دعوةُ النبيِّ إبراهيم (ع) للحجّ: ثقةٌ بالله وتسليمٌ لأمرِهِ

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الدينية

قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً للهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}[النّحل: 120 -122]. صدق الله العظيم.

فريضة الحجّ

دخلنا قبل أيام في رحاب شهر عظيم، هو شهر ذي الحجة الحرام، هذا الشهر الذي يشير اسمه إلى فريضة هي واحدة من أهمّ الفرائض التي أوجبها الله على عباده، والتي لفت إليها بقوله عزّ وجلّ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}.

ولأهميّتها، وصف بالكفر من لم يبادر إليها عند الاستطاعة، فقال: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}.

ولله الحمد، بدأنا نشهد، وبعد انحسار موجة كورونا، جموع المستطيعين، يتجهون وبلهفة الظمآن لأداء هذه الفريضة تلبيةً لنداء الله… وهنا نسأل الله أن يتمِّم للوافدين إلى البيت الحرام حجَّهم، ويتقبّل أعمالهم، ليحظوا ببركات هذه الفريضة والحصول على منافعها الكثيرة، وقد ورد في ذلك: “الحاجّ والمعتمر وفد الله، وحقّ الله أن يكرم وفده ويحبوه بالمغفرة“.

ومن واجبنا نحن الّذين لم نوفَّق لمشاركتهم في أداء هذه الفريضة، أن نتفاعل معهم عندما نراهم يطوفون ويسعون ويقصِّرون أو يحلقون، أو عندما يقفون في عرفات أو المشعر الحرام، أو عند رجمهم الشياطين وتقديم الأضاحي لاستلهام كل المعاني التي يحظون بها.

ونحن في ظلّ هذه الأجواء المباركة، سنطلّ على بعض ما ورد في سيرة أحد أنبياء الله ممن ارتبط اسمه بهذه الفريضة، وهو النبيّ إبراهيم (ع)، والذي نعته الله بصفة هي من أعظم الصفات، وتختصر كلّ الصفات الجميلة، عندما قال: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}، والّذي على يدي هذا النبيّ، رفعت قواعد الكعبة المشرفة {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

وبندائه الذي جاء تلبيةً لأمر الله له، بدأ الناس يفدون من كلّ فجّ عميق لأداء هذه الفريضة، ولا يزالون وسيبقون عليها إلى قيامة الساعة.

وهو ما أشار إليه الله سبحانه: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}.

وهنا يذكر أنه لما جاءه الأمر بأن يدعو الناس للحج، قال لله سبحانه: صوتي لا يبلغ البلدان، ولا يصل إلى كل فج عميق، فأوحى إليه الله سبحانه: عليك النداء وعليَّ الإبلاغ.

وهذا النبيّ هو من أرسى قواعد هذه الفريضة وأركانها، وقد جاء رسول الله (ص) بعد ذلك ليثبتها ويوضح معالمها، وليصحّح ما أدخل عليها مما لا يمتّ إليها بصلة.

ونحن اليوم لن نستطيع، بالطبع، أن نخوض بكلّ معالم شخصيَّة هذا النبي العظيم، وسنكتفي بالوقوف عند أحد مآثره.

نداء الله لإبراهيم (ع)

فقد ورد أنّه حين كان في فلسطين، جاء الأمر إليه من الله بأن يأتي بزوجته هاجر وولده الرّضيع آنذاك إسماعيل إلى مكّة المكرَّمة، لم يتردَّد يومها بتنفيذ نداء ربه، رغم أنَّ الظروف ما كانت ملائمة للسكن في مكة، فقد كانت مكة آنذاك أرضاً قفراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء ولا حتّى بشر.

وما إن وصل حتّى أقام لهما خيمة، وأمّن لهما ما تيسَّر من الطّعام والماء، بعدها أخبر زوجته بنيَّته المغادرة.. وهنا، كان من الطبيعيّ أن تتعلّق به زوجته وتتوسّل إليه أن لا يتركها وحيدة في هذا المكان القفر، لكنّه طمأنها: لو كان الأمر أمري لما فعلت، فأنا لا أفرّط بك ولا بولدي، ولكنَّ الأمر أمرُ الله، فهو عزَّ وجلَّ من أمرني أن أضعكما في هذا المكان، والله سيكفيكما.

هنا هدأت السيّدة هاجر، واطمأنّت لكلامه رغم أنّ ذلك قد لا يحصل للكثيرين، وقالت لإبراهيم (ع): إذا كان الأمر أمر الله، فالله لن يضيّعنا.

ودَّعهما وغادر المكان، ولما وصل إلى مكانٍ لم يعد يراهما فيه، رفع ناظريه إلى السَّماء داعياً ربَّه مبتهلاً: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}[إبراهيم: 37].

هاجر وحيدة مع وليده

مرَّت الأيام سريعاً، ونفد الطّعام والماء من غير أن تجد زوجته هاجر في ما حولها ما يعوِّض عمّا نفد لتسدّ به رمقها ورمق وليدها، فاندفعت خارج الخيمة تهيم على وجهها باحثةً عن طعام وشراب لتستعين بهما لضمان حياة وليدها، فلاح لها عن بعد بريق من المكان المسمَّى الصّفا ظنّته ماءً، فهرولت نحوه، ولكنَّها لما وصلت إليه، لم تجده ماءً، فالبريق كان أشعّة الشمس تنعكس سراباً على الصّحراء، أدارت بعد ذلك وجهها تبحث عنه في الجهة المقابلة، فخالت أنها رأت ماءً في المكان المسمَّى المروة، لكنها عندما جاءته لم تجده، وبقيت على هذه الحال تهرول بين الصّفا والمروة، يدفعها الأمل والحرص على حياة وليدها، فلم تجد نفسها إلّا بين سراب وسراب، حتى قطعت سبعة أشواط في سعيها.. وما إن انتهت من الشّوط السّابع، حتى سمعت صوتاً ينبعث من حيث أودعت وليدها إسماعيل، فأسرعت إليه، فوجدت الماء يتدفَّق بين قدميه، فراحت تزمّه بيديها خشية أن يغور في الأرض ولا تستنقذه، ولذلك سمِّي ماء زمزم.

في ذلك الوقت، لاحظت قبيلة جرهم، وهي إحدى قبائل العرب، وكانت تنزل في جبل عرفات، الطّيور تهبط وترتفع في ذلك المكان، وهو دلالة على وجود الماء، وما إن وصلوا إلى المكان، حتى وجدوا عيناً تفور فيها المياه الصّافية الباردة، فنزلوا يرتوون، واستأذنوا بعدها السيّدة هاجر النّزول في ذلك المكان، فأذنت لهم، فأمّنوا لها ولوليدها ما تحتاج إليه من طعام وشراب، وبعد فترة وجيزة، جاء النبيّ إبراهيم إلى ذلك المكان يتفقّد أهله، فوجد نعم الله تفضي عليهما ماءً ولبناً وطعاماً وحماية وأمناً، فشكر الله وحمده على ما أنعم به عليه وعلى زوجته وولده، ليرفع بعدها، وبأمر الله مع ولده إسماعيل، قواعد الكعبة المشرَّفة، لتكون مهبط أفئدة النّاس ومكان حجّهم.

التسليم لأمر الله

أيُّها الأحبَّة: لقد أظهرت هذه الحادثة مدى تسليم إبراهيم (ع) لأمر الله سبحانه، فهو لم يتردَّد في الالتزام بأمرٍ دعاه الله سبحانه إليه، حتى لو أدَّى ذلك إلى أن يترك زوجته وولده في تلك الصَّحراء القاحلة الجرداء، والّتي كانت تفتقد إلى أدنى مقوِّمات الحياة ومتطلّباتها، رغم عاطفته الّتي كان يكنّها لزوجته هاجر ولولده إسماعيل الّذي جاءه بعد أن كان قد بلغ من العمر عتيّاً.

فقد كان ثقته بالله كبيرة، وتسليمه له تامَّاً، لذا تركهما حتَّى من دون أن يسأل الله سبحانه ماذا سيحصل لهما، كان يكفيه أنّ الله سبحانه أمره وعليه أن يلبّي، وغادر بعدها إلى فلسطين، لا إلى مكان قريب، من دون أن تكون هناك وسائل تواصل يطمئنّ بها إليهما.

وهذا الالتزام والتسليم لله لم يُحصر به فقط، بل تجلَّى في زوجته الّتي كانت نعم العون له على أداء ما دعا إليه ربّه، والتي قدمت أنموذجاً تحتذي به كل امرأة.

وقد خلَّد الله سبحانه هذه الحادثة، عندما جعل من سعي هاجر بين الصّفا والمروة وهي تبحث عن الماء، منسكاً من مناسك الحجّ، وأبقى ماء زمزم متدفِّقاً على مرّ العصور، رغم أنَّ المكان لا تتوافر فيه ظروف خروج ماء بحجم كميّة ماء زمزم الّذي لا يكفي أهل مكَّة فحسب، بل كلّ القادمين إليها، وهم قادرون على أن يحملوا منه إلى بلادهم.

وهو بذلك أراد أن يثبت لكلّ الوافدين للحجّ، ولكلّ العاملين، صفة ينبغي أن تصاحبهم في حجّهم وعندما يعودون منه، وهي التّسليم لله في هذه الحياة، بالأخذ بأوامره ونواهيه وكلّ ما دعا إليه، وأن يعيشوا الثقة به، فهو لن يدعهم يواجهون الحياة وحدهم، بل سيكون لهم ناصراً ومؤيِّداً ومعزّاً كما كان لإبراهيم (ع) ولهاجر وولدهما، وهذا ما ثبَّته القرآن الكريم عندما قال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}[الطّلاق: 3].

جعلنا الله من أولئك المسلّمين أمورهم إلى الله والله وحده، والواثقين بنصره وتأييده وإعزازه.

الخطبة السياسية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بإحياء هذه الأيام العشر من شهر ذي الحجة الحرام التي بدأنا بها، حيث ورد في الحديث عن رسول الله (ص): “مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ اْلأيَّامِ الْعَشْرِ”، حيث ورد فيها استحباب الصيام في الأيام التسعة الأولى منها، والعديد من الصلوات والأدعية والأذكار، والحث على إحياء ليلة عرفة ويومها، لما لهما من فضل وموقع وما فيها من بركات وخيرات.

فلنملأ هذه الأيام العشر بصلواتنا وأذكارنا ونجاوانا، كي نحظى ببركات الله وفضله وإحسانه في هذه الأيّام الّتي تُغفَر فيها الذنوب، وتستجاب فيها الدّعوات، وتفتح فيها أبواب الجنان، وتغلق فيها أبواب النيران.

إننا أحوج ما نكون إلى تمتين علاقاتنا بالله الذي بيده، وبيده وحده، تغيير حالنا، وإخراجنا من أزماتنا وصعوبات الحياة الّتي نواجهها، ولنكون بذلك أقوى وأقدر على مواجهات التحدّيات.

معدّلُ الغضبِ الأعلى

والبداية من الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب والمأساوي، والذي بات يثقل كاهل المواطنين وينوؤون به، ولم تعد آثاره تقف عند ارتفاع الدولار الأمريكي في مقابل العملة الوطنيّة وأسعار السلع والمواد الغذائية والمحروقات والاستشفاء، وأخيراً الاتصالات، وعدم توفر الكهرباء والماء والعديد من الأدوية الضروريّة لعلاج الأمراض المستعصية، وطوابير الإذلال للحصول على الخبز لقمة عيش اللبنانيين والطحين.

وقد كان من الطبيعي أن تنعكس هذه المعاناة على الوضع النفسي للكثير من اللبنانيين، وينعكس عليهم توتراً وانفعالاً، وهو ما أشارت إليه المنظمات الدولية المعنية، عندما صنفت لبنان أنه الدولة الأعلى في معدل الغضب، حيث ذكرت أن 49% من اللبنانيين يعانون الغضب الشديد، والكل يعرف مدى التداعيات التي يتركها الغضب والانفعال والتوتر الداخلي على الإنسان الغاضب نفسه، وعلى صورته في المجتمع، وما قد يتسبب به على صعيد عائلته أو موقع عمله أو المجتمع الذي يعيش فيه أو من يلتقي بهم، إن لم يجد من يردّ غضبه أو يستوعبه، فأكثر الجرائم وحالات التفكك الأسري والاجتماعي هي نتاج الغضب.

ونحن قد لا نحتاج إلى مثل هذه التقارير ليتبين لنا ذلك، فيكفي ما نشاهده يومياً من توترات ونزاعات تحدث في البيوت أو الطرقات أو الأماكن الخاصة والعامة، بل تصل إلى من يتولون مواقع المسؤولية، ونشهد آثارها في التصريحات والمقابلات، وحتى في القرارات التي يتخذونها.

ومن هنا، فإننا ندعو إلى معالجة هذه الظاهرة، وأخذها بالجدية على المستوى الديني والتربوي والنفسي، والأهم العمل على معالجة أسبابها مما يعانيه إنسان هذا الوطن.

ضرورةُ تشكيلِ الحكومة

ومن هذا الباب، ننتقل إلى الوضع الحكومي، لنشدّد على ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة، وعدم التأخير بتأليفها تحت أيّ ذريعة، لمعالجة الأزمات التي يعانيها الوطن والمواطن، أو على الأقل التخفيف من وقعها عليهم، وأن لا تضيع بمقاطعة بعض القوى السياسية، لها أو بفعل الشروط والشروط المضادّة التي تتصل بالشكل أو العدد أو نوعية الحقائب التي يطالب بها هذا الفريق أو ذاك أو هذه الطائفة أو تلك.

فالبلد لا يمكن أن تعالج أزماته بحكومة تصريف أعمال، بل بحكومة فاعلة وتحظى بالتوافق حولها، ليكون بمستوى التحديات المعيشية والمالية والإصلاحية والأمنية الملحة، وقادرة على أن تعالج المشكلات، وأن تعمل بكل طاقتها ولو في مرحلة قصيرة، ونحن لا نراها قصيرة في ظروف البلد الذي لا يتحمّل إهدار الوقت أو التسويف.

إن على كل القوى السياسية أن تتحمّل مسؤوليتها على هذا الصعيد، فالوقت ليس وقت تسجيل نقاط أو تقاذف كرات أو تحقيق مكاسب آنية أو مستقبلية، وليس وقت مناكفات وصراعات، بل هو وقت إنقاذٍ لبلدٍ يتداعى، وإنسانٍ بات الهروب من هذا البلد من أولويات ما يفكر فيه، والذي امتد ليطاول العناصر الأمنية بعد القطاع الاستشفائي والتربوي.

إضرابٌ.. وتعطيلُ مصالح

في هذا الوقت، يستمر إضراب المؤسّسات العامة، والتي أصبح من الواضح مدى تأثيرها في معاملات الناس، والتي تعرقل حياتهم على كل الصعد.

ونحن في الوقت الذي نقف مع مطالب العاملين في المؤسّسات العامة، وضرورة إنصافهم لتأمين سبل عيش كريم لهم، ندعو، وفي ظلّ استمرار هذا الإضراب، والذي قد يطول، إلى الرأفة بالمواطنين، والبت بالمعاملات الضرورية لهم، والتي قد يؤدي التأخير فيها إلى تعطيل مصالحهم أو التأثير في مصالح بقية المواطنين.

لتجنّبِ تداعياتِ الحرب

أما على الصعيد الإقليمي، فإنَّنا نطل على المزيد من الاحتقان الذي يشهده العالم، في ظلّ الصراع الموجود على أرض أوكرانيا بين الروس والغرب، والذي بات يخشى من تداعياته الخطيرة على صعيد أمن العالم والغذاء. وفي هذا المجال، نجدد دعوتنا للعالم العربي والإسلامي إلى توحيد صفوفه في مواجهة أيّ تداعيات لهذه الحرب، حتى لا نكون وقوداً لها، أو بقرة حلوباً في هذا الصراع لحسابات خارجية.

وهنا ننوّه بكل مبادرة لإعادة مد الجسور، وتعزيز التلاقي بين الدول العربية والإسلامية، لكننا في الوقت نفسه، نحذر من مغبة أي توجه لتوفير أيّ مظلة أمنية سياسية للعدو الصهيوني قد تساهم في تعزيز موقعه ودوره في المنطقة، وتشجعه للتمادي في تصفية القضية الفلسطينية، أو أن يكون سبباً لاحتدام الصراعات في هذه المنطقة من العالم، والذي من الطبيعي أن يكون سبباً في إضعافها وارتهانها.

ذكرى رحيل المرجع فضل الله (رض)

وأخيراً، إننا نحيي في الرابع من تموز الذكرى الثانية عشرة لرحيل المرجع السيد محمد حسين فضل الله (رض)، وهو الذي ملأ حياتنا بحضوره علماً وفقهاً وجهاداً وعملاً دؤوباً من أجل بناء الإنسان وبناء الأوطان وتحرير الأمّة وتوحيدها، وكان صلباً في مواجهة التخلّف والغلوّ، ومقاومة الاحتلال والاستكبار، وعمل جاهداً لحفظ القيم وتعزيز مناخات اللقاء بين الأديان والمذاهب والشعوب والحضارات، وهو عندما غادرنا، لم يتركنا بدون زاد، بل ترك لنا زاداً وفيراً على صعيد الفكر والفقه والحركة والمؤسّسات والمواقف والكلمات التي تجدّد دائماً الوعي والإرادة والقوة والعزيمة والحضور، وتدعونا إلى عدم اليأس مهما عصفت التحديات واشتدت الأزمات، و”أن أكملوا المسيرة…”.

وفاؤنا له أن نتابع ما بدأ ونراكم عليه، وأن لا نخذله في أي موقع عمل فيه، هو ينتظرنا في ذلك، وأقل الوفاء هو حضورنا ومشاركتنا الفاعلة في ذكراه يوم الإثنين في الرابع من تموز، هنا، في المكان الذي أحب وبقي يتردّد عليه حتى في أصعب الظروف وأحلكها، والحصن الذي تحصَّن به في حرب تموز وسط هدير الطائرات وتساقط الأبنية، وأوصى أن يكون مرقده فيه، حيث ستقام في هذه المناسبة ذكراه، والتي أُخذ فيها بالاعتبار كلّ الظروف على مستوى الشروط الصحية ومدة البرنامج…

والفاتحة إلى روحه وإلى أرواح أمواتكم جميعاً…