الوصيّة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

{ووَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}.

 

 

للوصية في القرآن الكريم والأحاديث مفهوم واسع بحيث يشمل قضايا الإيمان والشرع والتوحيد والسلوك والعمل.

والوصية في اللغة قد تكون بمعنى العهد والميثاق، أو الفرض والالتزام، وقد تتضمن معنى الوصل كأن نقول: تواصى القوم أي أوصى بعضهم إلى بعض «وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ» (العصر/3).  وأرض واصية أي تتصل بأرض أخرى، لذلك سمّيت وصية الإرث وصية لاتصالها بأمر الميت. ووصى الأب ابنه لاتصاله به وهكذا.

 

وميزة الوصية أنها تكون دائماً مصدر خير، ويكون هدفها الخير والمنفعة، والعمل الصالح المثمر، حين يكون مصدرها الله تعالى أو أحد الأنبياء، أما حين يتواصى الطاغوت والظالمون، فوصيتهم تصب دائماً في مصلحة طغيانهم وظلمهم، لذلك يقول القرآن في معرض الاستنكار: «كَذَلِكَ مَآ أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُول إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ» (الذاريات/35)

 

 هذا وقد وردت كلمة وصية ومشتقاتها في عدد من الآيات، ويمكن حصرها تحت ثلاثة عناوين عريضة:

 أولها وصايا الأنبياء إلى الناس لتوحيد الله تعالى، وإقامة الدين وتكريس عبودية الإنسان لله وحده.  ثم الوصايا التي تؤسس لصناعة التقوى والشخصية المؤمنة. وأخيراً وصايا الإرث.

 

  فمن وصايا إقامة الدين وتوحيد الله ما جاء في سورة الشورى: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ » (الشورى /13)

وهذه العبودية المطلقة، والتسليم المطلق لله الواحد ستكون وصية إبراهيم لمن يأتي من ذريته، كما يخبرنا القرآن الكريم: «وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»

 

 و الوصية لا تحمل أي معنى يمكن أن يؤوّل أو يُبدّل. وبالتالي تخرج الوصايا المدرجة تحت هذا العنوان عن كونها اقتراح شيء، أو تحبيذه أو الدعاية له، أو ترويجه على وجه الاختيار أو الاستحباب: «يَا بَنِيَّ لَا تَمُوتُنَّ…» لم يقل لا تموتوا، بل أردف الأمر بالتوكيد: «يَا بَنِيَّ لَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ».

 

إن وصية إبراهيم(ع) دعوة فيها أمر بالتمسّك بوحدانية الله، وهذه الوصية كانت هي الأساس لبرامج دعوات جميع الأنبياء والرسل.وستظل هي الاساس إلى قيام الساعة .

 

 أما وصايا الله لنا للانتقال بإيماننا إلى مرحلة الورع والتقوى فإن سورة الأنعام تقدم نموذجاً، إذ توصينا بتحريم 10 عناوين من الأعمال، تبدأ بالوصية الأساسية وهي تحريم أي شرك بالله،  وتتابع الوصايا لتعدد  أوامر أو نواهي أو محرّمات، يحول تجنّبها دون وقوع الإنسان في شراك الهوى والفساد والظلم والأنانية والغدر والخيانة والتفرقة والاختلاف والتنازع.. فالهدف بناء شخصية مؤمنة متوازنة، وامتلاك التقوى كحصن.  واذا امتلكت القدرة على تجنب هذه المحرمات العشر، يعني أنك بدأت طريق الهداية، ويوصينا الله:  «وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (الانعام/153).

 

إن الوصايا التي يضعها القرآن بين أيدينا ليست مجرد مواعظ أو حكم. إنها مشاعل هداية لسلوك الصراط المستقيم: «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» وهذه الوصية هي برنامج عمل حياتي في كيفية وضع إيماننا موضع الفعل والعمل.

 

أما وصية الإرث فهي ليست مجرد عمل تنظيمي أو قانوني على أهميته، فحتى في  هذه الوصية لا يمكن أن نعطي الإيمان إجازة. إن الوصايا الخاصة بالإرث لها دورها وأهميتها بالنسبة لحياة الناس والمجتمع، خصوصاً على صعيد توزيع الثروة، وإشاعة العدل والوفاق داخل الأسرة والعائلة، وهي في حدّ ذاتها ، وفي أساليب تنفيذها، ومدى مطابقة مضمونها للشرع تظل امتحاناً لتقوى المورث والوارث، فما في الدنيا يظل في الدنيا، أما دار الآخرة فلها حساباتها وموازينها.

 

ولا بد في مجال الحديث عن الوصية من إبداء عدة ملاحظات على أسلوب التعامل مع الوصية خاصة اننا في موسم الحج،  فالناس  اعتادت ان تربط ومن الطبيعي أن تربط  بين الوصية والحج،  كون الحج مرحلة جديدة يبدأها الإنسان مع ربه، فينظف أولاً سجل عدله من كل ألوان العصيان والتقصير تجاه ربه، ثم يذهب إليه وليس عليه أي تبعة.

 

 جيد هذا الامر وهو يُجدي نفعاً ، ولكن فلننتبه فرحلة الحج ليس شرطاً لإنجاز الإنسان وصيته،  فلا بد لكل مسلم أن تكون وصيته جاهزة في كل زمان، وهذا ما يشير إليه رسول الله(ص): "الوصية حقّ على كلّ مسلم… ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيَّته تحت رأسه".

 

والملاحظة الاخرى حول موضوع وصية الارث هي أنه لا بدّ  للموصي أن يضمن وفاءها وتنفيذها أيضاً، ولا يعتقدن أحداً أنه برّأ ذمته بكتابة وصيته ليقول إني وضعتها في ذمة من أوصاهم.. بل لا بد أن يتأكد الموصي من أن وصيته ستؤدى وبالصورة الصحيحة.. ومن هنا ندعو أن لا تتدخل الاعتبارات العائلية أو العاطفية في تحديد الوصي ، بل أن تكون الأمانة والكفاءة هي المعيار.. المهم أن يتأكد الموصي أن وصيته سيبادر إلى تنفيذها ولن تدخل في المناقصات كما يحصل غالباً، بل ستؤدى مهما كانت الكلفة.. وتبرأ ذمة الموصي وهو بين يدي ربه ينتظر الأعمال التي تؤدى عنه.

وهنا نقول للموصين أن يراعوا أنفسهم ويتذكروا موقفهم بين يدي ربهم عند كتابة الوصية، فيحدد الموصي ما عليه من الواجبات لا سيما المالية من دون نقصان ولا استخفاف ، سيما أن بعض الناس قد ينساقون وراء عاطفة أو يرضخون للوم اللائمين ولو على حساب واجباتهم المالية تجاه الله والناس.. ومرات للوم الاولاد الذين يستغلون العجز او الضعف لدى اهلهم لتكتب الوصايا لحسابهم

 

لهذا ايها الاحبة  فإن وصية الارث تحتاج الى قدر كبير من التقوى  لأن الخطأ أو سوء التقدير يسبب مشاكل في العائلة الواحدة وأنى للموصي أن يحل  المشكلة ويصحح خطأه بعد وهو قد غادر دار الدنيا  الى عالم الآخرة .. هيهات

 

الملاحظة الثالثة: علينا أن لا نخلط بين الوصية والإرث، فالإرث قد حدده الله سبحانه وتعالى لنا بنظام محدد قال تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}… فمن التقوى عدم الجور في وصية الارث فيفصّل الموصي وصيته على مقاس محبته لهذا الولد، أو ذلك، أو يحرم البعض لأنه حسب اعتقاده أن المال ماله. أو أن يحرم البنات أو أن يجحف بحق زوجته وأم أولاده  وهنا نستحضر ما يوصينا به إمامنا الصادق عن أبيه الباقر عليهما السلام قال: "من عدل في وصيِّته كان بمنزلة من تصدَّق بها في حياته، ومن جار في وصيته لقي الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة وهو عنه معرض"

 

وملاحظة اخيرة  تذكير  بما أشار إليه الحديث عن علي(ع): "يا ابن آدم كن وصي نفسك في مالك، واعمل فيه ما تؤثر أن يُعمل فيه من بعدك". ونقصد به الثلث، وليكن الحرص على أن نخصص هذه النسبة لنؤدي بها ما نقص من واجباتنا وحقوق الناس علينا وحاجاتنا الضرورية، والباقي نتركه صدقة جارية، لفقراء ومساكين من أرحامنا وأقاربنا ممن لم يصل إليه الإرث…. علما أنه وبحمد الله هناك الكثير من المؤسسات الانسانية التي بنيت من ثلث الميت الذي أوصى بها لاعمال الخير لينفع الناس حتى بعد مماته ..وهنيئا لكل من يدركه الموت وقد نظم تركته وفق ما أوصى به الله وأمر..

 

أيها الاحبة:

عن الإمام الصادق عليه السلام قال: " قال رسول الله (ص) : من لم يحسن وصيَّته عند الموت كان نقصاً في مروءته وعقله، قيل: يا رسول الله وكيف يوصي الميت ؟ قال: إذا حضرته وفاته واجتمع الناس إليه قال: " اللهُمَّ فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، اللهمَّ إنِّي أعهد إليك في دار الدنيا أنِّي أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأنَّ محمَّداً عبدك ورسولك، وأنَّ الجنة حق، والنار وأنَّ البعث حق، والحساب حق، والصراط حقٌ، والقدر والميزان حق، وأنَّ الدين كما وصفت، وأنَّ الإسلام كما شرعت، وأنَّ القول كما حدثت، وأنَّ القرآن كما أنزلت، وأنَّك أنت الله الحقُّ المبين، جزى الله محمَّداً عنَّا خير الجزاء وحيَّا الله محمداً وآلَ محمَّدٍ بالسَلام، اللهمَّ يا عدَّتي عند كربتي، ويا صاحبي عند شدَّتي، ويا وليَّ نعمتي، إلهي وإله آبائي لا تكلني إلى نفسي طرفة عينٍ، فإنَّك إن تكلني إلى نفسي أقرب من الشرِّ ، وأبعد من الخير، فآنس في القبر وحشتي، واجعل لي عهداً يوم ألقاك منشوراً، ثم يوصي بحاجته.

 

أعاننا الله وإياكم على أن نتواصى مع انفسنا  واهلينا ونكون خير من يوصي ويوصى اليه لنحقق بذلك الراحة عند الموت والمغفرة بعد الموت والعفو عند الحساب ورضاه الجنة.

والحمدلله رب العالمين

 

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، فهي وصية الله لعباده. ومن التقوى، الأخذ بهذه الموعظة، حيث يذكر أنَّ هشام بن عبد الملك، عندما كان في الحرم، قال: ائتوني برجل من الصحابة، فقيل له: كلّهم ماتوا، فقال: ائتوني بالتّابعين، فأُوتِيَ بطاووس اليماني، فلما دخل عليه ـ وكان من أصحاب الإمام زين العابدين(ع) ـ خلع نعليه بحاشية بساطه، ولم يسلِّم عليه بلقب أمير المؤمنين، وجلس إلى جانبه بغير إذنه، وقال له: كيف أنت يا هشام؟ من دون أية مجاملة. فغضب هشام غضباً شديداً، حتى همّ بقتله لولا أن قيل له: تقتله وأنت في حرم الله. ثم التفت إلى طاووس، وقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال له: وما صنعت؟ قال: خلعتَ نعلك بحاشية بساطي، ولم تسلِّم عليَّ بيا أمير المؤمنين، وجلست بجانبي بغير إذني، وقلت: يا هشام، كيف أنت؟ فقال له طاووس: أما خلع نعلي بحاشية بساطك، فإنّي أخلعهما بين يدي ربّ العزة كلّ يوم خمس مرات، ولا يعاتبني، وأما قولك لم تسلّم عليّ بيا أمير المؤمنين، فليس كل المؤمنين راضين بإمارتك، فخفت أن أكون كاذباً، وأما قولك جلست بجانبي، فإني سمعت أمير المؤمنين علياً(ع) يقول: "إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار، فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام".

 

أيّها الأحبّة، بهذه الرّوح ربّى الإسلام المؤمنين، فقد دعاهم إلى أن يكونوا أعزاء، ولم يردهم أن يكونوا أذلاء لمستكبر أو ظالم أو طاغية، مهما علا شأنه. بهذه الروح، استطاع المسلمون أن يكونوا أقوياء، وبها واجهوا التحديات، وبها سنواجهها نحن، وما أكثر هذه التحديات!

 

لُبنان

والبداية من لبنان، الذي لا تزال كل القضايا فيه في دائرة الانتظار؛ انتظار حل أزمة الكهرباء والماء، وعودة أسرى الجيش اللبناني إلى أهلهم، وحل قضية سلسلة الرتب والرواتب، وقضية المياومين، وغيرها من القضايا، وملء الشغور الذي يعانيه البلد في موقع رئاسة الجمهورية، ومعالجة تعطيل عمل المجلس النيابي، والوضع القلق عند حدود لبنان الشرقية، والتحركات المريبة في الداخل، ومواجهة أزمة وجود عدد كبير من النازحين السوريين، وتحصين لبنان من تداعيات ما يجري في محيطه والمنطقة…

كلّ هذا والطّبقة السياسيَّة الَّتي تقع على عاتقها مسؤوليَّة إيجاد الحلول، والخروج بالبلد من معاناته، على حالها من الانقسام والسجالات والنكايات والمبادرات الخجولة، وكأن البلد على خير ما يُرام! وكأن إنسانه في أفضل حال!

إنَّ البلد بحاجةٍ إلى شعبٍ يخرج عن صمته، بحيث يشعر المسؤولون فيه بأنَّ مواقعهم في خطر، إن لم يؤدّوا مسؤولياتهم، ونحن لا نحمّلهم فوق طاقاتهم، كما أنّه بحاجة إلى إعلان خطة طوارئ وطنية، للبدء بحل المشكلات ومعالجتها، فلا نضع اللوم على الخارج، فقد قلنا ونكرر أنّه ممتنّ لمن يعملون ويملأون الشغور، ويعالجون الأزمات، وهو حريص على استقرار هذا البلد، ليس حباً به، بل لكونه مشغولاً بأزمات أكبر منه..

 

إنَّ الحلّ في أيدي اللبنانيين، شعباً ومسؤولين، لكن المشكلة أننا أدمنّا انتظار الحلول من الآخرين والتمديد للأزمات، وها هو الحديث جارٍ عن التمديد للمجلس النيابي..

وننتقل إلى العراق، الذي لا يزال أسير التناقضات الداخليَّة والتدخلات الخارجيَّة، بحيث لم يكتمل عقد الحكومة فيه، ولم تسارع القوى السياسية إلى التوافق على أهم وزارتين يحتاجهما هذا البلد في هذه المرحلة الصعبة: وزارة الداخلية، ووزارة الدفاع.

إننا ندعو القيادات السياسية العراقية مجدداً إلى الارتفاع إلى مستوى آلام الإنسان العراقي، وخوفه، وحاجاته، ومتطلباته، والتحديات التي تواجهه، بدل الغرق في الانقسام السياسي والتجاذبات، وسعي كلّ فريق إلى أن يسجل النقاط على الفريق الآخر، أو أن يجعل الغنائم لحسابه، فالمرحلة تحتاج إلى رجال كبار يعون المسؤولية الكبيرة، فالعراق في قلب عاصفةٍ جديدة، وعليه أن يخرج منها سالماً متعافياً، غير مملوكٍ للآخرين في قراره السياسي والأمني والاقتصادي، أو مجددٍ عهد الاحتلال بطريقة أو بأخرى.

 

اليمن

وإلى اليمن، الَّذي ندعو الدولة وجميع المكونات فيه إلى التعامل بعقلانية مع الأزمة الداخلية، وخصوصاً المطالب الشعبية، بما يمنع انجرار البلاد إلى حرب أهلية، تؤدي إلى تفاقم الأزمة وتعقيدها، وتفتح اليمن على تدخلات، تتحيَّن بعض الدول الفرص من خلالها للإمساك بثروات المنطقة ومواقعها الاستراتيجية. 

 

أما سوريا، التي لا تزال تغرق في بحر من الدماء والدمار، يأكل أخضر هذا البلد ويابسه، فبدلاً من السعي إلى العودة إلى لغة الحوار التي تبقى الحل لمعاناة هذا البلد، يكثر الحديث عن تدريب لبعض قوى المعارضة، تحت عنوان مواجهة الإرهاب.

إننا لا نرى ذلك حلاً لهذه المشكلة، بل تمديداً للأزمة، وتفاقماً لتعقيداتها. إن الحل للإرهاب يكون بالعمل على كل المستويات، من أجل تحقيق توافق داخلي بين مكونات الشعب السوري، ليواجهوا جميعاً هذا الخطر، الذي بات يشكل الخطر الأساسي على سوريا والمنطقة، ولا يعالج إلا بالوحدة بين كل مكوّنات هذا الشعب.

 

وبالانتقال إلى الحديث عن تحالف دولي وإقليمي لمواجهة الإرهاب، فإننا نعيد التشديد على ما أشرنا إليه في الأسبوع الماضي، من وقوفنا في وجه هذا الإرهاب، الذي بات يشوه صورة الإسلام، ويسيء إلى نقائه.. ولكننا لا نريد أن يكون ذلك من خلال أيدٍ نخشى أن تتَّخذ من هذا الحشد معبراً لمشاريعها في السيطرة على المنطقة، أو مواجهة محاور تقف نداً لسياستها، أو أن تختزل الإرهاب في ذلك الذي يحمل عنواناً إسلامياً، لتقوي في المقابل إرهاباً صهيونياً أو أي موقع آخر للإرهاب.

 

وما يؤكد خشيتنا، هي تلك التَّصريحات الأخيرة التي تحدَّثت عن طول المدة التي تحتاجها مواجهة الإرهاب، فقد ذُكر أنَّها ستستمر عشر سنوات وأكثر، فضلاً عن استبعاد مواقع أخرى لها دورها في هذا المجال، ما يدلّ على أننا أمام أهداف أخرى، هي أبعد مما يُعلن عنه…

إننا نرى أن الأسلوب الأنسب لمواجهة هذا الإرهاب، هو باستراتيجية إسلامية وعربية موحدة، تعالج الأسباب التي أدت إلى نشوء هذه الظاهرة، وتمنع من امتدادها وتطورها، ولا تربك وحدة العالم العربي والإسلامي واستقراره، وصولاً إلى إرباك العالم كله…

ونعتقد أن الدول العربية والإسلامية تملك كل القدرات والإمكانات التي تؤهلها للقيام بذلك، بينما الدخول الغربي على الخط سيساهم في خلق أزمات إضافية، وقد يزيد من فرص الإرهاب وتقويته في وجدان بعض المسلمين، الذين سيرون فيه أنموذجهم في مواجهة تدخّل الغرب وسياساته.

 

وأخيراً، لقد استعدنا في الأيام الماضية ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا، التي ينبغي أن تبقى في الذاكرة وألا تنسى، إلى جانب كلّ المجازر التي قام بها العدوان الصهيوني طوال تاريخه وحاضره.. حتى نبقى واعين لخطر هذا العدو، الذي يبقى السبب في كل آلامنا ومعاناتنا في فلسطين، وفي العالم العربي والإسلامي.. وهنا، نسأل في ظلّ هذه المجزرة ومجازر غزة التي حدثت أخيراً: لماذا لا يعلن العالم قيام جبهة عالمية في مواجهة إرهاب هذا العدو، أو أن الحسابات مع إرهاب هنا، تختلف عن الحسابات مع إرهاب هناك..

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ :  24ذو القعدة 1435هـ  الموافق : 19ايلول 2014م

 

Leave A Reply