تأثيرُ اللّسانِ وتداعياتُهُ في الدّنيا والآخرةِ

السيد علي فضل الله

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الدينية

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }[ق: 16- 18] . صدق الله العظيم.

الرّقابةُ على اللِّسانِ

أشار الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات إلى الرّقابة المشدَّدة التي فرضها الله على اللّسان، والّتي لا توازيها أيّ رقابة منه سبحانه على بقيّة الأعضاء والحواسّ لدى الإنسان.

فهو بعدما تحدَّث عن رقابته على كلّ ما يصدر عن الإنسان، أشار إلى أنّه جعل على اللّسان رقيباً خاصّاً، واصفاً إياه بالرّقيب العتيد، أي من يمتلك الخبرة في متابعته، بحيث لا يخفى عليه شيء مما يصدر عنه.

وفي ذلك إشارة واضحة منه، عزَّ وجلَّ، إلى موقع اللّسان بالنّسبة إلى الإنسان، وإلى الآثار الكارثية التي قد يتسبّب بها إن هو تُرِك، ولم يخضعه الإنسان لضوابط وكوابح تقيه من أن يكون سبباً لإثارة الفتن، وخلق التوتّرات، وإسالة الدّماء، ونشر الفساد والانحراف.

وهذه الخطورة ازدادت بعد انتشار وسائل الإعلام والتّواصل، حيث لم يعد هناك حواجز أمام ما يصدر عن اللّسان إن على مستوى الزّمان والمكان.

وقد أشار إلى ذلك الحديث الوارد عن رسول الله (ص): ” إنَّ الرَّجلَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من رضوانِ اللهِ، ما كان يظُنُّ أن تبلُغَ ما بلغت، يكتبُ اللهُ له بها رضوانَه إلى يومِ يلقاه “.

وقد ورد في الحديث: “رُبَّ كلامٍ أنفذ من سهام”.

وفي ذلك قول الشّاعر:

جِراحات السِّنانِ لها التِئامٌ وَلا يلتامُ ما جَرَحَ اللّسانُ

حتى ورد: “بلاء الإنسان من اللّسان”.

تداعياتُ اللّسانِ

ولا يقف تأثير اللّسان على مصير الإنسان في الدّنيا، بل على مصيره في الآخرة، فقد ورد في الحديث أنَّ الصحابيّ معاذ بن جبل سأل رسول الله (ص) عمّا يدخله الجنّة ويباعده عن النّار، فقال له: “كُفَّ عليكَ هذا …”، وأشار إلى لسانه، فقال له: يا رسول الله، ، وإنَّا لمؤاخذونَ بما نتكلَّمُ به؟ فقال: “ثكلَتْك أمُّك يا معاذُ، وهل يكبُّ الناسَ في النارِ على وجوهِهم – أو على مناخرهم – إلّا حصائدُ ألسنتِهم؟!”.

وقد ورد في الحديث: ” إنَّ الله يُعذّب اللّسان بعذاب لا يُعذّب به شيئاً من الجوارح، فيقول: أي ربّ، عذّبتني بعذاب لم تعذّب به شيئاً؟ فيقال له: خرجَت منك كلمة، فبلغت مشارق الأرض ومغاربها، فسُفك بها الدّم الحرام، وانتهب بها المال الحرام… “.

وتداعيات اللّسان في الآخرة لا تقف عند حدود نوعية الكلمة التي تصدر عنه، بل تتعدى ذلك إلى آثارها ونتائجها وتداعياتها، وإلى هذا أشار الله سبحانه وتعالى عندما قال: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ}[يس: 12].

لذا، ورد في الحديث: يؤتى يوم القيامة بقارورةٍ من دم، فيقال هذا نصيبك من دم فلان، فيقول: يا ربّ، لقد عشت حياتي ولم أرق دماً، فيقال: سمعت كلمة من فلان فنقلتها فتسبّبت بقتله، فهذا نصيبك منها.

تعزيزُ الرّقابةِ

ومن هنا، أيُّها الأحبّة: نحن مدعوّون، حفظاً لمسؤوليّتنا عن أنفسنا وعن الآخرين، إلى تعزيز هذه الرقابة، وذلك أوّلاً: بأن نأخذ بالاعتبار ما أشارت إليه الآية التي تلوناها عندما قالت: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، بأن ندرك أنّ كلّ كلمة نطلقها عبر ألسنتنا أو عبر كتابتنا لها، هي مدوَّنة ومسجَّلة عند {رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، وسنحاسب عليها، وقد نفاجأ بما تسبّبت به في الدنيا، وبما آلت إليه من نتائج على مصيرنا في الآخرة، عندما يوضع كتاب أعمالنا، ونجد كلّ ما قلناه قد سجِّل علينا، والّذي أشار إليه الله بقوله: { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَد }[الكهف: 49].

وهذا ما نبّه الإمام عليّ (ع) إليه رجلاً كان يتحدّث بدون أيّ حساب لكلماته، فقال له: “يا هذا! إنّك تُملي على حافظَيك كتاباً إلى ربّك”.

وإلى هذا أشار الله سبحانه وتعالى: { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ }[النّور: 15]، فهو نبَّه الإنسان أن لا يستهين بالكلمات التي تصدر عنه، بل يرى ذلك عظيماً عند الله سبحانه.

أمّا ثانياً: فأن نحبس اللِّسان، أن لا نطلقه إلا بعد أن نتأكَّد أنه سينطق بالحقّ والصّدق، ويبعث الخير في النفوس، ويبثّ روح الألفة والمحبّة والتعاون داخل المجتمع، وقد اعتبرت علامة إيمان المؤمن، وإلى هذا أشار الحديث: ” إنَّ لسان المؤمن وراء قلبه… لأنّ المؤمن إذا أراد أن يتكلَّم بكلام، تدبَّره في نفسه، فإن كان خيراً أبداه، وإن كان شرّاً واراه “…

وقد عبّر عن هذا السلوك الإيماني بعض صحابة رسول الل (ص) على طريقتهم، بأن كانوا يضعون حصاةً في أفواههم، فلا يرفعونها حتى يتأكَّدوا أنّ ما يقولونه حقّ، وأنّه لا ينتج إلّا الخير، وبعضهم كانوا يكتبون ما يقولون ويتدبّرونه جيِّداً قبل أن يقولوه، حتى يتوقّوا تبعات ما ينتج من كلامهم.

ثالثاً: الالتزام بخارطة الطريق التي رسمتها التشريعات الإسلاميّة للّسان التي دعت إلى ترك كلّ ما يخلّ بدور اللّسان، فدعت إلى ترك الكذب والنميمة والطعن بالآخرين، والتنابز بالألقاب والسبّ والشتم، والقول بغير علم، والغناء اللاهي، وبأن يختار الإنسان الأحسن في الكلام، وهو ما أشار إليه عزّ وجلّ: { وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }[الإسراء: 53]. والكلمة الأحسن هي الكلمة التي تترك أثراً إيجابياً في نفس الآخر، بحيث تدخل إلى العقل وإلى القلب معاً، ولا تترك أثراً سلبياً عنده، حتى لو كانت انتقاداً لتصرف، أو تنبيهاً على خطأ.

وهذا الأسلوب هو ما نتعلمه من رسول الله (ص)، فقد كان رسول الله (ص) يحرص إذا عرف بخطأ أحد من أصحابه، على أن لا يخدشه أو يحرجه، بل كان يقف أمام النّاس، وهو بينهم، ليعظ النّاس جميعاً، من دون أن يسمّي فلاناً بعينه، ويوجّههم إلى أن لا يقعوا في هذا الخطأ، ويبيِّن لهم سبل العلاج.

وهو ما أوصى به الإمام الصّادق (ع) شيعته، عندما قال لهم: ” معاشِرَ الشِّيعة، كونُوا لنا زَيناً ولا تكونُوا علينا شَيناً، قولُوا للنَّاسِ حُسناً، احفظُوا أَلسنتكُم، وكفُّوها عنِ الفضُولِ وقبيحِ القَولِ “.

وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى نتائج الكلمة الطيّبة وأثرها، عندما قال: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }. فالكلمة الطيّبة تبقى ولا تموت، ويبقى أثرها، فيما الكلمة الخبيثة إلى زوال، لأنّه لا قرار لها { وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ }[إبراهيم: 24 – 26].

استخدامُ اللّسانِ بالخيرِ

أيُّها الأحبة: إننا أحوج ما نكون في هذه المرحلة، حيث تسود الفتن والتوترات والمشاحنات في واقعنا على الصعيد السياسي والاجتماعي والديني، كما في الإطار الشخصي، إلى أن نفتح القلوب لا أن نغلقها، وأن نطفئ نيران العداوة والبغضاء لا أن نوقدها، وأن نؤلّف بين النفوس لا أن نباعد بينها، وأن نوصل كلمة الحقّ والخير لا أن نبعِّد عنها.

وهذا يدعونا إلى أن نتدبّر جيداً كلماتنا قبل أن نطلقها أو نكتبها، وأن نختار الأحسن منها، لندخل من خلالها إلى العقول، ونوصل رسالتنا إلى الآخرين، فهي لن تصل على جناح الكلمات الخبيثة والمتوترة.

إنّ ألسنتنا تمثّل التّعبير العمليّ عن شخصيّاتنا، فكما لا نحبّ أن نظهر أمام الآخرين إلّا بالمظهر الجميل على مستوى الشَّكل واللّباس، فلنحرص على أن لا نُظهِر إلّا جميل قلوبنا وعقولنا وكياننا، ولنتذكّر قول عليّ (ع): ” المرء مخبوء تحت لسانه “.

وهذا لا يعني أن نداري النّاس ونجاملهم، ونقدِّم إلى كلّ واحد ما يناسبه حتى يقبلنا أو يرضى عنا، بل أن نقدِّم ما نحن عليه بصدق وشفافية، وبقالب جميل يتناسب ومنطلقاتنا الدينيّة والتربويّة.

وبهذا نبلغ ما عند الله الّذي يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيم }[الأحزاب: 70 – 71].

جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه.

الخطبة السياسية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به رسول الله (ص) ذلك الرّجل الذي جاء إليه ليدلّه على طريق الجنّة، فقال له رسول الله (ص): “أنل مما أنالك الله”، فقال له الرجل: فإن كنت أحوج ممن أنيله؟ فقال له النبيّ (ص): “فانصر المظلوم”، فقال له الرّجل: فإن كنت أضعف ممن أنصره؟ فقال له النبيّ (ص): “إذاً، فاصنع للأخرق”، يعني أشر عليه. والمقصود بالأخرق الجاهل بما يحب أن يعمله ومن لا يحسن التصرّف في الأمور. فقال له: فإن كنت أخرق ممن أصنع له؟ فقال له النبيّ (ص): ” فاصمت لسانك إلّا من خير “، أي لا تحرك لسانك إلّا بما أمرك الله به عندما قال: { لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ }[النّساء: 114]. ثم قال له النبيّ (ص): ” أما يسرك أن تكون فيك خصلة من هذه الخصال تجرّك إلى الجنّة؟! “.

أيُّها الأحبة: هذه هي طرق الجنة، أودعها رسول الله (ص) لدينا، ودعانا إلى أن نختار واحدة منها، فلنبادر إليها قبل أن لا يعود لدينا مجال للاختيار، ومتى فعلنا ذلك، سنكون أكثر وعياً وأكثر مسؤولية وقدرة على مواجهة التحدّيات.

أزماتٌ بلا حلولٍ

والبداية من معاناة اللبنانيين على الصعيدين المعيشي والحياتي، والتي تزداد يوماً بعد يوم، بفعل الارتفاع المخيف في أسعار السّلع والمواد الغذائية والمحروقات وكلفة النقل والدّواء والخبز والكهرباء، وبعد انخفاض قيمة الليرة اللبنانية أكثر من مئة في المئة أمام الدولار الأمريكي، من دون أن يواكب ذلك بزيادة أجور العمال والموظفين.

ومع الأسف، تجري كل تلك المعاناة من دون أيّ حلول جدية لمعالجة هذه الأزمات، فالحكومة التي جاءت لتفرمل الانهيار على الصعيد الاقتصادي، وتخفف من معاناة اللبنانيين على الصعيد المعيشي، قد تعطَّل دورها بعد تعليق اجتماعاتها بسبب الخلافات التي جرت بين مكوّناتها.

وقد أدّى هذا الشّلل الحكومي إلى جعل اللّبنانيين يقفون وحيدين أمام كلّ هذه المعاناة، ويقلِّعون أشواكهم بأيديهم، وينتظرون أملاً بقادم يكون أفضل من حاضرهم، وقد لا يأتي.

إننا أمام كلّ ما يجري، نجدِّد دعوتنا لكلّ الذين يديرون الواقع السياسي، أن يرأفوا بإنسان هذا البلد الذي بات غير قادر على تحمل المزيد، وأن يبادروا إلى اجتراح الحلول التي تخرجه من أزماته ومآسيه ومعاناته.

ونحن نرى أنّ الطريق إلى ذلك لن يكون إلا بعودة تحريك عجلات الحكومة، وإزالة كل العوائق التي تقف في طريقها.

إننا نتفهم جيداً الأسباب التي تؤدي إلى عدم اجتماع الحكومة، ولكننا نرى الطريق الأسلم لمعالجة هذه الأسباب هو بعودتها إلى العمل، لأن البديل من ذلك لن يكون إلا مزيداً من الترهل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، والذي يُخشى أن ينعكس توتراً على الصعيد الأمني في ظلّ الاحتقان الداخليّ أو الذي يأتي من الخارج.

إننا نرى أن أبواب الحل مفتوحة، ويمكن تجاوز أي من العقبات، عندما تتعزز لغة الحوار البنّاء داخل الحكومة البعيد كلّ البعد من الفرض والإملاءات والتعطيل، ومن أي حسابات سوى مصلحة البلد ومصلحة إنسانه.

قضيّتا المرفأِ والطيّونة

ونبقى على صعيد القضايا المطروحة، لنعيد التأكيد مجدَّداً على ضرورة الإسراع في الإجراءات القضائية العادلة بحقّ من تسببوا فيما جرى في الطيّونة، خشية تداعيات إبقاء هذا الملفّ مفتوحاً، أو أن يغلق على زغل بناءً على التسويات التي عهدناها في هذا البلد.

أما على صعيد التحقيق في قضيّة المرفأ، فإننا نجدِّد دعوتنا بضرورة الأخذ في الاعتبار الملاحظات المطروحة حول آليّات التحقيق من قبل المحقّق العدليّ، حرصاً على سلامة التحقيق وعدالته.

الأزمةُ مع دولِ الخليجِ

أمّا على صعيد الأزمة مع دول الخليج، فإنّنا نرى أن لا حلّ لهذه الأزمة إلا بالحوار مع هذه الدّول، فهو الباب لإزالة أيّ هواجس لديها، إن كانت هناك هواجس أو ملاحظات على أداء الدولة أو أي من القوى السياسية فيها، فالحوار يعيد تصويب مسار العلاقات، وهو بالطّبع لن يكون بالإملاء ولا بالضّغوط، أياً كانت الضغوط، ولا بالتهميش للدولة اللبنانية، أو بزيادة إفقار الشّعب اللبناني أو أيّ من مكوّناته، أو طرح مطالب تعجيزية…

إننا نريد للدول الخليجية أن تستجيب لليد الممدودة من قبل اللّبنانيين، والتي عبَّر عنها أكثر من مسؤول، وأن تعي أن ليس هناك من اللبنانيين من يتنكّر لعروبته، أو يريد أن ينعزل عن محيطه العربي، وهم قدّموا التضحيات من أجل ذلك، وهم لم يكونوا، ولن يكونوا الأعداء للدول الخليجيّة، فهم من يحفظون الإحسان ولا يبادلونه إلّا بمثله، وليس من العداء إبداء الرأي أو النقد لموقف أو قرار اتخذته.

إنّ من المؤسف أن تتمّ هذه القطيعة في وقت أحوج ما نكون إلى التضامن العربي والإسلامي في مواجهة التحديات التي تهدِّد هذا العالم في أمنه واستقراره والعبث بثرواته، أو أن تتّخذ الإجراءات القاسية بحقّ اللّبنانيين بعيداً من روح الأخوّة العربية والإسلامية، في وقت يواجه لبنان أصعب أزماته.

إننا نجدد القول إنّ لبنان؛ هذا البلد الذي أذلّ العدوّ الصهيونيّ، ورفع رأس العرب عالياً، لا يستحقّ التعامل معه بهذه الطريقة، وأن يُدار الظهر لأهله وناسه.

ارتيابٌ حولَ مناوراتِ العدوِّ

في هذا الوقت، فإننا ننظر بارتياب إلى ما قام به العدوّ الصهيوني ويقوم به من مناورات تحاكي هجوماً على لبنان، وخصوصاً أنّ هذه المناورات تزامنت مع الأزمة الأخيرة، كما أن مسؤولي العدوّ ووسائل إعلامه تحدّثوا صراحة عن أن الوضع اللبناني سيسوء أكثر، وأن الأوضاع فيه ستتدهور أكثر، وبالتالي، فنحن نخشى من أنّ العدوّ يراهن على اهتراء ساحتنا الداخلية، وعلى توتر العلاقة بين لبنان وبعض الدول العربيّة، ليقوم بعدوان واسع عليه، إذا كان يضمن النّتائج وسكوت العرب وصمتهم عما قد يرتكبه من مجازر وعدوان.

ولذلك، فإننا في الوقت الذي نحذّر مما قد يُقدم عليه العدوّ، نأمل أن تنجح بعض المعالجات والوساطات والمبادرات في تخطّي هذه الأزمة، والتأسيس لتضامن عربي فعليّ يأخذ في الاعتبار مصالح شعوبنا ومستقبلها، ومصلحة قضايانا الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

وفي الوقت نفسه، لا بدّ من أن نلتفت إلى قضية إنسانية، وهي قضيّة الأسرى الفلسطينيّين، ولا سيّما المضربين عن الطّعام، والذين لم يصلوا إلى استخدام هذا الأسلوب إلا نتيجة معاناتهم والإذلال الذي يتعرّضون له داخل السجون الإسرائيليّة.

ومن هنا، فإننا ندعو منظمات حقوق الإنسان إلى إدانة هذا العدوّ وإسقاط عضويته، بعدما مزَّق مندوبه قرارها التي دانت فيه انتهاكاته، وإلى أن ترفع الشّعوب العربيّة صوتها تضامناً مع الأسرى وأهاليهم.