بالدّين تستقيم الحياة ويتحرَّر العقل والنَّفس

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

الخطبة الأولى

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}(الرّوم/30).

أسئلة تؤرق الإنسان

منذ وجد الإنسان على الأرض، وهو أسير أسئلة تُؤرقه وتحيّره عن سرّ هذا الوجود والهدف منه والطّريق الموصل إلى هذا الهدف. والإجابات كانت تأتيه من الرّسول الدّاخليّ، العقل، الّذي زوّده الله به، ومن فطرته، ولكنَّها كانت غير كافية، فهو كان دائماً بحاجةٍ إلى رسول خارجيّ يعينه ويذكره ويضبط مساره ويثبّته… وأمام كلّ مفترق وقف فيه حائراً عند المواجهة بين العدل والظّلم، وبين الخير والشّرّ، وبين العقل والشّهوات، والغرائز والعصبيّات، كانت البوصلة هي الدّين.

إنَّ الإنسان، أيّها الأحبَّة، خلال وجوده في هذه الحياة، قد يخرج عن السكّة الطّبيعيّة الّتي رسمها الله له، ليكون بذلك مشكلةً لنفسه وللآخرين من حوله. وكما عبّر عنه القرآن ووصفه في أكثر من صورة سلبيّة: ظَلُومٌ كَفَّارٌ.. ظلوماً جهولاً.. عَجُولاً يَئُوساً.. قَتُورًا.. أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً.. خَصِيمٌ مُّبِينٌ.. هَلُوعاً… إلخ.

وبذلك نفسّر هذا الانحدار والموت البطيء الّذي وصل إليه واقعنا على مستوى الجريمة والقتل واستباحة الدّم والمال، ومدى السّقوط الحاصل في القيم والأخلاق، والتفلّت في السّلوك والشّكل والمظهر، وفقدان الضَّوابط والحدود في العلاقات الاجتماعيَّة والإنسانيَّة، وعدم مراعاة العدالة بين النّاس والدّول، وبين الأمم…

دور الدّين

أيّها الأحبَّة: قال الله في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ…}(الأنفال/24).

وسنتوقَّف مليّاً عند هذه الآية الّتي تشكّل المفتاح والإجابة، وتحديداً عند عبارة "لما يحييكم". وقد يتساءل هنا المرء: هل من دعاهم الله هم أموات؟ كيف، وعلى أيّ مستوى، مع أنّهم في الواقع أحياء، يتنفّسون ويأكلون ويشربون؟ إنّ الله في هذه الآية يجزم لنا بأنّ دور الدّين هو بعث الحياة. كما أنّ الآية تحمل في الوقت نفسه دعوةً فيها لغة التّرغيب والتّحبيب والإقناع، لأنّ الله يريد أن يستنهض عباده، وأن يكون القرار قرارهم عن وعيٍ بأهميّة الدّين، واقتناعاً بدوره.

كان يمكن لله، وهو ربّ العزّة، أن يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} فقط، ولكنّه أضاف الهدف: {إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}، وهذا درس لنا بأن يكون خطابنا فيه نوع من الإقناع. «الدّين هو الحياة»، هذا هو الخطّ العريض، وإذا آمنّا بذلك، سحبنا هذا على أنّ الدّين هو وسيلة لإحياء العقل وإحياء الوجدان وكلّ كيان المرء…

فعلى مستوى العقل، فإنَّ الأدلَّة لا تعدّ ولا تحصى عن دعوة الدّين إلى التّفكير والتفكّر، وكثيراً ما يندّد الله بالّذين لا يستخدمون عقولهم، فيقول لهم: أفلا تتفكّرون.. أفلا تعقلون.. لعلّهم يتفكّرون.. لعلّكم تعقلون.. لهم قلوب لا يفقهون بها.. أم على قلوب أقفالها… والآيات كثيرة.

أمّا الأحاديث، فهي أيضاً كثيرة، وأبرزها: «تفكّر ساعة خير من عبادة سنة». وورد في الحديث القدسيّ عن تمجيد العقل: «إنّ الله لما خلق العقل قال له… ما خلقت خلقاً أحبّ إليّ منك، إيّاك آمر وإيّاك أنهى، وبك أثيب وبك أُعاقَب».

لهذا، فإنّ أيّ حديث عن أنّ الدّين يُغلق باب العقل، مردود وظالم، ومطلقوه أكانوا ملحدين، أو في بعض الأحيان من المتديّنين، لم يدرسوا القرآن جيّداً.. وأمّا الحديث عن مساحة الغيب، فلا ينفصل عن العقل، بل إنّ العقل بالاستدلال والمنطق يقنعنا به.

ولم يكتف الله بدعوة الإنسان إلى التفكّر، بل دعاه إلى تلاقح الأفكار، عبر تكريس منطق الحوار، فمع الدّين، لا حدود لمساحة التَّفكير، ولا جمود على ما كان عليه الآباء والأجداد، ولا تعصّب أو انغلاق أو قوالب جاهزة.

الدّين دعوة للحبّ

وكما العقل يُحييه الدّين، كذلك يفعل الوجدان، فإنّه يحيا بالدّين ويرتوي ويتغذّى به، وليس كما يصوّر البعض جهلاً وتعصّباً وضيق أفق وتجنّياً، بأنّ الدّين يخدّر الإنسان، فالدّين حياة للقلب ولمشاعر الإنسان، فهو دعوة للحبّ كلّ الحبّ، وقد جاء في تعريف الدّين: "وهل الدّين إلا الحبّ"، ويتميّز هذا الحبّ بأنّ الله مصدره ومبعثه، فهو حبّ لله وفي الله.

والحبّ عام وشامل لكلّ النّاس، هو الإحساس بآلامهم، آلام الفقراء والمساكين والأيتام والمظلومين والمضطهدين… حتّى أولئك الّذين تختلف معهم، عليك أن تحبّهم حتى تحاورهم. ومع الدّين لا موت للضَّمير، بل هو قائم على إيقاظه وتعزيزه بالإحساس بالرّقابة الدّائمة لله، والإيمان بالحساب بين يديه.

ثم على صعيد بناء الشخصيّة الإنسانيّة أو كيان الفرد، فإنّ الدّين لطالما أمّن التّوازن بين متطلّبات الجسد وحاجات الرّوح.

مع الدّين تتوازن الشخصيّة، فلا يطغى جانب على جانب، ومع الدّين يشرق الأمل، فإنّ مع العسر يسراً.. ومعه لا يأس، ولا انسداد أفق، ولا إحباط ولا قلق ولا خوف من المستقبل… الدّين يشعرك دائماً بأنّك في مملكة الله، وفي ظلّ رحمته، وأنّ يد الله الحانية حاضرة أن تمتدّ إليك في كلّ وقت وزمان، يكفي أن تقول له: «يا ربّ» حتّى تجده حاضراً يجيبك ويلبّيك ويفتح لك الأبواب المغلقة.

 الدّين يحرّر الإنسان، يُخرجه من العبوديّة لذاته، فلا يخضع لرغباته وشهواته، ولا للآخرين، من بشر وحجر، ولا لأيّة قوّة في الكون، فالعبوديّة هي لله، ولله وحده.

ولكن وبشكل موازٍ و متساوٍ، فإنّ الدّين لا يقبل من الإنسان أن يكون جاهلاً ولا كسولاً خاملاً، ولا ضعيفاً ولا هامشيّاً: "فالمؤمن القويّ خير من المؤمن الضَّعيف"، والدّين لا يقبل أن يكون ذليلاً: "إنّ الله فوّض إلى المؤمن أموره كلّها ولم يفوّض إليه أن يكون ذليلاً".

وإذا كان واقعنا يُعاني مظاهر تخلّف وركود وضعف، فالأمر لا يعود إلى الدّين، بل لأنّنا ابتعدنا عنه وأسقطنا عليه بعضاً أو كثيراً من تخلّفنا وجهلنا، وأثقلناه بما ليس منه، ورحنا نتحدّث باسمه.

خريطة طريق للحياة

أيّها الأحبّة: لا يزال الدّين وسيبقى خريطة طريق لصناعة حياتنا، ولإنتاج مجتمع الإنسانيّة والعدل وعدم التّمييز، ومجتمع الأخلاق ومجتمع الإنسان.

وقد يقول البعض إنَّ الإنسان قد يستهدي إلى فعل كلّ هذا من دون أن ينتسب إلى دين، فقد يكون الإنسان صادقاً أو أميناً من تلقاء نفسه ومن تربيته، ونقول: هذا صحيح، ولكنّ الفرق كبير بين أن تقوم بما ينفع الحياة بشكلٍ مزاجيّ أو طارئ وتابع لظروفك، وبين أن يكون ذلك نظاماً يقف خلفك، ويشكّل خلفيّة واسعة وشبكة حماية ترى بعين الفرد، وبعين الصّالح العام للمجتمع، وأكثر من هذا، ترى بعين الصّالح العام للحياة الإنسانيّة بكلّ قيمتها…

أيّها الأحبّة: نحن بحاجة إلى استعادة الدّين، كي نزيل الخوف من أن يتحوّل فائض القوّة الّذي يمتلكه الإنسان في هذا العصر إلى خطرٍ على وجوده واستقراره وأمنه، وعلى الآخرين بشراً أو حيوانات.

نحن بحاجةٍ إلى الدّين لأنَّه ضمانة استمرار الأخلاق والقيم، فهو لم يكتف بالدَّعوة إليها والحديث عنها، بل مهّد الطّريق وهيّأ السّبل للوصول إليها، عندما دعا إلى العبادات وجعلها صمّام أمان لبلوغها.

نحن بحاجة إلى الدّين، فبالدّين تطهّر قلوبنا، وتصفو نيّاتنا، ونخلص العمل، وتصبح الحياة أكثر إنسانيّةً ورحمةً ورأفةً وحبّاً…

نحن بحاجةٍ إلى الدّين كي لا نعاني من أنفسنا ولا يعاني الآخرون منّا…

فمع الدّين، لن نغشّ ولن نظلم، ولن نستسلم لظلم ولن نسكت على ظالم…

مع الدّين، لن نخالف إشارة سير حتّى لو كان الشّرطيّ غائباً، وسنقوم بواجبنا حتّى لو لم يكن من حولنا من يُراقبنا…

مع الدّين، لن تكون بيوتنا نظيفةً فيما شوارعنا مملوءة نفايات، مع الدّين، لن تُسلب نملة حبّة شعير، ولن يكون هناك ظلم ولو أعطي الإنسان الأقاليم السّبعة بما تحت أفلاكها.

مع الدّين، لن يكون الإنسان أنانيّاً يحبّ نفسه فقط، بل سيحبّ للآخرين ما يحبّ لنفسه.

مع الدّين، لن يكون الإنسان صادقاً لأنّه لا يستطيع الكذب، أو أميناً لأنّه لا يستطيع الخيانة، بل سيكون صادقاً حتّى لو كان في الصّدق ضرر، وأميناً حتى لو كان في الأمانة خسارة.

هذا هو الدّين بكلّ صفائه، ولكن، يبقى أن نبحث عن المتديّنين حقّاً بهذا الدّين، وخصوصاً في واقعنا الحاليّ؛ عن المتديّنين المؤمنين الّذين يعيشون الدّين مضموناً وقيمةً، لا عنواناً ومظهراً،  والّذين يقدّمون الدّين كصورة مشرقة، ويعيشونه التزاماً ووعياً، لا عشائريّة أو مادّة لفتن طائفيّة هنا ومذهبيّة هناك، تتلبّس الدّين شعارات لتلغي الآخر، الّذين يعيشون الدّين رحابةً، فلا يجمّدونه في آفاقهم الضيّقة، بل يفتحونه على الأفق الكبير في حاضرهم ومستقبل أمرهم، الّذين يعيشون الدّين أخلاقاً وسلوكاً، قبل أن يعيشوه طقوساً وممارسات..

تعالوا، أيّها الأحبّة، نعيش الدّين حياة، صفاءً وطهراً، ونعيش الدّين مسؤوليّة، تعالوا نتوحّد حوله، تجمعنا روابطه الكثيرة تحت عنوان الاعتصام بحبل الله.. تعالوا ننهل الأمان والاطمئنان من ينابيع الدّين، ينابيع المحبّة والرّحمة، وليكن دعاؤنا: "اللّهمّ ثبّتنا على دينك ما أحييتنا، ولا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة".

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، التّقوى الّتي أشار إليها لقمان الحكيم في وصيّته لولده، عندما قال له: "يا بنيّ، احفظ أربعاً ومرّ معي إلى الجنَّة: الأولى: أن يكون حرصك على الدّنيا بقدر مقامك فيها. الثّانية: أن يكون عملك للآخرة بقدر لبثك فيها. الثّالثة: أن تكون خدمتك لمولاك بقدر حاجتك إليه. الرّابعة: أن تكون جرأتك على المعاصي بقدر صبرك على النّار".

توحيد الصّفوف ضدّ العدوّ

أيّها الأحبّة، نحن مسؤولون في هذه الحياة عن كلماتنا، عن مواقفنا، عن قراراتنا، عن مستقبلنا ومستقبل من حولنا… علينا أن نحسب لكلّ ذلك حساباً أمام الله، لا أمام النّاس الّذين بتنا نعرف كيف نتملّص من مسؤوليّاتنا أمامهم، كيف نتلاعب بعواطفهم وغرائزهم وحساسيّاتهم، كيف نزيّن لهم كلامنا.

وعند ذلك، سنكون أكثر دقّة وأحسن عملاً في كلّ مكان نتواجد فيه وكنّا فيه، وفي تعاملنا مع قضايانا، حيث لا يزال العالم العربي والإسلامي يعاني تداعيات ما يجري في دوله وفيما بينها، مستعيداً الخطاب الطائفي والمذهبي في الكثير من النماذج والمواقع.

في الوقت الّذي يستغلّ العدوّ الصّهيونيّ كلّ هذا الجوّ لمتابعة مشروعه الاستيطانيّ والتّهويديّ للضفّة الغربيّة والقدس، وإقدامه أخيراً على نشر صواريخ جديدة لحماية كيانه، يُخشى من أن يكون ذلك، فضلاً عن التّهديد المستمرّ لإيران، تمهيداً لاعتداءات جديدة للثّأر من هزائمه المتكرّرة في لبنان وغيره.

وفي موازاة ذلك، يكثّف العدوّ الضّغط على الفلسطينيّين في سجونه، ولو أدّى ذلك إلى إنهاء حياة المعتقلين الفلسطينيّين، كما حدث مع الأسير عرفات جرادات.

إنّ كل هذا الواقع يستدعي من الفصائل الفلسطينيّة الإسراع لتوحيد صفوفها، من أجل مواجهة المشروع الصّهيونيّ وأيّة مغامرة قد يُقدم عليها هذا العدوّ.

ومن هنا، فالمطلوب من الشّعوب العربيّة والإسلاميّة، الوقوف مع القضيّة الفلسطينيّة والشعب الفلسطيني وتعزيز عناصر القوّة لديه.

تداعيات الأزمة السوريّة

أمّا سوريا، فإنّها لا تزال تعاني استمرار نزيف الدّم والدّمار وعمليّات التّفجير الوحشيّة والقصف العشوائيّ الّذي يطاول الأبرياء في الطّرقات.

إنّنا في هذا الوقت، نعيد التّأكيد على كلّ الأفرقاء في سوريا، بضرورة الخروج من دائرة الشّروط والشّروط المضادّة، والاستفادة من فرص الحوار الّتي يتحدّث عنها الجميع، منعاً لاستمرار نزيف الدّم السّوريّ، ولتفويت الفرصة على كلّ اللاعبين في السّاحة السوريّة، لمنعهم من ممارساتهم، وعدم السّماح للدّول الكبرى باستنزاف هذا البلد، حيث لا يُراد لأحد أن يخرج قويّاً من هذه المعركة، حتّى لو ربح في الجولة الأخيرة.

ولعلّ من الخطورة، أنّ تداعيات الأزمة في سوريا لا تتوقّف على الداخل السّوريّ، بل باتت تهدّد أكثر من بلد عربيّ وإسلاميّ، ولا سيّما لبنان، الّذي يعيش تداعياتها في ظلّ الانقسام اللّبنانيّ حول ما يحصل في هذا البلد، ودخول اللّبنانيّين على خطّ الأزمة السوريّة بشكل مباشر أو غير مباشر، ما يترك تداعياته على مستقبل العلاقة بين اللّبنانيّين أو مع مكوّنات الشعب السوريّ.

ومن هنا، ندعو اللّبنانيّين مجدّداً إلى التنبّه جيّداً للمخاطر الّتي تترتّب على هذا الأمر، ولتداعياته على مستقبل العلاقة فيما بينهم، أو بين لبنان وسوريا.

دعم إيران عربيّاً

ومن جهةٍ أخرى، يستمرّ الحصار الاقتصاديّ الظّالم على الجمهوريّة الإسلاميّة، لمنعها من امتلاك التكنولوجيا النوويّة السلميّة، فيما يغضّ العالم المستكبر نظره عن امتلاك الكيان الصّهيوني لترسانة ضخمة من السّلاح النّوويّ.

وفي هذا المجال، ندعو الدّول العربيّة والإسلاميّة، إلى ضرورة الوقوف إلى جانب الجمهوريّة الإسلاميّة في مشروعها النّوويّ السّلميّ، ورفض الحصار الاقتصاديّ لها، انطلاقاً من الأخوّة الإسلاميّة والمصالح العليا لهذه الدّول، لأنّ ضعف أيّ بلد إسلاميّ هو ضعف للآخرين، وقوّة هذا البلد قوّة للجميع.

لبنان: وأد الفتنة واجب الجميع

ونصل إلى لبنان، الّذي بات يعاني استقالةً غير معلنة للحكومة من مهمّاتها، ولذلك، فإنّنا نعيد التّأكيد عليها بضرورة التّفتيش عن حلٍّ لمسألة تمويل سلسلة الرّتب والرّواتب، وإلا فلتصارح الدّولة مواطنيها بالواقع كما هو، فلا تبقي مواطنيها أسرى اجتماعات لا تُسمن ولا تغني من جوع، فمن أبرز واجبات الدّولة، أن تؤمّن لمواطنيها سبل العيش الكريم، وأن توفّر الأمن والاستقرار للجميع.

وفي الوقت نفسه، على المعارضة لعب دورٍ إيجابيّ في هذا المجال، بدلاً من تسجيل النّقاط. ومن هنا، فإنّنا ندعو إلى مؤتمر وطنيّ عاجل يجمع الموالاة والمعارضة وكلّ الفئات الفاعلة لتدارس الطّرق المؤدّية للخروج من هذا الواقع، منعاً لسقوط البلد في أزمة اجتماعيّة أو أزمة خزينة تؤثّر في الاستقرار وفي سعر صرف اللّيرة، فضلاً عن الأزمات الأمنيّة الّتي يخاف منها الجميع.

وفي مجالٍ آخر، لا يزال اللّبنانيّون ينتظرون قانوناً انتخابيّاً جديداً، يراعي هواجس الجميع، ويحقّق التّمثيل الصّحيح والعادل، بعيداً من منطق الغالب والمغلوب.

إنّنا نحذّر اللّبنانيّين جميعاً من مغبّة الانجرار مع الخطاب السياسيّ والإعلاميّ الّذي يعمل على تأجيج المشاعر المذهبيّة والطائفيّة، ويؤزّم العلاقات فيما بين أبناء المدينة الواحدة والمنطقة الواحدة الّتي عرفت التّعايش فيما بين طوائفها ومذاهبها.

ونقول لأولئك الّذين يتحرّكون من خلال عنوان إسلاميّ، إنّ عليكم أن تكونوا أمناء على هذا العنوان وما يمثّل، فلا يمكن لمن يتحدّث بعنوان إسلاميّ، أن لا يعيش دعوة الله له: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}[آل عمران: 103].. {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}[الأنفال: 46]، أو أن يبتعد عن قول الرّسول الأكرم(ص): "كل ّالمسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه".

إنّنا ندعو إلى دراسة هواجس كلّ الأطراف في الغرف المغلقة، وبما لا يؤدّي إلى إثارة مذهبيّة وطائفيّة نحن بالغنى عنها. وفي الوقت نفسه، على الجميع التنبّه لما يخطّط له من مؤامرة كبيرة لجرّ المقاومة إلى نزاعات داخليّة، والوعي لذلك، والعمل على تجنّبه بكلّ الوسائل، ولا سيّما في هذه المرحلة الّتي يوجّه العدو تهديداته إلى لبنان للثّأر لهزيمته.

إنّ الجميع في هذه المرحلة مدعوّون إلى وأد الفتنة، وعدم صبّ الزّيت على النّار وتعميق الشرخ وزيادة منسوب التوتّر المذهبي والطائفي. فالله الله في دماء النّاس وأمنهم وأعصابهم.

التاريخ: 19 ربيع الثّاني 1434 هـ  الموافق: 01/03/2013 م

Leave A Reply