أهميَّةُ النَّصيحةِ في مجتمعِ المؤمنين

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الدينية

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[الأعراف: 61 – 62]. صدق الله العظيم.

من أهمّ ما يميّز شخصيَّة المؤمن هو النصيحة للآخرين أيّاً كانوا، والنصيحة تعني الدعوة إلى ما فيه صلاح هؤلاء، والنهي عما فيه الفساد لهم، فالمؤمن يرى نفسه معنياً بصلاح من حوله ومن يصل إليهم صوته، فلا يمكن لمؤمن أن يرى خللاً في سلوك الآخرين أو تصرفاتهم أو أسلوب عملهم أو في مواقفهم ونظراتهم إلى الأمور، من دون أن يستنفر جهده وطاقاته لمعالجة ذلك.

النَّصيحةُ في الأحاديث

وإلى هذا لفتت الآيات الكثيرة التي أشارت إلى أنَّ دعوة الأنبياء والرسل جاءت للنصح، وكذلك الأحاديث الواردة عن رسول الله (ص) وأهل البيت (ع).

فقد ورد في الحديث: “عليكم بالنصح لله في خلقه، فلن تلقاه بعمل أفضل منه“.

وفي الحديث: “إنَّ أعظَمَ النّاسِ مَنزِلَةً عِندَ الله‏ِ يَومَ القِيامَةِ أمشاهُم في أرضِهِ”، بالنصيحة لخلقه.

وحتى ورد في تعريف الدِّين: إن الدين نصيحة.

فيما ورد التحذير ممن يغفل عن توجيه النصيحة حين يمرّ على الأخطاء التي تصدر عن الآخرين مرور الكرام.

فقد جاء في الحديث: “لا خير في قوم ليسوا بناصحين، ولا خير في قوم لا يحبّون النّصح“.

وقد ورد في الحديث: “الدِّين نصيحة“.

وتشجيعاً للناصحين على القيام بالنصح، دعا الإسلام من يُنصح إلى تقبل النصيحة وعدم التكبر في قبولها.

فقد ورد في الحديث: “اسمعوا النصيحة ممن أهداها إليكم، ومن خالف النصح هلك“.

وفي الحديث: “ليكن أحبَّ النَّاس إليك المشفق الناصح“.

وفي الحديث: “اتَّـبِـع مَنْ يُـبْـكِـيكَ وَهُوَ لَكَ نَـاصِـحٌ، وَلَا تَـتَّـبِـع مَنْ يُـضْـحِـكُـكَ وَهُوَ لَكَ غَـاشٌّ”.

وقد أشار الإمام زين العابدين (ع) إلى الأسلوب الأمثل للتعامل مع الناصح في “رسالة الحقوق”، فقال: “وَأَمَّا حَقُّ اَلنَّاصِحِ، فَأَنْ تُلِينَ لَهُ جَنَاحَكَ، ثُمَّ تَشْرَئِبَّ لَهُ قَلْبَكَ، وَتَفْتَحَ لَهُ سَمْعَكَ، حَتَّى تَفْهَمَ عَنْهُ نَصِيحَتَهُ، ثُمَّ تَنْظُرَ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ وُفِّقَ فِيهَا لِلصَّوَابِ حَمِدْتَ اَللهَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَبِلْتَ مِنْهُ، وَعَرَفْتَ لَهُ نَصِيحَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وُفِّقَ لَهَا فِيهَا رَحِمْتَهُ، وَلَمْ تَتَّهِمْهُ، وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَمْ يَأْلُكَ نُصْحاً إِلاَّ أَنَّهُ أَخْطَأَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَكَ مُسْتَحِقّاً لِلتُّهَمَةِ، فَلاَ تَعْبَأْ بِشَيْ ءٍ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ”.

الأسلوبُ الأفضلُ للنّصح

ولكن يبقى الأمر الأهم والأساس عند الحديث عن النصيحة، والذي نريد التركيز عليه اليوم، هو كيف تقدَّم النصيحة، وبأيّ أسلوب، لأنَّ الإنسان بطبيعته لا يحبُّ لأحدٍ أن يلفته إلى عيوبه أو نقائصه أو نقاط ضعفه أو أن يشير إليها، فهو غالباً ما يرى فيها، إلَّا في ما ندر، تجنياً عليه أو اتهاماً له أو فضحاً لعيوبه.

ولذلك تدعو الحاجة إلى الأخذ في الاعتبار الأسلوب الَّذي تقدَّم به النصيحة، والقالب الذي ينبغي اعتماده حتى تصل إلى غايتها وتحقّق الهدف منها، ولا تحدث ردود فعل عليها؛ وسنشير إليها في النقاط الآتية:

النَّصيحةُ بالسرّ

أولاً: أن يملك الناصح المنطق في ما ينصح، بأن يدعمه بالدليل والحجة، وأن لا يبني نصيحة على شبهات وظنون وشكوك.

ثانياً: أن تكون النصيحة من الناصح في السرّ، وبعيداً من أعين الناس، حتى لو كان أقرب الأقرباء، حفظاً لكرامته ولموقعه بين الناس.

فلا ينبغي أن تتمَّ النصيحة عبر مواقع التواصل أو وسائل الإعلام أو أمام جمهور الناس، لأن ذلك سيحوِّل النصيحة من كونها تهدف إلى تغيير سلوك من يراد نصحه، إلى وسيلة تعيير وتشهير، وهذا ما يجعل النصيحة لا تحقّق هدفها، بل قد تزيد الشخص عتواً وانحرافاً وأخطاءً.

فقد ورد في الحديث: “من وَعَظ أخاهُ سرًاً فقد زانَهُ، ومن وَعَظَهُ علانية فقد شانَهُ”.

وورد أيضاً: “النصيحة على الملأ فضيحة“.

ثالثاً: أن يتم اختيار الزمان المناسب لإبداء النصيحة، بأن يختار الناصح الوقت الذي يكون فيه من يراد نصحه مستعداً لتقبل النصيحة، فلا ينصحه في وقت توتره أو انفعاله، أو حين يكون مشغولاً بأمر آخر، أو حين لا يكون مستعداً للإصغاء إليها.

فقد ورد في الحديث: “إنَّ للقلوب إقبالاً وإدباراً، فأْتوها عند إقبالها لا عند إدبارها“.

الابتعادُ عن التَّجريح

رابعاً: أن يظهر الناصح المحبة لمن يريد نصحه والحرص عليه، وأن يبدأ حديثه معه بالإشارة إلى إيجابياته، ما يفتح قلبه وعقله عليه، ولا يبدو معها الناصح أنه يركِّز على الأخطاء والسلبيات ويغفل الإيجابيات والمميزات التي يتصف بها.

خامساً: الابتعاد ما أمكن عن التجريح في الإشارة إلى السلبيات، بل عبر التلميح أو إيصال النصيحة بطريق غير مباشر، كأن يأتي بالنصيحة على شكل اقتراح، كأن يقول له مثلاً يا أخي لديك الكثير من المميزات والصفات التي أعتزّ بها، ولكن قد يكون هذا الأمر غاب عنك ولم تلتفت إليه، أو ما رأيك لو فعلت هذا الأمر بهذه الصورة.

وهنا نشير إلى أسلوب رسول الله (ص) مع أصحابه، فقد كان إذا أراد أن ينصح أحداً، يقف في المسجد ويقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا، ثم يبين هذا الفعل، من دون أن يذكر الاسم أو حتى يشير إلى من تتوجه إلى النصيحة، ثم يقول: كان ينبغي عليه أن يفعل كذا وكذا، ويبين الأسلوب الأمثل للتصرف، فيعرف من كان لديه هذا العيب كيف يتصرَّف من دون أيّ إساءة إليه، وقد ورد عنه (ص) أنه أراد يوماً أن يوجِّه أحد أصحابه إلى التقيد بصلاة الليل: “نِعْمَ الرَّجلُ عبدُ اللهِ لَو كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ”.

وقد ورد أن الحسن والحسين (ع) مرا على رجل شيخ (كبير السن) يتوضأ ولا يحسن الوضوء، فاتفقا على أن ينصحا هذا الشيخ ويعلّماه كيف يتوضأ، فوقفا بجواره وقالا له: يا عمّ، انظر أينا أحسن وضوءاً، ثم توضَّأ كل منهما، فإذا بهذا الشيخ يرى أنهما يحسنان الوضوء، فعلم أنه هو الذي لا يحسنه، فشكرهما على ما قدَّماه إليه من نصح بكلّ رعاية ومن دون تجريح احتراماً لكبر سنه.

نصحُ النّفسِ أوّلاً

سادساً: اللين في النصيحة وحسن الأسلوب لتصل وتحقّق المرجوّ منها، فلا تصل النصيحة إن حصلت بالكلام القاسي وبالنبرة العالية، ولا تقبل، لأن من يُنصَح سينظر إلى الكلام القاسي ونبرة الكلام وصورة الوجه، لا إلى مضمون النصيحة وأهميتها.

وهذا ما حرص الله سبحانه على أن يشير إليه عندما تحدَّث عن السبب الذي جعل رسوله (ص) ينجح في كسب قلوب الناس وولائهم، عندما قال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران: 159].

فلا بدَّ للنصيحة من أن تكون بالصورة التي دعا إليها الله سبحانه عندما قال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل: 125].

وقد ورد عن رسول الله (ص): “إنَّ الله رفيق ويحبّ الرفق في الأمر كلّه“.

سابعاً: أن يكون الناصح جديراً بالنصح، بأن لا يكون من أولئك الذين قال الله عنهم: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ}[البقرة: 44]، ومن قال عنهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}[الصف: 2 -3]، بأن ينصح نفسه قبل أن ينصح غيره، حتى تقبل نصيحته، وأن يكون قوياً في حجته ومنطقه، وأن يتسع صدره لردود فعل من ينصحه، وأن لا يقابل انفعاله بانفعال.

أفضلُ هديّة

أيُّها الأحبَّة: النصيحة هي تعبير محبة، وهي أعظم هدية يهديها إنسان لإنسان، فليس هناك هدية أهم من أن يهدي المرء إنساناً آخر عيوبه، ويجنّبه الانزلاق في مسار قد يودي به، وهي كانت هدف الرسل وكلّ الرسالات السماوية، وقد أشار الله في القرآن الكريم إلى أنَّ هذا ما كان عليه حالهم مع أقوامهم: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[الأعراف: 62].

لذلك، علينا ألَّا نبخل بها؛ أن نؤدّيها إلى من يحتاج إليها، فرُبَّ كلمة أنارت درب إنسان، وقلَّلت من أخطائه، ودفعت المكاره عنه، وأعانته على مواجهة صعوبات الحياة، وقوَّت فيه العزم والإرادة، وأحيت فيه الأمل والتفاؤل.

فنحن بذلك نخسر ثواب النّصح، ولا نحصل على ما يؤدّي إليه من إصلاح الأفراد والمجتمع أو على صعيد الوطن {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[سورة العصر]، وفي ذلك الفوز الكبير.

الخطبة السياسية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بوصيَّة الإمام الحسن العسكري (ع) الذي ستمرّ علينا ذكرى ولادته في الثامن من هذا الشَّهر المبارك، شهر ربيع الأوَّل، حين توجَّه إلى شيعته وقال: “أوصيكم بتقوى اللهِ والورعِ في دينِكم، والاجتهادِ للهِ وصدقِ الحديثِ، وأداءِ الأمانةِ إلى من ائتمنَكم من برٍّ أو فاجرٍ، وطولِ السجودِ وحسنِ الجوار… فبهذا جاء محمّد (ص)، فإنَّ الرجلَ منكم إذا ورِعَ في دينِه، وصدقَ في حديثِه، وأدَّى الأمانةَ، وحسّنَ خلُقَه مع الناسِ، قيل: هذا شيعيٌّ، فيسرُّني ذلك.. اتّقوا اللهَ وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً، جرّوا إلينا كلَّ مودةٍ، وادفعوا عنّا كلَّ قبيح.. أكثروا ذكر الله وذكر الموت، وتلاوة القرآن، والصلاة على النبيّ (ص)، فإنَّ للصلاة على رسول الله (ص) عشر حسنات… احفظوا ما أوصيتكم به، وأستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام“.

إننا أحوج ما نكون إلى الاستهداء بهذه الوصيَّة، والأخذ بمضامينها، لنكون معبِّرين حقيقيّين عن انتمائنا إلى هذا البيت الطاهر، وعن التزامنا بالإسلام قولاً وفعلاً، وأكثر وعياً وأقدر على مواجهة التحدّيات.

واقعُ التردّي المعيشي

والبداية من معاناة اللبنانيين المستمرَّة على الصعيد المعيشي والحياتي، والتي تزداد تفاقماً في هذه الأيَّام مع بدء العام الدراسي، بسبب الأعباء التي باتت تثقل كاهل أهالي الطلاب، لارتفاع الأقساط المدرسية والجامعية، والكلفة العالية للقرطاسية، ولانتقال الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم.

وهنا نأمل أن تكلَّل الجهود التي تبذل من قبل وزارة التربية الوطنية لفتح المدارس الرسمية والجامعة اللبنانية بالنجاح، وأن تزول العقبات التي قد تقف في طريقها، لضمان مقاعد للطلاب غير القادرين على الدخول إلى المدارس والجامعات الخاصَّة.

موازنةٌ منْ دونِ خطّة

ومع الأسف، يأتي كل هذا التردي من دون أن يكون له صدى لدى من يديرون الواقع السياسي، فهم لا يكتفون بعدم إيجاد الحلول الناجعة التي تضمن إخراج البلد من حال التردّي التي وصل إليها، بل يستمرّون بما اعتادوا عليه من مدّ أيديهم إلى جيوب اللبنانيين الفارغة، وغير القادرة على تحمل المزيد، لتأمين احتياجات الخزينة التي فرغت بسبب الفساد والهدر الذي كانوا شاهدين عليه أو مشاركين فيه، والَّذي بدا واضحاً من خلال الموازنة التي أقرَّت وتركت أعباء إضافية على المواطنين. كذلك، فإن الزيادات التي حصل عليها القطاع العام، والتي هي من حقهم، فهي عندما أعطيت بيد، أخذت باليد الأخرى، إن من خلال الأعباء الضريبية التي أضيفت، أو التي ستضاف بعد ذلك، أو من خلال التضخم الذي قد يحصل، والذي سيزيد في انهيار الليرة اللبنانية ويرفع الدولار الأميركي وفي ارتفاع الأسعار المستمرّ.

لقد أشارت الموازنة التي حصلت، رغم أهميّة إجرائها وبعض الإيجابيات التي حصلت من خلالها، إلى مدى التنكر الذي يعيشه من يفترض بهم أن يكونوا تعبيراً صادقاً عن معاناة اللبنانيين، فهي لم تأخذ في الحسبان الأوضاع المعيشيَّة السيِّئة للناس، ولم تأت بناءً على خطة مدروسة للإنقاذ، ولم تعالج الأزمات الملحة التي يعانيها اللبنانيون.

الحكومةُ أسيرةُ التجاذبات

إننا أمام هذا الواقع المزري والمأساوي، نعيد القول لكلّ من هم في مواقع المسؤوليَّة، أن يتقوا الله في الناس الذين أعطوهم قيادهم، بأن يخرجوهم من يأسهم لا أن يزيدوهم يأساً، وأن لا يدعوا هذا البلد رهينة شروط الخارج وتدخلاته وإملاءاته.

وهنا نعيد تأكيد ما كنَّا قلناه سابقاً، أنكم قادرون على إخراج البلد من أزماته إن قرَّرتم أن تخرجوا من حساباتكم الخاصَّة ومصالحكم الفئوية ورهاناتكم الخارجية، وكنتم جادين في مسيرة الإنقاذ والإصلاح، وخرجتم من سياسة إدارة الظهر لمعاناة الناس وآلامهم… وهناك في هذا العالم من يريد خيراً بهذا البلد، ومن هو مستعدّ لأن يساعدكم على ذلك.

ومتى حصل ذلك، سيكون من السهل تأليف حكومة لا تزال أسيرة تجاذبات من بيدهم قرار تأليفها ومصالحهم، ونأمل أن تزول، وعندها لن نصل إلى فراغ بات مؤكَّداً في موقع رئاسة الجمهورية، لعدم إمكانية التوافق على اسم الرئيس أو مواصفاته في ظلّ التوازن في المجلس الحالي، وعدم رجحان كفَّة فريق على فريق.

محاسبةُ المسؤولين عن الانهيار

لقد كنا نأمل أن يستيقظ كلّ هؤلاء بعد كلّ الذي جرى مع المركب الغارق الَّذي خلَّف وراءه أكثر من 100 ضحية، وأن يستفيقوا، ولكن هذا الحدث مرَّ عليهم وكأنَّه لم يحصل، ومنهم من ألقى باللائمة على الضَّحايا أو على من أودعهم هذا المركب، من دون أن يفكِّر هؤلاء في السَّبب الذي جعل الضّحايا يستقلون هذا المركب، في الوقت الذين كانوا يعرفون ما يمكن أن يؤدّي إليه من مخاطر.

وهنا نشدّد على أنّه لا يكفي محاسبة المسؤولين المباشرين عن الحادثة من أصحاب المركب أو مافيات الهجرة، وإن كان ذلك ما ندعو إليه لإيقاف مراكب الموت هذه، بل لا بدّ قبل كل ذلك من محاسبة أولئك الذين أوصلوا البلد إلى الانهيار، والذي دفع هؤلاء المستضعفين الضحايا إلى الهروب من بلد أحبوه بحثاً عن لقمة عيش كريمة.

ونعود من جديد إلى قضية المودعين التي لا نريد لها أن تُنسى، حرصاً على استعادة ودائعهم وعلى المصارف، وحتى لا يتكرَّر ما حصل سابقاً ولو بطريقة أخرى.

الصمودُ البطوليُّ في فلسطين

وأخيراً، إنَّنا أمام ارتفاع وتيرة الاعتداءات الإسرائيليَّة، وأمام غارات الموت التي يشنّها هذا العدوّ على الفلسطينيّين في الضفة الغربية وفي مخيَّم جنين بالذات، وأمام إفساح المجال للمستوطنين لكي يهاجموا المرابطين والمدافعين عن الأقصى وتدنيس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ندعو العرب والمسلمين إلى تحمل مسؤولياتهم في الدفاع عن هذا الشعب وعن مقدَّساته، ودعم صموده البطوليّ، ورفده بكل ما يضمن له الثبات في أرضه والدّفاع عنها، حتى تبقى هذه القضيَّة على وهجها وقوتها وعنفوانها.