سنقف ضد التكفيريين والغُلاة والمفسدين ومع العدالة والوحدة وفلسطين، فضل الله: تفعيل الحوار يحفظ البلد ويحمي أهله من المجهول

ألقى العلامة السيد علي فضل خطبة العاشر من محرّم في مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بعد تلاوة المصرع الحسيني، وجاء فيها:

 

مباركة هذه الدّموع الحارَّة، هي شهادة حقيقيَّة على عمق الحبّ والولاء  لمن صدقوا العهد مع الله: للحسين و للصفوة الطيّبة من أصحابه واهل بيته  الّتي بذلت  معه كلّ ما بذلت من أجل الله ولا شيء إلا رضاه…

هو كلام الحسين(ع): "هوّن ما نزل بي أنّه بعين الله".. هو كلام زينب عندما وقفت أمام الأجساد الطاهرة على أرض كربلاء لتقول: "اللهم تقبَّل منا هذا القربان". هو الحب لله  أول دروس عاشوراء هو الحب لله وفي الله .

لا بدّ من أن يكون المحبّ لله صوت الله في الحياة.. وصوت الله هو صوت العدالة، صوت العزة، صوت الخير الذي لا يعرف حدوداً ولا يقف عند قرار…

أيّها المواسون للحسين ولزينب ولكلّ شهداء كربلاء، لم يكن ما جرى في كربلاء مجرد معركة بين جيشين،حتى يأتي من يقول هذه معركة انتهت برجالها ودمائها وآثارها..وحتى ثأرها.  بل كانت كربلاء صراعاً بين خطين لا يلتقيان ومنطقين متعارضين لا ينتميان إلى تاريخ او جغرافيا محددة؛ منطق يقرر المواجهة والتصدي لمن يتلاعب بمقدرات الناس ويستأثر بها، يعطل القوانين او يتلاعب بها، يجعلها لحسابه، يتلاعب بالعقيدة والشريعة والتاريخ فيحل الحرام ويحرم الحلال….. وفي مقابل ذلك، منطق الذي يرى أنه يحق له ان كان في موقع المسؤولية ، ان تكون له صلاحيات مطلقة، لا يرى لأحد الحق أن يراقبه أو يحاسبه أو ينقده ، يسيِّد منطقه بعدم مخالفة رأيه ووجوب النزول عند طاعته   من قبيل ما  أريكم إلا ما أرى ( منطق طاغوتي فرعوني بامتياز وان غلف بشعار خليفة المسلمين)

ومن سنن الصراع بين الحق والباطل أنه عندما يتواجه المنطقان، كما حصل في كربلاء ان يكون منطق الحق أعزل في مواجهة باطل مدجج بالمال والسلاح والحقد والاستعداد التام على بيع اي شيء "كرمى عيني الأمير"

 لم يكن الحسين  يعوِّل كثيراً على نتائج المواجهة العسكرية ،وهو الذي قال منذ لحظة خروجه من مكة :"من لحق بي استشهد ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح والسلام .."  لقد أراد نزع عباءة الاسلام عن يزيد وكشف حقيقة الحكم الاموي وخطره على الاسلام والمسلمين.

عندما نهض الحسين كانت حكومة المسلمين حكومة ظلمة وقتلة ومفسدين أرسى أسسها معاوية بن اي سفيان .. لكن هل استطاع معاوية ان يحقق أهدافه وحده أو حتى مع عشيرته ؟ بالطبع لا .. لقد فرض نفسه ومشروعه بالسيف تارة والدينار تارة أخرى وبتمزيق وحدة الأمة عاملاً بقانون "فرق تسد" وظلت سياسة الجور والارهاب والتجويع هي الأفعل .. وهي من مخلفات الجاهلية وليست من الاسلام في شيء.. فمن أوامره إلى أحد قادته العسكريين  سفيان الغامدي حول الغارات العسكرية في أرياف العراق أنذاك : ان هذه الغارات  على اهل العراق ترعب قلوبهم .. فاقتل كل من لقيته ممن هو ليس على مثل رأيك واخرب كل ما مررت به من القرى ، واحرب الاموال فإن حرب الاموال شبيه بالقتل … وهو أوجع بالقلب "

ما اشبه اليوم بالأمس !!  وبالمستقبل أيضا ، لان المواجهة بين الحق والباطل  لن تنتهي انها من سنن الله في الارض .. والسيادة للباطل لن تدوم ،ستتصدى له ارادات الحق كلما اطل برأسه ولو بعد حين ….وهذا ما حصل مع ثورة الحسين  وهو ما سيبقى

ايها المواسون… إن التاريخ كما هو معروف، يكتبه أو يؤثر فيه المنتصرون  ولكن المفارقة عند الحسين ان المعركة العسكرية ربحها يزيد يومها ، لكن الحسين هو من كتب التاريخ.. كتبه بدمه ودماء اصحابه وأطفاله وتكتبه  بالدموع الحارة الصادقة الواعية التي تذرف احياءاً لذكراه من ايام كربلاء الى ان تقوم الساعة ويرث الله الارض ومن عليها.. فأين يزيد و أثره، من أثر الحسين و اهل بيت الحسين الذين تُحيا ذكراهم من أقاصي المشرق إلى أقاصي المغرب و تزار مراقدهم في العراق و الشام و حبذا اليوم لو في مصر.  سؤال للعبرة والاعتبار

هذا في جانب الإحياء، أما في جانب المعركة الوجودية بين خط يزيد و خط الإمام الحسين  فإنها تزداد في كل يوم منعة و قوة .. رغم أن السالكين في درب الحق قلة وأن اليزيديين لا يزالون يمثلون الأغلبية في عالمنا الاسلامي و مثلهم الأكثرية  (لا الأقلية) الصامتة.

اليزيديون في واقعنا قد لا يجاهرون بالفسق و الفجور وشرب الخمر، و لكنهم على نفس الخط يعطلون الحدود و يستأثرون بالمال العام ويستبيحون مقدرات الشعوب وثرواتها ولديهم وسائل وأسلحة واساليب تفعل فعلها كما كان ليزيد.. مع فارق الزمن..

فأسلحة الخط اليزيدي تنوعت وسائلها من الفتنة و الاعلام و المال والفتاوى، أضف إليها الحاشية (وهي من الأسلحة التي تغفل في أغلب مجالسنا) فالحاشية حول يزيد كان فيها من ينُظِّر و يفتي و يجتهد لتبرير سياساته و أفعاله و حتى قتله لأهل البيت..  واسلحة اليوم هي هي اضف اليها اجهزة المخابرات ومراكز الدراسات والتفكير والاحصاءات والفضائيات ومواقع التواصل ..

إن كل هذه الأسلحة اليزيدية هي _كما كانت من قبل_ لدليل على ضعف الحجة و ضعف المنطق ، كيف لا و هم يخالفون الحق الصراح ، و هي لعب على الغرائز و العصبيات، في حينه كانت العصبيات المناطقية و العشائرية هي الطاغية أما الآن فزادت وصارت أكثر تعقيدا  فصارت مذهبية وعرقية وقومية وطائفية  ..

ايها المواسون الاوفياء

إن احياء ذكرى الحسين والوفاء له وللتضحيات الجسيمة التي قدمها للأمة الحسين تستوجب تنويعاً و إبداعاً ووعياً لا في مسألة الإحياء و كيفيته و تنقيته فحسب فهو مطلوب دائماً ، بل في كيفية المواجهة ثقافياً و وحدوياً و إعلامياً و أمنياً، وتربويا واخلاقياً  وتنشئة المجتمع أن يقول "لا" و يعترض على كل ظلم  و إن كلفه ذلك أن يقف بمفرده ليواجه العالم كما وقف الإمام الحسين…من دون اي حساب للقلة والكثرة.. وليأبى الذل والخنوع وشعاره هيهات منا الذلة

 

ايها المواسون …

نحن هنا اليوم نحيي العاشر  ونذرف دموع العاطفة والولاء لابن بنت رسول الله ..لسيد شباب اهل الجنة  نحيي الذكرى بالدموع نعم وبالحرقة نعم، لتولد هذه الدموع مواقفاً ترفض الفساد والافساد بكل اشكاله من الصغير الى الكبير ومهما كان مصدره ، وهكذا يكتمل الولاء للحسين ولكل الدماء التي نزفت في كربلاء، وكل الجراحات، وكل عطاءات زينب وزين العابدين والنساء والاطفال…  هذا الولاء يحتّم علينا أن نكون حيث كان الحسين(ع)، وأن نقف حيث يقف.. أن نقف في وجه كلّ الذين يفسدون الدين، ويشوهون صورة الإسلام،..سنرفع الصوت أبداً ودائماً في وجه التكفيريين والغلاة والمبتدعين والمزيفين لحقائق التاريخ.. لن نجامل كل هؤلاء سنقول لهم ارفعوا ايديكم عن الاسلام واخلعوا عباءته لا يشرفه ان تمثِّلوه وأنتم تمثِّلون به أبشع التمثيل

وفي الوقت نفسه عيننا على وحدة المسلمين، بالرغم من  كلّ هذه التمزّقات الَّتي نعيشها في منطقتنا، من سوريا إلى العراق إلى اليمن، وأمام كلّ هذه الاندفاعة نحو الحرب التي نرى فيها دولاً مستعدّة لهدر اقتصادها وثرواتها وكلّ ما تملك لحساب هذه الحروب وهذه الفتن، في الوقت الذي لا نراها مستعدة لاتخاذ موقف واحد من كلّ ما يجري في فلسطين السليبة والقدس اولى القبلتين وثالث الحرمين

سنكون حريصين على الوقوف مع كل دعوة إصلاح ووحدة ودعوة عدل ودعوة إزالة فساد.. وسنبقي عيوننا مفتوحة، حتى لا نقع فيما حذَّر منه علي عندما تحدَّث عن الخوارج الذين أطلقوا "كلمة حقّ يراد بها باطل"… فكم من حركات وثورات وسياسات وجهات تنطق بالحق لتزهق حقاً لا لتزهق باطلاً؟!

ولا بد لنا ونحن في يوم الحسين(ع) ان نحيي هذا الشّباب المضحّي في مواجهة الإرهاب والصّهيونيَّة وقوى التّسلّط والاحتلال والاستكبار. ولأنَّنا مع قضايا العدل والحريَّة والعزَّة، سنبقى مع فلسطين الّتي ستبقى بالنّسبة إلينا أمّ القضايا وأساسها..

وفي لبنان تبقى مسؤوليتنا في الحفاظ على هذا البلد الذي لا يمكن أن يبقى بكل هذا الترهل السياسي والفراغ ونحن نعيش في ظل كل هذه الأمواج العاتية، لهذا نقول لكل السياسيين ارأفوا بإنسان هذا البلد وبمستقبله حتى لا يهيم في أرض الله الواسعة.

أنتم مسؤولون أن تصلحوا واقعه ولا خيار لكم إلا بمزيد من الحوار وصولاً إلى التوافق، فلا يبنى هذا البلد إلا به.

سيبقى صوت الحسين(ع) هادراً  فينا ولن يسكت.. "والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد…"

السَّلام عَلَى الحُسَيْن، وَعَلَى عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ، وَعَلَى أوْلادِ الحُسَيْنِ، وَعَلَى أصْحابِ الحُسَين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

المكتب الإعلاميّ لسماحة العلامة السيّد علي فضل الله

التّاريخ: 11 محرّم 1437هـ الموافق: 24 تشرين أول 2015م
 

Leave A Reply