تتبّع عيوب النّاس سلوكٌ يهدِّد المجتمع

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْض}. صدق الله العظيم.

دعا الله سبحانه وتعالى النَّاس إلى احترام خصوصيَّات بعضهم بعضاً، واعتبر هذه الخصوصيّات منطقة محرَّمة لا يجوز الدّخول إليها واختراقها والكشف عنها من دون إذن أصحابها، وهو لذلك لم يُجز للإنسان المؤمن تتبّع عيوب الآخرين، والتفتيش عن أخطائهم، أيّاً كان الآخرون، قريبين كانوا أو بعيدين، وبأيّ وسيلة كان، بل دعا إلى سترها وعدم الكشف عنها ونشرها بين النّاس، تجنّباً لانتقاص كرامة هؤلاء النَّاس وانتهاك حقوقهم المعنويّة، وما قد يسبّبه ذلك من توترات وأحقاد تمزّق المجتمع وتفكّك الروابط والعلاقات الاجتماعيّة فيه.

وعلى هذا الأساس، لا يجوز استراق السّمع عليهم أو تفتيش أوراقهم أو هواتفهم ومستنداتهم أو تسجيل أحاديث يجرونها في الجلسات الخاصّة المغلقة أو المكالمات الخاصّة.

وقد أشارت إلى ذلك الآية القرآنية التي تلوناها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُو}…

 

معنى التّجسّس

والتجسّس يقصد به البحث عما خفي من عيوب للناس، بخلاف التحسّس الذي أشار إليه الله سبحانه وتعالى في كلام النبي يعقوب (ع) مع أولاده عندما قال لهم: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ}، والتحسّس هنا بمعنى تتبع أخبار الخير عن الآخرين…

وقد توعَّدت الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة من يتتبّع عورات النّاس بالعقاب في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}، والمقصود بالهمّاز اللمّاز هو الذي يطعن بكرامات الناس وأعراضهم، ويتحدّث عن عيوبهم حال حضورهم أو عند غيابهم، وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى نوعيّة هذا العقاب بقوله: {كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ}، وقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص): "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنّه من اتّبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته"، فلا يظنّنّ المتتبّع لعورات الناس نفسه بمنأى عن الفضيحة، فسيفضحه الله ولو كان في جوف بيته، ومن يفضحه الله لا رادّ لفضيحته.

وفي حديث آخر: "أبعدُ ما يكون العبد من الله، أن يكون الرّجل يؤاخي الرّجل وهو يحفظ عليه زلاته ليعيره بها يوماً ما". وفي حديث آخر: "أقرب ما يكون الإنسان إلى الكفر، أن يؤاخي الرجل الرجل (أو المرأة المرأة) ليحصي عليه زلاته وعثراته ليعيره بها يوماً ما".. وهذا ما نراه – مع الأسف – يحصل في المجتمع الذي نعيش فيه من الذين يحصون أخطاء من يختلفون معهم وعيوبهم، ويسجّلونها لاستغلالها في الوقت المناسب، وهذا نجده في المشاكل التي تحدث بين الزوجين، فعند أيّ مشكلة، تجد الزوج قد أحصى ما قامت به زوجته منذ بداية حياته الزوجية، وكذلك تفعل الزوجة.

وقد ورد في حديث آخر: "تتبّع العيوب من أقبح العيوب".

وفي الحديث: "من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروّته ليسقط من أعين النّاس، أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشّيطان، فلا يقبله الشّيطان".

 

التجسّس المقبول

لكن هذا الحكم ، أي حكم تتبّع أخبار الآخرين، كما كلّ الأحكام، له استثناء، فالحكمة قد تقتضي أن تقوم الدولة والجهات الأمنيّة بتتبّع من يخشى أن يكونوا خطراً على أمن البلاد، أو عندما تقوم السلطة التشريعية بمراقبة السلطة التنفيذية لضمان قيامها بمسؤوليّاتها وتصويب مسارها، أو عندما تعتمد المؤسّسات على أجهزة الرقابة لضمان سلامة العمل وحسن أداء الموظفين، أو عندما يمارس الأهل أو غيرهم دورهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كأن يكون من يتولى ذلك أباً أو مربّياً أو عالماً لوقاية من يتولى أمورهم من الوقوع في المنكر، أو أن يسقطوا في مهاوي الانحراف أو الرّذيلة، لكن كل هذا التتبّع لا بدّ من أن يبقى بحدوده، ولا يعني نشر أخبار هؤلاء على الملأ والتّشهير بهم لغايات ومآرب ذاتيّة أو لحسابات ضيّقة.

 

نهي الإسلام

ولم يكتف الإسلام بالنّهي عن هذا السلوك وإبراز سلبيّاته، وما قد ينتجه على صعيد الأفراد وداخل المجتمع، بل عمل على معالجته، بأن وجّه أوّلاً نظر الإنسان بشكل أساس إلى أن يشتغل بعيوب نفسه ــ طبعاً باستثناء الحالات التي ذكرناها للتوّ ــ فقد ورد في الحديث: "ثلاث خصال من كنَّ فيه أو واحدة منهنّ، كان في ظل عرش الله يوم لا ظلّ إلا ظله: رجل أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم، ورجل لم يقدِّم رجلاً ولم يؤخّر رجلاً حتى يعلم أنّ ذلك لله رضا، ورجل لم يعب أخاه المسلم بعيب حتى ينفي ذلك العيب عن نفسه، فإنه لا ينفي منها عيباً إلا بدا له عيب، وكفى بالمرء شغلاً بنفسه عن النّاس".

وفي الحديث: "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب النّاس".

وفي الحديث: "أعقل النّاس من كان بعيبه بصيراً، وعن عيب غيره ضريراً".

وثانياً؛ عندما دعا إلى تتبّع إيجابيات الآخرين بدل سلبيّاتهم..

فقد ورد في الحديث: "كُونُوا فِي النّاسِ كَالنّحْلَةِ فِي الطَّيْرِ"، أي اتصفوا بصفات النحلة التي لا تحطّ إلا على الزهور والورود، وقد ورد في ذلك عن السيّد المسيح (ع) أنه مرّ على جيف،. فقال أصحابه: ما أشدّ نتن رائحتها! فبادرهم بالقول: "ما أشدَّ بياض أسنانها!".

وثالثاً: على الإنسان أن يعي أنّه كما يمتلك القدرة على أن يتتبع عيوب الآخرين، فالآخرون يستطيعون تتبّع عيوبه، فلكلٍّ لسان، ولكلٍّ وسيلته لذلك، في ذلك قوله الشّاعر:

لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلّك عورات وللناس ألسن

وعينك إن أبدت إليك معايباً فدعها وقل يا عين للنّاس أعين

وأن يتذكّر الإنسان دائماً أنه عندما يقف بين يدي الله، لن يحاسب على عيوب الآخرين وعن ذنوبهم، بل على عيوبه وأخطائه وذنوبه: }وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيب}.

 

العلاج بزيادة الوعي

أيها الأحبة: إننا أحوج ما نكون إلى تعزيز هذا المبدأ الإسلامي في نفوسنا وفي المجتمع، بعدما تنامى تتبع الأخطاء ونشر العيوب، فهو لم يعد يقف عند حدود الأفراد، بل تعدّى ذلك إلى جهات اجتماعية وسياسية ودينية، وأصبح واحداً من أبرز أدوات الصراع في الساحة، حيث تعمل كلّ جهة، بكلّ الوسائل والإمكانات، لإسقاط من ينافسونها، بكشف عيوبهم، وتسليط الضّوء على أخطائهم، وقد يصل الأمر إلى تلفيق أخطاء وعيوب لم يرتكبوها، وإذا كانت لديهم إيجابيّات، فإنّهم يعملون على تشويهها أو حرفها عن أهدافها ومنطلقاتها.

 

وزاد من خطورة ذلك، توفر وسائل التواصل بين أيدي الناس، فكلٌّ يملك أن يتحدّث عن الآخرين، وأن يسلّط الضوء عليهم من دون أيّ رقيب أو حسيب، وفي ظلّ وجود وسائل الإعلام الّتي جعلت من مهماتها البحث عن هذه العيوب، حتى أصبح الإنسان غير آمن على نفسه من أن يكون عرضة لإصحاب النيّات السيئة والإرادات الخبيثة.

 

ولا علاج لذلك إلا بزيادة الوعي بخطورة هذا التوجه وتبعاته.. ولكن يبقى الأساس هو تعزيز رقابة الله، والإحساس بحضور هذه الرقابة معنا في الليل والنهار، وفي السرّ والعلن، والتي أشار إليها عزّ وجلّ بقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ{.

ووعي قول رسول الله (ص)، عندما قال لأصحابه: "أَتَدْرُونَ مَن الْمُفْلِسُ؟"، قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي من يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي وقَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ".

جعلنا الله من السّاترين لعيوب النّاس، الشّاغلين بعيوبنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما حذَّر الله سبحانه وتعالى منه، عندما قال: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيل}. صدق الله العظيم.

لقد دعت هذه الآية المؤمنين إلى الوعي وعدم التسرّع بالأخذ وإذاعة كلّ ما يرد إليهم من أخبار وتسجيلات وصور وأحداث، بل إلى التدقيق فيها، والتأكد منها، والعودة إلى من يملكون الخبرة والمعرفة بما يجري في ساحتهم، إلى القادرين على تمييز الغثّ من السمين، وما هو صحيح مما هو كاذب، وما هو حقيقيّ مما هو مركَّب ومدبلج. عندها، لن يقعوا في مرمى من يبثّون الشّائعات والأخبار الكاذبة التي تهدف إلى بثّ الرعب والخوف لديهم، أو إلى إثارة الفتن في ساحتهم، أو تعقيد علاقتهم بالآخرين، أو دفعهم إلى اتخاذ مواقف ليست في صالحهم.

لقد أصبحت الشّائعات وصناعة الأخبار الكاذبة والملفّقة من أبرز الوسائل التي تستخدم لكسب الحروب والسّيطرة على البلدان والمواقع التي يراد الدخول إليها. فلنمسك على ألسنتنا وأيدينا قبل بثّ أيّ خبر أو نقل أية معلومة أو إرسالها إلى الآخرين. وعندها، سنكون أكثر وعياً، ولن نقع في مرمى من لا يريدون خيراً بالعباد والأوطان، وسنكون أكثر قدرةً على مواجهة التحدّيات.

 

لا جديد لأزمة لبنان

والبداية من لبنان، الذي وصل فيه الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي إلى حدٍّ غير مسبوق، لم يعهده اللّبنانيّون طوال مراحلهم السابقة، وفي أشدّ الأوقات التي مرَّت عليهم، والذي لا يقف عند حدود الأزمات المعروفة في الماء والكهرباء والبيئة، وارتفاع أسعار صرف الدولار الأميركيّ والسّلع الضروريّة، وانقطاع العديد منها، مما يحتاجه المواطنون من الدواء ووسائل الاستشفاء، بل وصل إلى حدّ الحجر على أموالهم المودعة في البنوك، فهم لا يستطيعون الحصول عليها، وإن حصلوا عليها، فليس بالقدر الكافي، وبالحريّة التي ينبغي أن تعطى لهم مما هو من حقّهم، ما ساهم ويساهم في المسّ بمقدِّرات الناس وتلبية احتياجاتهم وإيقاف أعمالهم ومشاريعهم.

إنّنا نعيش كلّ هذا الواقع المتردّي، فيما الوضع السياسيّ حتى الآن على حاله من الجمود، حيث لم تستطع القوى السّياسيّة الفاعلة حتى الآن الوصول إلى صيغة توافق في ما بينها تؤدّي إلى إنهاء هذا الواقع المتردّي، وذلك بتأليف حكومة قادرة على حلّ أزمات البلد المستجدّة والنهوض به، بل يستمرّ الخلاف المستحكم حول تشكيل الحكومة ومن تضمّ، في ظلّ ضغوط الخارج الذي أصبحت مطالبه غير خافية على أحد، حتى بات البلد أسير لعبة عضّ الأصابع، حيث ينتظر كلّ فريق تنازل الفريق الآخر وعدم قدرته على تحمّل أعباء مواقفه، من دون أن يأخذ الجميع في الاعتبار أنهم يعضّون على أصابع الوطن، لا أصابع بعضهم البعض.

 

مسؤوليّة القوى السياسيّة

إنَّنا أمام كلّ ما يجري، نعيد دعوة كلّ القوى السياسيّة إلى تحمّل مسؤوليّتها في إخراج البلد من الحال المتردّي الذي وصل إليه، ونقول لهم جميعاً: إنّكم مسؤولون عما وصل إليه البلد، وعليكم إخراجه مما وصل إليه، وأنتم قادرون على ذلك إن قرّرتم الخروج من حساباتكم الخاصّة أو المذهبيّة أو الطائفيّة، وكنتم أحراراً في مواقعكم، لا تنتظروا في ذلك إملاءً من هنا وهناك.

لا تضعوا المسؤوليّة على عاتق الشّعب الّذي ارتفع صوته من الألم والمعاناة، فالكرة ليست في ملعبه. بادروا إلى الاستجابة لصوت هذا الشّعب الذي ائتمنكم على إدارة شؤونه وحلّ مشاكله، لتقطعوا الطريق على كلّ من يعمل في اللّيل والنّهار لتجيير آلامه ومعاناته لحساباته الخاصّة أو لمصالحه.

إنَّ المرحلة الصّعبة التي يعيشها هذا البلد، تفرض على الجميع، من القوى السياسية، إلى المتواجدين في الساحات، أن يكونوا إيجابيّين تجاه الحلول الواقعيّة، فالبلد لا يبنى بمنطق اللاءات من هنا وهناك، ولا بالشروط والشروط المضادّة، ولا بالأسقف العالية، ولا بتعطيل مؤسّسة هنا مقابل مؤسّسة هناك، ولا بأن يرمي كلٌّ الكرة في ملعب الآخر، بل بمنطق التواصل والحوار للوصول إلى القواسم المشتركة، والخروج من هذا النفق المظلم الذي يعيشه البلد، حتى لا يذهب في مهبّ رياح الآخرين، ولا يسقط الهيكل على رؤوس الجميع.

لقد أصبح واضحاً أنّ هناك في هذا العالم من ينتظر البلد ليصل إلى حافة الانهيار، حتى يأتي ليقول: نخرجكم من الانهيار شرط أن تقدموا التنازلات من حسابكم وحساب الوطن.

إنّ البلد بحاجة إلى الإيجابيين وإلى المضحّين الَّذين يضحّون بحساباتهم لحساب وطنهم، ونأمل أن نراهم في هذه المرحلة.

 

حريَّة الإعلام.. ولكن!

ويبقى لنا كلمة نتوجَّه بها إلى الإعلام، الَّذي بات سلطة فاعلة وحاسمة قادرة على صنع الأحداث، وحتى الثّورات، والّذي يتجاوز في تأثيره كلّ السلطات. إنَّنا إذ نقدِّر دوره في الإضاءة على مواقع الضّعف في الأداء السياسيّ ومكامن الهدر والفساد، وهو الَّذي شكَّل صوتاً للمواطنين ومعبِّراً عن معاناتهم، ولكنَّنا في الوقت نفسه، نريد له أن يتحسَّس مسؤوليّته جيّداً، وأن يأخذ بالاعتبار في الأداء والأسلوب الحساسيات الطائفية والمذهبية وغيرها في بلد تتأجَّج فيه هذه الحساسيات، وأن يكون حريصاً على اعتماد العقلانية والموضوعية والعدالة وعدم الارتهان لأحد. إنَّنا مع حرية الإعلام، لكنّها الحرية الواعية والمسؤولة والحكيمة لحساب الوطن لا على حسابه.

 

معاناة الفلسطينيّين مستمرّة

وإلى فلسطين، حيث تستمرّ معاناة الشعب الفلسطيني بفعل الاحتلال الصهيوني الذي لايزال يستبيح الأرض والمقدَّسات والبشر والحجر، في الوقت الذي يستمرّ الدعم الأمريكي له والتبرير لاعتداءاته على حساب الشعب الفلسطيني وحقه في أرضه، وكان آخر تعبير عن ذلك، شرعنته للمستوطنات في الضفة الغربيّة واعتبارها حقاً لهذا الكيان.

إنَّنا في الوقت الذي ندعو إلى الوقوف مع هذا الشعب في صموده، ندعو إلى رفع الصوت عالياً في وجه الإدارة الأمريكيّة لتكفّ عن دعمها لهذا الكيان المستمرّ في غطرسته وعدوانه، وهي مسؤوليّة تقع على عاتق كلّ الشعوب العربية والإسلامية.

 

التَّهنئة بالاستقلال

ويبقى أخيراً، وفي يوم الاستقلال، أن نتوجَّه إلى اللّبنانيّين جميعاً بالتّهنئة بهذا اليوم، وهم مدعوّون إلى أن يكونوا أوفياء لكلّ الدماء التي بذلت من أجل استقلال هذا البلد طوال المراحل السابقة حتى الآن، وأن يحموا هذا الاستقلال من كلّ الذين يريدون المسّ به، مستفيدين من الأزمات التي تعصف به، والتوترات التي تحصل بين أبنائه.

 

 

 

Leave A Reply