العودة إلى صلاة الجمعة.. سبل الوقاية أوّلًا

العلامة السيد علي فضل الله Sayyed Ali fadlullah

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

الخطبة الأولى

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. صدق الله العظيم.

الحمد لله حمداً كثيراً، والذي بلغنا هذا اليوم ونحن على أتمّ الصحة والعافية، وقد وقانا في سالف أيّامنا من هذا الوباء، ونسأله أن يحفظنا في قادمها منه، ومن كلّ آثاره ونتائجه وتداعياته، وأن يتمِّم هذه النّعمة علينا، وأن يرفع هذه الغمّة عن هذا العالم الّذي نأمل أن يكون قد أخذ الدّروس والعبر الكثيرة مما جرى.

العودة بشروط!

والحمد لله الّذي وفَّقنا للعودة إلى المسجد لنلبِّي نداءه في الصَّلاة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، ولنحصل على بركات هذه الصلاة التي أشار إليها رسول الله (ص) بقوله: “من أتى الجمعة إيماناً واحتساباً استأنف العمل”، وعندما قال لأحد أصحابه لما شكا إليه حرمانه من الحجّ: “عليك بالجمعة، فإنّها حج المساكين”.

ونحن عندما دعونا إلى العودة إلى هذه الصّلاة، لم نأت لنغامر بأنفسنا ولا بكم ولا بعائلاتكم، ولا لنتغاضى عن الخوف الذي لا يزال ماثلاً بفعل ازدياد الإصابات يوميّاً، بل دعونا بعدما وفّرنا سبل الوقاية، ونرجو أن لا نكون قصّرنا فيها، وهي ستضاف إلى الدور الذي ستقومون به باتباعكم أقصى درجات الحماية، بلبس الكمّامات الواقية، وعدم التجمّع في مكان واحد، والتّباعد خلال صلاة الجماعة، سواء في الصفّ الواحد أو بين الصفوف، وعدم المصافحة…

وهناك شروط إن لم نوفّرها اليوم، فلنعمل على توفيرها في الأيّام القادمة، بأن يأتي كلّ منكم بسجّادته الخاصّة، وبسجدته ومسبحته، والوضوء قبل المجيء إلى المسجد، كما ندعو كلّ الذين يشكون من أمراض مزمنة، أو لديهم حرارة، أو أصيبوا بمرض يخشى انتقاله إلى الآخرين، أن يبقوا في بيوتهم ولا يحضروا إلى المسجد.

الوقاية واجب شرعيّ

إنَّ اتّباع سبل الأمان والسَّلامة التي يدعو إليها الأطبّاء، والتي أشرنا إلى ضرورة الالتزام بها هنا، ليست خياراً، بل هي واجب شرعيّ، وسنُسأل بين يدي الله تعالى عن أيّ إخلال أو تقصير من قبلنا، ونتحمّل كلّ نتائجه وتداعياته، كما قال تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ}، ولا ينبغي التّهاون بها. وكما نعرف جميعاً، فإنَّ هذا الوباء لا يمسّ الإنسان نفسه فقط، بل كلّ من يتعلّق به.

التوجّه إلى الله بالدّعاء

ويبقى الأساس قبل كلّ ذلك وبعده، أن لا ننسى الله سبحانه، فهو القادر على أن يدفع عنّا كلّ بلاء، بأن نتوجّه إليه بقلوبنا، حتى يحمينا ومن معنا من كلّ سوء وبلاء، وأن نكون دائماً بعينه التي لا تنام، وهو عند وعده للدّاعين عندما قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي}.

فلنتوجّه إلى الله بأن يحيطنا برعايته وعظمته وحمايته وعطفه وبعينه التي لا تنام، وليكن دعاؤنا: “أَللّهُمَّ إِنِّي أَدْعُوكَ لِهَمٍّ لا يُفَرِّجُهُ غَيْرُكَ، وَلِرَحْمَةٍ لا تُنالُ إلّا بِكَ، وَلِكَرْبٍ لا يَكْشِفُهُ إلّا أَنْتَ، وَلِرَغْبَةٍ لا تُبْلَغُ إلّا بِكَ، وَلِحاجَةٍ لا يَقْضيها إلّا أَنْتَ.. فأَسْأَلُكَ بِوَجْهِكَ الْكَريمِ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَأَنْ تُفَرِّجَ هَمّي، وَتَكْشِفَ كَرْبي وَغَمّي، وَترْحَمَني بِرَحْمَتِكَ، وَتَرْزُقَني مِنْ فَضْلِكَ، إِنَّكَ سَميعُ الدُّعاءِ قَريبٌ مُجيبٌ”.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله التي هي الملاذ والملجأ، وسبيل الأمان في الدنيا والآخرة {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}، لنواجه بها كلّ ما نخشاه من تحدّيات البلاء وما يجري من حولنا.

هل نتقيّد بالتّعليمات؟!

والبداية من لبنان، الذي لم يتوقف فيه عداد الإصابات بفيروس كورونا المستجدّ، وقد أصبح من الواضح أنّ السبب في ذلك لا يعود إلى انفتاح البلد وإعادة تسيير العجلة الاقتصاديّة فيه، بقدر ما يعود إلى عدم التقيد بإجراءات السلامة، من مقيمين في الداخل أو وافدين من الخارج، ما يدفعنا إلى أن نجدّد الدعوة لكلّ اللّبنانيّين، رأفةً بهم وبالّذين من حولهم، إلى التقيّد بالتّعليمات التي تؤدّي إلى الوقاية من هذا الفيروس، ولا سيَّما القرارات الأخيرة.

تأزّم الوضع المعيشيّ

في هذا الوقت، تستمرّ الأزمة المعيشيّة بالتصاعد في ظلّ ارتفاع الأسعار، وعدم انتظام سعر الدّولار، وتزايد مستويات البطالة، والتي وصلت إلى مليون عاطل من العمل، وهو رقم قابل للزّيادة، ما ينذر بكارثة اجتماعيّة يخشى من تداعياتها، لا على لقمة عيش المواطنين فحسب، بل على أمنهم واستقرارهم أيضاً، ما يستدعي استنفار الجهود من أجل معالجة هذا الواقع، سواء من الدولة المعنيَّة الأولى بمواطنيها، أو الجمعيّات والمؤسّسات الأهليّة فيما بينها، وتنسيق جهودها للتّخفيف من وقع هذه الكارثة التي لا نعرف لها حدوداً ولا مدى.

وهنا نشير إلى قرار الحكومة بدعم سلّة السّلع الغذائيّة التي حدّدتها للتّخفيف من أسعارها على المواطنين، والذي كنّا نأمل أن يتمّ بالسعر الرسمي للدّولار، لا بسعر مضاعف يكرّس الأزمة المعيشيّة القائمة، وأن تتوسّع دائرتها لتمتدّ إلى موادّ غذائيّة لم تشملها القائمة.

التَّفتيش عن بدائل

وعلى الصعيد الاقتصاديّ، لا تزال الحكومة تتابع المفاوضات في النهج الذي اعتمدته في خطتها الاقتصادية، بالاعتماد على صندوق النقد الدولي لتأمين احتياجات لبنان للنّقد المفقود.. ونحن في الوقت الذي نقف مع أيِّ خطوة تساهم في إخراج لبنان من النفق المظلم الذي يعانيه، إلّا أنّنا نخشى مع الكثيرين، أن لا تؤدي هذه المفاوضات إلى النتائج المرجوّة، إما بفعل العقلية السياسية التي لا تزال تماطل بالقيام بإصلاحات حقيقيّة، أو بفعل الانقسام السياسي والطائفي، أو نظراً إلى الشروط التي يطرحها الصندوق، والتي لا يستطيع البلد تحمّلها.

ومن هنا، فإنّنا نجدّد الدّعوة للحكومة إلى اجتراح بدائل من الصندوق لتأمين خطّتها للنهوض الاقتصاديّ، إن لتحسين موقعها في المفاوضات، أو تحسّباً لفشلها.

وعلى هذا الصعيد، فإنّنا ندعو القوى السياسيّة الممثلة في الحكومة، إلى عدم التلكّؤ في المباشرة بالإصلاحات، وأن تعي أنّ المرحلة ليست مرحلة جني أرباح أو تعزيز نفوذ، بقدر ما هي مرحلة إنقاذ بلد، وإخراجه من النّفق الذي دخل إليه على كلّ المستويات.

قرارات المجلس!

ونتوقّف عند القرارات التي صدرت أخيراً عن المجلس النيابيّ، والتي إن طبِّقت، فستساهم في تخفيف وقع الأزمة الاجتماعيّة ومعالجة الفساد، كما في إقرار قانون رفع السرّية المصرفيّة للعاملين في الشّأن العام، أو إقرار آليّة للتّعيينات لموظّفي الفئة الأولى، أو إقرار 1200 مليار للفئات الأشدّ فقراً، ولدعم المشاريع الإنتاجيّة.

وقد كنا نأمل أن يمرّر قانون العفو لمن يستحقّونه، ممن لم يسيئوا إلى أمن هذا البلد، من منطلق العدالة والمصلحة الوطنيّة، وأن لا يتمّ إجهاضه بسبب الحساسيات الطائفيّة والمناكفات السياسيّة.

إشكال لاسا

أخيراً، نتوقّف عند ما يحدث في بلدة لاسا من خلاف حول ملكيّة بعض الأراضي فيها، لندعو إلى معالجة هادئة لهذه القضيّة، بعيداً من الاستغلال السياسي والتوتر الطائفي، لتكون المعالجة تحت سقف العيش المشترك الّذي حافظت عليه هذه المنطقة طويلاً، وينبغي أن تستمرّ في المحافظة عليه.. وندعو كلّ القيادات الواعية إلى نزع أيّ فتيل قد يمسّ العيش المشترك والعلاقة الإيجابيَّة بين المواطنين