تأثيرُ الكلمةِ في الأفرادِ والمجتمعات

الخطبة الدينية

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَار}[إبراهيم: 24- 26]. صدق الله العظيم.

تأثيرُ الكلمة

الكلُّ يعرف مدى تأثير الكلمة المقروءة والمسموعة إن هي خرجت عن الدَّور المرسوم لها من كونها أداةً للإصلاح وللوعي، وبثّ روح المحبَّة والتَّآلف بين النَّاس وبعث الخير في نفوسهم، وتحوَّلت إلى كونها أداةً لبثِّ الفرقة وزرع الفتن والأحقاد والعداوات ونشر الظلم والفساد أو الإعانة عليهما.

ويكفي نظرة إلى الواقع الذي نعيش، حتى نرى مدى الآثار التي تتركها الكلمة، إن على صعيد الأفراد أو المجتمعات أو الأوطان، وهي تزداد مع تطوّر وسائل الإعلام وانتشار مواقع التَّواصل، وهو ما أشارت إليه الأحاديث، فقد ورد في الحديث: "رُبَّ قول أنفذ من صول"، وفي الحديث: "رُبَّ كلامٍ أنفذ من سهام".

ولذلك، عندما سئل عليّ (ع): أيّ شيء مما خلق الله أحسن؟! قال: "مَا خَلَقَ الله عَزَّ وَجَلَّ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنَ الْكَلَامِ وَلَا أَقْبَحَ مِنْهُ؛ بِالْكَلَامِ ابْيَضَّتِ الْوُجُوهُ، وَبِالْكَلَامِ اسْوَدَّتِ الْوُجُوهُ".

وقد ورد في الحديث: "إنَّ الرَّجلَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من رضوانِ اللهِ، ما كان يظُنُّ أن تبلُغَ ما بلغت، يكتبُ اللهُ له بها رضوانَه إلى يومِ يلقاه، وإنَّ الرَّجلَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من سخطِ اللهِ، ما كان يظُنُّ أن تبلُغَ ما بلغت، يكتبُ اللهُ له بها سخطَه إلى يومِ يلقاه".

وفي الحديث: "يحشر العبد يوم القيامة وما ندى دماً، فيدفع إليه شبه المحجمة أو فوق ذلك، فيقال له: هذا سهمك من دم فلان، فيقول: يا ربّ، إنك لتعلم أنَّك قبضتني وما سفكت دماً، فيقول: بلى، سمعت من فلان رواية كذا وكذا، فرويتها عليه، فنقلت حتى صارت إلى فلان الجبَّار فقتله عليها، وهذا سهمك من دمه".

تحريمُ الكلمةِ السيِّئة

ولذلك، ومنعاً لأيّ تداعيات قد تنتج منها، حرَّم الله سبحانه وتعالى الكلمة البذيئة التي تترك أثراً سيئاً في العقول أو القلوب أو في أرض الواقع.

ولذا، حرَّم الغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء بالآخرين والكذب، ولم يكتفِ بذلك، بل دعا الله سبحانه عباده إلى اختيار أحسن الكلام، وهذا ما أشار إليه بقوله: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وذلك تفادياً لما قاله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ}}[الإسراء: 53]، أي يستفيد من الكلام السيّئ ليوتّر علاقات النَّاس بعضهم ببعض، ويقصد بالقول الحسن الكلام العقلاني الممزوج بالمحبَّة الذي عندما يُقال يترك أثراً طيباً لدى من يستمعون إليه أو من يقرأونه، لا الموتِّر والمستفِزّ والمملوء حقداً وبغضاء.

وقد فسَّر الإمام الباقر (ع) هذه الآية: "قولوا للنَّاس أحسن ما تحبّون أن يقال فيكم".

وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى الأثر الَّذي يتركه هذا الكلام في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}[الأحزاب: 70 – 71].

وفي قوله سبحانه: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[إبراهيم: 24 – 25]، حيث بيَّن أن هذه الكلمة تبقى وتنمو باستمرار، وتترك أثراً طيباً حيثما حلَّت، بينما {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَار}[إبراهيم: 26]، فهي لا تبقى، وسرعان ما تموت وتنتهي.

الكلمةُ الطيّبةُ والبرُّ

بدورها، أشارت الأحاديث الشَّريفة إلى أهمية الكلمة الطيِّبة وإلى نتائجها، فقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص) أنَّه سئل عن أفضل الأعمال، قال: "إطعام الطَّعام، وإطياب الكلام".

وقد ورد عن عليّ (ع): "ثلاث من أبواب البّرّ: سخاء النّفس، وطيب الكلام، والصَّبر على الأذى".

وفي الحديث: "القول الحسن يُثري المال، ويُنمي الرّزق، وينسئ في الأجل، ويحبّب إلى الأهل، ويدخل الجنَّة".

وفي الحديث: "عوِّد لسانك لين الكلام، وبذل السَّلام، يكثر محبوك، ويقلّ مبغضوك".

وهذا الأسلوب هو ما أوصى به الإمام الباقر (ع) شيعته عندما قال لهم: "قولوا للنَّاس أحسن ما تحبّون أن يقال لكم، فإنَّ الله يبغض اللّعَّان السبّاب الطعّان على المؤمنين، الفاحش المتفحّش".

وهي وصيَّة رسول الله (ص)، فهو عندما جاء رجلٌ قال له: أوصني؛ قال: "أمسكْ لِسَانَكَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ".

وفي وصيَّة للإمام الصَّادق (ع) لشيعته ومحبّيه: "معاشر الشّيعة: قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً، وَاحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ، وَكُفُّوهَا عَنِ الْفُضُولِ وَقَبِيحِ الْقَوْلِ".

ردُّ الإساءةِ بالّتي هي أحسن

ولم تقف هذه الدَّعوة إلى الكلمة الطيبة والأحسن عند من يطلق الكلام، بل وردت الدعوة إليها حتى عندما يتعرَّض الإنسان للإساءة من الآخرين، حيث يقول الله سبحانه وتعالى في ذلك: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصّلت: 34].

وهذا ما عبَّر عنه رسول الله (ص) في حياته، فهو رغم كلّ الإساءات التي تعرَّض لها، والاتهامات التي وجِّهت إليه، كان ليِّن الكلام، فلم يكن فظّاً ولا غليظ القلب، وهذا ما أشار إليه الله عندما قال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران: 159]، الأمر الذي جعله يصل إلى قلوب النَّاس ويجتمع الناس عليه.

وقد ورد عنه (ص) أنَّه عندما قيل له في يوم أُحد، حين كسرت رباعيَّته وشجّ رأسه وقتل أعزّ أصحابه، ادع على المشركين، فإنَّ دعاءك مستجاب، قال لهم: "إنِّي لم أُبعَث لعاناً وإنَّما بُعِثْتُ رحمةً مهداة".

وورد أنَّه مر به يهوديّ، فقال له: السام عليك، يعني الموت عليك، موهماً بذلك أنه يسلِّم على النبيّ (ص)، فاكتفى النبيّ (ص) بالقول: وعليك.

وهنا ثارت ثائرة زوجته السيِّدة عائشة التي شهدت هذه الواقعة، وراحت تسبّ هذا اليهودي وتلعنه، فقال لها رسول الله (ص): "هوِّني عليك، ما بهذا نبادل إساءاته"، "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانهُ، ولا ينزعُ من شيءٍ إلا شانهُ"، "إنّ الله رفِيق يحبّ الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف".

وقد قالها رسول الله (ص)، لا عن ضعف، بل عن قوَّة، فقد كان آنذاك في المدينة المنوَّرة، وكان الأمر والحكم له.

وهذا هو الأسلوب الذي انتهجه أمير المؤمنين عليّ (ع) في معركة صفّين، فهو عندما سمع أصحابه يسبّون أهل الشَّام كردّ فعل على سبّ هؤلاء للإمام (ع) ولهم، خاطبهم قائلاً: "كفّوا عمّا بلغني عنكم من الشّتم والأذى"… فقالوا: "ألسنا محقّين؟! ومَنْ خالفنا مبطلين؟"، قال: "بلى"، قالوا: "فلِمَ منعتنا من شتمهم؟"، فقال: "كرهت أن تكونوا سبّابين". فقالوا له: وماذا نفعل إن لم نسبهم كما سبونا، قال: "لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبِّكم إيَّاهم: اللَّهمَّ احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتَّى يعرف الحقَّ من جهله، ويرعوي عن الغيّ والعدوان من لهج به".

الكلمةُ الطيّبةُ تئدُ الفتن

أيُّها الأحبَّة: إنَّنا في عصر الفتن هذا، بحاجة إلى من يئدها، لا من يسعِّرها، وإلى من يبرّد القلوب، لا من يثير مكامن الحقد فيها، وهذا لا يتمّ إلَّا بالكلمة الطيِّبة التي تقرِّب القلوب، وتعزِّز أواصر الوحدة، وتزيل التوترات والأحقاد من النفوس، فبها نعبِّر عن إيماننا: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت"، وهو الهدى الذي دعينا إليه: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}[الحجّ: 24].

فلندع الله إلى أن يعيننا على ذلك، ولنقل: "اللَّهمَّ أعنَّا على أنفسنا بما تعين به الصّالحين على أنفسهم، اللَّهمَّ جنِّبنا مزالق السّوء، ومرابض الفتن، ودعاة الشّرّ، إنّك أنت العزيز الحكيم".

الخطبة السياسية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به رسول الله (ص)، حيث ورد في سيرته أنَّه كان عند رأس رجل من الأنصار وهو على فراش الموت، فنظر (ص) إلى ملك الموت عندما جاء يقبض روحه، وقال له، يا ملك الموت، أرفق بصاحبي فإنَّه مؤمن، فقال ملك الموت: طب نفساً وقرَّ عيناً، واعلم بأني بكلِّ مؤمن رفيق، واعلم أني، يا محمَّد، لأقبض روح ابن آدم، فإذا صرخ صارخ، قمت في الدار ومعي روحه، فقلت: ما هذا الصَّارخ؟ والله ما ظلمناه، ولا سبقنا أجله، ولا استعجلنا قدره، وما لنا في قبضه من ذنب، فإن ترضوا بما صنع الله تؤجروا، وإن تسخطوا تأثموا وتوزروا.

أيُّها الأحبَّة: وصية رسول الله لنا، أن نرضى بقضاء الله وقدره إن نحن فقدنا أباً أو أمّاً أو أخاً أو أختاً أو ولداً أو صديقاً أو عزيزاً، وأن لا نقول إلَّا كما قال هو (ص) عندما توفي ولده الوحيد من الذكور: "تَدْمَعُ العَيْنُ، وَيَحْزَنُ القَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا ما يَرْضَى رَبَّنَا".

وبذلك نعبِّر عن تسليمنا لله ورضانا بقضائه، ونكون أكثر صبراً، وبالتَّالي أكثر قدرة على مواجهة التحدّيات.

انسدادٌ سياسيّ

والبداية من الانسداد الَّذي نشهده على الصعيد السياسي، بعدما أخفقت القوى السياسية المتمثّلة في المجلس النيابي في التوصّل إلى انتخاب رئيس للجمهوريّة، رغم الجلسات المتكررة التي عقدتها، والذي لم تعد تقف تداعياته على عدم وجود إدارة لهذا البلد، بل تعدَّت ذلك إلى عدم قدرة مجلس الوزراء على الاجتماع حتى لاتخاذ القرارات الملحَّة التي تضمن تسيير دفَّة الدولة وتأمين الاحتياجات الضروريَّة للمواطنين، منعاً لتكرار ما أحدثه الاجتماع الأخير من انقسام داخل مجلس الوزراء، ومن احتقان طائفيّ، واعتباره مسّاً بالدستور، وبعد ضياع فرصة الحوار التي تمت الدَّعوة إليها للتوافق على رئيس للجمهورية.

يحصل ذلك من دون أن تبدو في الأفق أيّ بوادر أمل تخرج البلد من حال الانسداد هذه ومن تداعياتها، ما يبقي البلد في حال المراوحة والانتظار إلى حين اقتناع كلّ الأطراف السياسيّين بأن لا خيار لهم إلا التَّوافق في ظلِّ موازين القوى داخل المجلس، والتي لا يبدو أنها ستتغير، أو نضوج تسويات تحصل بين القوى الإقليميّة أو الدول المؤثرة في الداخل اللبناني، كالتي جرت في السابق وأمَّنت آنذاك الوصول إلى هذا الاستحقاق.

الحاجةُ إلى انتخابِ رئيس

ونحن، على هذا الصَّعيد، نجدِّد دعوتنا القوى السياسيَّة إلى الكفّ عن لعبة إضاعة الوقت الثَّمين وإهداره، والإسراع في انتخاب رئيس قادر على إدارة عمليَّة النّهوض بالبلد، وإخراجه من التردّي والانهيار الَّذي وصل إليه، والَّذي بات يهدِّد كيانه ووحدته، بعدما أصبح واضحاً أن لا خيار إلَّا التَّوافق في بلد بني على هذا الأساس ويقوم عليه، وإذا كان هناك من يراهن على الخارج ويدعو إلى تدخله لسدّ الشغور، فإنَّ الخارج هو في شغل عن البلد، إمَّا لكونه غارقاً في أزماته وصراعاته، أو لأنَّ هذا البلد لم يعد من أولوياته، أو بات يائساً منه، بعدما فقد الثِّقة بمن يتولّون إدارته، أو بإحداث تغيير فيه أو إصلاحات، وهو إن تدخَّل كما يدعو إليه البعض، فقد يزيد الأمور تعقيداً بفعل تضارب المصالح الدوليَّة والإقليميَّة.

تردّي الوضعِ المعيشيّ

ونعود إلى الوضع المعيشي والحياتي الَّذي بات هاجس اللّبنانيّين ويؤرقهم، والَّذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم بفعل الارتفاع المستمرّ في الأسعار التي لم تعد تجد لها ضابطاً، بفعل جشع التجار وانعدام الرقابة من قبل أجهزة الدولة أو البلديات.

ومن المؤسف أن لا يكتفي من يديرون دفَّة البلد بالتنصل من معالجة هذا التردي أو التخفيف من وقعه، بل يمعنون في تفاقمه بزيادة الأعباء على المواطنين، والتي كان آخرها رفع الدَّعم عن الدواء الوطني الذي كان ملاذاً لطالبي الدَّواء، ما يزيد من أعباء كلفة الدواء والاستشفاء المرتفعة بذريعة تلبية احتياجات الدَّولة ومتطلّبات القطاع العام، بدلا من القيام بالاستثمار الأمثل لموارد الدولة وسدّ منافذ الهدر فيها، وإعادة الأموال المنهوبة، ورفع الغطاء عن الفساد والمفسدين الذين بدلاً من أن يعاقبوا، نراهم يحظون بالحماية السياسيَّة، وبغضّ نظر القضاء غير المستقلّ عنهم، والَّذي نشهد اليوم بعض مظاهره في التعامل الذي يجري مع الاختلاسات والسرقات التي تمَّ الكشف عنها في أكثر من مؤسَّسة وقطاع.

حادثُ القوّاتِ الدّوليّة

ونبقى عند الحادث المؤسف الَّذي حدث في العاقبية، والذي أودى بحياة أحد جنود القوات الدولية وإلى جرح آخرين، فإننا في الوقت الَّذي نعزي القوة بفقدان أحد أفرادها، وندعو بالشفاء للمصابين، ننبِّه إلى ضرورة عدم التسرّع في الاتهام وإدخال ما حدث في إطار الصراع السياسي وغير السياسي، وعدم إعطائه أبعاداً غير واقعية، وانتظار التحقيق الذي نأمل أن يجري بكلّ شفافية، لمنع تكرار ما حصل، وإبقاء أجواء الودّ التي نريدها أن تبقى تحكم علاقة القوات الدولية بمحيطها.

ونصل أخيراً إلى الحدث الكرويّ الذي تستضيفه قطر، لا لنتوقف عند مجرياته الكروية، بل لنشير إلى أمور مهمَّة حصلت وتمظهرت في الوحدة العربية والإسلامية الشعورية التي تجلَّت في التفاعل مع الفريق المغربي ومع الفرق العربية والإسلامية الأخرى، والتي ذابت معها التشنجات والحساسيات ومساعي التجزئة التي عُمل على تأجيجها وتعميقها على صعيد البلدان أو الطوائف أو المذاهب، والأمر الآخر هو التمسّك بقضيَّة فلسطين، والذي تمثل برفع العلم الفلسطيني، وما لاقاه مراسلو الكيان الصهيوني من صدمات ومقاطعة وعدم الاعتراف بشيء اسمه إسرائيل، وإنما بفلسطين، حيث عبر عن ذلك كلّ من حاولوا مقابلتهم من عرب ومسلمين، ما يؤكِّد حقيقة رفض كلّ محاولات التطبيع التي عمل لها هذا الكيان في المراحل السابقة.

إنَّ ما جرى يبنى عليه ويؤكِّد ضرورة تجذير هذا الوعي وتحويله إلى مسار يتجاوز حدود الحدث الكروي إلى أبعاد أخرى اجتماعية واقتصادية وسياسية وأمنية، لتنتهي معها كل أجواء التوتر المذهبي والسياسي الذي يراد له أن يحصل بين البلدان العربية والإسلامية، ولتوجيه كل الجهود لمواجهة الكيان الصهيوني الذي يمثِّل العدو الحقيقي لبلادنا.