الولايةُ لعليٍّ (ع) مسارٌ عنوانُهُ العدلُ والحقُّ

السيد علي فضل الله

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الدينية

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً}[المائدة: 3]. صدق الله العظيم.

مرّت علينا في الثامن عشر من شهر ذي الحجَّة، ذكرى عزيزة علينا وعلى قلوب المحبّين والموالين لأهل البيت (ع)، وهي ذكرى يوم الغدير.

هذا اليوم الّذي وقف فيه رسول الله (ص) بين جموع المسلمين في مكان يسمَّى غدير خمّ، لينصِّب عليّاً خليفةً للمسلمين من بعده.

يومُ الغديرِ: مرحلةٌ مفصليّةٌ

ونحن في هذه الذّكرى العزيزة، سنتوقّف عند مجريات ما حدث، كونه شكَّل مرحلة مفصليّة في التاريخ الإسلامي.

كانت البداية في السنة العاشرة للهجرة، عندما أعلن رسول الله (ص) عن نيّته الذهاب إلى الحجّ، وهو لذلك دعا المسلمين، ومن شتّى أماكن تواجدهم، للالتحاق به، فاستجابوا له، فهي المرّة الوحيدة التي يحجّون فيها مع رسول الله (ص)، فالنبيّ لم يحجّ إلّا مرّة واحدة بعد أن بعثه الله نبيّاً.

انتهى رسول الله (ص) والمسلمون من الحجّ الّذي سمي بحجّة الوداع، كون رسول الله (ص) توفي بعد أقلّ من ثلاثة أشهر من هذا الحجّ. وفي أثناء العودة، وعند غدير خمّ، وقبل أن يصل ومن معه من المسلمين إلى مفترق الطّرق عند الجحفة، نزلت الآية على رسول الله (ص): {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.

وقد أظهرت هذه الآية بما لا مجال للشكّ، أنّ هناك أمراً كان قد بلّغه الله لنبيّه (ص) وعليه أن يبلّغه للناس، وهو من الخطورة بمكان، بحيث لو لم يفعل، فإنّ كلّ جهوده ستذهب سدى. فالأمر، إذاً، لم يكن عاديّاً، عندها أمر رسول الله (ص)، وبدون أيّ تأخير، بأن ينادَى بالنّاس كي يجتمعوا عنده، وأن لا يتخلَّف منهم أحداً.

استغرب المسلمون أن يدعوهم رسول الله (ص) إلى الاجتماع في تلك الصّحراء القاحلة، وفي ذاك الجوّ اللاهب، وفهموا من ذلك أنّ الأمر خطير، ولا بدّ من أن يبلغوا به الآن، وهو لا ينتظر.

بعدها، دعا رسول الله (ص) إلى أن يوضع له منبر، ووقف إلى جنبه عليّ (ع)، فقال: “أيّها النّاس، يوشَك أن أُدعى فأُجيب.. (وفي ذلك إشارة واضحة من رسول الله (ص) أنّ ما سيعلنه يتعلّق بخلافته) انظروا كيف تخلّفوني في الثّقلين”. فنادى مناد: وما الثّقلان يا رسول الله؟ قال (ص): “الثّقل الأكبر كتابُ الله… والآخر الأصغر عِترَتي، وإنَّ اللّطيفَ الخَبيرَ نَبّأَنِي أنّهُمَا لن يَفتِرقا حتّى يَرِدَا عَلَيّ الحَوض… فلا تُقَدِّمُوهُمَا فَتهلَكُوا، ولا تُقَصِّرُوا عَنهُمَا فَتَهلَكُوا”.

وبعدها، رفع رسول الله يد عليّ (ع)، قال: “ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟”، قالوا: بلى يا رسول الله، أنت وليّنا ووليّ كلّ مسلم ومسلمة.. قال: “فمن كنتُ مولاه، فهذا عليٌّ مولاهُ، اللَّهمّ وَالِ مَن وَالاَهُ، وَعَادِ مَن عَادَاهُ، وَأَحِبّ مَن أَحبّهُ، وَأبغضْ مَن أبغَضَهُ، وانصُرْ مَن نَصَرَه، واخْذُل مَن خَذَلَهُ، وَأَدِرِ الحَقّ مَعَهُ حَيثُ دَار، أَلا فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ”.

بعدها، نزلت الآية الكريمة على رسول الله (ص): {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً}، لتظهر أهميّة ما قام به من رسول الله (ص). فبتعيين عليّ (ع) خليفةً له، اكتمل الدّين وتمّت النّعمة، ولن يستطيع بعدها الكافرون أن يحقّقوا ما كانوا يخطّطون له من النّيل من هذا الدّين بعد وفاة رسول الله (ص).. فعليّ بما يملك من علمٍ ووعيٍ وحكمةٍ وشجاعةٍ، هو المؤهّل والقادر على قيادة السّفينة بعد رسول الله (ص) وإيصالها إلى شاطئ الأمان.

وجاءت الأيّام بعد ذلك لتثبت ذلك، عندما وأد الفتنة في مهدها الّتي كان يراد لها أن تعصف بين المسلمين، عندما ابتعد عن الخلافة وقال: “لأسالمنَّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن بها جورٌ إلّا علي خاصّة”، وكان طوال تلك الفترة مرجع الخلفاء، إليه يعودون عند أيّ معضلة، فيجدون لديه الجواب الشّافي والحلّ لمشاكلهم، حتى قال عمر كلمته المشهورة: “لولا عليّ لهلك عمر”.

وبعدما تسلَّم مقاليد الحكم وإدارة شؤون المسلمين، قدَّم عليّ (ع) نموذجاً فريداً في الحاكم العادل البعيد كلّ البعد عن أيّ حسابات ومصالح خاصّة.

نماذجُ من حُكمِ عليٍّ (ع)

ونحن اليوم سنغتنم هذه المناسبة لنقدّم بعضاً من نماذج حكمه، والتي تحدّد مدى قرب من يتولون الحكم من عليّ (ع) أو بعدهم عنه:

النموذج الأوّل: حيث ورد أنَّ رهطاً من شيعته وأنصاره جاؤوا إليه مشفقين على حكمه من معارضيه عندما تسلّم الخلافة، فقالوا له:

“يا أمير المؤمنين، لو أخرجت هذه الأموال، ففرَّقتها في هؤلاء الرّؤساء والأشراف، وفضَّلتهم علينا، حتى إذا استوسقت الأُمور، عدت إلى أفضل ما عوَّدك الله من القسم بالسويَّة، والعدل في الرعيّة؟”.

فقال يومها: “أَتَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْهِ؟ واللهِ لا أَطُورُ بِهِ مَا سَمَرَ سَمِيرٌ، ومَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً، لَوْ كَانَ الْمَالُ لِي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ، فَكَيْفَ وإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ الله؟!”

رفض عليّ (ع) يومها أن يثبت موقعه على حساب مصالح النّاس وأموالهم، مهما كانت التكاليف، وهو تحمّل في ذلك كلّ الذين وقفوا في وجهه من الناكثين والقاسطين والمارقين، وتحمّل ما تحمّل في ذلك.. لقد كان عليّ (ع) يعرف كيف يقرّب الناس إليه وأن يحقّق رضاهم، ولكنه ما كان ليفعل ذلك على حساب المبادئ ومصالح المسلمين.

النموذج الثاني: والذي جاء على لسان امرأة اسمها سودة بنت عمارة بن الأشتر الهمدانية، حين قالت: “قدمت على أمير المؤمنين (ع) في رجل كان قد ولّاه فجار علينا، فصادفته قائماً يصلّي، فلما رآني انفتل من صلاته، ثم أقبل عليَّ برحمة ورفق ورأفة وتعطّف، وقال: ألك حاجة؟ قلت: نعم، فأخبرته الخبر، فبكى، ثم قال: “اللّهمّ أنت الشّاهد عليَّ وعليهم، وإني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقّك”، ثم أخرج قطعة جلد، فكتب فيها للوالي: “{قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[الأعراف: 85].. فإذا قرأت كتابي هذا، فاحتفظ بما في يدك من عملك حتى يُقدم عليك من يقبضه، والسّلام”، ثم دفع إليّ الرّقعة، فجئت بالرّقعة إلى صاحبه، فانصرف عنّا معزولاً.

هذا هو عليّ (ع) في حساسيته المطلقة تجاه ظلم النّاس وعدم إعطائهم حقوقهم، فما كان عليّ (ع) ليقبل أن يظلم إنسان في حكمه أو أن يجار عليه، ولذلك بادر إلى عزل واليه ولم يقبل أيّ تسوية معه.

النموذج الثالث: هو عندما رآه ابن عمه ابن عباس وهو يخصف نعله، فاستغرب هذا الأمر وقال له: كيف تفعل ذلك وأنت أمير المؤمنين وإمام المسلمين؟ فأجابه الإمام عليّ (ع) قائلاً: أتدري يا بن عباس: “ما قيمة هذه النّعل؟”، فقال له: لا قيمة لها. فقال (ع): “والله لهي أحبّ إليّ من إمرتكم، إلّا أن أقيم حقّاً، أو أدفع باطلاً”. فالحكم عندي ليس هدفاً لي ولا غاية، بل هو وسيلة لإحقاق حقّ وإزهاق باطل، ولولا ذلك لا قيمة له.

وهذا ما عبَّر عنه في دعائه لله: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ، وَلَا الْتِمَاسَ شَيْ‏ءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ، وَلَكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ، وَنُظْهِرَ الْإِصْلَاحَ فِي بِلَادِكَ، فَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ”.

الولايةُ نهجٌ وسلوكٌ

أيُّها الأحبَّة: هذا هو عليّ (ع) في حكمه، فهو لم يقبل بأن يستغلّ موقعه لكسب مال أو نفوذ، أو أن يساوم على مصالح الناس ومقدّراتهم.. ومن هنا، فإنَّ الولاية لعليّ (ع) ليست شعاراً؛ هي نهج وسلوك ومسار عنوانه الحقّ والعدل وخير الإنسان والحياة… لذلك، لن يكتفي عليّ (ع) منا بحبّه، ولا أن نلهج باسمه، أو نكتفي بالانتماء إليه، بقدر ما يريد منَّا المواقف والأفعال، والتي عبَّر عنها عندما قال (ع): “ألا وإنَّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفَّة وسداد”. لذلك، لا موقع عند عليّ للفاسدين والظّالمين، ولمن يبيعون مواقفهم من أجل مال أو نفوذ، ولا لغير الورعين.

وفي هذه المناسبة، مناسبة تجديد الولاء لعليّ (ع)، نسأل الله أن يجعلنا من الصّادقين في عهدهم وميثاقهم في ولايتهم، سلوكاً وعملاً والتزاماً، إنّه أرحم الراحمين.

الخطبة السياسية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أمير المؤمنين (ع) شيعته والموالين له، عندما قال: “شيعتنا هم المتباذلون في ولايتنا، المتحابّون في مودّتنا، المتزاورون في إحياء أمرنا، الّذين إن غضبوا لم يظلموا، وإن رضوا لم يسرفوا، بركة على من جاوروا، سلم لمن خالطوا”.

أيُّها الأحبّة:

بهذه الصّفات فقط نستحقّ أن نكون من شيعة عليّ (ع) والموالين له، فالتشيع في منطق عليّ (ع) ليس انتماءً أو تعبيراً عن عاطفة نكنها لعليّ (ع) وأهل بيته، بقدر ما هو سلوك متميز وأخلاق عالية وأثر طيب نتركه في قلوب الآخرين وحياتهم، ومتى حصل ذلك، نكون أقوى وأكثر قدرةً على مواجهة التحدّيات.

بادرةُ أملٍ؟!

والبداية من لبنان، حيث تستمرّ معاناة اللّبنانيّين على الصعيد المعيشي والحياتي، ويستمرّ ارتفاع أسعار السّلع والمواد الغذائية، وأزمة الكهرباء وطوابير السيارات التي تنتظر دورها لتعبئة مادة البنزين، والنقص الكبير في مادة المازوتالضرورية لتسيير الأفران والمستشفيات والمولّدات الكهربائيّة، وعدم توفر الدواء ومتطلبات الاستشفاء، ما بات معه اللّبنانيون يتساءلون: أما آن لهذا اللّيل أن ينجلي؟!

وسط كلّ هذا الجوّ القاتم الذي يعيشه اللّبنانيون، تلوح في الأفق بارقة أمل بتكليف رئيس حكومة جديد، بعدما كانت الأجواء توحي بصعوبة حصول ذلك، بسبب الاحتقان الذي كان موجوداً بين القوى السياسيّة قبيل هذا التّكليف.

ونحن في هذا المجال، نرى أهمية هذه الخطوة، كونها باب الأمل لتأليف حكومة نراها ضروريّة لفرملة الانهيار ومنع وصول البلد إلى قعر الهاوية.

إننا نأمل أن تؤدّي الأجواء الإيجابيّة التي واكبت التكليف، سواء على المستوى الدوليّ، أو في العلاقة بين المعنيّين بالتكليف، إلى تجاوز كلّ ما أدّى إلى عرقلة تأليف الحكومة في السّابق، وتوفير الظروف للخروج بحكومة إنقاذ قادرة على القيام بالدّور المطلوب منها في هذه المرحلة.

إننا نعتقد أنه بالإمكان تجاوز كل العقبات التي اعترضت سابقاً تأليف الحكومة، إن صدقت النيّات، وخرج الجميع من حساباتهم الخاصّة ومصالحهم الفئويّة وأنانيّتهم، وفكّروا في مصلحة هذا البلد ومصلحة إنسانه.

إننا قلناها ونقولها الآن، إنّ المرحلة ليست مرحلة تحقيق مكاسب وبلوغ طموحات أو تغيير معادلات، بقدر ما هي مرحلة إنقاذ وطن. وندعو القوى السياسية التي باتت تفكر في إنتاج نفسها، واستعادة ما فقدته من جمهورها، أو تثبيت موقعها لديه، أن تعرف أنّ الإنقاذ لن يكون إلا عندما يضعون نصب أعينهم آلام النّاس ومعاناتهم ومصالحهم وما يكتوون بناره كلّ يوم.

إننا سننتظر مع كلّ اللّبنانيين خواتيم الأمور، أو ما الذي سيؤول إليه التأليف، ولكن حذار حذار من العودة إلى المراوحة القاتلة، بفعل الشروط والشروط المضادّة والكيدية، والغرق في لعبة المحاصصات والمصالح الخاصّة، فالبلد لا ينتظر تجارب فاشلة، والناس فيه لا يتحملون.

ذكرى انفجارِ آب

في هذا الوقت، ينتظر اللّبنانيّون في الرابع من آب، الذّكرى السنويّة للانفجار المروِّع الذي حصل في المرفأ، والتي يستعيدون فيها ما حصل في ذلك اليوم المشؤوم من دمار وهلع، والذي أدّى إلى إزهاق أرواح مئات الضّحايا، وإلى آلاف المصابين، ومنهم من لا يزال ينتظر مصيره أو يداوي جراحاته.

لقد كنّا ننتظر أن لا تمرّ سنة كاملة إلا ويعرف اللبنانيون، ومعهم أهالي الضحايا والمصابين، من الذين تسبّبوا بهذه الكارثة وما حدث لهم، لكن مع الأسف، لا تزال هذه القضية أسيرة العراقيل التي تمنع التحقيق فيها من أن يأخذ مجراه، ويخشى معها أن تودع في دائرة النسيان، أو أن توضع على عهدة مجهول.

إننا نجدد وقوفنا مع أهالي الضحايا والمصابين وكلّ اللّبنانيّين الخائفين من تكرار ما حدث، وندعو إلى فتح الأبواب الواسعة أمام التحقيق للوصول إلى حقيقة ما جرى.. وأن تزال كلّ العوائق التي لا تزال تقف حائلاً أمام الوصول إلى العدالة المطلوبة، وأن لا تضيع حقوق الناس ومطالبهم.

إننا نكرر ما قلناه سابقاً، من ضرورة أن تبقى هذه القضية قضية جامعة لكل اللبنانيين، وأن لا تضيع في متاهات التسييس والاستنسابية، أو أن تكون مادة تستخدم في الصراعات الجارية بين القوى السياسية للعبث بأمن هذا البلد واستقراره.

مواجهةُ الاحتكارِ.. والحرائقِ

وفي ظل الواقع الصعب الذي يعيشه اللبنانيون، نجدد دعوتنا بكل جدية للمعنيّين بلقمة عيش الناس وتأمين حاجاتهم، للوقوف أمام الاحتكار والتهريب وجشع التجار وأصحاب المولّدات، ومن يستغلون حاجة الناس لجني أرباح فاحشة.. وإن كنّا ننوّه بالجهود التي تبذل من الأجهزة الأمنية ومن وزارة الاقتصاد ومن بعض البلديات وما اتخذته من إجراءات، وندعو إلى تعزيز هذا الدور ومتابعته لتجاوز هذه المرحلة بأقلّ قدر من الخسائر.

ونبقى على صعيد الحرائق التي أصابت هذه المرّة الأحراج والغابات في منطقتي عكار وجرود الهرمل، وهدّدت المواطنين في أملاكهم وأرزاقهم وحياتهم، لقد كشفت هذه الحرائق، ولمرّة جديدة، عن مدى النقص الذي يعانيه هذا البلد على صعيد حماية أحراجه وغاباته، ومكافحة أيّ حرائق تتسبب بها حرارة الجوّ، أو بسبب العبث بالبيئة.

فرغم التحذيرات التي صدرت قبل أسبوعين من إمكانية حدوث هذه الحرائق، لم تقم الدولة بمسؤولياتها في الوقاية منها، أو استنفار الجهود لأجل مواجهتها.

إننا في الوقت الذي نقدّر جهود الدفاع المدني والمواطنين والتضحيات التي بذلت، نجدّد في هذا المجال دعوتنا للجهات المعنيّة في الدولة، إلى أخذ العبرة مما حصل، والتحرك للتّحقيق في الأسباب التي أدّت إلى ما حصل، ومعاقبة المسؤولين عن التقصير في اتخاذ الإجراءات للوقاية أو في معالجة ما جرى، وبذل أقصى الجهود من أجل المحافظة على ما تبقّى من البيئة التي هي الرأسمال المتبقّي في هذا البلد.

عيدُ الجيش

وأخيراً، نهنّئ الجيش اللّبنانيّ في أول آب بعيده، هذا الجيش الذي شكّل ولا يزال ضمانة لاستقرار البلد في مواجهة من يهدّدون أمنه في الداخل أو الخارج.

ونحن في هذه المناسبة، نجدّد دعوتنا إلى ضرورة العمل لتعزيز الجيش وتقويته، وتأمين المقوِّمات التي تجعله قادراً على أداء دوره، وحمايته من آثار الأزمة الصَّعبة التي يمرّ بها هذا البلد على الصعيد الاقتصادي والمعيشي، وهو ما حذَّر منه قائده عندما قال: إنَّ جيش لبنان على وشك الانهيار.

إننا نرى ذلك من الأولويّات، فلا يمكن أن يبنى بلد أو يقوى وجيشه يعاني.