بالعدل تستقيم حياة الأسرة

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

الخطبة الأولى

{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون} [النّحل: 90].

ونعود مجدّداً إلى الحديث عن العدل، وهذه المرّة سنتحدّث عن العدل في البيت والأسرة وكلّ متعلّقاتها، ولو خصّصنا الجلسات تلو الجلسات عن العدل لما كان كافياً، لِعلْمنا بأنَّ الإسلام هدفه كما الأديان السّماويّة، إقامة العدل الّذي يحتاج إليه كلّ البشر، والّذي ينبغي أن يدخل إلى كلّ السّاحات، وخصوصاً ساحة التّنشئة الأولى، الّتي فيها يُبنى الإنسان ليصبح على ما يصبح عليه في المستقبل.

ولأنّ الظّلم لا يطاق، ولأنّ الظّلم بشع، لهذا يصبح غياب العدل في الأسرة كما قال الشّاعر:

وظلمُ ذوي القربى أشدُّ مضاضةً             على المرءِ من وَقْعِ الحُسامِ المُهنّدِ

العدل أساس أيّ سلطة

أيّها الأحبّة:

إنَّ العلاقات داخل الأسرة محكومة بطبيعة عفويّة تلقائيّة، علاقة غير رسميّة، علاقة تحكمها مسبقاً المقبوليّة والخضوع وخفض الجناح وعدم الرّغبة بالتمرّد، وما إلى هنالك من احترام سلطة الأهل من قبل الأولاد، أو احترام موقعيّة الزّوج بالنّسبة إلى الزّوجة، أو الزّوجة بالنّسبة إلى الزّوج، وهكذا.

  لهذا، يجب أن يحضر العدل بقوّة في كلّ تفاصيل جوّ البيت، وأن ينساب طبيعيّاً، ويجب أن يعي أصحاب هذه السّلطة الأمر جيّداً، لأنّ السّلطة خطرة، فكيف إذا كانت على أناسٍ أنت تنفق عليهم، ولا مجال للاعتراض، فيصبح حال أفراد البيت حال من لا يجد عليك ناصراً إلا الله. لهذا، مطلوب أن يشيع في الأسرة مناخ العدل، لأنّه يستحيل أن نُدخل القضاء والمحاكم والقوانين لتفصل بين الزّوج والزّوجة، أو بين الأب وأولاده، وبين الأولاد وأمّهم، وهكذا، كما يحصل الآن في المجتمعات الغربيّة، حيث باتت ساحة الأسرة كساحة المصنع أو المعمل أو المؤسّسات، بلا روح، والقوانين هي السّائدة فقط.  

العلاقة الزّوجيّة عدل ورحمة

والبداية هي بالعلاقة الزّوجيّة، حيث إنّ هذه العلاقة إن تحقّق فيها العدل، فإنّنا نستغني عن كثيرٍ من المطالبة بالقوانين لرفع الغبن عن الزّوجات، لأنّ الأمور لن تصل إلى هذا الحدّ. وعظمة الإسلام، أنّه أضاف إلى شروط العدل خلطةً أخرى، فهو جعل العدل في العلاقة الزّوجيّة ممزوجاً بالمودّة والرّحمة والمعروف والسّكن، فالزّوج الّذي يخاف الله ويخشى أن لا يكون عادلاً، لن يغشّ زوجته، ولن يبخل عليها أو يقسو، وأيضاً لن يعنّفها. لا وجود للعنف في قاموس البيت المؤمن، لماذا؟ لأنّه بيت تحكمه الآية: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الرّوم: 21]، وكذلك الأمر بالنّسبة إلى الزّوجة, فهي إن قدّرت ظروف زوجها، وكانت عادلةً في الحكم على تصرّفاته، وفي تقدير حاجاته وتفهّمها، فإنّ الكثير من المشاكل ستزول ولن تستمرّ.

الزّوج شريك وليس حاكماً

أيّها الأحبّة:

قبل أن تفتّشوا عن القوانين الجامدة بموادّها المتشعّبة، فتّشوا عن العدل، ربّوا أولادكم عليه، اِجعلوه البوصلة لضبط كلّ مشاكل العلاقة في الأسرة. إنّ السّلطة الأبويّة أو الذّكوريّة في مجتمعنا، لا تزال ـ للأسف ـ تُمارس بكثير من التعنّت… فعندما يتعلّق الأمر بحقوق الرّجل، تصبح الأمور على المسطرة وبالميزان الدّقيق، وعندما يتعلّق الأمر بحقوق المرأة، فإنَّ الموضوع يتمّ غضّ النّظر عنه. فأين العدل في أن تعتبر وقت راحتك مقدّساً، ووقت راحتها ليس كذلك؟ أن تعتبر أنّ الطّريقة الّتي تفكّر فيها أنت هي الّتي يجب أن تحكم، ولا تستمع إلى من يشاركك هذه الحياة؟ فعدم أخذ الرّأي هو أيضاً ظلم، وعدم أخذ رغبات الآخر الّذي يعيش معك بعين الاعتبار، هو الظّلم بعينه…

وفي هذا المجال، ندعو الزّوج إلى النّظر بكلّ مسؤوليّة إلى شريكة حياته الّتي أفنت حياتها في سبيل تأمين الحياة الكريمة له ولأولاده، وعليه الالتفات إلى حفظها من بعده، كي لا  تبقى عالةً على أولادها، وخصوصاً أنّها هي من ساعدته في تأمين ظروف الإنتاج.

العدل بين الأولاد حتّى في النظرة

 والحديث عن العدل في البيت أيضاً، يأخذنا إلى الحديث عن العدل مع الأولاد.

وعظمة الإسلام في هذا الموضوع، أنّه لاحظ العدل في أبسط الأمور، بدءاً من النّظرة، وصولاً إلى العطاء والهديّة، إضافةً إلى الرّعاية والاهتمام والحبّ والتّشجيع والمكافأة وإدخال الفرح والسّرور وتبادل الحديث، وحتّى النّظرة والابتسام، وقد كثُرت الأحاديث في ذلك، ففي الحديث عن رسول الله(ص): "إنَّ الله يحبّ أن تعدلوا بين أولادكم، كما يحبّ أن تعدلوا مع أنفسكم".

ولذلك، عندما أبصر رسول الله(ص) رجلاً له ولدان قبّل أحدهما وترك الآخر، قال له رسول الله(ص): "هل واسيت بينهما؟"، أي هل ساويت؟

وفي الحديث أيضاً: "إعدلوا بين أولادكم في النُّحْل (أي العطاء)، كما تحبّون أن يعدلوا بينكم في البرّ واللّطف".

وورد في السّيرة عن النّعمان بن بشير، وهو أحد صحابة رسول الله(ص)، أنّه قال: أعطاني أبي عطيّةً، فقالت لي أمّي عميرة بنت رواحة: لا أرضى أن تأخذ هذه حتّى يشهد على ذلك رسول الله(ص)، (لاحظوا موقف هذه الأم التي لم ترض أن يتصرّف زوجها بظلم مع أولادها).  يكمل الرجل ليقول: فأتى والدي إلى رسول الله ليشهده على عطيّته ويثبّتها لي… فقال له رسول الله(ص): "أكلّ أولادك أعطيت؟"، قال أبي: لا. فقال رسول الله(ص): "إذهب، فإنّي لا أشهد على جور".

لقد كان رسول الله(ص) قاطعاً وحاسماً في رفضه التّمييز بين الأولاد، وكان يرى في التّمييز إخلالاً بكيان الأسرة وتماسكها وترابطها، فالولد الّذي يشعر بالغبن داخل الأسرة من أبيه أو أمّه، سيتحوَّل عنده هذا الشّعور إلى حقدٍ دفينٍ تجاه من عليه واجب احترامه وتقديره والإحسان إليه، وعلى إخوته الّذين يراهم أخذوا حقّاً له، فمن الجور أن تعطي بغير عدل، وهو خلاف التّقوى، والرّسول(ص) قال: "اتّقوا اللّه واعدلوا بين أولادكم".

الابنة قبل الابن

أيّها الأحبَّة: لا يمكن أن نتحدّث عن عدلٍ داخل الأسرة، إلا ونتحدّث عن العدل المطلوب بين الأولاد الذّكور والإناث. وإنّه بحمد الله، ونتيجة الوعي، صارت مظاهر التذمّر من أن يرزق المرء بالبنت أقلّ من السّابق، ونريدها أن تُمحى نهائيّاً، فالله يرزقنا بالبنين كما البنات، وآن الأوان لأن نخلّف مظاهر التّمييز بين الذّكر والأنثى وراءنا. وهنا ندعو الأهل إلى إدخال مستقبل الفتاة في الحساب، ولا سيّما على مستوى التّعليم والعمل وتأمين حياتها، كما ندعوهم  إلى عدم التدخّل في التّقسيم الشّرعيّ الدّيني للإرث، الّذي يراعي حقوق الذّكر والأنثى. وفي حال أرادوا أن يتدخّلوا فلا بأس، ولكن ليتدخّلوا بالعدل ولحساب البنت، ليزيدوا من نصيبها وليس العكس، وخصوصاً أنّ الجميع بات يدرك، وبالتّجربة، أنّ البنت هي الّتي تحفظ أهلها، وغالباً أكثر من الابن، وتضحّي لأجل ذلك، وتنفق عليهم…

 علماً أنّ الإسلام رفع من مكانة البنت، عندما أعاد إليها إنسانيّتها المفقودة، وأشار إلى قدراتها وإمكاناتها، ودعا إلى إعطائها حقّها في الرّعاية والاهتمام والتّشجيع، وتوفير الفرص من دون تمييز… ففي الحديث عن رسول الله: "من كانت له ابنة فلم يهنها، ولم يؤثر ولده الذّكر عليها، أدخله الله الجنّة البتّة".

حقّ الخادمة

أيّها الأحبّة: وفي حديثنا عن العدل داخل البيت، صار لزاماً علينا في أيّامنا هذه، بل أصبحت الحاجة ماسّةً إلى الحديث عن عدل كلّ أفراد الأسرة مع الّذين يخدمون في هذه المنازل، فقد يؤخذ على مجتمعاتنا أنّها تتصرّف مع الخادمات ومدبّرات المنزل بخلفيّات تمييزيّة، تصل إلى حدّ العنصريّة، فقد تعيش تحت رحمة حتّى الصّغار في الأسرة، الّذين يتعلّمون من الكبار، فلا يحترمون لها وقت راحة، ولا قدرات ذهنيّة أو جسديّة.

إنَّ علينا كمجتمع إيمانيّ أن نبرهن عن رقيّنا، فلا نظلم من هاجروا من أجل أقدس قيمة، وهي العمل وكسب العيش الكريم، ولأجله يعانون الغربة، ويبتعدون عن أهلهم وأوطانهم وأطفالهم. إنَّ ظلم أولئك لهو من الجور الّذي حذَّر الإسلام منه. إنَّنا مدعوّون إلى أن نقدّم أنموذجاً في حسن التّعامل مع هؤلاء، أن نؤدّي حقوقهم كاملة، وأن نحسن إليهم، فلا نتذاكى عليهم أو نلتفّ من أجل فرض شروطنا.. إنَّ الموضوع يحتاج إلى تدقيق وإعادة نظر، وإلا نكون من الّذين يغصبون حقّ المستضعفين، وسنُطالب به يوم القيامة. والرّسول كان قد أوصى أصحابه بالخدم، حينما قال عنهم: "إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم. فمن كان له أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا يكلّفه ما يغلبه، فإن كلّفته ما يغلبه فليعنه".

أيّها الأحبّة:

 لنجعل من أسرنا مدارس ومعاهد لبناء قيمة العدل، منها ننطلق لبناء وطن العدل، وأمّة العدل. والأسرة الّتي لا يسود فيها جوّ العدل، ستُخرّج ظَلَمَةً صغاراً، والصّغار سيكبرون ويصبح الظّلم ديدنهم، إلا من رحم ربّي.

 وليكن دعاؤنا ما قاله الإمام زين العابدين في دعاء مكارم الأخلاق: "وَلا أُظْلَمَنَّ وَأنْتَ مُطيقٌ لِلدَّفْعِ عَنّي، وَلا أَظْلِمَنَّ وَأَنْتَ الْقادِرُ عَلَى الْقَبْضِ مِنّي، وَلا أَضِلَّنَّ وَقَدْ أَمْكَنَتْكَ هِدايَتي، وَلا أَفْتَقِرَنَّ وَمِنْ عِنْدِكَ وُسْعي، وَلا أَطْغَيَنَّ وَمِنْ عِنْدِكَ وُجْدي.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، هذه التّقوى الّتي حرص الإمام العسكري على تعميقها في النفوس وفي واقع الحياة، الإمام الذي ملأ الحياة الإسلامية في عصره وكل العصور، علماً وعبادةً وأخلاقاً وجهاداً وصبراً.

ومن كلماته: "أزهد النّاس من ترك الحرام، أشدّ النّاس اجتهاداً من ترك الذّنوب". "إنّكم، أيّها النّاس، في آجال منقوصة وأيّام معدودة، والموت يأتي بغتة". "من يزرع خيراً يحصد غبطةً ونجاحاً، ومن يزرع شرّاً يحصد ندامة، لكلّ زارع ما زرع"…

أيّها الأحبّة، الدّنيا هي ساحتنا، فلنزرع فيها، ولنحصد النّتائج في الموقع الأساس الّذي ينتظرنا في يومٍ لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، بعملٍ صالح، بموقف حيّ…

فلنستفد جيّداً من هذه الفرصة الّتي تمرّ مرّ السّحاب، فلا نهدر عمرنا ولا نبذّر طاقاتنا وقدراتنا، أن نسرع الخطى كي نؤدّي مسؤوليّاتنا في الحياة، ومن مسؤوليّاتنا أن نكون مع العدل ضدّ الظّلم، لا نفرّق بين عدلٍ وعدل، ولا بين ظلمٍ وظلم…

ومن هنا، فإنّنا سنبقى مع كل قضايا العدل، لا نهادن ظالماً ولا طاغية، كبيراً كان أو صغيراً، سواء أكان الموقف في مواجهته رابحاً أم خاسراً.. ومن هنا، سنبقى نشير إلى فلسطين، الّتي ستبقى بالنّسبة إلينا البوصلة، ومن خلالها نحدّد مواقفنا تجاه الأشخاص والجهات والحركات…

معاناة الأسرى في فلسطين

ففي فلسطين، لا يزال العدوّ يتابع مشروعه الاستيطاني وسياسة الاعتقال والقتل والتهديم للبيوت، والجرف للمزروعات والبساتين، في الوقت الّذي تستمرّ معاناة الأسرى الفلسطينيّين، ولا سيَّما الأسير سامر العيساوي، الّذي يتابع إضرابه عن الطّعام منذ أشهر عدّة، وسط صمتٍ عالميّ، وحتّى عربيّ وإسلاميّ…

إنّنا أمام هذه المعاناة، ندعو كلّ الشّعوب العربيّة والإسلاميّة، إلى أن لا تنسيها التوتّرات الّتي تضجّ بها ساحاتها، التطلّع إلى هذه القضيّة الإسلاميّة والقوميّة والإنسانيّة، وأن ينطلق الصّوت عالياً بالرّفض الجادّ والعمليّ لكلّ هذه الممارسات.

وفي هذا الوقت، لا يزال العالم العربيّ والإسلاميّ يعاني الانقسام السياسيّ الحادّ بين دوله، وفي داخل كلّ دولة، كما يتصاعد التوتّر المذهبيّ الّذي يحظى برعاية إقليميّة هنا ودوليّة هناك، ليتحوّل إلى تفجيرات وحشيّة تستهدف الأبرياء الآمنين في أكثر من ساحة عربيّة وإسلاميّة.

سوريا: الحلّ في الحوار

ونبدأ من سوريا، الّتي لا تزال تعيش السّباق الحادّ بين المواقف الدّاعية إلى الحوار بين الحكومة والمعارضة برعاية إقليميّة ودوليّة، والمواقف الدّاعية إلى الحسم العسكريّ، في ظلّ استمرار نزيف الدّم ومشاهد الدّمار، والتّفجيرات الوحشيّة، وليس آخرها التّفجير الدّامي في دمشق، والتّهجير والنّزوح إلى دول الجوار، حيث يستقبل لبنان وحده أكثر من ربع مليون نازح، هذا فضلاً عن تدمير البنى التحتية والاقتصاد.

إنّ هذا الواقع الدّامي يُخشى من تداعياته على دول الجوار، ولا سيّما على الواقع اللّبناني، حيث بتنا نشهد توتّراً بين مناطق لبنانيّة وأخرى سوريّة، ونسمع تهديدات لأحزاب وقيادات لبنانيّة.

إنّنا أمام هذا الواقع، ندعو إلى مضاعفة الجهود من الدّول العربيّة والإسلاميّة، ومن كلّ الّذين يفكّرون بمسؤوليّة تجاه هذا البلد، للعمل على صناعة حلول وتهيئة فرص الحوار وتقريب وجهات النّظر بين النّظام والمعارضة، لإبعاد شبح الدّمار عن هذا البلد، وعدم جعله ساحة لتصفية الحسابات الإقليميّة والدوليّة.

إنّنا نتطلّع بإيجابيّة إلى كلّ المواقف الحريصة على حقن الدّماء، والسّاعية إلى إزالة العقبات أمام انطلاق حوار جادّ بين السّلطة والمعارضة، نأمل أن يتمّ ويترجم عمليّاً وسريعاً لمصلحة سوريا وشعبها ومستقبلها، ولمصلحة العرب والمسلمين، والسّلام العالميّ، بحيث ينطلق الصّوت واحداً: لأسلمنّ ما سلمت أمور سوريا…

العراق وباكستان: لغة التّفجير

أمّا في العراق، فيبدو المشهد ملتهباً ومعقّداً، من خلال استمرار الأزمة السياسيّة، وتفاقم التّفجيرات الوحشيّة الّتي تطاول الآمنين في أسواقهم ومساجدهم ومراكز عملهم، والّتي تهدف إلى زيادة الشّرخ بين العراقيّين، ورفع منسوب التوتّر المذهبي والعرقي، ما يستدعي وعياً متزايداً من العراقيّين لعدم الوقوع في هذا الفخّ، وعملاً من الحكومة العراقيّة لتسريع الحوار مع المعارضة، وحلّ كلّ المسائل بروح وطنيّة ومسؤولة من الجميع.

وهناك في باكستان، حيث المجازر الوحشيّة في تفجيرات متنقّلة، آخرها في منطقة كويتا الباكستانيّة ضدّ المسلمين الشيعة، لإضفاء طابع مذهبيّ قاتم على هذه الأحداث الّتي تقف وراءها جهات تكفيريّة إلغائيّة..

إنّنا في الوقت الّذي ندين هذه التّفجيرات، كما كلّ التفجيرات الّتي تطاول الآمنين، ندعو الحكومة الباكستانيّة إلى تحمّل مسؤوليّاتها، والضّرب بيد من حديد في التّعاطي مع المجرمين القتلة، الّذين لا يراعون ديناً ولا ذمّة، ويعيثون في الأرض فساداً.

كما ندعو العلماء على اختلاف مذاهبهم، إلى أن يتصدّوا لهذه الأحداث الدّامية، وأن يؤكّدوا الموقف الشّرعيّ الحاسم في التّنديد بهذه الاعتداءات الّتي تستهدف قوّة العالم الإسلامي ووحدته وأمنه واستقراره…

إنّنا نرى أنّ السّاكتين على مثل هذه الجرائم مشاركون في كلّ نتائجها، وهم بذلك يعطون قوّة إضافيّة للعابثين بالوحدة الإسلاميّة واستقرار العالم الإسلاميّ، الّذين يريدون دخوله في حرب المئة عام الّتي وعد بها كيسنجر…

لبنان: أزمة القانون الانتخابيّ

أمّا لبنان، الّذي لا تزال تعصف به أزمة القانون الانتخابي وتداعياته، فإنّ أكثر ما نخشاه، أن يؤدِّي القانون الانتخابيّ الّذي ينتظره اللّبنانيّون بفارغ الصّبر، إلى تكريس الاصطفافات المذهبيّة، وشدّ العصبيّات الطّائفيّة، بما يهدّد وحدته أرضاً وشعباً. والأخطر، أن تستلهم المنطقة مثل هذا النّموذج في مثل هذه الأوقات العصيبة، حيث الطّوائف والمذاهب في أقصى استنفارها.

إنّنا ننتظر من المجلس النّيابي قانوناً انتخابيّاً يؤمّن التّمثيل السياسيّ العادل لكلّ اللّبنانيّين، ويحفظ حقوق الطّوائف والمذاهب، ويقوّي وحدة اللّبنانيّين، ويجعل النّائب يتحرّك في عمله السياسي وخدماته لحساب وطنه، بعيداً عن أيّ حسابات طائفيّة أو مذهبيّة وسياسيّة خاصّة.

وفي مجال آخر، لا يزال هذا البلد يعاني من ارتجاليّة التّعامل مع الواقع الاقتصاديّ، حيث يشهد هذا الواقع أزمةً كبيرةً يخشى من تداعياتها على البلد بشكلٍ عام، وقد برز هذا في الوعود الّتي أُعطيت من قِبَل الحكومة للقطاعات النّقابيّة والعماليّة، من دون النظر إلى العواقب الّتي تترتّب على هذه السّلسلة وانعكاسها على الخزينة العامّة.

إنّنا في الوقت الّذي نريد للدّولة أن تراعي المتطلّبات المعيشيّة الضّاغطة على المواطنين، ندعوها إلى حلّ هذا الواقع الاجتماعي، كما ندعوها إلى رسم سياسة اقتصاديّة حقيقيّة وموضوعيّة تستفيد من كلّ الموارد الموجودة وتسعى إلى تطويرها، وتزيل عن كاهلها كلّ إرث الفساد المتراكم، وتفتح كلّ الملفّات المغلقة من الأملاك البحريّة إلى واردات الجمارك إلى حال الهدر العام، فلا تبقى هذه السياسة رهينة الحديث عن النفط والغاز، الذي نأمل أن يكون وفيراً، ولكنّ هذا مرهون بمستقبل قد يطول، فيما اللّبنانيّون الباحثون عن عيشٍ كريم لا ينتظرون.

وأخيراً، فإنّ حوادث الخطف المتكرّرة الّتي يتعرّض لها اللّبنانيّون، تُظهر مدى الفراغ الأمنيّ في هذا البلد، والمخاطر الّتي تتهدّد النّاس، ما يدفعنا إلى مطالبة الدّولة بممارسة دورها في حماية المواطنين، واستعادة هيبتها في فرض الأمن، وردع كلّ المجرمين والمعتدين على حياة النّاس وأرزاقهم، مجدّدين دعوتنا الدّولة إلى استكمال مساعيها للإفراج عن المخطوفين اللّبنانيّين في سوريا.

أيّها المسؤولون، إنّ حفظ البلد أمانة في أعناقكم، وعليكم أن تؤدّوا الأمانة إلى أهلها، وإلا ستكونون خائنين للحاضر والمستقبل، ولن يرحمكم الحاضر ولا الأجيال القادمة…

التاريخ: 12 ربيع الثّاني 1434 هـ  الموافق: 22/02/2013 م

Leave A Reply