حوار مع العلاّمة السيّد علي فضل الله – ماذا عن الزواج المدنيّ؟

 

 

أجرى الحوار: الدكتور الشيخ أحمد محمد قيس

والأستاذ محمد عبد الوهاب عمرو

 

الحديث عن الزواج المدنيّ في لبنان قديم جداً، حيث طُرِح من قبل الزعيم الإشتراكي كمال بك جنبلاط، وغيره من أقطاب العلمانيّة في لبنان، أوائل الستينيات من القرن الماضي. وقد وقف بوجه تلك الطروحات الرئيس الشهيد رشيد كرامي ولم يسمح له بالمرور إلى البرلمان اللبنانيّ أبداً.

 

كما أنّ رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة الراحل الياس الهراوي تبناه خلال تسعة أعوام عجاف من رئاسته للدولة اللبنانيّة، بشكل مُقنّن ومُوّجه أعلاميّاً، وقد وقف بوجه تلك الطروحات الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

وفي أيامنا هذه أعادت بعض التيارات السياسيّة في لبنان طرحه بقوة من خلال حملات إعلاميّة وتظاهرات اخترقت بعض الجامعات والنوادي والمنتديات الفكريّة والإجتماعيّة. وقد ناقش القاضي الدكتور الشيخ يوسف محمد عمرو بعض تلك الطروحات من خلال بحثه حول الزواج المدني والقرآن الكريم في العدد الأوّل من هذه المجلة الصادر في أيلول(سبتمبر) 2010م. بصورة مُختصرة لم يتناول بها جميع الإشكاليات المطروحة. وفي إطار تعميق البحث في هذا الموضوع وجه الزميل الدكتور الشيخ أحمد محمد قيس والأخ محمد عمرو سلسلة من الأسئلة التي تراود أذهان الشباب والشابات حول هذه الطروحات لسماحة العلاّمة السيّد علي فضل الله(حفظه الله تعالى). وكان الحوار التالي:

 

ما هو مفهوم الزّواج في الإسلام؟

الزّواج هو عقد يتمّ بين شابّ وفتاة يحصّنهما من الانحراف الّذي ينتج من عدم السيطرة على الغريزة المودعة لديهما، ولإنشاء أسرة صالحة تساهم في بناء المجتمع.. وقد أراد الله للزّواج أن يكون محضناً للمودّة والرّحمة والاستقرار.. وهذا ما أشار إليه سبحانه عندما قال:}وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً…{(الرّوم، آية:21).

 

ماذا نعني بالقول إنّ الزّواج الإسلاميّ هو زواج مدنيّ؟

 

يعني ذلك أنّ الزواج الإسلامي ليس أسير الشكليّات الموجودة في الأنواع الأخرى من الزّواج، بل يكفي في الشريعة الإسلاميّة أن يتمّ تراضي الطّرفين، الشابّ والفتاة، على إجراء عقد زواج مباشرة أو عبر وسيط، وهذا الوسيط ليس من الضّروريّ أن يكون عالم دين، أو محكمة، فيمكن أن يتمّ عبر أيّ شخص له صفة دينيّة أو حتّى ليست له هذه الصّفة.

أين وكيف يختلف الزّواج الإسلاميّ عن الزّواج المدنيّ؟

يختلف الزّواج الإسلاميّ عن الزّواج المدني في أنّ الزّواج الإسلاميّ لا يقبل زواج المسلمة من غير المسلم، أو زواج المسلم ممن لا تنتمي إلى دين.

ويختلفان أيضاً في الطّلاق، فالطّلاق في الإسلام لا بدَّ من أن يحصل أمام شاهدين عدلين، وبرضى الزوج، ولا بدَّ من أن يتمّ على طهرٍ من المرأة، وأن لا يكون هناك علاقة زوجيّة حصلت خلال هذا الطّهر، وهي شروط لا يأخذ بها الزّواج المدنيّ.

كما يمتدّ الاختلاف أيضاً بينهما إلى قواعد الإرث، فضلاً عن موضوع الحضانة والإنفاق وأمور أخرى.

 

ثمة حاجة لفئة من النّاس للّجوء إلى الزّواج المدني لحلّ مشاكلهم الّتي قد لا يعالجها الزّواج القائم على أساس الدّين. ماذا يقول الإسلام لهؤلاء؟

 

يقول الإسلام لهؤلاء، إنّ الإسلام عندما فرض قيوداً في الزّواج، فلأنّه أخذ في الحسبان مصلحة الأسرة وضمان سلامتها، ولم يرد أن يسيء إلى سلامة المجتمع وترابطه.. ونقول لهؤلاء: إذا لم تكن لديكم قناعة بهذا الزّواج، أو كنتم لا ترغبون فيه، فلا إكراه في الدّين، ولكن لا تنتظروا من المسلمين أن يشجّعوا هذا الزّواج ويحثّوا عليه.

 

كيف تنظرون إلى ما يدور اليوم من سجالٍ حول مشروع الزّواج المدنيّ؟

 

نحن، من حيث المبدأ، لسنا ضدَّ أيّ طرحٍ يتعلّق بواقع اللّبنانيّين ومستقبلهم، ويسهّل أمورهم الحياتيَّة، لكن لا بدَّ دائماً من أن ندرس السّلبيّات والإيجابيّات الَّتي تترتّب على طرح الموضوع، والوقت المناسب والأسلوب الملائم لطرحه.

ومن هنا، وبالنّسبة إلى موضوع الزّواج المدنيّ، فإنّنا لا نرى أنَّ طرحه بالطَّريقة الّتي تمّ فيها مناسب في ظلّ التّعقيدات الّتي يعيشها اللّبنانيّون، حيث تحتاج المرحلة الحاليّة إلى مزيدٍ من التَّماسك الدّاخليّ والوحدة الوطنيَّة، ولا سيَّما أنّ هذا الموضوع من المواضيع السجاليَّة الحادّة الَّتي تختلف حولها الكثير من الطَّوائف اللّبنانيَّة، وتمسّ حياة النّاس ومعتقداتهم الدّينيَّة.. ولا نرى أنّ المناخ مناسب للحوار فيه في هذه الأيّام الّتي يغلب عليها طابع السّجال، وتختلط فيها الأولويّات الانتخابيَّة والاجتماعيَّة وغيرها.

 

ما هي، برأيكم، سبل حلّ النزاع القائم حاليّاً حول هذا المشروع؟

 

إنَّ الحلّ يتمثّل بدراسة الأسباب الّتي تدعو إلى طرح هذا القانون، فإذا كانت الأسباب تتعلّق بتشريعٍ ما غير جائز في التّشريع الإسلامي أو غير الإسلامي، فلا نرى أنّ ذلك يمثّل حلاً، كونه لن يلقى قبولاً من الطّوائف الّتي يختلف القانون مع ما تأخذ به، وللخلل الّذي يمكن أن يتسبّب به في النَّظر إلى الأسرة الّتي يبنيها هذا الزَّواج، بل إنَّه يعقِّد المشكلة. وإذا كانت المشكلة تتعلَّق ببعض التَّفاصيل، مثل الطَّلاق والإرث والحضانة وغير ذلك، فإنَّنا لا نرى ذلك سبباً، لإمكانيّة وضع كلّ الشّروط الّتي يرغب بها الزّوج أو الزّوجة في عقد الزّواج.

وإن كانت القضيّة تتعلّق برغبة البعض بالزّواج المدنيّ كمقدّمة لإخراج لبنان من واقعه الطّائفيّ، فليس هذا هو السّبيل لذلك، بل من خلال السّعي لدى المجلس النيابي لإلغاء الطائفيّة السياسيّة واتخاذ إجراءات أخرى.

وخلاصة القول في هذا الجانب، أنّ الحلّ يحتاج إلى إجراء حوار موضوعيّ في مناخ ملائم، للوصول إلى مساحة مشتركة تراعي الواقع الدّيني للمجتمع، ولا تعرّض الأسرة للمخاطر، من خلال الجدال غير الدّقيق وغير الموضوعيّ حول شرعيَّة هذا الزّواج أو عدم شرعيّته.

وعلى كلّ حال، فإنَّ الأمر لا يُطرح على الجهات الدينيّة، ولا يُطلب منها أن تسهّل هذا الأمر، وهي ترى أنّ التّشريع الدّينيّ هو الحلّ المناسب لموضوع الأحوال الشخصيّة، لأنّه في رأيها يعبّر عما يريده الله للحياة.

 

أليس الأجدر والأفضل أن يكون العمل منصبّاً على نزع الطائفيَّة والخلافات من نفوس اللّبنانيّين؟

 

إنّنا نرى أنَّ الطّرح، عندما يستهدف الإثارة أو الكسب السياسيّ أو الانتخابيّ، يكون قد أخرج المسألة من دائرة البحث لدى أهل الاختصاص، إلى ساحة الفوضى الإعلاميّة والسياسيّة الّتي لن تسهم في الخروج بحلّ، بل ستؤدّي إلى تعقيد الأمور أكثر.

والمسألة الطائفيَّة في لبنان تُحلّ من خلال إلغاء الطّائفيّة من النّفوس والنّصوص، وعندما يبدأ اللّبنانيّون بالّتفكير في إنسانيّتهم، لا في انتمائهم الطائفيّ والمذهبيّ.. وعندما نتحدّث هنا عن الإنسان، فإنّنا نتحدّث عن الدّين بعيداً عن الطائفيّة والعشائريّة التي تتعنون بالدّين ولا تحمل قيمه.

 

ماذا بشأن قانون الأحوال الشخصيّة في المحاكم الشرعيّة؛ هل يحتاج أيضاً إلى تنقيةٍ كما يدّعي بعض المؤيّدين للزّواج المدنيّ؟

نحن نرى أنَّ الحاجة ماسّة إلى اجتهادات وتجديد في هذا القانون، كما أنَّ الحاجة ماسّة إلى التّخفيف من التّعقيدات الإداريّة، لتسهيل أمور المواطنين، وإزالة الشّوائب الّتي تحصل داخل هذه المحاكم، كونها محاكم تمثّل أدياناً أساسها العدل والقيم الأخلاقيَّة واحترام الإنسان

 

ما الكلمة الّتي تختتمون بها هذا اللّقاء وتتوجّهون بها إلى اللّبنانيين عموماً، والمسلمين خصوصاً؟

 

إنّنا نريد لهذا الموضوع أن يُدرَس بعيداً من كلّ أجواء التوتّر والانفعال والاتهام والاتهام المضادّ، وأن يُعالج بروحٍ تراعي حاجات اللّبنانيّين جميعاً، للخروج بصيغة تلبّي متطلّبات الجميع، فلا ينطلق هذا الفريق أو ذاك في عمليّة تخوين للآخر، لأنّه لا يرى ما يراه.

من جهةٍ ثانية، علينا جميعاً الانفتاح على واقع الشَّباب في لبنان، ومحاورتهم عن قرب، فربما كان السّبب لدى الكثيرين منهم، في إخفاق البعض في إدارة الحوار معهم حول كلّ ما يتّصل بأمورهم الحاضرة وبمستقبلهم، كما أنَّ الكثيرين ممن ينتسبون إلى الدّين، ربما يكونون قد أخفقوا في تقديم الدّين لهم بالطّريقة الصّحيحة والسّليمة. ولذلك، فعندما يتنكَّر قسم من الشّباب للدّين أو لما يتعلّق به، فربما يتنكّرون للطّريقة والأسلوب، لا لأصالة الدّين وعمقه.

وفي نهاية المطاف، نريد لمسألة الزّواج المدنيّ أن تُدرس بعيداً من كلّ أجواء التوتر والاتهام والانفعال.

 

Leave A Reply