الغضب الداخلي بلاء العصر

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

 

الخطبة الأولى 

}وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ْالمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ{

}وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين{

هكذا هي حياة الإنسان تتنوع  فيها الابتلاءات، في ظروفها ونوعيتها في حجمها وتداعياتها. واليوم نعاني واحدة من هذه الابتلاءات يصدق عليها القول إنها غير مسبوقة في واقعنا، الذي مر عليه في الماضي الكثير من الابتلاءات من فقر وحرمان وحرب اهلية واعتداءات عدو خارجي وفتن جلبت معها الخوف والنقص في الأنفس والأموال والأرزاق، لكنها ابتلاءات لم تصل الى خلطة الابتلاء الذي نعانيه اليوم، هذا الابتلاء الذي يجعلك لا تقف امام الخوف فحسب إنما أمام ما يعتمل في الصدور من غضب ونقمة وحسرة وأسف لكل ما يجري. الانسان عادة يغضب للنتائج والانسان الرسالي يغضب ايضاً للاسباب وللدوافع والخلفيات التي تقف وراء هذا العنف المجاني والمتنقل الذي نواجهه والذي بات يغذيه الكيد السياسي والمذهبي  وتبدل المنطق بل غيابه في احيان كثيرة ، والتعامي عن الحقيقة واكثر من هذا، قلب الحقائق وتزييفها، والكذب والافتراء حتى الفجور..

فالغضب كل الغضب من المراهقة السياسية والغباء السياسي الذي يُفتح لاصحابه الهواء والفضاء ولا من يراقب او يحاسب، نشتاق لان نسمع صوت الاعتدال عاليا، وتغليب صوت العقل والحكمة على صوت الغرائز والأصوات لم تعد تتعالى ولا تقف امام الفتنة الا لتبررها وتجد لها شرعية ما.

لمصلحة من يجري إضاعة البوصلة ، لمصلحة من يراد لنا ان نكف عن النظر الى اسرائيل أنها عدو، ليحل مكانه عدو من هذا البلد او ذاك او هذا المذهب او ذاك؟ لقد باتت أسباب الغضب لا تعد ولا تحصى: نغضب ونحن نرى من يعمل على تشويه صورة الذين بذلوا أغلى التضحيات من أجل الوطن والأمة ونغضب من محاولات تشويه الصور والرموز، والتعامي عن انجازات مجتمع بأكمله، مجتمع كان ولا يزال فخر الامة العربية والاسلامية بحمله لقضية فلسطين في القلب، ودعمه للمقاومة في وجه الاحتلال حتى حرر الأرض.

واهم ما يغضبنا ويؤلمنا هو استسهال الفتيا، واستسهال سفك الدم البريء، والكلام التحريضي باسم الدين، والصورة الخاطئة التي تصل للناس جراء هذه الاعمال.

صدورنا يعتمل فيها الغضب جراء الاحتضان الفكري والفقهي والمالي لمثيري الفتن، والعابثين بأمن الناس، الذين لم يعد ينقصهم الا ان يُحمّلوا الضحايا مسؤولية أنهم ضحايا، لم يعد ينقصهم إلا أن يراعوا خاطر الجلاد وإيجاد التبريرات له. للاسف هذا المنطق وهذه المقاييس المقلوبة والمعكوسة ، تشعل الصدور غضبا ومن حقنا ذلك .

ولكن ما العمل ونحن نعرف انه لا يمكننا ان نفجر هذا الغضب انفعالا وتوترا ، لانه لا يمكننا ان نكون سبابين ولا يمكننا ان نكون سفهاء، ولا يمكننا ان نرد الشتيمة بالشتيمة او أن نرد على العبث بمثله، تقيدنا تعاليم الدين: لا تسبوا/ ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق /، المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه/، ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء /، لا تزر وازرة وزر اخرى/ والشواهد كثيرة من القرآن وسيرة رسول الله والائمة عن عصمة الدم وحرمة النفس، وازهاق الروح الا بحدود ضيقة ودقيقة جدا اساسها الدفاع ورد الاعتداء وغير ذلك يقع في دائرة البغي والاعتداء.

وهنا يلح علينا السؤال… ماذا نفعل بكل هذا الغضب الذي يغلي في صدورنا، وإلى أين نوجّهه، وأي ردود فعل ينبغي أن نبدل بها هذا الواقع..

ونجيب عن ذلك بعدة نقاط سريعة وهي من باب التذكير

اولا :  الإصرار على رفض الهزيمة وعدم التراجع بل ان نتابع الحياة لان الحياة تستمر، بل أكثر من ذلك بأن نزداد عملاً وعلماً وبناء وحملا للقضايا الكبيرة  وهذا هو معنى الصبر.

ثانياً:  الإصرار على القيم التي نراها تُنتهك، قيم المحبة والرحمة..  والعدل، بأن نحميها بكلماتنا وسلوكياتنا، بردود أفعالنا و بمواقفنا..  بأن نصرّ على أن نبادل الكلام المتوتر والمتشنّج بالخطاب العقلاني الهادئ..  لا نَستفز ولا نُستفز، عنواننا « بشروا ولا تنفروا» هذه وصية نبيّنا. لا نحمّل أحداً مسؤولية أخطاء غيره..  فالمخطئ وحده هو من يتحمّل المسؤولية ولا نلقي باللوم على جماعة بحالها، سنبقى ورغم كلّ الجراح والآلام ندعو لمن يواجهنا بما كان يدعو به رسول الله (ص) الذين كانوا يكيدون له ويرمونه بالحجارة: «اللهم اهدِ قومي فإنّهم لا يعلمون». نستهدي بما قال امير المؤمنين علي عليه السلام في معركة صفين: «ما دفعت الحرب يوما الا وانا اطمع ان تهتدي فئة بي وتعشو الى ضوئي».

ثالثا : ان نتسلح بالوعي السياسي والديني و بالقدرة لمواجهة الفتن، لان المسالمة التي ندعو لها لا تعني الانسحاب بل ان ندافع ونواجه بالحجة والبرهان والادلة المنطقية بالحكمة وبالاسلوب الاحسن.  وقدوتنا في ذلك كلام أمير المؤمنين(ع) عندما رأى أصحابه يسبّون أهل الشام وقال لهم كلمته إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ثم أشار إلى البديل: «…ولكن لو وصفتم حالهم وذكرتم أفعالهم لكان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم ربنا احقن دماءنا ودماءهم واصلح ذات بيننا وبينهم واهدهم من ضلالهم حتى يُعرف الـحق من جهله ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به.»

رابعا : أن نعمل لنوسّع من دائرة الوحدويين ومناخ الوحدة فهي دين الله ندين به. ونعمل لنضيق مواقع الذين يثيرون الخلافات..  نؤكد على القواسم المشتركة ونقاط اللقاء، نضيء عليها ولا نهملها ..  وأنّ ما يجمع المسلمين..  هو أكثر ممّا يفرقهم

واخيراً : تبقى النقطة الأساس في استيعاب الغضب الداخلي هو أن ننفتح على الله.  نلجأ إليه وندعوه ليدفع عنّا البلاء ، يقوّينا لنصبر ونثبت، وندعوه أفراداً وجماعات..

نحن نعرف جيداً أن الطريق الذي نسلكه سنواجه فيه التحديات، من كل الذين يتربصون بهذه الأمة شراً، انقساماً وتفتيتاً واقتتالاً..

هو طريق لن يكون مملوءاً بالورود والرياحين، سنبقى نثق بربنا الذي علمنا أنه مهما ادلهم الطريق..} سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا } {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً{

}وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ‏ {(الأنفال: ٣٠).

ونتذكر موقف نبي الله موسى واخيه هارون مع فرعون}: قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى * قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى{

} فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ{  (الشعراء: ٦١٦٢)

أيّها الأحبّة..

في حسابات الله لا مكان لليائسين والمنهزمين ولا للهاربين}.. لا مكان لليأس بيننا: ولاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله الا القوم الكافرون{

إننا نحتاج في ظل الواقع الذي يتحدانا إلى مزيد من الوعي، مزيد من الصبر، "من أحب السبل إلى الله عز وجل جرعتان:  جرعة غيظ تردها بحلم، وجرعة مصيبة تردها بصبر"

مزيداً من الثقة بالله .

سيبقى الله حاضراً في قلوبنا وعقولنا ومفاصل حياتنا، يمدنا بالعزيمة والإرادة والقوة.. وسنبقى نتوجه في كل دعواتنا بما توجه به الحسين(ع): «اللهم أنت ثقتي في كلّ كربٍ وأنت رجائي في كل شدّة وانت لي في كل امر نزل بي ثقة وعدة»

وسنعمل بقول الله: }الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ: { (آل عمران173 – 174)

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، والالتزام بوصية إمامكم الحسن العسكري(ع)، الذي قال لكم: "أكثروا ذكر الله، وذكر الموت، وتلاوة القرآن، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله، فإنّ الصلاة على رسول الله عشر حسنات، احفظوا ما وصّيتكم به، وأستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام".

أيها الأحبة، في الثامن عشر من شهر ربيع الأول، نلتقي بذكرى وفاة الإمام العسكري الذي شهد له أعداؤه قبل المؤمنين، بإمامته، وفضله، وعلمه، وعبادته، وصبره، وجميل أخلاقه. وقد استطاع بكل هذه المزايا التي حملها، أن يؤثّر حتى في الذين ظلموه وسجنوه، حيث تذكر السيرة أن العباسيين دخلوا على صالح بن وصيف، وكان الإمام(ع) قد سجن عنده بأمر من الخليفة المعتز، فقالوا له: ضيّق عليه ولا توسّع، فقال لهم صالح: ما أصنع به وقد وكلت به رجلين من شر من قدرت عليه، فصارا من العبادة والصلاة إلى أمر عظيم.

وهذا الأمر تكرَّر مع سجّان آخر، فقد كان، كما تذكر السيرة، من أشد الناس عداوة لأهل البيت، فما خرج الإمام العسكري من عنده، حتى أصبح أحسن الناس بصيرة، وأفضلهم قولاً وعملاً ومودة لآل بيت رسول الله.

أيها الأحبة، بكلامه الطيب، ووجهه الممتلئ بشراً، وخلقه الكريم، وحسن تعامله مع الناس، استطاع الإمام الحسن العسكري أن يملك قلوب أعدائه، وأن يحولهم إلى أصدقاء له.

ونحن نستطيع أن نكرّر المشهد لنواجه الكثير من التحديات، حيث لا يزال العالم العربي والإسلامي، على امتداد مساحته، أسير صراع المحاور الدولية والإقليمية، والذي يأخذ مرة طابعاً سياسياً، وأخرى طائفياً ومذهبياً وعشائرياً. وما زاد من حدة هذا الصراع، هو بروز ثقافة إلغائية وإقصائية، تمارس سياسة إلغاء كل من يختلف معها وتدميره، الأمر الذي ترك تداعياته الخطيرة على هذا العالم، قتلاً وتدميراً وعدم استقرار، وحوَّل وجهة الصراع فيه عن العدو الأساسي المتمثل بالكيان الصهيوني، وأمَّن له كلّ سبل الاستقرار والهدوء، ما بات يسمح له بتحقيق مشروعه بابتلاع فلسطين وتهويدها، حيث صار رئيس وزراء العدو نتنياهو قادراً على أن يقول: "في كل منطقتنا، من المغرب حتى باكستان، لا توجد دولة لا تمر بهزة عدا إسرائيل".

إنَّ كلّ هذا الواقع، ينبغي أن يكون حافزاً لكلّ القيادات المخلصة في هذا العالم، للوعي والتبصر والخروج من شرنقة كل هذه الصراعات.

ومن هنا، نحن مدعوون إلى العمل السريع على خطين؛ الخط الأول يتمثل بمحاصرة كل الساعين لإثارة الفتن، إعلامياً وسياسياً ودينياً وثقافياً، والخط الآخر يتمثل بمعالجة كل الأسباب التي تؤدي إلى توفير البيئة الحاضنة لهم، وذلك بالابتعاد عن الخطاب المتوتر الذي يثير الحساسيات الطائفية والمذهبية ويستعيد أحقاد التاريخ وما جرى فيه، وحل المشاكل الاقتصادية والسياسية، وتأمين العدالة لكلّ المواطنين، فلا يشعر من ينتمي إلى هذا المذهب أو ذاك، أو هذه الطائفة أو تلك، أو هذا الواقع السياسي أو ذاك، بالظلم أو الغبن.

وهذا ما يحتاجه العراق؛ هذا البلد الذي عانى وما يزال يعاني جراء ثقافة إلغائية وإقصائية، أصابت كل مناطقه وتنوعاته الدينية والمذهبية والعرقية، حيث لم تفرق بين منطقة وأخرى، ولا بين دين ودين، أو مذهب ومذهب، فأصابت المسلم والمسيحي، والسني والشيعي، والعربي والكردي، مخلّفةً الكثير من الضحايا والأرامل والثكالى.

إنَّ كل هذا الواقع يحتاج إلى تكاتف العراقيين، للوقوف صفاً واحداً في وجه كل العابثين بأمن العراق ووحدته واستقراره، وعدم الوقوع في فخ الحساسيات المذهبية والطائفية التي يراد لها أن تكون اللغة السائدة الآن، ليكون الصوت واحداً: "لأسلمن ما سلمت أمور العراقيين".

 

وفي الوقت الذي ندعو إلى مواجهة كل هذا الواقع بقرارات حكيمة ومدروسة، وبخطاب جامع، ندعو الحكومة العراقية إلى عدم الاكتفاء بالمعالجة الأمنية، فهذه المرحلة تستدعي معالجة كل الأسباب التي أمَّنت لهؤلاء البيئة الحاضنة، وهذا يحصل بالاستجابة للمطالب المحقة التي طرحت سابقاً، وإزالة أي شعور بالغبن، بحيث يشعر كل مواطن عراقي بأنه متساوٍ مع بقية العراقيين، بعيداً عن انتمائه المذهبي أو الديني أو السياسي. ونحن نثق بوعي العراقيين، وشعورهم بالمسؤولية تجاه وطنهم، وتماسكهم الذي من شأنه أن يساعد على تجاوز هذه المحنة، ليعود العراق قوياً متماسكاً، لا مكان فيه لكل الأيدي العابثة بأمنه واستقراره، وليلعب دوره الريادي في المنطقة وفي العالم.

ونصل إلى البحرين الذي كنا ننتظر لمسيرة الحوار فيه أن تؤتي أكلها، لتعيد إليه استقراره وأمنه الذي نرجوه له، فإذا بالحكومة توقف هذه المسيرة، الأمر الذي يجعلنا نخشى على هذا البلد، فكيف يمكن معالجة مطالب الشعب المحقة، بعيداً عن الحوار الذي يصل بالبلد إلى شاطئ الأمان؟!

أما لبنان، فلا يزال إنسانه يعيش الخوف على أمنه ومستقبله، في ظل تزايد الإشاعات عن السيارات المفخخة هنا وهناك، في الوقت الذي لم تصل الحكومة التي يتحدث الجميع عنها إلى نهاياتها السعيدة، فلا يزال البلد رهين الاستحقاقات التي تجري خارجه، بعد أن أدمن اللبنانيون الاستجابة لما يريد الآخرون لهم، لا ما يريدون هم لبلدهم، رغم كل التحديات التي تواجههم من العدو الصهيوني، والواقع الاقتصادي والمعيشي الصعب، والملفات التي تنتظر الحكومة لتحريكها.

ومن هنا، نعيد التأكيد على كل من هم في مواقع المسؤولية، أن يرتقوا إلى مستوى الأخطار التي تحدق بهذا البلد، ويخرجوا من حساباتهم الخاصة أو الطائفية أو المذهبية أو المصالح الإقليمية، لحساب إنسان هذا البلد، وألا يعتبروا أن تقديم التنازلات لبعضهم البعض ضعفاً، بل قوة لهم، وحفظاً للبلد.

وعلينا وسط هذا الضجيج الذي يلف المنطقة، أن تبقى عيوننا تحدق بفلسطين، حيث تسعى أميركا، ومن خلال الضغط المباشر وغير المباشر على الفلسطينيين، للوصول إلى اتفاق إطار بين العدو والسلطة الفلسطينية، يمكّن العدو من تحقيق هدفه بيهودية الدولة، ويلزم الجانب الفلسطيني بالتخلي عن حق العودة، وعن الأقصى والقدس.

إنَّ هذا الواقع يدعونا لمطالبة السلطة الفلسطينية بألا تستجيب لكل هذه الضغوط التي تمارس عليها، كما ندعو كل الدول الإسلامية والعربية وشعوبها، إلى الوقوف مع قضية الشعب الفلسطيني، وعدم السماح بتمرير اتفاق لن يكون لمصلحة فلسطين، بل على حسابها.

ويبقى أخيراً أن نقف عند ذكرى المولد النبوي التي نريدها أن تكون مناسبة تساهم في تذكير المسلمين بوحدتهم، وبكل المعاني التي حملها رسول الله(ص)، لتصحيح الصورة التي شوَّهها البعض، عندما راحوا يقتلون ويذبحون باسم رسول الله، وهو الذي كان عنواناً في الرحمة والمحبة والإنسانية والانفتاح والتواصل.

وفي هذه المناسبة، نهنئ المسلمين جميعاً بولادة رسولهم، وندعو إلى استغلال هذه المناسبة، لنعيش حياة هذا النبي الذي أراد الله له أن يكون قدوة ونموذجاً، فنسير على خطاه، ونتلمّس طريقه، ونعمل بوصاياه، حتى نخرج، كأمة وشعوب، من نفق الضعف والتمزق إلى رحاب الوحدة والقوة.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 9 ربيع الأول 1435هـ  الموافق : 10  كانون الثاني 2014م

 

 

 

 

Leave A Reply