زيارة الحسين(ع): تجديد عهد وإلتزام بأهداف ثورته

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

بسم الله الرحمن الرحيم

{ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} صدق الله العظيم.

 

نلتقي اليوم بذكرى أليمة هي ذكرى أربعين استشهاد الامام الحسين (ع)، سبط رسول الله (ص)، ابن فاطمة الزهراء وعلى المرتضى، فرع شجرة بيت النبوة، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. وأبرز تجليات تعبيرات الموالين والموادين عن هذه المناسبة، هي في زيارة كربلاء ليكونوا على قرب مع من بذلوا وضحوا بالانفس والاهل والاصحاب من أجل الاصلاح في أمة رسول الله.

ومن جهتنا ندعو الله أن يحفظ هؤلاء الزوار المتوافدين وشوقهم يسبقهم ولهفتهم تلوح من البعيد، ندعو الله أن يحفظهم من كل المجرمين الذين لا وازع لهم من دين أو إنسانية، وهم لا يوفرون في إجرامهم حتى الذين يذهبون لزيارة ابن بنت رسول الله وسيد شباب أهل الجنة. ندعو الله أن يعودوا الى ديارهم سالمين غانمين مقبولي الاعمال مغفوري الذنوب.

 

ايها الأحبة:

في هذه المناسبة لا بد لنا من العودة إلى مبدأ زيارة المراقد والمقامات، الذي هو في أساسه، ينطلق من مبدأ زيارة القبور الذي دأب عليه الانسان لتحصيل فائدة ذاتية وشعورية عاطفية مع المتوفى، فضلاً عن آثارها الإيمانية. فعند زيارة قبر شخص قريب وعزيز يستلهم الانسان ذكر الله والموت ويدخل في الاعتبار واخذ الدروس، ليعي الحياة في ضوء الموت الذي لا مناص منه والذي خُطَّ على ابن آدم مخط القلادة في جيد الفتاة.

 

والشي نفسه يحصل عند زيارة الانبياء والأولياء مع الفارق الكبير بالزاد الروحي والايماني، الذي يحصّله الفرد على مستواه التربوي والتعبوي والنفسي. والذي تحصّله أيضا الجماعات والامة على مستوى تعميق انتمائها وارتباطها بصاحب المقام.  لهذا بطبيعة الحال فإن الذي يُرتجى من زيارة مراقد الانبياء والاولياء، هو أعلى بكثير من زيارة اي قبور أخرى لمنزلة من فيها ولما يمثلونه في الوجدان على مر السنين. ولهذا، فإن الأحاديث بالأجر والثواب الكبيراتت كنتيجة لهذه الفائدة، ولم تنطلق من فراغ.   خذوا مثلاً ما ورد عن رسول الله(ص) في قوله: «من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة» و «من صلى عليّ عند قبري سمعته ومن صلى عليَّ بعيداً بلغته» وفي الحديث عن الإمام الصادق(ع): «من زارنا في مماتنا فكأنما زارنا في حياتنا».

 

وعن الإمام الرضا(ع): «إن لكل إمام عهدا ًفي عنق أوليائه وشيعته وان تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً مما رغبوا به، كان أئمتهم شفعائهم يوم القيامة».  فالزيارة إذا هي مظهر تواصل وتفاعل بين الزائر ومن يُزار وتعميق الصلة مع كل مضامين الرسالة التي يحملها.  

أما القياس الذي ينبغي ان تقاس به الزيارات وعلى أساسه يحصل الزائرون على الأجر والثواب الذي وُعِدوا به فهو في تلمس آثارها ونتائجها على الفرد وكذلك على المجتمع.

 

أما من جهة الفرد، فإن أبسط مقياس على مستوى الزائر هو في مدى تحسن أدائه وسلوكياته وانسجامها مع سيرة من يزورهم، بمعنى آخر: هل تجعله الزيارة إنسانا أفضل مع ربه ومع نفسه ومع من حوله من الناس؟ هل يخرج من الزيارة وهو أكثر استعدادا بأن يعبد الله كما عبدوه ويطيعه كما اطاعوه. ويضحي في سبيله كما ضحوا ويعفو كما عفوا ويبذل كما بذلوا، وان يبادل السيئة بالحسنة وان يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر كما فعلوا، هل ينتهي من الزيارة وقلبه أرحم ولسانه عن السوء ألجم، وغيرها من الاسئلة والمقاييس الفعلية لنتائج هذه الزيارة على مستوى الفرد.

 

أما أثر الزيارات على الصعيد الجمعي فتقاس بمدى تماسك المجتمع كالجسد الواحد، ومدى خلوّه من العصبيات وفي تكاتفه، وفي قوته ونهضته، وفي محاربته للجهل والفقر والبؤس والامراض والامية والانحراف والفساد والظلم. إن الزيارات هي خير وسيلة لحل مشاكل مجتمعات المؤمنين لأنها تزودهم بجرعات من الوعي وحس المسؤولية والخوف من الله والاتعاظ من الموت الذي لم يوفر حتى الانبياء والأولياء. ولهذا كله كان الأجر والثواب.

 

أما إذا لم نحصّل هذه النتائج ويبدو للأسف أننا لم نستفد بعد، فالمشكلة ليست في الزيارة كسلوك، انما في مكان آخر تماما ً، ولعله في أسلوبنا نحن وفي طريقة تعاطينا مع الشكل دون المضمون ومع القشور دون الجوهر أو مع عدم فهمنا بالأساس لأهداف الزيارات، وغيرها من الاسباب التي تحتاج لبحث مفصل قد نتطرق اليه لاحقاً..

 

ايها الأحبة،

 إننا نقف اليوم لنتطلع بكل إكبار واعتزاز الى تلك الحشود التي توجهت الى كربلاء من كل حدب وصوب متجاوزة كل القيود والعقبات والظروف الأمنية الصعبة ومشاق الطريق.

وهنيئا لهم دعاء الإمام الصادق لهم: «اللهم اغفر لي ولاخواني ولزوار قبر ابي الحسين (ع) الذين انفقوا أموالهم وأشخصوا أبدانهم رغبة في برّنا ورجاءً لما عندك في وصلتنا، وسرور أدخلوه على نبيِّك محمد (ص)، اللهم اني استودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتى ترويها من الحوض يوم العطش الأكبر»

 

واسمحوا لي أن أختم بنقطتين أساسيتين:

أولاً: نقطة تتعلق بالشكل، ونحن لسنا في صدد أن يَنْصَبَّ شغل حياتنا على نقد الظواهر والتركيز على السلبيات ولا يجب ان يكون، ولكن لا يمكن للمرء أن يتغاضى عن كل ما يسيء او يحجِّم ذكرى ثورة الحسين والتي يجب ان تقدم كما هي. عالمية ممتدة في الزمان وفي المكان لتبقى مدرسة لكل الثائرين والاحرار والمجاهدين في العالم.  ونحن أيضاً في الوقت نفسه لا ننكر حرية كائناً من كان يفعل ما يريد على صعيد شخصي فهو من يتحمل مسؤولية أعماله أمام الله ولكن عندما تصبح الممارسات مُكرَّسة وسِمة لكل المجتمع والمذهب، فمن حقِّنا أن نوجّه وبكل محبة، لنعترض على كل ما نراه يسيء الى أهداف هذه الثورة. وملاحظتنا بشكل أساسي هي للعلماء قبل الناس لأن الناس مأخوذة بالعاطفة عادة. والعلماء هم يتحملون المسؤولية الاكبر، ونحن نلومهم على تخليهم عن توجيه العاطفة فضلاً عن تأجيجها وبعثرتها كعاطفة انفعالية عقيمة ومؤذية في أحيان كثيرة، بدل ان تكون عاطفة منتجة ومثمرة للدنيا والآخرة وتكون سلوكياتهم زينا لأهل البيت وليس شينا عليهم كما هي في العديد من الممارسات.

 

أما النقطة الثانية، فهي مشكلة الخلفية الفكرية التي تحكم هذه المواضيع، ففجأة ننسى منهج أهل البيت ومنهج العلماء في البحث والعلمية، خاصة أن المذهب الجعفري مبني على منهج الاجتهاد المفتوح وتعدد الآراء، فيصبح بكبسة زر ممنوع تعدد الآراء وتصبح من المحرمات الإضاءة على ما يراه البعض غير ثابت علمياً. فيصبح النقاش في هذه الامور سواء أكان حول سندها وأصلها، يأخذ طابع الاستغلال العاطفي، فيصبح من ينتقد المشي على الزجاج في صف يزيد ويصبح من ينتقد سنداً تاريخياً عدو الزهراء، ويصبح من يناقش سلوكيات تطبير اليدين (المستجد)، من كارهي العباس، ويصبح كل من ينتقد فكرة أو أسلوباً، يخل بوحدة الصف.

 

أكرر. أن هذا الحديث لا يرتجي النقد للنقد، ولكنه للتحذير من أن المنهج الذي يخوِّف ويستغل عاطفة الناس تجاه أهل البيت إن انتشر، وهو يبدأ بالانتشار، لا عقال له، ويمكن من خلاله تبرير أي شيء من دون الرجوع إلى سند او أصل من القرآن أو السيرة. (الفوضى العلمية إذا صح التعبير.)

ثم أنه لا ينبغي ولا يجب ان نسمح للأحداث التي تحصل في ساحتنا، متمثِّلة في الخلاف المذهبي والطائفي ومواجهة العقل التكفيري، أن تكون سببا لتزايد الدعوة إلى كم الأفواه والأقلام عن مواجهة تراث الغلو أو غير ذلك، بحجة الحرص على وجهة المعركة، لأننا بذلك نكون قد دخلنا فيما يُخطط لنا من فعل ورد فعل، وعندها سنسمح للغلو والتطرف أن يصبحا ظاهرة تحت عنوان شد عصب المذهب أو الطائفة، ولهذا ثمة ارتدادات خطيرة على المستويين الاعتقادي والفكري.

 

أيها الأحبة:

في ذكرى أربعين الحسين(ع) هذه الذكرى التي اختلطت فيها معاناة السبي بالعنفوان الذي عبرت عنه زينب ونساء كربلاء والإمام زين العابدين (ع). وكل الذين استطاعوا أن يهزوا جبروت يزيد وأن يحوِّلوا طريق السّبي الطويل والشاق إلى منابر للوعي ولرفض الواقع الفاسد، لتُنبِت على جوانب الطريق قلوب وعقول وأرواح عاشت الحسين عميقا في الوجدان ومررته من جيل الى جيل.

في هذه الذكرى نزور الحسين حيث كربلاء لنقول له:

السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا ابن رسول الله، السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين، السلام عليك وعلى ولدَيْك العليَّيْن الشهيدَيْن، السلام عليك وعلى أخيك أبي الفضل العبّاس، السلام عليك وعلى أختك الحوراء زينب. السلام عليك وعلى الأرواح التي حلَّت بفنائك، وأناخت برحلك. السلام عليك وعلى الملائكة الحافين بحرمك الشريف. أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر حتى أتاك اليقين.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ولبلوغ التقوى، لا بدّ من أن نحمل راية الإصلاح في واقعنا، كما حملها الإمام الحسين(ع)، وأن نواجه الفساد على المستويات الدينيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة والقضائيَّة.

ومن التقوى، ونحن نحيي ذكرى أربعين الإمام الحسين(ع)، أن لا نسكت على ظلم وانحراف، وأن لا نهادن ظالماً، حتى لو كان قريبنا، أو من طائفتنا أو مذهبنا أو موقعنا السياسي، أن لا نعطي لأعدائنا إعطاء الأذلّاء، ولا نقرّ لهم إقرار العبيد، أن يكون الله هو أكبر همّنا، وأن تهون لأجله كلّ الصعوبات والمشاقّ والآلام.. أن نكون أحراراً في دنيانا وأعزّاء فيها، أن نرى الموت سعادة والحياة مع الظالمين برماً.

بهذا نخلص للحسين(ع)، وبهذا نحيي ذكراه، فهو لن يكتفي منّا بدموعٍ ولا بحسراتٍ ولا بزيارات، بل يريد منا المواقف العزيزة الَّتي تمكّننا من مواجهة التّحدّيات.

 

فلسطين

والبداية من فلسطين، الّتي تستمر معاناة أهلها بسبب الحصار المطبق على غزة، وسياسة الاستيطان والاعتقال والقتل في الضّفة الغربيّة، والَّتي كان آخرها ما تعرّض له الوزير الفلسطيني، رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في السّلطة الفلسطينيَّة، زياد أبو عين، الَّذي قُتِل بدم بارد على أيدي سلطات الاحتلال الصّهيونيّ، خلال تظاهرة سلميَّة خرجت لتندّد باستيلاء هذا الاحتلال على أراضٍ في الضفّة الغربيّة.

إنّنا أمام هذا الواقع، ندعو الشَّعب الفلسطينيّ إلى توحيد جهوده، ودراسة كلّ السّبل المتاحة لمواجهة هذا الاحتلال، سواء كانت عسكريّة أو سياسيّة أو شعبيّة، والإسراع في إيقاف التّنسيق الأمنيّ مع الكيان الصّهيونيّ، والّذي يعود بفائدته عليه، وعدم الاكتفاء بردود فعل طارئة لا تسمن ولا تغني من جوع، فلن نحصل على حقوقنا من هذا العدو، إلا من خلال الانتفاضة والمقاومة ووحدة الشعب الفلسطيني في مواجهته.

 

العدوان على سوريا

وفي الوقت نفسه، نعيد دعوة الدول العربيَّة والإسلاميَّة، ولا سيّما تلك التي أبرمت معاهدات مع الكيان الصهيوني، إلى أن تتحمّل مسؤولياتها، وأن تتخذ موقفاً صارماً تجاه هذا العدو، حتى لا يستفرد بالشَّعب الفلسطيني، وليكفّ عن سياساته الَّتي يدير بها الظهر لكلّ القرارات الدوليّة وحقوق الإنسان.

وفي السياق نفسه، يأتي العدوان الصهيوني على أطراف دمشق، ومع الأسف، فإنه يحصل من دون تنديد من الدول العربيّة والإسلاميّة، وكأنَّ الأمر لا يمسّ عاصمة عربيَّة. وهنا، نقول بعيداً عن الهدف الذي أراده هذا الكيان، سواء كان يتعلَّق برغبته في الدّخول على الملف السوري، أو في منع سوريا من تطوير قدراتها العسكريَّة، أو عدم تمكينها من دعم المقاومة في لبنان، إنَّ القبول بهذا العدوان، سيمهّد لعدوان على أيّ بلدٍ عربيٍّ أو إسلاميٍّ عندما تقتضي مصالح العدو ذلك.

إنَّ هذا العدوان الخطير ينبغي أن يكون دافعاً لكلِّ المقاتلين في سوريا، لوعي الخطر الأساسي الَّذي يتهدّدهم جميعاً، ولتوجيه كلّ جهودهم وطاقاتهم وقدراتهم لمواجهته، بدلاً من أن توجّه إلى الداخل، وتهلك الحرث والنسل وكلّ مواقع القوة في هذا البلد، كما يحصل الآن.

وهنا، ندعو إلى الاستجابة لكلّ دعوات الحوار والمصالحة، وعدم تفويتها، وليكن الشعار في ذلك هو الشعار الّذي أطلقه الإمام علي(ع) عندما قال: "لأسلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين".. فليقل الجميع في سوريا: لأسلمنَّ ما سلمت أمور سوريا، حتى تبقى سوريا موقعاً من مواقع القوّة لمواجهة العدو الصهيوني والاستكبار العالمي، بدلاً من أن تكون ساحة لتصفية الحسابات الدوليّة والإقليميّة، أو لتلبية طموحات من دخلوا على خطّ هذا البلد، ممن لا يريدون له خيراً.

 

مؤتمر الأزهر

وفي مواجهة الإرهاب والتطرّف، لا بدَّ من التنويه بما صدر عن مؤتمر الأزهر الأخير، الَّذي انعقد في القاهرة، وجمع شخصيّات من مختلف الأديان والمذاهب، ومن دول عربيَّة وإسلاميَّة مختلفة، ومن جميع أنحاء العالم.. والَّذي أدان كلّ الممارسات الإرهابية التي تتمّ تحت عنوان ديني، معتبراً أنَّها لا تنطلق من أسس الدين وقيمه ومبادئه، الذي يدعو إلى الرحمة الشاملة، حتى في ساحات الحرب والقتال..

وقد دعونا في هذا المؤتمر إلى توضيح معنى الإرهاب، وعدم إبقائه فضفاضاً، كما يعمل الغرب، ليشمل المقاومة وكلّ الَّذين يعارضون سياساته، وإلى أن تتم معالجة الإرهاب بمعالجة أسبابه، وعدم الاكتفاء بالحلول الأمنية التي قد تخدم الذين يقومون بهذه الأعمال، وشددنا على ضرورة إيضاح مفردات الكفر والجهاد والخلافة، حتى لا تُتّخذ لافتة من قِبَل البعض للإساءة إلى صورة الإسلام ودوره.

 

العراق

ونصل إلى العراق، الّذي تستمر معاناة أهله جراء التفجيرات الوحشيّة والعدوان المستمر عليه من داعش، والَّذي يهدّد حتى المقدّسات، وجراء الفساد الّذي يأكل أخضره ويابسه، والخوف المستمر على وحدته الوطنيَّة، ولا سيما بعد الحديث عن حرس وطني هنا، وتسليح عشائر هناك، وغياب جيش متماسك وقوي.

إننا أمام هذا الواقع، ندعو كلّ مكونات الشّعب العراقي وقياداته، إلى تحمّل مسؤوليتهم، وتوحيد كل جهودهم لإنقاذ العراق وإخراجه من معاناته، وذلك بتفعيل الوحدة الوطنية الجادة، وعدم الاستجابة لتسويلات النفس الأمّارة بالسّوء، أو شياطين الإنس والجن، بالعمل على تقسيم العراق إلى أقاليم؛ إقليم للسنة، وآخر للشيعة، وآخر للأكراد، وآخر لمكوّنات طائفية أخرى. إنّ البديل عن وحدة العراق ليس سوى مشروع حروب أهلية مستمرة ودويلات متناحرة.

 

لبنان

ونصل إلى لبنان؛ هذا البلد الَّذي تستمر معاناته على مختلف المستويات، سواء السياسيّة أو الاقتصاديّة أو المعيشيّة، في ظلِّ الحديث المتزايد عن الفساد الَّذي يعشعش في مؤسَّسات الدولة، والَّذي وصل إلى الغذاء والدَّواء والصَّحَّة والدَّوائر العقاريّة، حيث تستباح أموال الدولة وأملاكها.

وهذا كلّه يأتي في ظلّ غياب رأس للدولة، وعدم اجتماع منتظم للمجلس النيابي، وحكومة غير متجانسة، مطلوب منها أن تدير شؤون البلد، ما ينعكس سلباً على كثير من الملفات.. وقد بدا ذلك واضحاً في أسلوب التعامل مع أزمة المخطوفين العسكريين، وتداعياته على حياتهم وعلى أهلهم وعلى معنويات الجيش، حيث نخشى أن نفقد الباقين في ظلّ الخلاف داخل الحكومة على آلية التعامل مع هذه القضية.

 

إننا نرى، وفي ظلّ كلّ الواقع المأزوم الذي يحيط بلبنان على المستوى الدوليّ والإقليميّ، والذي لا يبشِّر بحلولٍ تأتي من توافقاته، أنَّ الحاجة باتت ماسّة من قِبَل اللبنانيين إلى أن يقلعوا أشواكهم بأظافرهم. وهنا، ندعو إلى الإسراع بإجراء حوارات واسعة بين كلّ الأطراف اللبنانيّين على الصعيد الإسلاميّ ــ الإسلاميّ، وعلى الصّعيد الإسلاميّ ــ المسيحيّ، والمسيحيّ ــ المسيحيّ، وعلى الصَّعيد الوطنيّ، فهي السبيل لمعالجة ما نعانيه في هذا البلد من ترهّل وفراغ، فلا يوجد فائدة من الانتظار، والموفدون الدوليون والإقليميون لم يأتوا إلا بتمنّيات، أو لتبرئة ذمَّتهم، بأنهم عملوا في هذا الملف، ولم يصلوا إلى نتيجة، وهم لن يأتوا بغير ذلك.

إننا نقول للجميع: إنّ هذا البلد أمانة الله في أيديكم، وعليكم أن تتحمَّلوا مسؤوليَّة هذه الأمانة، وإلا فدعوها، فأنتم قادرون حتى على تجاوز الصراعات الإقليميَّة والدوليَّة، إن أردتم وأنصتّم إلى إنسان هذا البلد ومعاناته وآلامه المستمرة.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله
التاريخ :  20صفر 1436هـ الموافق : 12 كانون الاول 2014م

 

 

Leave A Reply