ثورة الحسين(ع) كانت ضدَّ صمت الأمَّة وخذلان الرّسالة

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

الخطبة الأولى

في العشرين من صفر، عشنا ذكرى أربعين استشهاد الإمام الحسين(ع).. هذه الذّكرى الّتي تختلط فيها المشاعر، فأنت أمام فاجعةٍ تفجّر فيك الحزن، وتثوّر في داخلك الغضب، وتعصر قلبك ألماً..

أسباب عاشوراء

تاريخ عاشوراء معروف، سبب ثورة الحسين معروف. باختصار، إنّ الحسين(ع) رأى الانحراف في جسد الأمّة ـ وهذا ما لم ينكره أحد ممن قرأ وفهم ووعى تاريخ تلك المرحلة ـ يرى الحسين ذلك، فيسْعى لإصلاحه، لا يحقّق جاهاً ولا فخراً ولا موقعاً.. وهل يحتاج إمام قام أو قعد، وسليل النبوّة، وسيّد شباب أهل الجنّة، وخامس أهل الكساء، هل يحتاج إلى مجد زائل، وإلى موقع لا يبقى ولا يستمرّ؟!

في هذه الذّكرى أيضاً، تختلط المشاهد، ففيها يبرز مشهد السموّ والارتقاء الإنساني المليء بالعنفوان والبطولة، وقد تمثّل بزينب(ع) وهي تقرّع كبرياء يزيد، وهي في حالة عاطفيّة ونفسيّة وجسديّة لا يستطيع أمامها أحد من البشر إلا أن ينهار بعد رحلة طويلة من السبي ووضع الرّأس الشّريف لأخيها الحسين أمامها، إلا أنّ زينب(ع) حلّقت بإنسانيّتها، وتسامت، وقالت ليزيد: "فكِد كيدك، واسعَ سعيك، وناصِب جهدك، فإنّك لن تمحو ذكرنا، ولن تميت وحينا"…

وفي المقلب الآخر، كانت الصّورة مختلفة، كان المشهد مغايراً، مشهد السّقوط والانحدار والانهيار المريع الّذي أصاب الأمّة الإسلاميّة آنذاك، فيزيد الفاسق الشّارب للخمر، يُكرَّس بعد هذه الفاجعة خليفةً للمسلمين وأميراً عليهم، بعد أن تخلّص ممّن كان يشكّل وجوده خطراً عليه.

تخيّلوا، أيّها الأخوة والأخوات، المشهد؛ الأمّة الّتي أفنى رسول الله حياته لأجلها، يبلّغ شرع الله، ويركّز أحكامه، ويصنع إنسانه، ويفسّر قرآنه، من أجل تثبيت الاستقامة وإحقاق العدل.. ها هو خليفة المسلمين أوّل من يجاهر بالحرام؛ يشرب الخمر، يتجاوز حدود الله، يظلم ويفجر، ويصل به الحدّ لطلب المبايعة من الحسين، يريد بكلّ صلافة أن يأخذ شرعيّته من ابن بنت رسول الله.. كان مراهقاً فاسداً، أراد أن يحظى بأن يكون هو الوصيّ على الدّين والقيم والمبادئ؛ أيّ سقوط في هذا للأمّة، وأيّ نكسة وكارثة كادت تحصل، لولا أن منّ الله على الأمّة بالحسين ليقف موقف البطولة والفداء، ليعطّل مشروع انحراف كاد أن يطيح بكلّ مكتسبات الرّسالة والدّعوة الإسلاميّة والعودة بالأمّة إلى جاهليّتها؟!

عندما غادر رسول الله الحياة، كان تركيزه على أنّه تارك في النّاس صمّامَي أمان، ما إن يتمسّكوا بهما لن يضلّوا بعدهما أبداً: كتاب الله وعترته أهل بيته.. ولكنّ يزيد، أيها الأحبّة، ضرب عرض الحائط بكتاب الله وأحكامه وشرعه، وعطَّل الحدود، وها هو يكمل صوب صمّام الأمان الآخر؛ أهل بيت النبوّة، فشهد التّاريخ أبشع مجزرة، ليس بحقّ أفراد فحسب، إنما بحقّ أمّة بأكملها، وهو الجرح الّذي أصاب وجدان الأمّة، وسيظلّ ماثلاً إلى يوم الدين.. والأمّة جميعها معنيّة بهذا الجرح، وعت ذلك أم لم تع، صرّحت به أم لم تصرّح.. توقّفت عنده أم لم تتوقّف، شاءت أم أبت، فالحسين هو سبط رسولها، هو منه ريحانته، والرّسول سيطالبها بموقفها من الدّم الّذي سفك في كربلاء، وسيطالبها بموقفها مما أصاب دينه، وسيطالبها بصمتها…

 المشهد، أيّها الأحبة، على مستوى الواقع الإسلاميّ كان قاتماً ومظلماً.. وحدهم أهل بيت النبوّة وموضع الرّسالة ومختلف الملائكة، شكّلوا نقطة الضّوء ومبعث الأمل، ليس لمجرّد القرابة، بل لأنّهم كانوا الملاذ لكلّ طالبي حقّ وعدل واستقامة، ولكلّ من أراد أن يرى كيف يتحرّك الدّين ويتمثّل إنساناً في ساحة الحياة…

ثورة ضدّ صمت الأمّة

أيّها الأحبّة: لقد كان الحسين(ع) واعياً منذ انطلاقته لحجم الدّور المنوط به، فهو لم يثر فقط ضدّ شخص يزيد، بل ضدّ صمت أمّة، وخذلان رسالة، وعفن أصاب القلوب، وصدأ أصاب العقول، وحمية انطفأت، وغيرة جُيّرت، لأجل كلّ هذا ثار الحسين، وفي استشهاده، أراد أن يهزّ كلّ هذا الواقع من ركوده…

نعم، ما دفع الحسين إلى أن يأخذ قراره بالسّير في مشروع الثّورة حتّى النّهاية، وهو يدرك حجم المخاطر والتّضحيات، أنّه كان ينظر ليس فقط إلى حاضر الأمّة، بل أيضاً إلى مستقبلها، كان يريد أن يوقظها من سباتها، وأن يخرجها من صمتها…

ويذكر المؤرّخون كيف عمل الأمويّون بجدّ لتثبيت هذا المنطق في الأمّة، منطق الصّمت والقبول بالواقع, ولم يوفّروا أيّ وسيلة…

أوّلها: ترسيخ قناعات خاطئة تتّصل بالعقيدة، زرعوها وحوّلوها إلى عقائد، مثل: المكتوب لا يمكن أن نقف في وجهه، والله قدّره. نعم، الأمويّون هم من روّجوا لفكرة الجبريّة، فسادَ منطق أنّ الأعمال كلّها، حتّى السيّئة، هي بإرادة الله، ومن يقف في وجهها يعترض على مشيئته، فسكت النّاس..

ثانياً: ترويج الأمويّين لرواياتٍ ابتدعوها عن عدم جواز الخروج على الحاكم حتّى لو كان جائراً، ومن يخرج عليه فهو ظالم وباغ وباعث للفتنة، كما شهدت هذه المرحلة تزويراً ودسّاً لأحاديث كثيرة نسبت إلى رسول الله..

وثالثاً: المال السياسيّ الّذي تم من خلاله شراء الضّمائر والمواقف وشراء السّكوت، وقد اشتهر الأمويّون بإغداق الأعطيات على جماعتهم، وجذب المعارضين إليهم، ولهذا عمّ الفساد واستشرى.

ورابعاً: اللّجوء إلى السّيف والعنف والقمع والبطش وصولاً إلى قطع الألسن، ما زرع الخوف والرّعب في النّفوس والقلوب…

 لقد استطاع الأمويّون أن يحوّلوا المجتمع الإسلاميّ من مجتمعٍ يعيش القيم والمبادئ والتّضحية من أجلها، إلى مجتمعٍ خنوعٍ ذليل، همّه السّلامة والدّينار، مجتمعٍ يباع ويشترى.

وتذكر سيرة عاشوراء، كيف أنّ عبيد الله بن زياد، والي يزيد على الكوفة، عندما أراد أن يواجه حركة مسلم بن عقيل، وقف أمام النّاس وهو يحمل صرّة النّقود بيد، والسّيف بيد، وقال: المال لمن يترك مسلم بن عقيل والولاء للحسين، والسّيف ينتظر من يقف في وجهي. عندها راحت المرأة تخذل ابنها وزوجها، والزّوج يخذل زوجته، حتّى تفرّق النّاس خوفاً وطمعاً..

لهذا كلّه، وجد الحسين(ع) أنَّ واقع الأمَّة بات يحتاج إلى زلزال، إلى صدمةٍ تهزّ كلّ هذا الذلّ وهذا الخنوع، وأنّ عليه أن يحوّل المسار ويقلب الصّورة، فكانت عاشوراء بكلّ آلامها وآمالها ومآسيها وبطولاتها..

نهجٌ خطّه الحسين(ع)

أيّها الأحبّة: في كربلاء، لم يستطع الحسين(ع) أن يحقّق نصراً عسكريّاً، ولم يقدر على تحقيق هدفه بإسقاط حكم وإعادة الحقّ إلى نصابه، لكنّ الحسين(ع) استطاع أن يرسم للأمّة منهجاً، وهو أن ترفض الظّلم والطّغيان، في أيّ موقعٍ كان الحاكم، سواء كان كبيراً أو صغيراً، أن ترفع صوتها في وجه ظالمها.. بالكلمة أو الموقف أو المواجهة، فلا وجود في منطق الحسين(ع) للأكثريّة الصّامتة، الأكثريّة الصّامتة في موقع الظّلم والطّغيان هي شريكة للظّالم بسلبيّتها..

لقد أراد الحسين(ع) للأمّة أن تستيقظ، فإن لم تستطع أن تسقط الظّالم، فعلى الأقلّ أن تنخر في عرشه، من خلال عدم إعطاء الشرعيّة له، أن لا تدعه يرتاح، أن تقلقه ولو سبّب لها آلاماً وتضحيات.

  لقد علّمنا دم الحسين(ع)، وعلّمتنا مواقف الحسين، وآلام أهل بيته وأصحابه وجراحاتهم، أن نكون معنيّين بكلّ مفردات واقعنا، أن لا ننأى بأنفسنا عمّا يجري من حولنا، أن لا نسكت على ظلم ظالم مهما كان، أن لا نبيع ديننا أو مواقعنا ومبادئنا لحساب دنيا فانية ونعيم زائل.

أيّها الأحبّة: في ذكرى أربعين الحسين(ع)، نستعيد كلّ قيم البطولة والعزّة والفداء، نستعيدها وعيوننا عبرى وقلوبنا حرّى…

ونحن ـ رغم بعد الزّمن ـ سنبقى نُحيي أمرهم، ونورّث أجيالنا محبّتهم والسّير على طريقهم، وسنظلّ نتوجّه بقلوبنا وعقولنا لزيارتهم.

  السّلام عليك يا أبا عبد الله، السّلام عليك يا بن رسول الله، السّلام عليك يا بن أمير المؤمنين، السّلام عليك وعلى الأرواح الّتي حلّت بفنائك، وأناخت برحلك..

السّلام عليك ما بقيت وبقي اللّيل والنّهار، أشهد يا مولاي أنّك أقمت الصّلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، وعبدت الله مخلصاً حتّى أتاك اليقين.

والحمد لله ربّ العالمين.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، والتّقوى هي صمّام أمان لنا في الدّنيا، وهي أمان لنا عندما نقف بين يدي الله، وإلى ذلك أشار الله تعالى:

{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}(الزمر:74).

ومن التّقوى أن نلتزم بوصيّة الإمام الرّضا(ع)، الإمام الّذي ملأ الحياة الإسلاميّة علماً وأخلاقاً وحواراً وعدلاً، هذا الإمام الّذي مرّت علينا ذكرى وفاته في الثّامن عشر من شهر صفر، ولا سيّما الوصيّة الّتي أبلغها إلى أحد أصحابه، وهو السيّد عبد العظيم الحسني، والّذي يسمّى الشاه عبد العظيم، الّذي يزوره غالباً الّذين يذهبون إلى الزيارة في إيران، حيث قال له: "يا عبد العظيم! أبلغْ عنّي أوليائي السّلامَ، وقل لهم ألاَّ يجعلوا للشّيطان على أنفسهم سبيلاً، ومُرْهم بالصّدق في الحديث وأداء الأمانة، ومُرْهم بالسّكوت وترك الجدال فيما لا يَعْنيهم، وإقبالِ بعضهم على بعض والمُزاوَرة.. ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضاً، فإنّي آليتُ على نفسي، أنّه مَن فعل ذلك، وأسخط وليّاً من أوليائي، دعوتُ الله لِيعذّبه في الدّنيا أشدّ العذاب، وكان في الآخرة من الخاسرين".

أيّها الأحبّة: بالالتزام بهذه الوصيّة، نبني مجتمعاً نحن أحوج ما نكون إليه، مجتمع الصّدق والأمانة ومحبّة الآخر، مجتمع التّلاقي والتّواصل والانفتاح والحوار. بهذا المجتمع، ينبغي أن ندخل إلى عام جديد، عام نريده أن يكون أفضل من عام سابق ودّعناه بالدّعاء: "اللّهمّ اجعل مستقبل أمري خيراً من ماضيه"، أن يكون أفضل فرديّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً، أفضل في علاقاتنا بعضنا مع بعض كمجتمع، ووطن، وأمّة.

فلسطين: الاستباحة المستمرّة

لا يزال العدوّ الصّهيوني يتابع سياسته في القتل والاعتقال، وقضم الأراضي وبناء المستوطنات عليها، وفي اعتداءاته المستمرّة على المواقع الدّينيّة الإسلاميّة والمسيحيّة، وسعيه للتّغيير الديمغرافي المستمرّ في الضفّة الغربيّة والقدس، وصولاً إلى أراضي العام 1948.

إنّ هذه المعاناة المستمرّة تستدعي مزيداً من العمل الفلسطيني المشترك، وإبقاء القضيّة الفلسطينيّة حاضرةً في الوجدان العربي والإسلامي، فلا تُنسى وسط انشغالات هذا العالم بأزماته، ولا يستبدل هذا العدوّ الصّهيونيّ بعدوّ آخر، بحيث يكون العدوّ هو هذا البلد الإسلاميّ أو ذاك البلد العربي، ولا بالفتن الّتي تعصف بواقعنا العربي والإسلامي، هذه الفتن الّتي باتت تمزّقنا وتشغلنا عن قضايانا الأساسيّة والمصيريّة، وعلى رأسها قضيّة فلسطين.

استهدافٌ لوحدة العراق

ونصل إلى العراق، حيث نشعر بخطورة الأوضاع والتطوّرات التي تعصف بالساحة العراقيّة، والتي بدأت تأخذ طابعاً مذهبيّاً حاداً، مع أنها قضايا سياسيّة وأمنيّة في العمق. إننا نخشى أن تُدخِل هذه الأوضاع العراق في أتون هذا الصّراع المذهبي، الّذي لن يستفيد منه سوى أعداء هذا الشعب، حيث يريدون أن يدخلوا على هذا الخطّ لحساباتهم الخاصّة، والّذي تُمثّل التفجيرات الوحشيّة الأخيرة فيه جزءاً من خططهم الرّامية إلى تدمير العراق بكلّ مكوّناته، واستهداف وحدته ومستقبله ودوره الاستراتيجي في المنطقة وعلى مستوى العالم.

إنّنا نثق بأنّ وعي العراقيّين سيفضي إلى تجاوز هذه المرحلة، حيث لا خيار للعراقيّين، رأفةً بشعبهم ومستقبل بلدهم، إلا النّهوض به، من خلال التّلاقي والتّواصل في ظلّ مؤسّسات الدّولة، لأنها كانت خياراً لهم في الأساس، وحلّ المشكلات عن طريق الحوار، ليبقى العراق نموذجاً وطنيّاً وعربيّاً وإسلاميّاً يغذّي كلّ هذه العناوين، بدلاً من أن يتحوّل إلى ساحة تزيد الأمور في المنطقة تعقيداً أو تمزيقاً..

مستقبل سوريا في خطر

أمّا سوريا، التي يحذِّر المبعوث الدّولي والعربي إليها من أن تتحوّل إلى جحيم مستمرّ في حال تعثرت التسوية السياسيّة، فإنّنا نرى في استمرار نزيفها المدمّر، وفي المجازر المتنقّلة فيها، وحركة النزوح المتصاعدة، خطراً كبيراً قد يصل إلى مستوى الكارثة، ليس على المستوى السوريّ فحسب، بل على المستوى العربي والإسلامي العام أيضاً.

إننا نخشى من أنّ هذه المأساة التي يدفع ثمنها الشعب السوري من حياة أبنائه، ومقوّمات عيشه، قد أضحت حدثاً عادياً وروتينياً لدى المحاور الدولية والإقليمية، التي لا يتوانى البعض فيها عن الحديث عن التّقسيم والتّفتيت و"الصّوملة"، وما إلى ذلك، وكأنّه القدر الّذي لا بدّ منه، والسُّم الّذي على الشّعب السوريّ تجرّعه، كرمى لعيون العدوّ والمحاور الدوليّة الساعية إلى تعزيز نفوذها في المنطقة على حساب هذا الشّعب.

إنّنا نأمل أن يعي الجميع أنّ مستقبل هذا البلد في خطر، وأنّ عليهم أن يسعوا إلى سلام سوريا وأمانها واستقرارها وبقائها في موقعها الرّيادي، ولأجل ذلك، لا بدَّ من أن تسقط كلّ الحسابات الخاصّة، الطائفيّة والمذهبيّة والشخصيّة. 

لبنان: الأولويّة لقانون الانتخاب

أمّا لبنان، الّذي تزداد معاناة أبنائه، فإنّنا نأمل أن تكون السنة الحاليّة خيراً من الماضية، وذلك بأن تبادر الدّولة إلى إنصاف أبنائها، سواء كانوا من أساتذة الجامعة الّذين تَعرقل ملفّ تفرّغهم، أو المعلّمين والموظّفين الّذين ابتعدت مسألة إقرار سلسلة الرّتب والرّواتب لهم، أو الطّبقات المحرومة والمستضعفة الّتي أملت خيراً في حديث المسؤولين الدّائم عن الأولويّات الاجتماعيّة الّتي مرّت مرور الكرام طوال العام الفائت، وبات من الخطورة بمكانٍ أن تبقى على ما هي عليه مع بدايات العام الجديد.

إنّنا في الوقت الّذي نؤكّد على الدّولة ألا تتراجع عن وعودها الاجتماعيّة والاقتصاديّة، نرى في العمل لإقرار مشروع انتخابي جديد أولويّة مهمّة، تتحمّل مسؤوليّتها الأطراف كافّة، لأن من شأن قرار موحّد في هذا الاتجاه، أن ينزع فتيل الأزمة السياسية، وأن يؤسّس ـ في الوقت عينه ـ للبنان جديد، بعيد عن الألغام المذهبية والحساسيات السياسية الّتي تصنعها المشكلة الانتخابية، ويراكمها المشروع الانتخابي في كلّ مرّة.

إنّ لبنان يحتاج إلى المزيد من اللّقاءات والحوار، بدلاً من كلّ هذا الجدل الّذي أدمنته الطّبقة السياسيّة على حساب راحة اللّبنانيّين، وعلينا جميعاً أن نقف إلى جانب كلّ من يدعو إلى الحوار والتّلاقي، وأن نرحّب بكلّ دعوة مخلصة لجمع اللّبنانيّين على طاولة حوارٍ تنفتح بهم على المستقبل، بعيداً عن كلّ أساليب التّخويف والتخويف المضادّ الّتي تنطلق بها أجهزة ويروّج لها سياسيّون وإعلاميّون.

وأخيراً، إنّنا نضمّ صوتنا إلى كلّ الأصوات الّتي دعت إلى احتضان النّازحين الفلسطينيّين من سوريا، وتقديم كلّ ما يمكن تقديمه لهم، انطلاقاً من المسؤوليّة الإسلاميّة والشرعيّة والإنسانيّة والعربيّة الواقعة على عاتق الجميع، وأن نعمل لإبعاد هذا الملفّ عن كلّ محاولات التّسييس، وعن الحسابات السياسيّة الّتي يتحرّك بها هذا الفريق أو ذاك، مع الأخذ في الاعتبار الهواجس لدى البعض والوقاية منها، فقد آن الأوان لمعالجة هذه الملفات بمسؤوليّة إنسانيّة وأخلاقيّة وشرعيّة، بعيداً عن كلّ التّناقضات والجدل اللامسؤول الّذي قد ينطلق من هنا وهناك.

التاريخ: 22 صفر 1434 هـ  الموافق: 04/01/2013 م

Leave A Reply