حرمة المؤمن عند الله

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

ورد عن رسول الله(ص) أنه توجه إلى الكعبة وهو يطوف بها: “ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حُرْمَتك.. والذي نفس محمَّد بيده، لحُرْمَة المؤمن أعظم عند الله حرْمَة منكِ، ماله ودمه، وأن نظنَّ به إلَّا خيراً”.

هذا الحديث يبين وبما لا يقبل الشك الموقع المميز الذي بلغه المؤمن عند الله والتكريم الذي حظي به عنده والرعاية التي أحاطها الله به..

فالله سبحانه لا يترك عباده الذين آمنوا به، وساروا على هديه وأخذوا بأحكامه وشريعته حين يساء إليهم وتنتهك كراماتهم أو يُحرض عليهم الآخرون، بل تكفل بأن يدافع عنهم وأن ينصرهم ويعزهم…

فقال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ

والحديث الذين أوردناه عن رسول الله(ص) دلالته واضحة على ذلك، وهو أسس للعلاقة مع المؤمنين.. فقد اعتبر أن حرمة المؤمن عند الله سبحانه هي أعظم من حرمة الكعبة.. فالكعبة لا يشك أحدٌ بموقعيتها عند الله، فهي أول بيت وضعه للناس للعبادة وهو تكفل بحفظها وحمايتها من كل من يتعرض لها بسوء.. وهذا ما حصل عندما هاجمها أبرهة بجيشه يريد أن يهدمها ويزيلها من جذورها، أرسل الله سبحانه {طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}.. والكعبة هي أبرز المقدسات عند المسلمين.. إليها يتوجهون في صلواتهم فلا وجهة لهم غيرها أينما كانوا، وهي مهبط أفئدتهم يفدون من كل فج عميق للطواف حولها..

ولذلك ترى المؤمنين على استعداد أن يبذلوا أرواحهم ودماءهم للدفاع عنها حين يتعرض لها أحد أو يسعى إلى تدنيسها والمس بها.. المؤمن في حسابات الله هو أعظم حرمة من هذه الكعبة بكل ما لها من شأن وموقع عند الله وفي نفوس المسلمين. وعندما تحدث رسول الله(ص) عن المؤمن هو أراد بذلك أي مؤمن قريباً كان أو بعيداً، غنياً كان أو فقيراً، أبيض أو أسود أو أحمر أو أصفر ومن أية جنسية.. سواء أكنت تلتقي معه في الرأي أو تختلف معه، تلتقي معه في الحزب أو الحركة أو الجمعية أو تختلف معه..

إذن رسول الله(ص) يبلغك أنك كما تتورع أن تسيء إلى الكعبة، أو أن تدنسها أو أن تسيء إليها بكلمة أو موقف أو سلوك، فمن الأوجب أن لا تسيء إلى مؤمن، أن لا تهين مؤمناً أن لا تذله، أن لا تهدر دمه، أن لا تنتقص من شخصيته.. وإن أنت فعلت ذلك عن سابق تصور وتصميم فأنت ستكون في ذلك أكثر جرأة على هتك حرمة الله من الذي يسيء إلى الكعبة ويدنسها..

ولذلك لا بد أن تستفزك الإساءة إلى المؤمن أي مؤمن، وتكبر عندما يكون مجاهداً أو عالماً أو مرجعاً.. وتهتز مشاعرك وأحاسيسك أكثر مما تهتز مشاعرك وأحساسيك عندما تنتهك حرمة الكعبة أو يساء إليها أمامك.. وهو ما لا يحدث مع الأسف حيث بات هتك حرمات المؤمنين أمراً عادياً لا يلاقي الردع ولا الاستنكار مع ما لذلك من خطورة..

ولم يقتصر التحذير الإلهي عند هذا العنوان الذي يطاول كل من يهتك هذه الحرمات، بل فصلت الآيات والأحاديث ذلك وأظهرت النتائج الخطيرة التي تترتب على أي فعل يسيء إلى حرمة المؤمنين..

يقول الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}.. فالآية الكريمة تدعو إلى تجنب إيذاء المؤمنين، بأن ينسب إليهم ما لم يفعلوا أو ما لم يثبت قيامهم به، واعتبرت إلصاق ذلك بهم هو بهتان وإثم مبين، وهو يعني تحدياً واضحاً للذات الإلهية.. وإعلان عداء لله سبحانه.. ولا يقوى على عدائه وعلى تحديه إلا غير عاقل وغير واعٍ لما يفعل.

وقد ورد في الحديث القدسي الذي أورده الإمام الصادق(ع): “ليأذن بحرب مني من أذى عبدي المؤمن”.

وفي حديث آخر أن رسول الله لما أُسري به إلى السماء: “قال: يا رب، ما حال المؤمن عندك؟ قال: يا محمد، من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي”..

وفي الحديث: “من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه الله عزَّ وجلّ يوم لا ظلّ إلّا ظلّه”.. “من حقر مؤمناً واستخف به حقره الله ولم يزل ماقتاً له حتى يرجع عن محقرته”.. ” قد نابذني من أذل عبدي المؤمن”..

وفي الحديث: “إذا اتّهم المؤمن أخاه (أي بدون سند أو أساس) انماث الإيمان في قلبه، كما ينماث الملح في الماء”.. وعندما يصل الأمر إلى قتل النفس هنا يقول سبحانه: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}.

إذن ثمة خطوط حمراء وضعها الله مباشرة لا يجوز للمؤمن تجاوزها في التعامل مع المؤمن، ففي قاموس المؤمن على أن لا أذى لمؤمن ولا إهانة ولا إخافة ولا ترويع ولا تحقير ولا سب ولا شتم ولا قتال ولا غيبة.. فالمؤمن من ائتمنه المؤمنون على أعراضهم وأنفسهم وعلى كل كيانهم..

وقد ورد في الحديث: “للمؤمن على المؤمن سبعة حقوق واجبة من الله عزّ وجلّ عليه: الإجلال له في عينه، والودّ له في صدره، والمواساة له في ماله، وأن يحرّم غيبته، وأن يعوده في مرضه، وأن يشيّع جنازته، وأن لا يقول فيه بعد موته إلاّ خيراً”.

أما إذا حدثت أخطاء من المؤمن، ومن الطبيعي أن المؤمن قد يخطئ وجل من لا يخطئ فهو ليس بمعصوم، فإن مضمون الأحاديث الشريفة وضعت معايير عملية لكيفية التعامل معها.. فالخطأ إن هو حصل لا يبرر لك أن تهتك حرمته، أو أن تسيء إلى شخصه أو أن تهين ذاته أو عائلته أو تصوب عليه.. هو يدعوك أن تحاكم رأيه.. لتظهر ضعفه أو بطلانه إذا كان الخطأ فكرياً.. أو أن تنتقد سلوكه إن كان الخطأ سلوكياً، لكن بدون تجريح.. دورك معه أن تلتزم معايير الإسلام.. أن ترد على الخطأ.. بالحكمة وبالجدال بالتي أحسن.. بالموعظة الحسنة.. وإن وعظته وأردت تنبيهه فنبهه سراً لا علانية..

ففي الحديث: “من وعظ أخاه سرّاً فقد زانه، ومن وعظه علانيةً فقد شانه”.

ولذلك لم يجز الحديث عن أخطائه وإشاعتها: “من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروّته ليسقط عن أعين الناس، أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان”.

وفي الحديث: ” من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه فهو من الذين قال الله عز وجل عنهم: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}..

إذن.. حذار من الإسراع إلى الاتهام، فلا بد من التأكد، وإذ ثبت الاتهام حذار من النشر والإشاعة والتشهير، فلا بد أن تحفظ كرامات الناس، والله سبحانه كرم الإنسان..

أما وإن حصل أن اعتذر الشخص عن خطأه وتراجع عنه أو أنكره فاقبل عذره وإنكاره، هو لم يجز لك أن تقر على رأيك فيه..

حيث ورد في الحديث عن رسول الله(ص): “من لم يقبل المعذرة من محق او مبطل، لم يرد علي الحوض يوم القيامة”.

وعن الإمام علي(ع): “واقبل عذر أخيك فإن لم يكن له عذر فالتمس له عذراً..”..

وعن الإمام الكاظم(ع): جعلت فداك! الرجل من إخواني يبلغني عنه الشيء الذي اكرهه، فاسأله عنه فينكر ذلك (فيقول أنا لم أقصد ذلك أو ما فهمته)، وقد أخبرني عنه قوم ثقات. فقال لي: يا محمد، كذب سمعك وبصرك عن أخيك، فإن شهد عندك خمسون قسامة، فقال لك قولاً، فصدقه وكذبهم، ولا تذيعن عليه شيئاً تشينه به وتهدم مروته، فتكون من الذين قال الله: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

إذن أيها الأحبة: المؤمن له حصانة وحصانته مستمدة من الله سبحانه.. هو لا يرضى منك أن تعتدي على كرامة أخيك المؤمن.. ولا يبيح لك الاختلاف الفكري أو الفقهي أو العقيدي أو السياسي أو الاجتماعي أو حتى الخطأ أن تتجنى عليه أو تهدر كرامته أو تسقط حرمته.

عليك أن تبقى على احترامك له وحفظك له فأنتما تجمعكما عناوين كثر والأخوة.. فالمؤمن أخو المؤمن أحب أو كره.. “مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى”.

لقد حرص الإسلام على أن يعزز تماسك المجتمع المؤمن، أن يكون كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضاً ويؤازر بعضه بضعاً ويسند بعضه بعضاً، وهذا بالطبع لن يحصل في ظل التباعد والهجران، وانتهاك الحرمات والإساءة إلى الكرامات والاتهامات..

هو المجتمع الذي تشد الرحمة أواصره.. صورته هي التي أشار إليهم القرآن الكريم: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}.

اللهم اجعلنا ممن يحفظ كرامات المؤمنين ويحظى بالقرب منهم يا أرحم الراحمين.

الخطبة الثانية

عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الله سبحانه وتعالى عندما قال لنا: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}.

هو أوصانا بالإحسان إلى من أحسن إلينا، أن نكون الأفراد الشاكرين فنشكر من أحسن إلينا على المستوى الفردي وأن نكون الأمة الشاكرة التي تقدر الذين ساهموا في نهضتها وتطورها ونموها على المستوى الفكري أو الروحي أو العملي أو العلمي وممن بعثوا في كيانها العزة والحرية والعنفوان أو خففوا من آلامها ومعاناتها وعملوا على سد احتياجاتها ومتطلباتها، فأخرجوها من جهلها وتخلفها وجمودها ومن ذلها وانكسارها وهزيمتها..

الأمة الواعية هي التي ترفع هؤلاء على الأكف، تحفظهم في حياتهم وتحفظ ذكرهم بعد ارتحالهم إلى بارئهم..

وهذا ما أشار به الإمام زين العابدين(ع) في رسالة الحقوق عندما قال: “أما حق ذي المعروف عليك فأن تشكره وتذكر معروفه، وتكسبه المقالة الحسنة، وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله عز وجل، فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته”.

فحق هؤلاء على أمتهم أن يشكروا وأن يذكر الناس بعطاءاتهم، ببذلهم، وبخيرهم عليهم حتى لا ينسوهم وفاء لهم وتشجيعاً لنهج العطاء والبذل والخير، وبالإخلاص والدعاء لهم.

بمنطق الشكر تعبر الأمة عن إنسانيتها وعن إيمانها، وبذلك يشكر الله ويحمد..

فقد ورد في الحديث: “أشكَرُكم لله أشكرُكم للناس”.

وبذلك نشجع مبادرات الخير ونعززها في المجتمع.. ونصبح بالتالي أكثر قدرة ومنعة على مواجهة التحديات:

لبنان

والبداية من لبنان، الذي لا يزال يرزح تحت وطأة الأزمات المعيشية والهموم الحياتية التي تثقل كاهل المواطنين فيه من دون أن يلوح في الأفق بوادر حلول شافية وسريعة لأزماته المستعصية رغم الوعود السخية التي أطلقت أخيراً..

فالبلد بتركيبته الحالية ليس بالموقع القادر على النهوض بهذا الواقع وحل أزماته بدءاً بمعالجة الدين العام الذي ترتفع نسبته، والحد من عدم التوازن بين الإنفاق والواردات ومروراً بالتعامل غير الجدي مع قضايا الفساد والهدر.. فما أكثر الحديث عنه والإثارات حوله وما أقل العمل لمعالجته.. وفي استمرار التجاذب بين القوى السياسية فيه..

من هذا الباب نطل للحديث عن سلسلة الرتب والرواتب والتي يعود الحديث عنها من دون أن يبدو أي جديد مطروح لحل المأزق الذي أدى إلى عدم إقرارها.. حيث يعود الحديث مجدداً وكما كان عن سبل تأمين الموارد لها في ظل عجز المواطنين على تحمل ضرائب جديدة.

ونحن في هذا المجال، نعيد التأكيد بضرورة عدم فرض ضرائب جديدة على المواطنين بعد أن أثقلتهم الضرائب الماضية، وندعو الدولة إلى تحمل مسؤوليتها بمعالجة هذا الملف، فهي معنية بشؤون الموظفين الذين تدهورت أوضاعهم المعيشية شأنهم شأن أغلبية الناس في هذا البلد..

وفي الواقع، فإن الدولة قادرة على إيجاد الحل إن أرادت وقد أثبتت الوقائع السابقة أن الموازنات كانت تتأمن عندما تتوافق القوى السياسية على أمر ويكون لها مصلحة فيه.. وإن لم تستطع توفير الحل، فليصارح المواطنون بدلاً من هذا التسويف أو رمي الكرات فيما بين هذه القوى.

ومن مأزق السلسلة إلى مأزق الكهرباء حيث تزداد المخاوف من أن تؤدي الخلافات السياسية حول أسلوب معالجة هذا الملف المزمن والذي أرهق الدولة بأعبائه إلى أزمة كهرباء تطاول أكثر المناطق اللبنانية مع ما يترتب على ذلك من تداعيات على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياحية.

إننا، وفي ظل هذه المآزق أو غيرها، ندعو القوى السياسية الممثلة بالحكومة إلى تحمل مسؤوليتها في إيجاد الآليات لتنفيذ ما اتفق عليه في اللقاء الأخير في بعبدا للخروج من حال المراوحة أو البطء في معالجة الأزمات التي يعاني منها البلد ولا سيما تلك التي تتعلق بلقمة عيش المواطنين وحاجاتهم اليومية وأمنهم.. فمن حق إنسان هذا البلد أن يشعر بإنسانيته وبكرامته حتى لا يهيم في بلاد الله الواسعة وأن يستعيد القانون هيبته حتى لا يكتوي الناس بنار المخدرات والجريمة.. وليستطيع هذا البلد أن يواجه التحديات التي تنتظره حيث يستمر التهديد الصهيوني والإرهابي للبنان وتتصاعد وتيرة التطورات في المنطقة.

ونبقى في لبنان لننبه إلى ضرورة بذل الجهود من أجل إنهاء الظاهرة الشاذة في مجتمعنا بإطلاق الرصاص عند كل مناسبة من دون الأخذ في الاعتبار بالنتائج.. إن هناك دوراً مطلوباً من الدولة، لا بد من القيام به.. ولكن هناك أدوار أخرى مطلوبة من المواطنين أن يتواصوا بالحق في ذلك وأن يكون كل منهم خفيراً حتى لا يسقط لدينا المزيد من الضحايا البريئة في الأيام القادمة، وحتى لا يتحول الواحد إلى قاتل من حيث لا يشعر، فيقال له يوم القيامة هذا نصيبك من دم فلان..

ومن هنا لا بد من أن نقدر تضحيات الجيش اللبناني وننوه بدوره في العمليات الاستباقية والتي كان آخرها اليوم.. والتي تهدف لحماية حدود لبنان الشرقية ممن يسعون للعبث بأمن واستقرار البلد..

ذكرى المرجع فضل الله(رض)

وأخيراً تمر علينا الذكرى السابعة لرحيل سماحة السيد(رض) والتي سنقيمها معاً في الرابع من تموز في قاعة الزهراء والتي سنعبر فيها معاًعن وفائنا للسيد(رض).. للذي لم يبخل علينا حين أعطانا كل شيء.. وهو قد أفنى عمره الشريف لنهضة هذه الأمة والتخفيف من معاناتها.. فلم تهدأ نفسه حتى يؤمن ما أمكنه لليتيم مأوى وللفقير ما يسد حاجته.. وسعى ليكون للمسن سنداً وعضداً وللكفيف عيناً وللأصم أذناً وللأبكم لساناً.. وأن يعين المريض في مرضه.. فكانت المؤسسات المترامية والتي بقيت من بعده مؤسسات لم ولن تتحول إلى إرث شخصي ولا عائلي ولا لأي إطار خاص مما قد يخشى منه البعض.. وقد آمن كل السبل الكفيلة لحمايتها من أن تتحول إلى ذلك.

هذا السيد الذي عاش معنا لفترة من الزمن أعطانا من عقله وفكره ومن روحانيته.. وكان حاضراً معنا في كل الظروف والملمات، لم يترك أمته في اللحظات الصعبة، وكان حاضراً معها في ساحة التحدي للظلم الداخلي وفي ساحة المقاومة وفي ساحة التوجيه والوعي والوعظ والإرشاد والدعاء.. كان يريد لها أن تكون أكثر عقلانية وأكثر وعياً وأكثر مسؤولية وأكثر وحدة وتماسكاً..

آمن بالوحدة الإسلامية ووحدة المستضعفين ومد جسور التواصل مع الأديان والمذاهب وكان يرى أن الرد على مشروع الفتنة بتعميق التواصل والتلاقي على القواسم المشتركة ونبذ أجواء الإثارة والسب واللعن مما لا ينتج إلا حقداً وعداوة..

ولذلك نحن اليوم أحوج ما نكون إلى آفاقه الاجتهادية الكبيرة.. وإلى منهجه الوحدوي، وإلى منطقه الحواري.. إلى أسلوبه التربوي في البناء الأخلاقي والروحي.. إلى تطلعاته الإنسانية والحضارية.. إلى ثقافته الواسعة، وانفتاحه على الله، إلى كدحه المستمر نحو صناعة حياة جديدة وولادة مستمرة لهذا الدين..

رحل السيد الجسد واستمر السيد الفكر المتجدد، والمؤسسات العاملة في كل ميادين الحياة.. ليؤكد أن الكبار لا يموتون وإن ذبل فيهم الجسد وغار في التراب.

لبنان

Leave A Reply