العبادة: معراج الروح نحو الله

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

« بسم الله الرحمن الرحيم وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ »

 إن العبادة في الاسلام، أي عبادة هي معراج للروح نحو الله. وتبتّل في محراب العبودية له والتسليم المطلق لمشيئته، وطلب رحمته وعفوه، انها حبل رجاء وقد تصبح موقف عشق وذوبان على اعتاب هذه العبودية ..

وما يميّز العبادة في الاسلام عن غيره.. هو هذا الخط الفاصل الذي يحجزها عن الرهبنة والانعزال والتفرغ للعبادة بعيدا عن الحياة.. وهذا الخط الفاصل هو البعد الاجتماعي للعبادة..  فإلى جانب البعد الروحي وفي خط مواز لا ينفصل عنه هناك البعد الاجتماعي.. فالعبادة في الاسلام لا تكون عبادة الا اذا كانت عند المتعبد دليلا ومرشدا الى الحياة فمن جهة تمتد صعودا وارتقاءا نحو رحاب الله ومن جهة ثانية تمتد افقيا الى حيث الحياة، والعمل وقلوب الناس.

لقد صاغ الاسلام العبادات في الشريعة بطريقة ترتقي فيها العبادة تقربا الى الله كلما زادت من منسوب تقربك من أخيك وجارك .. فالله ربط التعبد له ببناء العلاقات السليمة والصحية داخل المجتمع .. جعل من العبادة منصة تنمية اجتماعية مستدامة .

ولنعلم أن كل العبادات في الاسلام ليست سلوكيات منفصلة ومعزولة . ولنأخذ مثلا الصيام الذي هو بطبيعته عبادة فردية  إلا انه تدريب على فتح كوة في الانانية الفردية: "… انَّما فُرِضَ الصِّيام ليستوي به الغنيُّ والفقير، وذلك لأنَّ الغنيَّ لم يكن ليجدَ مسَّ الجوع فيرحم الفقير، فأراد الله سبحانه ان يُذيق الغنيَّ مسَّ الجوع ليرقَّ على الضَّعيف ويرحم الجائع." ألاحظتم البعد الاجتماعي في الصيام الذي يساهم في ردم الهوة المعيشية بين الناس !

وكما في حكمة الصيام ، كذلك في الحج ، والذين يحجون هم أكثر الناس معرفة في أثر هذه العبادة على ترسيخ روح التعاون والالفة والتعارف.. فعلى أرض مكة تسقط الحواجز؛ حواجز اللغة واللون والجغرافيا، ففي كل خطوةٍ وكل منسكٍ ما يجعلك واحداً من كلٍ. فرديتك تذوب. في الحج تجد صورة أخرى لوحدة الامة انه مؤتمر وبوتقة تصهرك مع الاخرين .

ونأتي لابرز مظاهر العبادة ؛ الصلاة اليومية والعامة والتي يقوم بها المسلم بشكل فردي ومتكرر، ففي الوقت الذي تعتبر فيها الصلاة عبادة لتحصين النفس وتطهيرها، لكنها هي أيضا عبادة لإعداد الفرد كي يكون ذا بعد اجتماعي فاعل ..

فبمجرد توجه المسلم الى القبلة فيه مشاركة وجدانية يؤديها خمس مرات في اليوم مع مسلمين موزعين في شتى بقاع الارض .. وتصل هذه المشاركة الى أعلى درجاتها في صلاة الجماعة حين يكون الكتف الى الكتف والدعاء واحد والتكبير واحد والركوع والسجود واحد والرجاء واحد. وفي كل هذا مزيد من التأثير النفسي والتربية المجتمعية الذي يولد التراحم قبل التلاحم، والتعاضد . فصلاة الجماعة ليست شكلا كما يظنها البعض انما هي شكل يستند الى الكثير من المفاهيم التربوية على الصعيد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.. وقد عوّل الاسلام  على صلاة الجماعة للقيام بهذا الدور.. كونها تتم بشكل يومي ومتكرر وكونها متيسرة الحصول في اي مكان حتى ولو داخل البيت الواحد. مما يشير الى دورها في تماسك  الافراد بدءا من العائلة الواحدة وصولا لمجتمع ككل .

 

ان التنادي لصلاة الجماعة والحرص عليها كفيل بأن يظل المجتمع المؤمن متراصا، ويؤمن للانسان حاجاته الاجتماعية الجمة فالانسان كائن اجتماعي، يحتاج لأن يَدعم وان يُدعم، وان يَرحم وان يُرحم، وان يتواصل ويستمع ويفضفض ويحتاج إلى من يبتسم في وجهه ومن يدعو له كل هذا ينعكس حالات ايجابية داخل النفس ويؤمن التوازن ويبعد القلق والتوتر… والصلاة هي خير نادٍ لتأمين هذه الحاجات..

 

 أما الاحاديث التي أكدت صلاة الجماعة وحثت عليها فهي كثيرة، عكست بعمق دعوة المسلمين عدم الاستخفاف بها.  

 فقد ورد في الحديث: "من مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة، كان له بكلّ خطوة سبعون ألف حسنة، ويُرفع له من الدرجات مثل ذلك، فإن مات وهو على ذلك، وكّل الله به سبعين ألف ملك، يعودونه في قبره، ويُبشّرونه، ويؤنسونه في وحدته، ويستغفرون له حتّى يُبعث".

وفي الحديث أيضاً: "إنَّ الله يستحي من عبده إذا صلّى في جماعة، ثمَّ سأله حاجة أن ينصرف حتى يقضيها". وفي حديث آخر: "‏من توضأ في بيته، فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد فهو زائر الله، وحق على المزور أن يكرم الزائر‏".

 

والمتأمل في أحكام صلاة الجماعة يجد ان بنيتها استوعبت هذا البعد الاجتماعي في عدة امور منها :

– الحكم الشرعي المتمثل بأشراك المرأة في صلاة الجماعة : منها ان المرأة يمكنها ان تؤم النساء في صلاة جماعة تحضرها النساء.. كما يمكن للمرأة ان تشارك في صلاة جماعة بإمامة رجل.. وهذا من شأنه أن يضيء على جانب تعزيز الاسلام لحضور المرأة وإيمانا بدورها وتفاعلها الاجتماعي، وبالتالي عدم عزلها أو انعزالها، فالمرأة لم تحرم من نعمة صلاة الجماعة ولا من الفوائد الناتجة عنها.

وإذا كان البعض يستند إلى أحاديث عن فضل صلاة المرأة وحدها في بيتها، أو أن مسجد المرأة بيتها، فهذه الأحاديث، إن صحت، وهناك نقاش حول صحتها، فهي تشير إلى الحالات التي لا تستطيع المرأة أن تأتي فيها إلى المسجد لأداء صلاة الجماعة، إما لعدم توفر المكان المناسب لسترها، أو بسبب انشغالها بأمور بيتها، فتعويضها في هذه الحالة، يكون بأن يحسب لها وهي في بيتها ثواب صلاة الجماعة.. وهذا ما يؤكّده واقع المسلمين في أيام رسول الله وما بعده، حيث كانت المرأة تحرص على حضور صلاة الجماعة، وحتى عند الفجر وصلاة الصبح، وهو مظهر لتكريمها.

 

 

-الحكم الثاني الذي راعى فيه الاسلام البعد الاجتماعي لصلاة الجماعة هو الدعوة إلى التوحد بايجاد رابط فقهي يجمع من اختلفوا في الدائرة الاسلامية الواحدة في تفرعات المذاهب ..

  لهذا نجد أنّ العديد من الفقهاء تجاوزوا عن بعض الشروط الفقهية التي تُفْتَرَضُ في إمام الجماعة، سواء لناحية العدالة، أو لكون الإمام على مذهب والمأموم على مذهب آخر، حيث وردت الأحاديث والوصايا الكثيرة التي تحث على صلاة الجماعة مع المسلمين حتى مع الاختلاف في المذهب؛ فقد ورد عن عبد الله بن سنان، قال سمعت أبا عبد الله (الإمام الصادق)(ع) يقول: "أوصيكم بتقوى الله عزَّ وجل، الى ان قال: عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، واشهدوا لهم وعليهم، وصَلُّوا معهم في مساجدهم".

وورد عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: "من صلى معهم في الصف الأول، كان كمن صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف الأول". والفقهاء في عصرنا هذا أفتوا بالصلاة الواحدة الجامعة وخاصة في المسجد الحرام .

وهذا من شأنه ان يعوّل عليه في إزالة الحساسيات والهواجس ويعزز فرص الحوار والتواصل، وليكون صمام أمان من أي اهتزازات او عصبيات او توترات تنشأ من الاختلاف. خاصة في ظل جهل المسلمين بعضهم ببعض، أو خوفهم من بعضهم البعض.

 

 

أيها الأحبة،

وبالعودة الى واقعنا، والى منزلة صلاة الجماعة لدينا ومدى استثمارنا لها روحيا واجتماعيا.. بات يُلاحظ التراخي في موضوع صلاة الجماعة، وضعف منزلتها في أوساطنا، ويكفي لنعرف ذلك أن نذهب إلى مساجدنا خلال أيام الأسبوع، فترى خلو المساجد  من المصلين حتى تلك التي تقع في اماكن مكتظة .

طبعا هناك اسباب دافعة منها فقهية كتضييق شرط العدالة المطلوبة في إمام الجماعة، لأنه في واقعنا بات من السهل اسقاط عدالة الإمام لخلاف في الرأي السياسي أو في أمر من أمور الدين…

فيما العدالة تعني الاستقامة والاستقامة لا تعني عدم الاختلاف في الرأي، نعم… بشرط أن لا يكون الاختلاف ناتجاً عن هوى أو عصبية أو حب دنيا، أو مصالح خاصة.. عندها يكون الخلل في الاستقامة وبالتالي في العدالة.

وهناك السبب الأساس وهو تربوي يتمثّل في غياب التربية والتوجيه على أهمية صلاة الجماعة ودورها وثوابها، وموقعها عند الله سواء أكان هذا من خلال وسائل الاعلام أو الاتصال أو التثقيف أو من خلال القدوة، فالأب الذي لا يحرص على صلاة الجماعة لن يشجع أولاده على ذلك وكذلك الأم، وكذلك الأخوة مع بعضهم والأصدقاء فيما بينهم، بينما المطلوب أن يكون حضور صلاة الجماعة هماً يعيشه كل مؤمن يشعر بمسؤولية عن سلامة المجتمع وبنائه، حيث لا يمكن ان نبني مجتمعاً قوياً متراصاً متماسكاً، ومتفاعلاً إلا بترسيخ واجب حضور هذه الصلاة في النفوس، لا سيما في هذه المرحلة التي نواجه فيها التحدي لإيماننا وقيمنا وتاريخنا.. ويراد للفتن أن تعصف بنا .

أيها الأحبة…

صلاة الجماعة هي صمام أمان لمجتمعنا، للخروج من فرديتنا وأنانيتنا التي هي سبب الكثير مما نعانيه وهي وسيلتنا لنبلغ أعلى الدرجات التي أشار إليها الله عندما قال: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ» فهنيئاً لكل الذين يحرصون عندما يرتفع الآذان، أن يبادروا ليقفوا بين يدي الله بصفوفهم المتراصة لا يشغلهم عن ذلك لهو ولا تجارة ولا بيع فهؤلاء هم المصلحون.

والحمد لله رب العالمين 

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، فهي خير الزاد. والتقوى تعني أن لا نفقد حضور الله في أنفسنا، وثقتنا به وبقدرته على أن يعيننا في الأزمات والظروف الصعبة، وحين تكبر التحديات، بحيث نبقى نردّد ما قاله المسلمون عندما واجهوا تحدّي قريش لهم: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، والذي على أساسه حصلوا على ما أشار إليه الله تعالى: {فانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ}.

بهذه الثقة بالله؛ نعم الوكيل، نواجه التحديات. وبها، نتخطّى الصّعوبات الّتي تعترضنا الآن وفي المستقبل، وهي كثيرة، حيث لا تزال المنطقة العربيّة والإسلاميّة تعاني التوترات والانقسامات والفتن والحروب، التي باتت تأكل أخضرها ويابسها.

 

ومع الأسف، لا نجد من يعمل جاداً للإصلاح، ولمِّ الشمل، وإطفاء النيران، التزاماً بدعوة الله لنا بالإصلاح. ولعلّ أبرز تجلّيات هذا الواقع، هو ما تشهده الساحة العراقية، حيث يُستهدف هذا البلد في أمنه وقوته ودوره ووحدته، ويستعمل في ذلك السلاح الطائفي والمذهبي، في ظلّ حديث عن غبن لهذا المذهب أو تهميش لذاك، في الوقت الذي يعرف القاصي والداني، أن ما يحصل في العراق ليس صراعاً مذهبياً أو طائفياً، وأن هدفه ليس تحقيق مطالب لهذا المذهب أو ذاك، فمن يحرِّك ساحة الصراع في هذا البلد، هو من أوغل في دماء المسلمين جميعاً؛ دماء السنة كما دماء الشيعة، وهو يعمل لخدمة أجندته الخاصة، ومن يقف وراءه.

إننا نربأ أن يكون هناك من يعتبر، سواء في العراق أو غير العراق، أن "داعش" ومن معها، تمثله، أو أنها يمكن أن تكون حصان طروادة الذي يحقق من خلاله أحلامه وطموحاته، في الإمساك بالعراق، أو تقسيمه، أو إعادته إلى سابق عهده، فمن يفكّر في ذلك واهم، ولا يعرف جيداً هذه الجهة، أو الأهداف التي وجدت لأجلها، ومن تخدم.

 

ولا نريد هنا أن نغفل عن وجود أخطاء في إدارة البلد، أو فسادٍ مستشرٍ، أو غبنٍ لحق بهذه الطائفة أو تلك، أو هذه المنطقة أو تلك، لكن كل هذا لا يبرر ما حصل، ولا يستدعي أن تستباح لأجله البلاد والمقدسات، وتهتك الأعراض، وتحصل المجازر، ولا بهذا تُعالج الأمور.

إننا في هذا الظرف، وانطلاقاً مما جرى، ندعو إلى مراجعة سياسية لكل ما حدث، ونشدد على العراقيين بكل طوائفهم ومذاهبهم وأعراقهم، عدم الانزلاق في المستنقع الذي يراد لهم أن ينزلقوا فيه، أو السقوط في أتون حرب أهلية، لن تكون نتائجها لمصلحة أحد، بل لحساب من يريدون تدمير العراق واستنزافه.

 

إننا نريد لكلّ القيادات في السّاحة العراقيّة، سواء كانت سياسيّة أو دينيّة، أن ترتفع إلى مستوى المخاطر التي تحدق بالعراق، وأن تراعي الحكمة في قراراتها، والدقة في إصدار أحكامها، وأن تحرص في خطابها على ما يطفئ النيران لا ما يزيدها اشتعالاً، فالوقت الآن لا ينبغي أن يكون وقت استنفار هذه الطائفة أو تلك، أو هذا المذهب أو ذاك، بل استنفار العراقيين جميعاً لمواجهة الهجمة التي تستهدف العراق وأمنه ووحدته ومستقبله.

إننا لا نزال نعتقد أن بإمكان العراقيين أن يخرجوا من هذه الأزمة، بتواصلهم وتعاونهم وتكاتفهم، وجعل مصلحة العراق فوق كل اعتبار، فالحلّ في العراق لن يكون أمنياً بقدر ما هو حل سياسي، عنوانه الحوار بين كل مكونات هذا البلد، وعدم الانصياع لأحلام التقسيم التي تراود البعض ويعمل لها، وعدم تحويل هذا البلد إلى ساحة صراع للآخرين، أو مادة للتفاوض أو لتنفيس الأحقاد؛ أحقاد التاريخ أو الحاضر، فالعراق لن يكون قوياً وعزيزاً وذا حضور، إلا بوحدته، وبدون ذلك، سيتحول إلى ساحة صراع لن يهدأ.

وفي الوقت نفسه، نتمنى على الدول المؤثرة في الداخل العراقي، والدول المحيطة به، أن تتعاطى بمسؤولية مع هذا البلد، وأن تبادر إلى تعزيز مناخات التهدئة فيه، وتهيئة فرص الحوار، بدلاً من التجييش المذهبي والطائفي، أو التدخل في شؤونه الداخلية، فمصلحة الجميع أن يكون هذا البلد مستقراً، وإلا فقد تمتد نيرانه إلى أبعد منه، فالنيران الطائفية والمذهبية والعرقية إذا اندلعت، لن تعرف حدوداً، والتجارب أمامنا واضحة، وبخاصة في عالم الكبار، الذين يرتاحون لمشهد النيران التي تندلع في هذه المنطقة، ويريدونها أن تزداد اضطراماً. ومع الأسف، هناك من لا يزال يصدق أنّهم السبيل لإطفائها أو معالجتها.

 

ومن هذا المشهد، ننتقل إلى فلسطين، التي باتت القضيّة الغائبة عن سمع الكثيرين وبصرهم في العالمين العربي والإسلامي، حيث يستمر العدو في استباحتها، ويمعن قتلاً واعتقالاً وهتكاً للأعراض، وهذه المرة، متذرعاً بحجّة خطف ثلاثة من مستوطنيه، في مكان له كامل السيطرة عليه.

وفي الوقت الذي ندعو الشعوب العربية والإسلامية إلى تركيز اهتمامها على فلسطين، التي ينبغي أن تبقى الأولوية في سلّم القضايا، ولا سيما أن كثيراً مما يجري في المنطقة هو من تداعيات هذه القضية، نخشى أن يُتخذ خطف المستوطنين ذريعة لتهجير بعض الفلسطينيين، بحجة أنهم يشكّلون خطراً على أمن هذا الكيان، في ظل تجاهل المعاناة الكبيرة لآلاف الأسرى الفلسطينيين.

وإذ ندعو الفصائل الفلسطينية إلى تدعيم وحدتها، وعدم العودة إلى الانقسام الذي يريده الكيان الصهيوني ومن يقف معه، نلفت إلى أهمية الدراسة الموضوعية للهواجس التي يشعر بها هذا الفريق أو ذاك، ولا سيما في ظل إصرار الحكومة الفلسطينية على استمرار التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني.

ونصل إلى لبنان، الذي لا تزال الطبقة السياسية فيه على حالها، فلم تستنفرها كل التطورات التي تجري في المنطقة، وما سوف تتركه من تأثيرات في هذا البلد، ولا يزال الشغور في موقع رئاسة الجمهورية قائماً. إننا نأمل ألا يستمر تعطيل المجلس النيابي والحكومة، وألا تبقى الملفات الملحّة عالقة، سواء ما يتعلق بسلسلة الرتب والرواتب، أو النفط المنسي، أو الكهرباء، أو الماء، وغير ذلك من الملفات العالقة، في الوقت الذي عاد الهاجس الأمني إلى الواجهة، بعدما اعتقد اللبنانيون أن مسيرة الهدوء والاستقرار قد تكرّست.

 

إننا أمام كل هذا، ندعو المسؤولين إلى الارتفاع إلى مستوى التحديات التي تواجه هذا البلد، وجراحات الناس وآلامهم، والإسراع في العمل لسدّ الفراغ، وحل المعضلات الاجتماعية والمعيشية، لما لذلك من انعكاس على تثبيت الواقع الأمني، في ظل المخاطر التي لا تزال تحدّق بلبنان في محيطه القريب أو البعيد.

 

ونحن أمام المخاوف الأمنية، ولا سيما ما حدث اليوم من تفجير في ضهر البيدر، مع وجود معلومات مسرّبة من هنا وهناك، عن استهداف مواقع محددة، نعيد الدعوة إلى الحذر والتنبه والثبات. وهنا، لا بدّ من التنويه بجهود القوى الأمنية في هذا المجال، لما تقوم به، وتبقى مسؤوليتها كبيرة تجاه المواطنين.

كما ندعو إلى عدم الأخذ كثيراً بالشائعات، والتدقيق في كل ما نسمعه، خشية تداعيات ذلك على الساحة الداخلية.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله 

التاريخ : 22 شعبان 1435هـ الموافق : 20حزيران 2014م

Leave A Reply