اعادة تعزيز حضور الدين كما هو بمعاني الرحمة والمحبة وتنمية الجانب الاخلاقي والحس الانساني. وندعو الى ضرورة عودة المرجعيات الدينية الى تأدية الدور المفروض عليها، ويبقى صوتها عالياً فلا يُترك المجال مفتوحاً لهؤلاء الذين يشكلون مشكلة حقيقة فيستبيحون الاعراض والدماء. امّا الدور الذي سيؤديه نداء الحوار فسيكون من خلال الانشطة التي ستلي الاعلان عنه، ومن خلال وثيقة السلم الاهلي التي تعبر عن حقيقة ما نفكر به وندعو اليه. 

• سيتم نهار الجمعة المقبل الاعلان عن آليات التنفيذ، وعن برنامج سنوي. كيف ستطبق الآليات، وهل سيقتصر البرنامج على اعلان العام 2015 عاماً للسلم الاهلي، والثالث عشر من نيسان من كل عام يوما للسلم الاهلي؟ 
سندعو لأن يكون هناك هيئة وطنية، نعلن عن انطلاقتها الجمعة داعين الى الانضمام اليها، وسيتم الاتفاق على الصيغة من خلال المجتمعين والمشاركين في اعداد الوثيقة. بالطبع سيكون هناك مجموعة من المبادرات ونقول إنّ اعلان العام 2015 عامًا للسلم الاهلي سيكون منطلقاً للعمل فكل السنوات يجب أن تكون سنوات للسلم الاهلي عبر عمل مفتوح. سنشهد عدداً من مشاريع الاعمال ننطلق فيها في مرصد اعلامي لتوثيق كل الاسباب التي تساهم في اثارة اجواء التوتر، وانشطة مختلفة. نحن اطلقنا الصوت والاساس ونعمل لتحويله الى مشاريع قريبة وبعيدة المدى.
بالطبع هناك خيارات تُدرس بمشاركة الجميع، ومن بين الفرضيات المطروحة هناك توجه الى تنفيذ برنامج شعبوي لاعلان الثالث عشر من نيسان يوما للسلم الاهلي. 

• امام كل الممارسات الاجرامية التي نشهدها في العالم، وللبنان حصة منها، كيف السبيل الى مواجهة التعصب؟
المطلوب من كل الجهات ان تعمل على مواجهة التعصب، والمبادرة الى التوعية لان صوت الفتنة قوي وحاضر، كما تسوقه الاحداث التي تحصل في المنطقة. ويأتي دورنا جميعا في تعزيز مناخ الحوار في الداخل اللبناني وازالة التعصب والانغلاق. ويتطلب ذلك ايضا الدعوة الى عدم الاستجابة الى الاجندات الخارجية، فآن الآوان للبنان لكي لا يكون متلقيا لتوترات المنطقة بل ساعيا لسلامها وداعيا للحوار فيها. كما ندعو الى دراسة موضوعية لاسباب التشنج، وليفكر كل طرف بهواجس الاخر بشكل جدي من أجل تبيان وجهات النظر.

• لماذا لا نجد الصوت الديني المعتدل حاضرا بقوة، في الوقت الذي تعلو فيه صرخات بعض المشايخ المحرضين على الفتنة؟
الصوت المعتدل موجود وحاضر، مما لا شك فيه انه في ظل التشنج الكبير ودور بعض وسائل الاعلام المتوترة والخطاب الموتر ايضا يقل صوته. ولكن يجب ان لا يحبط ولا يخرج عن مسؤولياته، وأن يكون حريصا مهما حصل على متابعة دوره وسيكتشف الجميع انه الصوت الاقوى ويجب ان يبقى.

 

المصدر: جريدة البلد

 

Leave A Reply