الكاظم (ع): مسيرةٌ عابقةٌ بالمعاناةِ والمواقفِ المشرقةِ

السيد علي فضل الله

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الدينية

قال الله سبحانه وتعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}. صدق الله العظيم.

نستعيدُ في الخامس والعشرين من شهر رجب، ذكرى وفاة الإمام السَّابع من أئمَّة أهل البيت (ع)، وهو الإمام موسى بن جعفر الكاظم، هذا الإمام الّذي عبَّر الإمام الصَّادق (ع) عن موقعه (ع) عنده، عندما قال: “الحمد لله الّذي جعلك خلفاً من الآباء، وسروراً من الأبناء، وعوضاً عن الأصدقاء”.

وأشار الشّيخ المفيد (ره) في كتابه الإرشاد، إلى مدى تميّزه، عندما قال: “كان موسى بن جعفر (ع) أجلّ ولد أبي عبد الله (ع) قدراً، وأعظمهم محلّاً، وأبعدهم في النّاس صيتاً، ولم ير في زمانه أسخى منه ولا أكرم نفساً وعشرةً، وكان أعبد أهل زمانه وأورعهم وأزهدهم وأفقههم وأشجعهم”.

مسؤوليَّة الإمامة

تسلّم الإمام الكاظم (ع) مسؤوليّة الإمامة بعد وفاة أبيه الإمام الصادق (ع) وهو في سن العشرين من عمره، وقد عانى طوال مرحلة إمامته الّتي امتدّت لخمسٍ وثلاثين سنةً، من ظلم الحكام العبَّاسيّين الذين تعاقبوا في تلك الفترة: العباس، والمنصور، والمهدي، والهادي، لكنّ أشدّ معاناته كانت خلال حكم الطّاغية هارون الرّشيد.

فقد كان هارون الرَّشيد يتوجَّس خيفةً من الإمام الكاظم (ع)، رغم سعة ملكه واتّساع رقعتها، وهو الّذي كان يقول للغمامة: اذهبي حيث شئتِ، فإليَّ يعود خراجك”. لما كان له من شأن وموقع في نفوس النّاس، حتى قال أحدهم لهارون الرّشيد: “ما ظننت أنَّ في الأرض خليفتين، حتى رأيت موسى بن جعفر”.

فقد كان الإمام (ع) فعلاً خليفة قلوب النّاس وعقولهم.

ونحن سنتوقَّف في هذه المناسبة، عند العديد من المواقف التي تظهر ما اتّصف به هذا الإمام من شجاعة وقوّة موقف أمام الطّاغية هارون الرّشيد، لأنّنا غالباً ما نرى الإمام (ع) من زاوية معاناته في سجون هارون الرّشيد ولا نراها من هذه الزاوية.

الإمام (ع) يكذِّب الرَّشيد

الموقف الأوَّل؛ حصل عندما جاء هارون الرَّشيد إلى قبر النبيّ (ص) في المدينة، وكان الإمام (ع) يومها حاضراً في ذلك المكان، وقال أمام النّاس متوجّهاً إلى قبر النبيّ (ص): “السّلام عليك يابن العمّ”، وهو بذلك أراد أن يشير إلى أنّه أقرب النّاس إلى رسول الله (ص)، وهذا ما كان يراه يعزّز موقعه لديهم وشرعيّة خلافته، فأراد الإمام (ع) أن يُكذِّب هذا الادّعاء، وأن ينزع الشرعيّة من هارون الرّشيد، لذا توجّه مباشرةً إلى قبر النبيّ (ص) وعلى مرأى من هارون الرشيد، أمسك بالقبر وقال: “السّلام عليك يا أبتِ”، قاصداً أنّك إذا كنت ـ يا هارون ـ تدّعي شرفاً من قربك من رسول الله، وترى شرعيّة خلافتك لقربٍ منه، فأنا أقرب إليه منك، فأنا من أبناء رسول الله (ص).

غضب عندها هارون الرّشيد من تجرّؤ الإمام الكاظم (ع) عليه، وقال: كيف تدَّعي أنّك من أبناء رسول الله، فيما أنت تنسب إليه من جهة الزّهراء (ع) لا من أبيك، والولد ينسب إلى أبيه لا إلى أمِّه؟! فقال له (ع): يبدو أنّك لم تقرأ القرآن، ولو قرأته لما قلت ذلك، فالقرآن الكريم يقول: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}. وهذه الآية نزلت يوم المباهلة، عندما جاء رسول الله (ص)، وعلى كتفه الحسن والحسين، ومعه السيّدة الزهراء (ع) وعليّ (ع)، فقد جاء رسول الله (ص) يومها بالحسن والحسين (ع) تطبيقاً لقول الله: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ}. فرسول الله هو من قال إننا أبناؤه, عندها لم ينبس هارون الرّشيد ببنت شفة، ومشى غاضباً وهو يتوعّد الإمام (ع) بالعقاب.

حرمة معاونة الظَّالم

الموقف الثّاني، هو ما قاله لأحد أصحابه، وهو صفوان الجمال، عندما جاء إليه يوماً. قال له: “يا صفوان! إنّ كلّ شيءٍ منك حسن ما خلا شيئاً واحداً”، فقال: جعلت فداك، أيّ شيء؟ قال: “إكراؤك ــ أي تأجيرك ــ جِمالَك لهارون الرَّشيد”، قال له: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً، ولا للصّيد ولا للّهو، ولكنّي أكريته لهذا الطّريق (أي طريق مكّة ـ أي للحجّ) ولا أتولّاه، ولكن أبعث معه غلماني. فقال (ع): “يا صفوان! أيقع إكراؤك عليهم؟”، قلت: نعم، جعلت فداك. فقال (ع): “أتحبّ بقاءهم حتّى يخرج كراؤك”، وتصل إليك أجرتك منهم؟ قلت: نعم. قال الإمام: “فمَن أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان وارداً النَّار. يا صفوان، ألم تسمع قول الله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}”. قال صفوان: فذهبت وبِعتُ جِمالي عن آخرها، فبلغ ذلك إلى هارون، فدعاني وقال: يا صفوان! بلغني أنّك بعت جمالك ؟ قلت: نعم. فقال: لِمَ ؟ قلت: قد استغنيت عنها ولا حاجة لي إليها. فقال هارون: هيهاتَ هيهات! إنّي لأعلم من أشار عليك بهذا، فالأمر ليس من عندك؛ إنّه موسى بن جعفر الّذي أشار إليك بذلك.

فالإمام الكاظم (ع) كان لا يرى جواز معاونة الظّالم، حتى بمستوى تمنّي استمرار حياته.

مواقف العزّة والإباء

الموقف الثّالث؛ حصل عندما أرسل هارون الرّشيد وزيره يحيى بن خالد البرمكي إلى الإمام الكاظم (ع)، بعد أن قضى فترةً طويلةً في السجن، ليبلغه أنّه على استعداد أن يطلق سراحه شرط أن يعتذر منه، لكنّ الإمام (ع) رفض حينها، وقال له: ليس عندي ما يستوجب الاعتذار، هو من ينبغي أن يعتذر إليّ، اذهب إليه وقل له: يا هارون، إنَّ الأجل قريب، والحساب عند الله: “يا هارون إنّه لن ينقضي عنّي يوم من البلاء إلاّ انقضى عنك معه يوم من الرّخاء، حتّى نقضي جميعاً إلى يومٍ ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون”.

لقد كان السِّجن خياره؛ ما كان ليقبل بحريّة ذليلة، حريّة تجعله يسكت على ظلم الظّالمين، عن قول كلمة الحقّ، عن نصرة المظلومين، عن الانحراف الّذي أريد له أن يمنحه الشّرعيّة ويصبح أمراً واقعاً.

لذلك، لم يتأفّف، ولم يتضجّر، بل رآه سبباً لسروره وسعادته، وهو حمد الله على ذلك، وقال: “اللّهمّ إنَّك تعلم أنّي كنت أسألك أن تفرّغني لعبادتك، اللّهمّ وقد فعلت، فلك الحمد”. وكان قوله في ذلك قول النبيّ يوسف (ع): {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}.

وهذا ما جعل هارون الرّشيد ييأس من قدرته على تغيير مواقف الإمام، أو يتنازل عن مواقفه تجاهه، فقرّر حينها أن يدسّ له السّمّ وهو في سجنه.

مواجهة الفاسد والظّالم

أيّها الأحبّة: هذا هو الإمام الكاظم (ع)، هذه هي مواقفه التي يجب أن نستحضرها دائماً في مواجهة ما نعانيه من الظّلم والفساد والانحراف، فلا نقبل به، بأن تكون لنا، كما كانت له، قوّة الموقف وجرأته في وجه كلّ ظالم وفاسد، فلا نخاف في الله لومة لائم، ونصبر عندما تؤدّي بنا المواقف إلى أن نعاني ونتألّم، ونرى ذلك سعادةً لنا، لأنّنا نبلغ بها الموقع الكبير عند الله وفي الحياة.

وبذلك فقط نستحقّ أن نكون من أتباعه وشيعته والموالين له.

الخطبة السياسية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بالأخذ بالصفة التي اتّصف بها الإمام الكاظم (ع)، وهي كظم الغيظ، وعدم التصرّف بوحي الغضب والانفعال مهما اشتدّ، والتي عبَّر عنها حين أبلغه بعض اصحابه أنّ رجلاً في المدينة يسيء إليه (ع)، وطلبوا منه الإذن لقتله، لكنّ الإمام (ع) رفض ذلك، ودعاهم إلى الذهاب معه إلى مزرعته.

طبعاً، اعتقد أصحاب الإمام أنّه استجاب لرغبتهم، لذا جهَّزوا أنفسهم للقتال، ولما وصلوا إلى مزرعة الرّجل، دخل الإمام إليه، ووقف أمامه قائلاً: لقد بلغني أنّك قلت فيَّ ما قلت، فإن كان ما قلته ليس فيَّ، فإنّي أدعو الله أن يغفر لك، ثم دخل الإمام معه في حوارٍ حول كلِّ الأخبار الّتي كان يسمعها عن الإمام (ع) وأهل بيته (ع)، فلم يخرج الإمام من عنده إلّا وهذا الرّجل يقول: “الله أعلم حيث يجعل رسالته”. وبعدما خرج الإمام من مزرعة الرّجل، التفت إلى أصحابه قائلاً لهم: “أيّما كان خيراً: ما أردتم أو ما أردت؟”.

أيّها الأحبَّة، لقد كان الإمام في هذه القصَّة قادراً على أن يأمر أصحابه بقتل من أساء إليه وإلى أهل البيت (ع)، ولكنَّه كان يرى أنَّ هذا الأسلوب ليس أسلوب الرّساليّين، بل هو أسلوب الانفعاليّين، فأسلوب الرّساليّين هو أن لا يقتل الآخر، بل يقتل منه انحرافه وحقده والسّوء الّذي في قلبه.

إنّنا بحاجة إلى أن نعمّق هذه الرّوح في واقعنا، حتّى نستطيع بذلك أن نحوّل اعداءنا إلى أصدقاء، ومن يشتموننا إلى دعاة كما نؤمن، وبذلك نئد الفتن، ونكون أكثر قدرةً على مواجهة التحدّيات.

لبنان يعيش الكارثة

والبداية من لبنان الّذي جاء ارتفاع سعر الدّولار الأمريكي فيه إلى حدّ غير مسبوق، ليفاقم من معاناة اللّبنانيّين، ويترك آثاره الكارثيّة على الصعيد المعيشي والحياتيّ، لما له من انعكاسٍ مباشرٍ على أسعار السِّلع والموادّ الغذائيّة، وعلى الدّواء والاستشفاء.

لذا، كان من الطبيعيّ أن نشهد ما شهدناه في الأيّام الماضية، وسنشهده في الأيّام القادمة، من نزول الناس إلى الشّوارع للتّعبير عن احتجاجهم على هذا التردّي الذي وصلوا إليه، وعدم قدرتهم على تحمّله، رغم وعيهم التامّ لتبعات هذا النزول على الصعيد الصحي، في ظلّ تفاقم أزمة كورونا، أو على صعيد أمنهم، والفوضى التي قد يتسبّب بها، لكن لم يبق لهم سوى هذا الخيار في مواجهة طبقة سياسيّة كان لسياستها الاقتصادية والمالية والنقدية، ولفسادها واستهتارها بمصالح المواطنين، الدور الكبير في إيصالهم إلى هذا الانحدار والتردّي.

لقد كنّا نأمل مع كلّ اللّبنانيّين أن يكون ما جرى دافعاً للطّبقة السياسيّة أن تعيد النّظر في حساباتها، وأن تتداعى فيما بينها للخروج من حالة المراوحة التي يعانيها البلد، والإسراع في تأليف حكومة قادرة على إيقاف النّزف الّذي لن يعالج، بعد أن أصبح واضحاً أن لا مساعدات تأتي من الخارج إلّا بتأليف حكومة إصلاحات.

ونحن في الوقت الّذي نتحفظ عن أسلوب قطع الطّرقات، رغم تحسّسنا لآلام الناس وأوجاعهم، ولكنّنا نستغرب عدم اكتراث هذه الطبقة السياسيّة، واكتفائها بالتفرج على مشهد تقطّع أوصال البلد بالدواليب المشتعلة، وبالدخان الأسود، من دون أن يحركها كلّ ما يجري في الشّارع، فهي تراهن على أنّه لن يكون سوى فورة غضب سرعان ما تتداعى، أو بالإمكان تطويقها وبعثرتها وإدخالها في النّفق الطائفيّ والمذهبيّ أو الأمنيّ، أو بخلق صراعات داخلها، وأنّ اللّبنانيّين سيتعاملون مجدَّداً مع الأمر الواقع الجديد ويعتادون عليه، ليعود كلٌّ إلى الالتزام بموقعه الطّائفيّ أو السياسيّ ويسلِّم له، ليبقى بعدها كلٌّ على مواقفه، لا يريد أن يتقدّم خطوةً باتجاه الآخر، وكلٌّ يضع اللّوم على الآخر في التّعطيل.

إنّنا نقول لكلّ من هم في مواقع المسؤوليّة، إنّ رهانكم على هذا هو رهان خاسر، فهذا الشّعب أصبح أكثر وعياً، ولن تنطلي عليه هذه اللّعبة، ولن يقبل باستمرار إذلاله لتأمين قوت يومه ودوائه وحليب أطفاله، أو وقوفه على أبواب المستشفيات يستجدي الاستشفاء.. إنكم قادرون على إخراجه من أزماته كلّها إذا تخلّيتم مرّة واحدة عن حساباتكم الخاصّة ومصالحكم الفئويّة ورهاناتكم الخارجيّة، وعاد كلّ منكم إلى إنسانيّته، إلى القيم التي تنتمون إليها، ليتحسّس آلام النّاس من حوله، وفكّرتم كما كان فكّر عليّ (ع) عندما قال: “ولو شئت لاهتديت الطّريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القزّ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة، ولعلَّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشّبع، أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى، وأكباد حرّى!”.

ولا تكونوا كتلك الّتي قيل لها إنّ الشعب قد جاع، لا يجد خبزاً يأكله، فقالت لهم: فليأكلوا البسكويت.

ونبقى على الصّعيد الدّاخلي، وفي ظلّ استمرار السجالات حول العديد من القضايا التي طرحت أخيراً، فإنّنا ندعو مجدَّداً إلى ضرورة الخروج من كلّ السّجالات التي لا تؤدّي إلا إلى مزيد من انقسام اللّبنانيّين، وتوسّع الهوة فيما بينهم، ورفع منسوب الاحتقان لديهم، والعودة إلى لغة الحوار الموضوعيّ الهادئ الّذي يبقى وحده السّبيل لمعالجة الهواجس وحلّ المشكلات التي يعانيها البلد، ويكتوي منها الجميع.

عادة الثّأر.. متى تنتهي؟!

ونتوقّف عند عادة الثّأر المستشرية التي أدّت وتؤدّي إلى إزهاق نفوس بريئة، وأربكت وتربك أمن حياة عائلات وعشائر واستقرارها، لمجرّد أنّ أحداً من أفرادها ارتكب جرماً، أو هو في موقع الاتهام بذلك.. لندعو المواقع الدينيّة والاجتماعيّة والسياسيّة وكلّ سعاة الخير، للعمل على منع استمرار هذه العادة، وإيقاف نزيف الدّم البريء، والعودة إلى لغة القانون والشرّع.. ونذكّر هنا بما قاله أمير المؤمنين (ع) لبني عبد المطّلب عندما ضربه ابن ملجم: “لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً، تقولون: قتل أمير المؤمنين، ألا لا تقتلنّ بي إلّا قاتلي، انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه، فاضربوه ضربة بضربة، ولا يُمثَّل بالرّجل، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور”.

يوم المرأة.. وعيد المعلّم

وأخيراً، تمرّ علينا في هذه الأيّام عدة مناسبات، أوّلها يوم المرأة العالمي، حيث نستعيد هذه المناسبة لنتوجَّه بالتَّقدير إلى كلّ امرأة امتلكت الوعي، وخرجت لتشارك الرّجل في بناء الحياة في الميادين الثقافيّة والتربويّة والاجتماعيّة والسّياسيّة، ولم تنسَ دورها الأساس في بناء جيلٍ واعٍ.. وندعو في هذه المناسبة إلى تعزيز دورها وحمايتها، من خلال تمكينها من كلّ القدرات الّتي تساعدها على أداء هذا الدّور، وعدم جعلها أسيرة الاهتمام بشكلها وجمالها.

ونؤكِّد ضرورة إعادة النّظر بكلّ القوانين المجحفة بحقِّ المرأة، وعدم اعتماد سياسة التَّمييز الّتي جاء الإسلام ليلغيها.

كما نتوقّف عند مناسبة عيد المعلّم، لنهنِّئ المعلّمين والمعلّمات في عيدهم، ولنعبّر عن التّقدير والشّكر لدورهم في تنمية العقول، وتربية الأجيال والنّهوض بها، ولا سيما في هذه المرحلة في ظلّ وباء كورونا، حيث يصرّون على أداء رسالتهم رغم أعبائها عليهم وعلى من حولهم.

إنّنا نغتنم هذه المناسبة، لنجدِّد الدّعوة إلى تكريمهم وإعزازهم، لأنَّ من حقّهم على أمّتهم أن تكرّمهم، فلا بقاء لأمَّة ولا نهوض لها إن لم تنهض بمعلّميها.

ذكرى مجزرة بئر العبد

ونتوقّف أخيراً عند مجزرة بئر العبد الأليمة، التي تعيدنا إلى ذلك اليوم الذي أزهقت فيه أرواح بريئة، وسقط العشرات من الجرحى، ووقع الكثير من الدمار، حين كان الهدف منها إسكات صوت السيّد فضل الله، الموجِّه والمربِّي والملهم والباعث على الحياة في العقول والنفوس، ومواجهته للاحتلال والظلم الداخلي والخارجي، بحيث أزعج السياسة الأميركيَّة يومها وأرعبها، فقرَّروا إسكاته، لكنهم فشلوا حينها، ليستمرّ السيّد في جهاده إلى أن اختاره الله إلى جواره.

إنّنا نستعيد هذه المناسبة، لنؤكِّد الالتزام بهذا النّهج الواعي والمنفتح والجريء في قول الحقّ والعمل به، مهما كانت التحدّيات والصّعوبات وغلت الأثمان.