تداعيات التّسويف على حياة الإنسان

العلامة السيد علي فضل الله

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الأولى

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ{.

لقد جاء التحذير من الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات للإنسان من أن يكون عرضةً لداء روحي وأخلاقي عضال، هو التسويف. والتسويف هو المماطلة، وتأجيل الأعمال وأداء الواجبات، وتأخير دفع الحقوق والالتزامات، بحيث لا يؤدّيها في وقتها. وفي مقابل التسويف، المبادرة والمسارعة لإتمام المهمات وإنجازها.

والتسويف قد يكون في الدّنيا في تعامل الإنسان مع نفسه أو عائلته أو أقاربه أو الناس الذين لهم حقوق عليه، عندما لا يسرع في أداء واجباته تجاه نفسه، في حاجاتها المادية والروحية والمعنوية، وتجاه عائلته المعنيّ بشؤونها، أو تجاه الناس الذين يحيطون به والذين هم من مسؤوليّته.

تداعيات خطيرة

هذا الأمر من الطبيعي أن يكون له تداعياته على حياة الإنسان وعلى الآخرين، ولكن يبقى الأخطر من ذلك، عندما يسوِّف الإنسان في القيام بالأعمال التي فرضها الله عليه، والمسؤوليَّات التي حمّله إيّاها، بحيث يغادر الحياة ولا يكون قد أعدَّ نفسه للموقف الذي سيقفه بين يدي الله، حين ينادَى بالنَّاس جميعاً: }وَقِفُوهُم إِنَّهُم مَسْؤُولُون{، ما يدعوه إلى أن يقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ…{.

ولذلك، كانت دعوة الله للإنسان للإسراع في العمل، فلا ينتظر الغد، لأنَّ الغد غير مضمون، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى? مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ{. }إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ{ .

وهذا ما أوصى به رسول الله (ص) أبا ذرّ، عندما قال له: “يا أبا ذرّ، إيّاك والتسويف بأملك، فإنّك بيومك ولستَ بما بعده”. ولهذا، يحذّرنا عليّ (ع): “وإيّاك والتّسويف، فانّه بحر يغرق فيه الهلكى”.

وقد كتب (ع) يوصي أصحابه: “فتدارك ما بقي من عمرك، ولا تقل غداً وبعد غد، فإنَّما هلك من كان قبلك بإقامتهم على الأماني والتَّسويف، حتى أتاهم أمر الله بغتةً وهم غافلون”.

من أسباب التّسويف

وللتسويف، أيّها الأحبّة، أسباب في النفس البشريّة، ومن أبرز هذه الأسباب، إحساس الإنسان بطول الأمل، بحيث يشعر بأن الحياة طويلة أمامه، وأن نهايته لن تأتي.. لذا، هو لا يشعر بضرورة العجلة في أداء واجباته أو القيام بمسؤوليّاته تجاه ربّه وتجاه عائلته وتجاه الناس.. وهذا الشعور هو الّذي خاف منه عليّ (ع) على الأمّة، عندما قال: “إنّ أخوف ما أخاف عليكم اثنتان: اتّباع الهوى، وطول الأمل. فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الْآخِرَةَ”. ومن هنا، ورد في الحديث: “فإذا أصبحت فقل إنّي لا أمسي، وإذا أمسيت فقل إنّي لا أصبح”. ومن هذا المنطلق، كان كلام أمير المؤمنين (ع): “اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً”.

سبب ثان يقف وراء التَّسويف، هو وعد الله بالتَّوبة والطّمع برحمته تعالى، حيث يحلو للكثيرين، انطلاقاً من سعة رحمة الله، الخوض في المعاصي، على أساس أنهم سيتوبون، متذرّعين بأنّ الله غفور رحيم، وأنَّ الله يتوب عليهم عندما يقرّرون التّوبة. لذا، تراهم غير مستعجلين مادام بإمكانهم أن يسحبوا سلاح طلب التَّوبة في أيّ زمان..

ومن يفكّر بهذه الطريقة هو مبتلٍ بقصر النّظر؛ فمن جهة، هو استخفاف بالله تعالى، الذي شرّع التّوبة فعلاً، ولكن ليس في حالات الإصرار على الذّنب والتّصميم والتخطيط المسبق له، إنما جعل لقبول التّوبة شروطاً: وهي في حالة أن يكون المرء غافلاً وينتبه ويتوب {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ{.

أمّا أن يكون الإنسان واعياً للخطأ، مدركاً لتقصيره، ويؤجّل ويطمع بالتَّوبة، فهذا تشاطر على الله، والله سبحانه، كما كان أمير المؤمنين (ع) يقول: “لا يخدع عن جنّته.”

قصر نظر

إنّ المراهنة على التوبة المستقبليّة فيها قصر نظر؛ إنها عمليّة حسابيّة بسيطة: هل في كلّ هذا العالم إنسان يضمن أنّه سيعيش أكثر من اللّحظة التي هو فيها؟! دلّونا عليه إذا كان موجوداً! هذا مستحيل! فإن لم يكن الإنسان يضمن عمره، فكيف يراهن أنّه سيتوب؟

وبالمناسبة، فإنّ المراهنة على التوبة كانت أسلوب عمر بن سعد، بعدما جاء إليه عبيد الله بن زياد ليعرض عليه ملك الريّ مقابل قتال الحسين، فقال:

أأترك ملكَ الرّيِّ والريُّ مُنيتي              أم أرجـع مأثوماً بقتل حسينِ

ثم قال:

يقولونَ إنَّ الله خالق جنّةٍ                   ونارٍ وتعذيبٍ وغلِّ يدين

فإنْ صدقوا فيما يقولونَ فإنّني              أتوبُ إلى الرّحمنِ من سنتين

فهو أقنع نفسه، كما يقنع كلّ المسوّفين أنفسهم، بأنهم سيتوبون إلى الله، وسيعودون إليه ويرجمون كلّ الشّياطين، لكن هيهات! ومن يضمن ذلك؟!

من جنود إبليس

أيّها الأحبَّة: إنَّ التسويف جند من جنود إبليس، هو مَصْدَرُه ومُصَدِّرُه، وهو يشتغل بطريقة مختلفة عن الطرق التقليديّة لديه. إبليس يدرسها جيِّداً، إذ يقول: لن يستجيب بعض الناس لي إن دعوتهم للانحراف فجأةً، والحلّ أن أوسوس لهم ليخفّفوا عنهم عبء الالتزام الصّارم بالعبادة، أو القيام بالعمل الصالح، وتدريجيّاً، يكوّعون ويلتفّون وينحرفون.. فإبليس لا يتعامل مع الإنسان بشكل مباشر، فهو لا يقول في هذه المرحلة لمن يريد الصَّلاة لا تصلِّ، أو لمن يريد الصيام أو عمل الخير لا تقم بذلك، بل يدفعه أوّلاً لتأخير العمل، ثم التّهاون فيه، وفي نهاية المطاف، التجرّؤ والتطاول على الله.

فهو يأتي إلى من يريد الصلاة ليقول له، إنَّ هناك أعمالاً أهمّ، وبإمكانك أن تقضي هذه الصّلاة، وكذلك لمن يريد الصّيام في أيام الحرّ أو النّهار الطّويل، يقول له سافر إن لم ترد دفع الكفّارة، ولمن يريد الحجّ، يقول: لاتزال صغيراً و«لاحق إلى أن تكبر».. ولمن يريد دفع المال في سبيل الله أو الحقوق الشرعيّة يقول: تدفع حين تؤمّن أولادك أو يكثر مالك، ويأتي إلى من يريد أن يتسامح من جاره أو زميله أو قريبه ويقول له: لا تبادر الآن، انتظر واتركها للظّروف المناسبة، والوقت كفيل بإصلاح الأمور. ولمن يريد أن يعصي الله ويخشى ذلك: غداً تتوب والله يحبّ التوّابين.

وبهذا يضمن إبليس أنّه بالتّسويف يستطيع أن يوتّر العلاقة بينك وبين الله، وأن يخرج الله من دائرة أولويّاتك، بحيث يصبح على هامش الأولويّات أو في آخرها. وللأسف، نحن لا نجعل الله في سلَّم الأولويّات إلا في حالات المرض والشدّة والحروب، أما في حالات اليسر وحالات الفرح والرّاحة، عندما تقبل علينا الدنيا، فإنّنا ننسى ونؤجّل ونماطل، ولا نلبث أن نرى أنفسنا في مكان آخر.

للإسراع في التّوبة

لذا، لا بدَّ أن نحرص دوماً على تمتين العلاقة بالله، والإسراع في الاستغفار عندما نرتكب الذّنوب، وبذلك نحول دون نجاح الشّيطان في وساوسه.

وفي هذا المجال، تذكر الرّوايات أنه عندما نزلت الآية الكريمة:} وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللهُ{، صعد إبليس جبلاً بمكّة يقال له ثور، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته، فاجتمعوا إليه، فقالوا: يا سيّدنا، لم دعوتنا؟ قال: نزلت هذه الآية، فمن لها؟ فقام عفريت من الشّياطين فقال: أنا لها بكذا وكذا، قال: لست لها، فقام آخر فقال مثل ذلك، فقال: لست لها، فقال الوسواس الخنَّاس: أنا لها، قال: بماذا؟ قال: أعدهم وأمنّيهم حتى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة، أنسيتهم الاستغفار. فقال: أنت لها، فوكله بها إلى يوم القيامة.

أيّها الأحبّة: نعم، التسويف سلاح من أسلحة إبليس.. احفظوها جيّداً.. كلّما سوّلت لك نفسك بالتّسويف، فاستعذ بالله من الشّيطان الرّجيم، واطرده من ساحة حياتك.

 مطلوب من كلّ واحد منا أن يعيد صياغة سيرته الذاتيّة لتكون بمستوى الموقف بين يدي الله. وسيرتك الذاتية هي كتاب أعمالك الّذي ستتقدّم به الى الله، والله لن يقبل الأعذار الواهية والحجج، فأيّ موقف سنقفه حين نجد أنفسنا وقد فرّطنا وأسأنا العمل؟ وأيّ ذلّ سنواجهه بين يدي ربّنا وعلى رؤوس الأشهاد، حين نأتي إليه مقصّرين: “وأعنّي بالبكاء على نفسي، فقد أفنيت بالتّسويف والآمال عمري، وقد نزلت بك منزلة الآيسين من خيري، فمن يكون أسوأ حالاً مني، إن أنا نقلت على مثل حالي إلى قبر لم أمهّده لرقدتي، ولم أفرشه بالعمل الصّالح لضجعتي”.

الأمر بيدنا، يكفينا أن نتخلَّص من قول: سوف أعمل، سوف أقوم، سوف أتصدَّق، سوف أغيِّر سلوكي، سوف أعطي، سأعيد للنَّاس حقوقهم، سأجاهد، سآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، سأقف مع المظلومين ضدّ الظالمين…

“سوف” هذه لا قيمة لها في سوق العاملين؛ لم تُطعم جائعاً، ولم تمسح دمعة، القيمة هي العمل ثم العمل…

فنحن مأمورون من الله بالعمل قبل النّدم: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}. {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}.

 وقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص): “إنّ لله ملكاً ينزل كلّ ليلة فينادي: يا أبناء العشرين، جدّوا واجتهدوا.. ويا أبناء الثلاثين، لا تغرّنّكم الحياة الدّنيا.. ويا أبناء الأربعين، ماذا أعددتم للقاء ربّكم.. ويا أبناء الخمسين: أتاكم النّذير.. ويا أبناء الستّين: زرع آن حصاده.. ويا أبناء السّبعين: نودي فيكم فأجيبوا واستعدّوا للرّحيل.. ويا أبناء الثّمانين، أتتكم الساعة وأنتم غافلون”.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الموقف السياسيّ

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الموقف السياسيّبدأ سماحة العلامة السيد علي فضل الله حديث الجمعة بتأكيد ضرورة الصبر في هذه المرحلة الصعبة، وأهمية الاقتداء بسيرة النبي أيوب، ففي علاقته بزوجته، لما رآها تتذمر من الحال التي وصل إليها، وتطلب منه أن يدعو الله لرفع هذا البلاء عنه، قال لها: كم لبثنا في الرّخاء؟ قالت: ثمانين عاماً، فقال لها: وكم لبثت في البلاء؟ فقالت: سبع سنين. فقال: إني أستحي من ربي أن أجعله يرفع البلاء عني، وما قضيت فيه مدة رضائي.

وقال سماحته إننا احوج ما نكون للأخذ بهذا المنطق، حتى لا ننسى رحمة الله بنا عندما تواجهنا المصائب والابتلاءات، وحتّى نحسن الثقة بالله ونقوى على مواجهة التحديات.

وتوقف سماحته عند المواجهة المستمرّة مع فيروس كورونا، وإمكانيّة السيطرة عليه إذا تمّ توخي الدقّة في الالتزام بالنصائح الطبيّة واتباع سبل الوقاية.

ضرورة التقيّد بالتّعليمات

وأضاف سماحته: لانزال نراهن في هذا الأمر على وعي المواطنين لمخاطر عدم التقيّد بهذه التعليمات، وعلى إيمانهم الذي يدعوهم إلى الحفاظ على صحتهم، وعدم التهاون بحياتهم والمس بحياة الآخرين، وعلى قيام الدولة بكلّ أجهزتها، ومعها البلديات، باتباع الإجراءات الرادعة والكفيلة بتطبيق التعليمات المعروفة، والّتي نريدها أن تكون موحَّدة في كل المناطق والأحياء، ولا يستثنى منها مدينة أو حيّ، حيث بات واضحاً أنّ أيّ تهاون في منطقة، ينعكس على المناطق الأخرى.

تنويه بالإجراءات

ونوّه سماحته بالإجراءات الحكوميّة المتخذة على هذا المستوى، داعياً إلى توفير كل مقوّمات التصدي لهذا الوباء المستشري، من خلال العمل على توفير مختلف وسائل العلاج المناسب، والإسراع في تجهيز المستشفيات الحكومية بكلّ اللوازم والمعدات الطبية والصحية، ومساعدة المستشفيات الخاصّة حتى تقوم بدورها المطلوب، والذي قد تدعو إليه الاحتمالات الأسوأ، طبعاً بما لا يتنافى مع دورها في معالجة الأمراض الأخرى.

وتوجّه سماحته بالتقدير للأحزاب والتيارات السياسية والمؤسسات الصحية والاجتماعية التي تقف إلى جانب الدولة في مواجهة هذا الوباء، والتي وضعت كل إمكاناتها وطاقاتها في حالة طوارئ صحية لإنقاذ المواطنين وحمايتهم منه، متحمّلة كل المسؤولية أمام الله وشعبها، كما نوّه بالمبادرات التي تقوم بها هيئات صناعية وعلمية لإنتاج تقنيات طبية وصحية لمكافحة هذا الفيروس، شاكراً كل الكادر الطبي والصحي في الدولة والمجتمع الذي يقف في الخطّ الأمامي في مواجهة الوباء، بالرغم من كل المخاطر التي يتعرّض لها.

تداعيات اجتماعيّة

وتناول سماحته التداعيات الاجتماعية والمعيشية لهذا الوباء، والتي تتفاقم كل يوم مع توقّف الكثير من المؤسّسات والمحلات والقطاعات عن العمل التي كانت تؤمّن سبل العيش للناس، في ظل عدم قدرة العديد من المؤسّسات الخاصّة والشركات على دفع الرواتب الكاملة لموظفيها، نظرًا إلى توقفها عن الإنتاج، داعياً الدولة إلى أن لا تهمل الموظفين المياومين في قطاعات الدولة كما فعلت، وأن تسرع في القيام بمسؤولياتها، والوفاء بوعودها لمواطنيها، بمساعدة العائلات الفقيرة بالقدر الذي يحفظ كرامتها، لا بما تمّ إقراره من مبالغ زهيدة، علماً أنّ ما تمّ توفيره للخزينة من البنزين، يمكن استخدامه في هذا المجال، لتكون الحكومة بذلك على قدر آمال أغلبية اللّبنانيين.

التّعاون لسدّ الثغرات

وحثّ سماحته على التعاون بين الجمعيات والمؤسّسات الخيرية، لتتكامل في عملها لسدّ احتياجات المحتاجين، مقدّراً كلّ التقدير المبادرات التي تقوم بها جهات وجمعيات ومؤسّسات تحملت مسؤوليتها الاجتماعية في هذه الظروف الصعبة، للتخفيف من آلام الناس وأوجاعهم.

وتطرّق سماحته إلى أزمة المغتربين، ممن لم تتوفر لهم الشروط المعيشية والصحية الآمنة للبقاء في الخارج، وممن لم تسعفهم الظروف للمجيء إلى بلدهم قبل إغلاق المطار والمعابر الحدودية، مطالباً الحكومة بدراسة السبل الكفيلة بإعادتهم إن أمكن، أو تأمين سبل الرعاية ومدّ يد العون لهم حيث هم، من خلال السفارات والبعثات الدبلوماسية.

وشدّد سماحته على ضرورة توفير أواصر الوحدة المجتمعيّة الداخليّة، والخروج من كل الخلافات السياسية والاجتماعية التي ينبغي أن تكون مؤجلة في هذه المرحلة، حتى يتفرغ الجميع لمواجهة ما يتهدّد البلد كله، والذي لا يفّرق بين طائفة وطائفة ومذهب ومذهب.

هل عاد فساد المحاصصة؟!

ورأى سماحته فيما يجري على الصعيد الحكوميّ من خلافات بين مكوّنات هذه الحكومة، في قضية التعيينات المالية والمصرفية، بعد ما حدث على صعيد التشكيلات القضائية، سعياً من البعض للعودة إلى أسلوب المحاصصة الذي يشكّل أحد أبرز عناوين الفساد، والذي عاناه اللبنانيون طويلاً، وأوصل البلاد إلى ما وصلت إليه من انهيار، وهدد الدولة بالسقوط.

ودعا سماحته الحكومة بكلّ مكوّناتها إلى أن تفي بما وعدت به من الشفافية واعتماد معايير الكفاءة والأخلاق في التعيينات، بحيث يختار الأكفأ والأقدر في مذهبه وطائفته، للقيام بشؤون الموقع الذي سيستلمه، حتى نقدّم للّبنانيين صورة ناصعة لحكومة أرادت إعادة بناء الدولة وفق منطق الدولة، دولة القانون، لا دولة المحاصصة والمحسوبيات، وبما يعنيه ذلك من توجيه رسالة إيجابيّة إلى العالم، في الالتزام بالخطة الإصلاحية الناجعة التي تعيد إلى البلد مصداقيّته في عيون مواطنيه وأمام المؤسّسات الدوليّة.

وأبدى سماحته حرصه على التضامن الحكومي، ولا سيّما في هذه المرحلة الصعبة التي يمرّ بها الوطن، ولكن، لا ليكون على حساب اللّبنانيين، بل لحسابهم.

أخيراً، دعا سماحته العالم إلى الخروج من كلّ التوتّرات والحروب التي تعصف به، ليقف صفّاً واحداً في مواجهة هذا الفيروس، وليتوقّى الفيروسات السياسية العدوانية التي قتلت وتقتل أكثر من الفيروس نفسه