تحضروا للموت قبل أن يفاجئكم

 

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

الخطبة الأولى

 لم يخش رسول الله على أمّته كخشيته عليها من أن تقع بعد اتّباع الهوى في  طول الأمل، ومن هنا جاء تحذيره لها: "أخوف ما أخاف عليكم اثنتان؛ اتّباع الهوى، وطول الأمل".

التّحذير من طول الأمل

وطول الأمل، يعني أن تشعر بأنّ حياتك ممتدّة أمامك لا تقف عند حدّ، وأن بينك وبين الموت مساحات شاسعة وواسعة… ترى النّاس من حولك، أقاربك، جيرانك، ومعارفك، وكلّ من تسمع بهم، يغادرون الحياة الدّنيا، وقد تشارك في جنائزهم وإقامة مراسم عزائهم، ولكنّك لا تتصوّر نفسك يوماً محمولاً مثلهم على الأعواد، وإن خطرت لك هذه الفكرة، أو جرى أمامك حديث عنها، سرعان ما تطردها من رأسك.

قد يقول قائل: لكنّنا بحاجةٍ إلى الشّعور بالأمل وطرد فكرة انتظار الموت دائماً، وإلا لن نعمل… صحيح، وهو أمر إيجابيّ، وإيجابيّ جدّاً، فنحن بحاجة إلى هذا الشّعور الّذي يدفعنا إلى العمل والطّموح والإبداع والقيام بمشاريع قد تفوق عمرنا العاديّ، وإلى هذا أشار رسول الله(ص) عندما قال: "الأمل رحمة لأمّتي، ولولا الأمل لما أرضعت والدة ولدها، ولا غرس غارس شجراً"، وإلى ذلك أشار الشّاعر:

أعلّل النّفس بالآمال أرقبها          ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

 ولكن ما حذّر منه الرّسول(ص)، هو طول الأمل بمعناه السلبيّ، وهو الذي يُنسي الإنسان هدف وجوده، ينسيه الموت، ينسيه أنّه سيقدم على ربّه ليواجه حسابه، فيستغرق في مشاغل الحياة ومتاعبها وشهواتها وأطماعها، ولذلك قال رسول الله(ص): "وأمّا طول الأمل فيورث حبّ الدنيا"، وفي حديث آخر للإمام عليّ(ع): "… فيُنسي الآخرة".

وطول الأمل ليس مجرّد فكرة، لأنّه ينعكس في سلوك الإنسان تسويفاً ومماطلة، إذ ترى كثيراً من النّاس، لإحساسهم بأنّ الحياة أمامهم طويلة، يسوّفون ويؤخّرون أعمالهم، ولا يشعرون بالاستعجال، من دون أن يفكّروا في أنّ الموت قد يكون على الباب.

والموت عندما يأتي لن يأخذ موعداً من أحد، حتّى إنّه لا يأخذ موعداً من أعزّ الخلق إلى الله، فحتّى النبيّ سليمان، الّذي أعطاه الله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، عندما طلب من حرّاسه أن لا يدخلوا عليه أحداً حتّى أقرب النّاس إليه، لأنّه يريد التفرّغ لأعمال مملكته الشّاسعة والممتدّة، وعندما دخل عليه شخص، استغرب النّبيّ سليمان(ع) كيف دخل، قال له: من أنت؟ ومن أذن لك بالدّخول؟ قال له: أنا الّذي سمح لي ربّي بأن أدخل إلى كلّ مكان، وفي أيّ وقت، أنا ملك الموت.

قال له: ما الّذي جاء بك الآن، هل جئت زائراً أم قابضاً؟… قال له: جئتك قابضاً، قال: لِمَ لم تخبرني؟ قال له: أخبرتك… وراح يسأله عن أهله، فيقول إنّهم توفّوا، فقال له ملك الموت: كلّهم كانوا رسلي إليك.  ثم قبض روحه وهو متّكئ على عصاه ينظر إليه.

التّهيئة للموت

أيّها الأحبّة: إنّ التّربية الإيمانيّة الّتي ربّانا عليها الإسلام، لاحظت موضوع التّهيئة للموت والتّذكير به، ليكون الموت أمراً طبيعيّاً، نألفه ونترقّب حضوره في كلّ وقت. وها هي الآيات القرآنيّة  تذكر مراراً وتكراراً:

 {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[الأنبياء: 35]. {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ…}[الجمعة: 8]. {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ…}[النساء: 78]. {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ}[ق: 19].

وكذلك كان التّذكير بالحقيقة المرحليّة للحياة الّتي نعيشها، بأنّها مرحلة نتحضّر فيها للدّار الأساس: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[العنكبوت: 64]. {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ? وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}[الكهف: 46].

وقد أشار إلى ذلك الإمام عليّ(ع): "إنّ الله قد جعل الدّنيا لما بعدها، وابتلى فيها أهلها، ليعلم أيّهم أحسن عملاً، ولسنا للدّنيا خلقنا، ولا بالسّعي فيها أمرنا".

وعنه(ع): "أخرجوا من الدّنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففيها اختبرتم، ولغيرها خلقتم".

وإلى ذلك أشار رسول الله(ص): "إنما أهل الدّنيا كركبٍ، بينا هم حلّوا إذ صاح بهم سائقهم أن ارتحلوا".

وقد قال عليّ(ع): "أيّها النّاس، إنما الدّنيا دار مجاز والآخرة دار قرار، فخذوا من ممرّكم لمقرّكم".

والكثير الكثير من الأحاديث والآيات المتعلّقة بهذا الإيمان بالمعاد، كعقيدة راسخة من أصول الدّين، وهدف لا بدّ من السّعي لبلوغه.

التّربية على قصر الأمل

أيّها الأحبّة: لقد جعل الإسلام التّربية على نبذ طول الأمل أساساً في عمليّته التّربويّة، وفي بنائه لشخصيّة الإنسان المسلم، والمسألة ليست مجرّد مسألة روحيّة تتّصل بالآخرة، أو مسألة زهد بالدّنيا، إنما تنعكس على نوعيّة الحياة وليس كمّيتها.

إنّ هذه النّظرة المتكاملة للحياة والموت وما بعده، تزرع في الإنسان الاطمئنان النّفسيّ، عكس ما هو سائد، حيث يعمل الطبّ النفسيّ على معالجة آثار فكرة الموت، وما تسبّبه من قلق ومرض وخوف… أمّا عند المؤمنين الحقيقيّين بالمعاد، المتحضّرين نفسيّاً وعمليًاً له، فإنّهم يرون في الموت جسر عبور إلى الآخرة، إلى حياة أفضل…

والتّربية على قصر الأمل لها شقّان؛ شقّ ينعكس على الأعمال الأخرويّة؛ فلا تأخير في الواجبات الّتي فرضها الله على عباده، ولا تهاون. ثم إنّ الإنسان غير الآمل في هذه الدّنيا، يصلّي  دائماً صلاة مودّع، ويصوم صيام مودّع، ويحجّ كأنّها آخر مرّة، وهذا يعني بالنّسبة إليه دقّةً في العمل، والحرص على أن يكون خالياً أيّ شوائب مع خلوص النيّة… وشقّ يتعلّق بالحياة. فهذه النّظرة إلى الحياة، انطلاقاً من قصر الأمل، تجعلها أكثر صفاءً وأكثر طهارةً وأقلّ تشنّجاً وأكثر سلاسةً، حيث يصبح الإنسان أكثر تواضعاً مع من حوله من النّاس، وأكثر حذراً ومسؤوليّة في معاملاته.. ينتبه إلى كلماته، ويراقب مواقفه، لا يبيّت طلب المسامحة من أحد أساء إليه، ولا  يؤخّر ردّ مظالم أحدٍ ظلمه، ويتذكّر دوماً: {وقفوهم إنّهم مسؤولون}[الصّافّات: 24].

دعوة لإبراء الذّمّة

أيّها الأحبّة: من يتربّى على قصر الأمل، لا مكان للعبثيّة في قاموسه، ولا في كلماته أو مواقفه أو تأييده أو رفضه،  فهو واعٍ لكلّ ما يقوم به، والفرق كبير بين أن يتصرّف الإنسان مع غيره وهو مدرك أنّه سيُحاسب، وبين أن يفترض أن لا حساب البتّة.

 إنّ شعورك بقصر الأمل، يعني أن لا تترك ملفّاتك مفتوحة، فتحرص على أن تنهي كلّ شيء قبل مغادرة الحياة…

إنَّ العمل بمبدأ قصر الأمل، يساهم في تعديل عقليّة النّاس لصالح تخليص الذمّة وإبرائها… إنّ هناك من يعتبر مطالبة النّاس له بحقوقهم مذلّة أو إهانة، وينسى أنّ الإهانة الحقيقيّة والمذلّة الحقيقيّة هي عندما يعلن الأمر على رؤوس الأشهاد وأمام العدل الحكيم.

ومع الأسف، الكثير من النّاس ممن يؤمنون بالآخرة ويعظون النّاس بها وبعقابها، يتصرّفون في أحيان كثيرة وكأن لا آخرة ولا موت ولا حساب، لا يهمّهم إن أساؤوا أن يعتذروا، وإن ظلموا أن يتراجعوا، وكأنهم غير معنيّين بالمراجعة أو الحساب أو الاستغفار أو التّوبة…

 لهذا هي دعوة: لا تؤجّل؛ لا تؤجّل اعتذاراً، لا تؤجّل إرجاع حقّ إلى أصحابه، لا تؤجّل إدخال سرور إلى قلب من يحتاج إليه، لا تؤجّل إصلاح عداوة أو مكاشفة أو صراحة، لا تؤجّل أن تبلسم جراح فقير أو أن تمسح على رأس يتيم… لا تؤجّل تفجير طاقتك أو موهبتك.. انتق أعمالك وغربلها وحسنها لتكون أنفع ما يكون.. حتّى حالة فرحك، حوّلها إلى قوّة تعينك على طاعة الله.. وليكن شعارك دوماً: "اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً".

أيّها الأحبّة: ليكن شغلنا بمشاريع الحياة وطموحاتها بحجم الزّمن الممتدّ، وليكن الوقوف بين يدي الله حاضراً في كلّ وقت، فلا يكون حالنا حال من يقول: {… رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}[المؤمنون: 99-100].

{وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ}[المنافقون: 10].

وندعو بدعاء الإمام زين العابدين: "اللّهمّ واكفنا طول الأمل وقصره عنّا بصدق العمل، حتّى لا نأمل استتمام ساعة بعد ساعة، ولا استيفاء يوم بعد يوم، ولا اتّصال نفس بنفس، ولا لحوق قدم بقدم، وسلّمنا من غروره، وآمنّا من شروره، وانصب الموت بين أيدينا نصباً، ولا تجعل ذكرنا له غبّاً، فإذا أوردته علينا، وأنزلته بنا، فأسعدنا به زائراً، وآنسنا به قادماً، ولا تُشقنا بضيافته، أمتنا مهتدين غير ضالّين، تائبين غير عاصين…".

والحمد لله ربّ العالمين.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، الّتي هي الزّاد، ومن خلالها يتحدّد المصير. ومن التّقوى الأخذ بوصيّة لقمان لابنه: "يا بنيّ، تعلّمت سبعة آلاف من الحكمة، فاحفظ منها أربعاً، وسِر معي إلى الجنّة: أحكِم سفينتك، فإنّ الدّنيا بحرٌ عميق غرق فيها عالم كثير، وخفِّف حملك، فإنّ العقبة كؤود، وأكثِر الزّاد فإنَّ السَّفر بعيد، وأخلص العمل فإنّ النّاقد بصير".

استراتيجية لمواجهة العدوّ!

أيّها الأحبّة، بالعمل الجادّ نتحمل المسؤوليّة، وبالوعي نواجه التحدّيات. والبداية من فلسطين، حيث لا يزال العدوّ الصّهيوني يتابع ممارساته القمعيّة بحقّ الشّعب الفلسطيني، قتلاً واعتقالاً وتضييقاً على السّجناء الّذين أوصلهم العدوّ إلى حدّ الإضراب عن الطّعام.. وهناك من وصل إلى حافة الموت نتيجة إضرابه، كما حال الشابّ سامر العيساوي وغيره…

هذا، إلى جانب استمرار مشروعه الاستيطاني والتّهويدي للضفّة الغربيّة والقدس، وأخيراً وليس آخراً، المشروع الّذي يبنيه على أوقاف حيّ المغاربة غرب المسجد الأقصى.

إنّ هذا الواقع يتمّ على مرأى ومسمع من العالم، ولا يلقى سوى بيانات الإدانة والشّجب، من دون أن يكون هناك أيّة مواقف عمليّة، ما يستدعي حضوراً دائماً من الشّعوب العربيّة والإسلاميّة ودولها، لتنفيذ استراتيجية تواجه مخطّطات هذا الكيان.

وفي الوقت نفسه، فإنّنا نعيد التّأكيد على القيادات الفلسطينيّة، ولا سيّما قيادتي حماس وفتح، للإسراع بإنهاء ملفّ المصالحة الفلسطينيّة، والتّعاون من أجل حلّ المشاكل الاجتماعيّة والاقتصاديّة الّتي يعانيها الشعب الفلسطيني، وتوحيد الجهود لمواجهة العدوّ الصّهيونيّ الّذي يعمل دائماً للثأر من هذا الشعب الّذي هدّد مجاهدوه عمق كيانه.

اختراق صهيونيّ في سوريا!

وفي سوريا، لا يزال نزيف الدّم مستمرّاً، في ظلّ دعوات الحوار الّتي لم تصل بعد إلى مرحلة الجديّة، نظراً إلى الشّروط والشّروط المضادّة، ودعوات الحسم العسكريّ من هذا الفريق أو ذاك، أو التدخّلات الدوليّة والإقليميّة المستمرّة.

إنّنا أمام نزيف الدّم والدّمار الهائل وتزايد أعداد النّازحين، ندعو كلّ مكوّنات الشعب السوري، وكلّ الحريصين على هذا البلد، إلى بذل الجهود لإيقاف هذا المسلسل الّذي استكانت له الدّول الكبرى وأدمنته، لتدمير قوّة هذا البلد وتمزيق وحدة شعبه وكيانه.

وليكن الصّوت واحداً: إنّ مصلحة هذا البلد فوق كلّ اعتبار. وفي هذا المجال، لا بدّ من التنبه إلى حالات اختراق هذا البلد من قِبَل الاستخبارات الصهيونيّة، والّتي نخشى أن تكون هي السّبب في استهداف رئيس الهيئة الإيرانيّة في لبنان.

العراق: إغلاق ملفّ الفتنة

ونصل إلى العراق، هذا البلد الّذي لا يزال يعاني من تداعيات الاحتلال الّذي جثم على صدره، والتّفجيرات المتنقّلة بين مدنه ومحافظاته، فقد دخل في أتون تجاذب داخليّ بات يأخذ بعداً طائفيّاً ومذهبيّاً.

إنّنا في الوقت الّذي ندعو الحكومة العراقيّة إلى متابعة ما بدأته من تفهّمٍ لمطالب المعتصمين، نريد للشّعب العراقي أن يكون واعياً، فلا يقع أسير مصالح الدّول الكبرى والدّول الإقليميّة الّتي لا تريد لهذا البلد الاستقرار ولعب دوره الرّياديّ على مستوى المنطقة والعالم، ونحن هنا نحيّي كلّ مبادرة تسعى إلى إغلاق ملفّ الفتنة الّتي نخشى من سعي البعض لإشعالها في الأيّام القادمة.

البحرين: حلّ الأزمة بالحوار

وإلى البحرين، حيث يشهد هذا البلد انطلاقةً لحوار نأمل أن يكون جادّاً وموضوعيّاً وبعيداً من الحسابات الطائفيّة والمذهبيّة، وأن يساهم في حلّ الأزمة الّتي عصفت وتعصف به منذ سنتين، وأن يعيد إلى البحرين دوره الرياديّ بعيداً من التدخّلات ولغة العنف الّتي لم تؤدّ ولن تؤدّي إلى أيّ نتيجة سوى المزيد من الضّحايا.

لبنان: في انتظار قانونٍ انتخابيّ

أمّا لبنان، فلا يزال يعاني من تداعيات ما يجري في الخارج، ولا سيّما ما يجري في سوريا، رغم سياسة النّأي بالنّفس الّتي أعلنتها الحكومة، ولم يلتزم بها اللّبنانيّون الّذين بقي واقعهم بين من يتدخّل في هذا الشّأن، أو ينتظر تداعياته ليتّخذ موقفاً على أساسه.

في هذا الوقت، لا يزال القانون الانتخابيّ المرتقب، الّذي يأمل اللّبنانيّون أن يلبّي طموحاتهم، بين أخذٍ وردّ، حيث يسعى كلّ فريق سياسي للخروج بقانونٍ يلبّي طموحاته الانتخابيّة، ما يجعل إمكان الوصول إلى النّهايات السّعيدة لهذا القانون أمراً بالغ الصّعوبة…

حكم الزّواج المدنيّ

أمّا فيما يتّصل بالزّواج المدني، فيهمّنا أن نؤكّد ما كنّا قد أشرنا إليه سابقاً، أنّنا لا نرى مشكلة في الزّواج المدني من ناحية الشّكل، لكون الزّواج الإسلامي زواجاً مدنيّاً على هذا المستوى، فهو لا يشترط أن يتمّ لدى عالم دين أو في المسجد، لكن تبقى المشكلة في الزّواج المدنيّ، عندما يخالف التّشريع الإسلامي في زواج المسلمة من غير المسلم، وأيضاً في التّفريعات الّتي تترتّب على هذا الزّواج، من الطلاق أو الإرث أو الحضانة أو غير ذلك من المفردات…

لذلك، نتحفظ عن الزّواج المدنيّ عندما يخالف التّشريع الإسلامي، كما نتحفّظ عن كلّ تشريع يخالف الشّرع الإسلاميّ، لأنّنا نرى أنّ الإسلام هو الحلّ للمشكلة في الأحوال الشخصيّة وغيرها. أمّا موقفنا من الّذين يدعون إلى هذا الزّواج، فإنّنا نقول لهم، لا تنتظروا من المسلمين أو أتباع الدّيانات الأخرى أن يدعوا إلى ما يخالف إيمانهم ومعتقداتهم، لكنّنا في الوقت نفسه، لن يكون موقفنا ممن يمارسون هذا الزّواج أو يدعون إليه، إخراجهم من الدّين أو إعلان ارتدادهم، ما نقوله لهم: إنّكم تخطئون إذا التزمتم في عقد الزّواج المدني بما هو مخالف للشّريعة الإسلاميّة أو الدّين…

حفظ المقاومة

وفي مجال آخر، ونحن نستعيد ذكرى القادة الشّهداء للمقاومة الإسلاميّة، نؤكّد دور هذه المقاومة في حماية هذا البلد من العدوّ الصّهيونيّ ورفع كابوس الاحتلال عنه، ونثمّن التّضحيات الجسام الّتي بُذلت في هذا المجال.

ومن هنا، فإنّنا ندعو اللّبنانيّين جميعاً إلى عدم التنكّر لهذا الدّور الكبير الّذي نعتقد أنّه كان وسيبقى حاجةً لجميع اللّبنانيّين إلى أن يستطيع الجيش اللّبنانيّ أن يقوم به. وإذا كان البعض يتحدّث عن أخطاء هنا أو هناك، فلا ينبغي أن تكون سبباً للتّصويب على هذا السّلاح الشّريف في أهدافه، بل ينبغي أن يدفع ذلك إلى مزيد من الحوار الدّاخليّ الّذي يضمن بقاء هذا السّلاح في اتجاهه الصّحيح.

وأخيراً، وقد مرّت علينا الذّكرى الثّامنة لاغتيال الرّئيس الحريري، نريد لهذه الذّكرى أن تكون جامعةً لكلّ اللّبنانيّين على المواقف الّتي أطلقها في دعوته إلى حماية لبنان من العدوّ الصّهيونيّ، وأن تكون دافعاً للوحدة الإسلاميّة والوطنيّة والنّهوض الاقتصادي والسياسي، فلا تكون مناسبة لتعقيد العلاقات بين اللّبنانيين، في وقتٍ هم أحوج ما يكونون إلى الوحدة والتّواصل والتّراحم، ولا سيّما في الدّائرة الإسلاميّة

التاريخ: 5 ربيع الثّاني 1434 هـ  الموافق: 15/02/2013 م

Leave A Reply