تسبيحةُ الزَّهراء (ع): زادُ الرّوحِ في مواجهةِ مصاعبِ الحياة
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. صدق الله العظيم.
ذكرى وفاة الزّهراء (ع)
سنكون في الثَّالث عشر من شهر جمادى الأولى مع ذكرى وفاة واحدة ممّن تحقَّقت فيهم مشِيئةُ الله، بأَن أذهَبَ عنهم الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَطَهّرَهمْ تَطْهِيرًا، وهي الصّدّيقة الطَّاهرة فاطمة الزّهراء (ع)، سيّدة نساء العالمين، وذلك بناءً على الرِّواية الّتي نعتمدها، والّتي ترى أنَّ وفاتها حصلت في هذا اليوم، أي بعد وفاة رسول الله (ص) بخمسة وسبعين يومًا.
هذه الذِّكرى الأليمة الّتي فجعت قلوب عليّ وزينب والحسن والحسين وأمّ كلثوم (ع)، وجدَّدت حزنهم على رسول الله (ص)، والَّذي عبّر عنه أمير المؤمنين (ع)، عندما وقف على ملحودة قبرها، وتوجّه إلى حيث رسول الله (ص) قائلًا: “قلَّ، يا رسول الله، عن صفيّتك صبري، ورَقَّ عنها تجلُّدي، إلَّا أنَّ في التّأسّي لي بعظيم فُرقتك، وفادح مصيبتك، موضع تعزٍّ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. فلقد استرجعت الوديعة، وأخذت الرَّهينةُ! أمَّا حزني فسرمَدٌ، وأمَّا ليلي فمُسهَّدٌ، إلى أن يختارَ الله لي دارك الّتي أنت بها مقيم”.
التسّبيحة.. والرّضا
ونحن اليوم، سوف نستذكر بعضًا ممّا ورد في سيرتها (ع)، فقد ورد في هذه السّيرة أنَّ أمير المؤمنين (ع) قال لها بعدما رأى آثار التّعب والإعياء والمشقّة عليها: ماذا لو جئت أباكِ لنطلب منه خادمًا يريحك بعض الشَّيء ويخفِّف متاعبك؟ لكنَّها (ع) حياءً من رسول الله (ص)، امتنعت أن تكون هي المبادرة لهذا الطَّلب، ولذلك لـمّا وصلا إلى الرّسول (ص)، كان عليّ (ع) هو، فقال وهو يخاطب رسول الله (ص): “يا رسول الله، إنَّ ابنتك استقت بالقربة حتّى أثَّر في صدرها، وطحنت بالرَّحى حتّى مجلت يداها، وكنست البيت حتّى اغبرَّت ثيابها، وأوقدت النَّار تحت القدر حتّى دكنت ثيابها“، فدمعت عينا رسول الله (ص) لما آل إليه حال ابنته الزّهراء من التّعب وثقل الأعباء.
لم يكن رسول الله (ص) في ذلك ليبخل على ابنته الزَّهراء (ع)؛ بضعته وروحه الّتي بين جنبيه، بخادمة توفِّر لها بعضًا من راحة هي أحوج ما تكون إليها على هذا الصَّعيد، ولكنَّه أراد لابنته أمرًا آخر كان يراه أهمَّ لها، لذا قال لها ولعليٍّ (ع)، باعتبار أنّهما كانا يتقاسمان المسؤوليَّة في البيت: “أفلا أعلّمكما ما هو خيرٌ لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما، فكبِّرا أربعًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وسبِّحا ثلاثًا وثلاثين”. قالت فاطمة (ع): “رضيت عن الله وعن رسوله”، وقال عليّ (ع) مثل ذلك، وأصبحت هذه التّسبيحة على لسانهما، يردِّدانها عند كلّ منام وبعد كلّ صلاة، ما كان ينسيهما عناء العمل في البيت وخارجه.
لقد أراد رسول الله (ص) من دعوته إلى هذه التّسبيحة أن يشير إلى أمور عدّة:
تكريمٌ للزّهراء (ع)
أوّلًا: أراد بها أن يكرّم ابنته السّيِّدة الزّهراء (ع)، الّتي كان لها شأن وموقع خاصّ عنده، وهو الّذي كان يقول عنها: “فاطمة روحي الّتي بين جنبيّ”، “فاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي مَن أغْضَبَها أغْضَبَنِي ومن آذاها فقد آذاني”، “فاطمة أمّ أبيها”، وقد كان تكريمه لها في الموقع الّذي تحبّه بما يرتقي بها عند ربّها، لأنَّ هذا هو التَّكريم الحقيقيّ بأن دعاها إلى الأخذ بهذه التّسبيحة، وأن يعزّز موقعها عند النّاس وعلى مدى الأجيال، عندما تقترن هذه التّسبيحة باسمها، والّتي أشارت الأحاديث الشّريفة إلى أهميَّتها، حيث ورد عن الإمام الصَّادق (ع): “ما عُبدَ الله بشيءٍ من التَّحميد بعد الصَّلاة أفضل من تسبيح فاطمة، ولو كان شيء أفضل منه، لنحله رسول الله (ص) إلى فاطمة (ع)”.
وورد عنه أنَّه قال لأحد أصحابه، وهو أبو هارون المكفوف: “يا أبا هارون، إنَّا لنأمر صبياننا بتسبيح فاطمة (ع) كما نأمرهم بالصَّلاة”. وفي هذا إشارة واضحة إلى أهميّة التّربية على الصّلاة. وهنا نسأل: كم منّا يهتمّ بإيصاء أولاده بهذه التّسبيحة؟.
وفي الحديث: “مَنْ سَبَّحَ تَسْبِيحَ فَاطِمَةَ (ع)، فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهَ الذِّكْرَ الْكَثِيرَ”، وهو الَّذي دعا إليه الله عزَّ وجلَّ وحثَّ عليه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}.
في مواجهةِ الصّعاب
ثانيًا: أراد (ص) أن يشير من خلال ذلك إلى الدَّور الّذي يؤدّيه ذكر التّسبيح، عندما يواجه الإنسان التّحديات والمكاره والصّعوبات، وهو ما عبّر عنه الله سبحانه وتعالى عندما تحدَّث عن النّبيّ يونس (ع)، فهو بعدما ابتلعه الحوت، وكاد أن يهشّم عظامه وينهي حياته، أنجاه الله من بطن الحوت بتسبيحه لله، فقال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} وعندما قال: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.
وقد أشار سبحانه وتعالى بالتّسبيح للنَّبيّ (ص) عندما كانت تواجهه التّحدّيات، فقال: {فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ}.
الدّور التّربويّ للتّسبيحة
ثالثًا: أراد رسول الله (ص) منه الإشارة إلى الدَّور التّربويّ الّذي تؤدّيه هذه الأذكار الواردة في التّسبيحة، لكون رسول الله (ص) لم يرد لهذه التّسبيحة أن تقف عند حدود اللّسان، بل أن تنبع من أعماق القلب، وأن يعيش الإنسان مدلولاتها ومعانيها، وأن تنعكس على السّلوك في الحياة كما هو المطلوب من كلّ ذكر لله.
فالتّكبير الّذي أمر الله من يسبّح أن يكرّره أربعًا وثلاثين مرّة، هو إعلان من الإنسان بأنَّ الله أكبر من كلّ من قد يراه كبيرًا أو عظيمًا أو له شأن أو موقع، فلا يرى فوق عظمة الله أحدًا، ولا يرى أحدًا يدانيه في القوَّة أو الرّزق أو التّدبير، فهو وحده من له الخلق والأمر… وهذا يحفّز الإنسان ليجعل الله وجهته دومًا، وأن يتوكَّل عليه، وأن يراه خير سند ودعامة عندما تواجهه الظّروف الصّعبة والمشكلات.
و “الحمد لله” الّذي يكرّره ثلاثًا وثلاثين مرّة، هو إعلانٌ من الإنسان بأنَّه ممتنّ لله، شاكر له، مقدّر لعطائه، وأنّه يرى عطاءه فوق كلّ عطاء، ويحمده قبل أيّ حمد، فكلّ ما عنده منه، وهذا يدعوه إلى أن يبادل جميل الله عزَّ وجلَّ بجميل، وأقلّ جميل له أن لا يستعين بنعمة على معاصيه، وأن يستحي منه إن دعته نفسه إلى معصيته أو إلى ترك واجب.
أمّا قول “سبحان الله”، فهو إعلان من الإنسان بالكمال المطلق لله، وأنَّ الله عزّ وجلّ منزّه عن كلّ نقص أو عيب، لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، ولا يطرأ عليه ضعف أو وهن، فمن يستند إليه، فإنّما يستند إلى ركنٍ وثيق {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، فبه يقوم الكون، وهو من ينبغي أن نتوجَّه إليه بحاجاتنا، كما نقرأ في الدّعاء: “فَأَنْتَ، يَا مَوْلايَ، دُونَ كُلِّ مَسْؤُول مَوْضِعُ مَسْأَلَتِي، وَدُونَ كُلِّ مَطْلُوب إلَيْهِ وَلِيُّ حَاجَتِي. أَنْتَ الْمَخْصُوصُ قَبْلَ كُلِّ مَدْعُوٍّ بِدَعْوَتِي، لاَ يَشْرَكُكَ أَحَدٌ فِي رَجَائِي، وَلاَ يَتَّفِقُ أَحَدٌ مَعَكَ فِي دُعَائِي، وَلاَ يَنْظِمُهُ وَإيَّاكَ نِدَائِي، لَكَ، يَا إلهِي، وَحْدَانِيَّةُ الْعَدَدِ، وَمَلَكَةُ الْقُدْرَةِ الصَّمَدِ، وَفَضِيلَةُ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ، وَدَرَجَةُ الْعُلُوِّ وَالرِّفْعَةِ، وَمَنْ سِوَاكَ مَرْحُومٌ فِي عُمْرِهِ، مَغْلُوبٌ عَلَى أَمْرِهِ، مَقْهُورٌ عَلَى شَأنِهِ، مُخْتَلِفُ الْحَالاَتِ، مُتَنَقِّلٌ فِي الصِّفَاتِ. فَتَعَالَيْتَ عَنِ الأشْبَاهِ وَالأضْـدَادِ، وَتَكَبَّـرْتَ عَنِ الأمْثَـالِ وَالأنْدَادِ، فَسُبْحَانَكَ لَا إلهَ إلاَّ أَنْتَ”.
على خطى الزّهراء (ع)
هذا غيضٌ من فيض الزَّهراء علينا، وإخلاصنا لها في ذكرى ارتحالها إلى ربّها ينبغي أن لا يقف عند إبداء مشاعر الحزن بذرف الدّموع وإقامة مجالس العزاء، بل أن نتمثّلها في كلّ معالم شخصيّتها، بالدّور الرّسالي الّذي عبّرت عنه في بيتها وفي المجتمع الَّذي عاشت فيه، وفي كلّ الإرث الّذي تركته لنا… وفي صوتها الصَّارخ في مواجهة الظّلم والانحراف، وبذلك نخلص لها، ونكون جديرين بحمل اسمها والانتماء إليها…
نسأل الله أن يوفِّقنا لذلك، والسَّلام عليها يوم ولدت، ويوم انتقلت إلى رحاب ربّها، ويوم تُبعَث حيّة.
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الخطبة الثَّانية
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصت به الزّهراء (ع) ذلك الرَّجل، عندما جاء إليها قائلًا: “يابنة رسول الله، هل ترك رسول الله شيئًا عندك تطرفينيه؟”، فقالت: “يا جارية، هاتي تلك الحريرة”، فطلبتها فلم تجدها، فقالت السيّدة الزّهراء (ع): “ويحك، اطلبيها، فإنَّها تعدل عندي حسنًا وحسينًا”. فطلبتها، فإذا هي قد قمَّتها في قمامتها، ففتحتها للرَّجل، وكان فيها: “ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو يسكت. إنَّ الله يحبّ الخيّر الحليم المتعفِّف، ويبغض الفاحش الضَّنين (البخيل) السّآل المُلْحِف (المتسوّل الّذي يبالغ في طلب الإحسان والصّدقة)، إنَّ الحياء من الإيمان”.
إنّنا أحوج ما نكون إلى استحضار كلّ هذه المعاني، لنصحِّح صورة المؤمن فينا، الّذي لا يقف دوره عند أداء الشّكليّات، بل ينعكس على سلوكه مع جيرانه والمجتمع، وبذلك نبني مجتمعًا مثاليًّا، والّذي به نصبح أكثر حضورًا وفاعليّة وقدرةً على مواجهة التّحدّيات.
العدوّ يواصل إجرامه
والبداية من الاعتداءات الإسرائيليّة الّتي شهدناها في خلال الأسبوع الفائت على لبنان في الغارات الّتي استهدفت البقاع والجنوب وعمليَّات الاغتيال، وفي استمرار عمليّات التّوغّل في قرى الشّريط الحدوديّ، وكان آخر ذلك هدم حسينيّة العديسة، والجريمة النّكراء الّتي ارتكبها العدوّ في استباحته لمبنى بلديّة بليدا، وقتله بدم بارد أحد موظّفيها، وفي استهدافه المستمرّ للآليّات الّتي تستخدم في الإعمار لمنع إعادة إعمار ما تهدَّم من عدوانه. يأتي كلّ ذلك في إطار عدم قيام اللّجنة المكلّفة بالإشراف على وقف إطلاق النّار بدورها في ردع العدوّ عن اعتداءاته، والضّغوط الّتي تمارس على لبنان، والّتي يبدو أنّها ستستمرّ إن على الصّعيد الأمنيّ أو الاقتصاديّ، حتّى يرضخ لشروط العدوّ بالتّفاوض المباشر معه، والّتي سعت المبعوثة الأميركيّة لتسويقه عبر الآليّة الّتي طرحتها.
وقد أصبح من الواضح أنَّ التّفاوض الّذي تدعى الحكومة إلى الانخراط فيه، لا يراد منه إنهاء حال الحرب القائمة وعودة الاستقرار إلى هذا البلد، فلو كان هذا هو الهدف المرجوّ، لحصل منذ قرار وقف إطلاق النّار، والّذي التزمت الدّولة اللّبنانيّة بكلّ بنوده، ومعها المقاومة، وما يشهد على ذلك، هو عدم ردّها رغم اعتداءاته المتواصلة، والّتي أدّت حتّى الآن إلى استشهاد أكثر من ثلاثمائة وستّين شهيداً، ولكنَّ هذا العدوّ بات واضحًا أنّه لا يريد من التَّفاوض حلًّا، بل مدخلًا لتكريس الأمر الواقع وشرعنته، بأن تكون له اليد الطّولى في لبنان، والحصول على مكتسبات أمنيّة تتمثّل بتسليم لبنان بما يريده من منطقة عازلة قد تتوسّع في حدودها… وقد تتوسّع شروطه إلى تحقيق أهداف أخرى سياسيّة وأمنيّة، منها ما أعلن عنه ومنها ما لم يعلن.
عدم التّسليم للعدوّ
ونحن في هذا المجال، ندعو الدّولة اللّبنانيّة إلى أن لا تتعامل مع طرح المفاوضات من موقع ضعف، على قاعدة أن لا خيار لدى لبنان سوى التّسليم بذلك، وأن تصرّ على موقفها أمام كلّ الدّول الّتي تدعوها إلى التَّفاوض لإنهاء حال الحرب بعدما التزمت بما عليها، والضّغط على العدوّ لِيَفي بالتزاماته لوقف اعتداءاته واستباحته للسّيادة اللّبنانيّة، والانسحاب من المواقع الّتي لا يزال يحتلّها، وإعادة الأسرى اللّبنانيّين.
إنّنا لا نريد التّهوين من قدرات العدوّ وإمكاناته، والتّغطية الدّوليّة الّتي يملكها، لكن هذا، كما قلنا سابقًا، لا يدعو إلى التّسليم لشروطه، أو التّنازل عن سيادة هذا البلد وأمنه، بل إلى تعزيز المناعة الدّاخليّة، والعمل على توفير الشّروط الخارجيّة لوقاية البلد من أطماع العدوّ وعدوانه.
موقف وطنيّ مسؤول
وهنا لا بدّ أن ننوّه بالموقف الوطنيّ المسؤول الّذي اتّخذه رئيس الجمهوريّة بدعوته قيادة الجيش إلى الرّد على أيّ اعتداء من العدوّ الصّهيونيّ على الأراضي اللّبنانيّة، والّذي يعيد إلى الجيش دوره بحماية اللّبنانيّين والذَّود عن الوطن، ودائمًا كنّا نؤكّد أنَّ الجيش قادر على القيام بهذا الدّور إذا توفّرت له القدرات والإمكانات والغطاء السّياسيّ.
ومن هنا، فإنّنا نعيد الدّعوة للّبنانيّين جميعًا إلى عدم الانصياع للتّهاويل والخضوع لها في هذه المرحلة، والّتي تهدف إلى إضعاف مناعتهم الدّاخليّة، لدفعهم إلى تقديم التّنازلات الّتي يريدها العدوّ، في سعي منه إلى أن يأخذ بالتّهاويل ما لم يستطع الحصول عليه بالحرب. وهذا لا يعني عدم الحذر من هذا العدوّ، فالحذر معه واجب في كلّ مرحلة. فيما نجدّد دعوتنا لكلّ اللّبنانيّين في هذه المرحلة الحرجة من تاريخهم، وأمام التّحدّيات الّتي تمسّ أمنهم وسيادتهم جميعًا، إلى تعزيز وحدتهم في مواجهة هذه الأخطار، والكفّ عن كلّ ما يمسّ بها، لكونها الرّأسمال الأساس لهم، والّذي به يمنعون كلّ من يريد العبث بأمنهم ومصيرهم، ولا طريق لبلوغ هذه الوحدة وترسيخها إلّا باعتماد لغة الحوار لكي تكون الحاكمة بينهم عند أيّ اختلاف.
لقد أصبح واضحًا أنّ التّوافق هو الّذي يضمن الأمن والاستقرار والوحدة، فهذا البلد لا يمكن أن يستقرَّ بالغلبة. ولذلك، نتوجّه، وفي ظلّ الاختلاف الحاصل على قانون الانتخاب الّذي أخذ أبعادًا طائفيّة ومذهبيّة، وقد يؤدّي إلى تطيير الاستحقاق الانتخابيّ الّذي ننتظره، بضرورة أن تبذل كلّ الجهود لإيجاد صيغة توافق تؤدّي إلى حفظ حقّ المغتربين بالانتخاب، لكن بما لا يدخل هذا الاستحقاق في دائرة تصفية الحسابات الدّاخليَّة، أو يطيح بالتَّوازنات الوطنيَّة، أو يؤدّي إلى شرخ داخليّ.
غزّة: العدوّ ينقض الاتّفاق
ونعود إلى غزّة الّتي عاود العدوّ غاراته عليها، وأدّت إلى سقوط عدد كبير من الشّهداء والجرحى، متذرّعًا بعدم وفاء المقاومة في غزّة بالتزامها، ومن دون أن يقدّم أيّ دليل مقنع عليه، ما يشير إلى استمرار العدوّ بمشروعه بتدمير غزّة وتهجير أهلها، وهو لذلك يصطنع الذّرائع الّتي تبرّر له مواصلة تحقيق مشروعه، ما يدعو الدّول الرّاعية لهذا الاتّفاق إلى تحمّل مسؤوليّتها لإلزام العدوّ بالوفاء بما تعهّد به.
إنّنا ندعو الشّعب الفلسطينيّ إلى أن يبقى على ثباته وصبره وصموده، لمنع الكيان الصّهيونيّ من تحقيق أهدافه منه، وتحقيق ما يصبو إليه في غزّة، والّذي يستكمله حثيثًا في الضّفَّة الغربيَّة.
***



 
						