صلحُ الحديبية: تعزيزُ حضورِ الإسلامِ في الجزيرةِ العربيَّة

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً}[الفتح: 27]. صدق الله العظيم.

القرارُ بأداءِ العمرة

في أوّل شهر ذي القعدة الحرام، دعا رسول الله (ص) المسلمين من أهل المدينة ومن حولها للخروج معه لأداء العمرة بعدما نزلت عليه هذه الآية، رغم أنّ قريشاً كانت لا تزال تسيطر على مكّة ولم تنته الحرب معها، وقد وعده الله أنَّ في ذلك فتحاً قريباً، فخرج معه ألف وخمسمائة وخمسون رجلاً، وأمرهم أن يلبسوا ثياب الإحرام، وأحرموا للعمرة من مسجد الشجرة الذي يقع على مشارف المدينة، وأخرج معه الهدي كإشارة إلى أنّه يريد من خطوته هذه العمرة، لا دخول مكة للسيطرة عليها كما كانت تعتقد قريش.

وفي أثناء المسير، علم رسول الله (ص) أنَّ الخبر وصل إلى قريش، وهي لذلك استنفرت قوَّتها لمنعه من دخول مكة، وأرسلت لذلك جيشاً بقيادة خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل. لما علم رسول الله (ص) بذلك، قرر أن يعدل عن طريقه حتى لا يصطدم معها، وتابع مسيره إلى الحديبية التي هي على حدود مكّة، وقرر التوقف هناك.

تفاجأت قريش بقرار رسول الله (ص)، وحارت ماذا تفعل، ووقفت بين خيارين أحلاهما مرّ؛ فهي إن سمحت لرسول الله (ص) وأصحابه بالدخول إلى مكَّة، فهذا دليل ضعف، وسيضاف ذلك إلى هزائمها السَّابقة في بدر والأحزاب، وإن هي قاتلت المسلمين، فإنها لن تضمن النَّصر أن يكون لصالحها، فقرَّرت أن ترسل لذلك عدَّة وفود من قبلها لإقناع رسول الله (ص) بالعدول عن رأيه، لكنَّ رسول الله (ص) أصرَّ على قراره بأداء العمرة. وحتى لا يصل الأمر إلى طريق مسدود، أرسل مبعوثاً له إلى قريش، هو عثمان بن عفّان، ليقول لهم ما قاله لكلّ الوفود التي جاءت من قريش، إنه لا يريد الدخول في معركة مع قريش، وإنه لم يأت لقتال، وإنما جاء للعمرة، وسيعود بمجرد الانتهاء منها.

لكنَّ قريشاً اتخذت موقفاً سلبياً، عندما احتبست مبعوث رسول الله (ص) ولم تسمح له بالعودة، عندها دعا رسول الله (ص) أصحابه إلى مبايعته على القتال إن هم أصرّوا على رفضهم ولم يفرجوا عن مبعوثه. وهنا، التفتوا إلى مدى احترام رسول الله (ص) لأصحابه، فهو دعاهم عندما خرجوا معه لأجل العمرة، ولم يأت بهم لقتال، ولكن مع تغيّر الظروف والاضطرار للمواجهة مع قريش، كان لا بدَّ من أن يبايعوه على ذلك، وقد تمت البيعة تحت شجرة كانت هناك، ولذا سميت ببيعة الشَّجرة أو بيعة الرّضوان، باعتبار ما نزل في الآية بعدها: {لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}[الفتح: 18].

بنودُ الصّلح

وصلت أصداء البيعة إلى قريش، وعرفت من ذلك قريش مدى جدّية المسلمين واستعدادهم للمواجهة إن أصرَّت على موقفها ولم تطلق مبعوثه، فبادرت إلى إطلاق مبعوثه، وكلَّفت سهيل بن عمرو بالتفاوض مع رسول الله (ص)، الّذي انتهى إلى صلح يتضمّن بنوداً عدة.

أوّلاً: تعهّد قريش بإيقاف الحرب على رسول الله والمسلمين عشر سنين، بحيث يكون المسلمون آمنين داخل مكّة وخارجها، ولهم كلّ الحريّة.

ثانياً: رجوع رسول الله (ص) وأصحابه عن دخول مكّة، على أن يعودوا إليها في العام القادم، فيقيموا فيها ثلاثة أيّام، بعد أن تُخليها لهم قريش، ليمارسوا حرّيتهم في أداء العمرة.

والبند الثالث: تعهّد رسول الله (ص) لقريش بأنَّ من أتى إليه مسلماً بغير إذن وليّه، ردّه الرّسول إلى قريش، ولكن من جاء قريشاً من المسلمين يريد ترك الإسلام، لم يردّوه إلى المدينة.

وقد أثار هذا البند جدلاً بين المسلمين، إلى حدّ أنَّ أحد الصَّحابة قال بطريقة غير لائقة للرّسول: “لماذا نعطي الدنيّة في ديننا؟!”.

لكنَّ رسول الله (ص) كان واثقاً بأنَّ من يأخذ قراره بالإسلام عن إيمان ويترك مكَّة، لن يتراجع، وسيُشغل بال قريش إن هي حجزته عن الالتحاق برسول الله (ص)، وسيشكِّل ذلك مصدر قلق لها. أيضاً، وفي المقلب الآخر، عندما أعطى رسول الله (ص) لقريش الحقّ في عدم تسليم من يعود إليها مرتدّاً عن دينه، فلأنّه كان يدرك أن لا أحد سيلوذ بقريش بعد إسلامه عن إيمان.

وهذا بالفعل ما حصل، فقد تجمّع كلّ من كانت قريش تمنعهم من الالتحاق برسول الله (ص) على الطّريق بين مكّة والمدينة، وراحوا يقطعون قوافل قريش لإرغامها على السَّماح لهم بالالتحاق برسول الله (ص) في المدينة. لم تتحمَّل قريش الضّغوطات الكثيرة الّتي مارسها عليها أولئك المسلمون، لهذا نراها، وبعد مدَّة قصيرة، تستجدي رسول الله ليلغي هذا البند بعد أن تحوَّل إلى عبء عليها.

وبعد الانتهاء من مراسم الصّلح، أمر رسول الله أصحابه بنحر الهدي وحلق رؤوسهم ليفكّوا بذلك إحرامهم، وعادوا إلى المدينة بعد 19 يوماً من خروجهم منها ظافرين منتصرين، لتنزل بعدها الآية القرآنية: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً}[الفتح: 1- 2]، وليتحقَّق بعد سنة ما وعد الله سبحانه رسوله بدخول المسجد الحرام وأداء العمرة فيه، وتتحقَّق الرؤيا على أرض الواقع، وفي ذلك مظهر من مظاهر إعجاز القرآن الكريم في إخباره بالغيب.

من نتائجِ الصّلحِ ودروسِه

لقد كان للصلح أثره الكبير في موقع رسول الله (ص)، فقد جاء هذا الصلح ليعزِّز مجدداً حضور الإسلام في الجزيرة العربية وقوَّته، في الوقت الذي أسهمت الهدنة التي حصلت مع قريش في إيصال صوت الإسلام إلى العالم، بعدما أرسل رسول الله (ص) رسائله إلى الملوك وزعماء القبائل، وفي دخول عدد كبير من المشركين في الإسلام، ومهَّدت الطريق للتفرغ لمواجهة اليهود الذين كانوا قد تحصّنوا في خيبر والانتصار عليهم.. وبعد ذلك، فتح مكّة، والذي جاء بعدما نقضت قريش هذا الصّلح، وكان لذلك فتحاً مبيناً.

في صلح الحديبيّة دروس كثيرة يجب أن نستلهمها، ولكنَّنا في هذه العجالة سنتوقَّف عند درسين:

الدرس الأول: أثبت صلح الحديبية للعالم أنَّ الإسلام هو دين يدعو إلى السلام، وليس كما كانت تسوِّق قريش أنّه دين جاء للحرب، وأكَّد حرصه على حرمة المسجد الحرام وعدم القتال فيه، وهو فعل ذلك ليصالح عندما بادرت للصلح، رغم امتلاكه القدرة على أن يدخلها بالقوَّة، وأن يفرض ما يريد من الشروط على قريش بعد كلّ الانتصارات السابقة التي أظهرت قوّته.

الدرس الثاني: احترام الإسلام للعهود والمواثيق حتّى لو كان ذلك مع قريش، ناقضة العهود، محيكة المؤامرات والدّسائس والفتن، فلم يخالف المسلمون عهدهم مع قريش حتى نقضته هي، فأصبحوا عند ذلك في حلٍّ منه.

فقد ذكرت السّيرة، أنّه ما إن انتهى رسول الله (ص) من توقيع العقد مع موفد قريش سهيل بن عمرو، حتى جاء أبو جندل، وهو ابن سهيل، فارّاً من أبيه للالتحاق برسول الله، وكانت القيود لا تزال في قدميه، بعدما حبسه أبوه في مكّة لمنعه من الالتحاق بالمسلمين، فلمَّا رآه والده، قال لرسول الله (ص): يا محمَّد، هذا أوّل ما أقاضيك عليه، ردَّه إليّ، كما نصّت المعاهدة بيني وبينك، وهي لم يجفّ حبرها بعد. فأعاده رسول الله (ص)، وقال لأبي جندل: “يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإنَّ الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً، إنّا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً، وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله، وإنَّا لا نغدر بهم”، حتى لو كانوا مشركين.

وبهذا، قدَّم رسول الله درساً عملياً في الوفاء بالعهد والالتزام بالمواثيق، فالمسلمون يوفون بعهدهم وعقودهم، لا يغدرون أو يغيّرون، وهم أمناء على ما يلتزمون به، سواء كانت هذه الالتزامات في إطار العلاقات الفردية أو الوظيفية أو التجارية أو الاجتماعية أو مع الدّولة.

وهذا ما نحتاجه في واقعنا، حيث بات الوفاء بالعهد هو منطق الضّعفاء، بينما الأقوياء لا يأبهون بالتزاماتهم.

جعلنا الله وإيّاكم ممن قال عنهم الله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}[المعارج: 32]. وقال رسول الله: “لا دين لمن لا عهد له”.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بالاستعداد لاستقبال شهر ذي القعدة الَّذي سيصادف يوم الأحد، وسمي بذي العقدة لأنَّه يقعد فيه عن القتال، وهو بداية للأشهر الحرم، وهي ذو القعدة وذو الحجّة ومحرَّم، بعد شهر رجب، وهذه الأشهر هي أشهر سلام وأمان واطمئنان، يحرم فيها البدء بالقتال وإثارة النزاعات والخصومات، ولا بدَّ أن تتوقف إن بدأت.

وقد أشار القرآن الكريم إلى أنَّ هذا التشريع كان منذ أن وجدت السماوات والأرض، وهو واكب كلّ الرسالات السماويّة، ودعا إلى احترامه، واعتبر المسّ به إثماً كبيراً، وأنّه يبقى إلى نهاية الحياة في هذا الكون، وذلك قوله: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}[التّوبة: 36].

وهذا يدعو إلى الالتزام بحرمة هذه الأشهر، والتي من مزاياها أنها أشهر يتضاعف فيها الثواب والعقاب، ما يدعو إلى الإكثار من الحسنات، وترك الهفوات والمعاصي والسيّئات.

أيُّها الأحبَّة: لننعم في هذا الشّهر وكلّ الأشهر بكلّ البركات؛ أن ننعم فيه بالسّلام والاطمئنان، فنبرِّد فيها نزاعاتنا وخصوماتنا، ونفسح في المجال لعلاجها، وأن نكثر من الأعمال الصالحات، ونتوقَّى فيها من السيّئات، لنكون أكثر مسؤوليَّة وقدرةً على مواجهة التحديات.

الملفُّ الرئاسيّ.. وأزماتُ البلد

والبداية من لبنان الَّذي لا يزال ينتظر ما ستؤول إليه حركة سفراء الدول المؤثرين في الأفرقاء الداخليّين، وما يجري من مباحثات في الخارج، وآخرها في اجتماع القمة العربية المنعقدة في جدَّة، وما يصدر عنها، بعدما كفَّت القوى السياسية التي تملك قرار اللبنانيين عن القيام بالدور المطلوب منها في التوصّل إلى معالجة أزمات البلد، والتي تبدأ بانتخاب رئيس للجمهوريَّة يتوافق عليه الجميع، والَّذي لا زلنا نراه الطريق الأسلم لتحقيق ذلك.

وهنا نقول: إن لم يتوافر مثل هذا التوافق، فليكشف كلٌّ أوراقه، وليتمّ انتخاب رئيس للجمهوريَّة وفق المسار الدستوريّ، وبأسرع ما يمكن، حتى لا يبقى البلد في حال الفراغ والمراوحة، وكفى تلاعباً بمصير هذا البلد وبمصير إنسانه.

في هذا الوقت، تستمرّ الأزمات على الصَّعيد المعيشي والحياتي، حيث تستمرّ معاناة اللبنانيين، وتترك تأثيراتها على الصعيد الأمني والاستقرار الاجتماعي، وبدلاً من أن تقوم الدولة المعنيَّة بمواطنيها بحلّ أزماتهم هذه، أو على الأقلّ بالتخفيف من وقعها عليهم، تواصل السياسة التي تعتمدها بإفراغ ما تبقَّى من جيوب اللبنانيين، برفع الرسوم والضرائب عليهم، وآخرها الدولار الجمركيّ، بذريعة تأمين مواردها، والَّذي من الطبيعي أنه يُسهم في رفع الأسعار.

وكما قلنا سابقاً، فإنه من حق الدولة أن تأخذ الضرائب، ولكن عليها أن تكون قد قامت بحساب ما يترتَّب عليها من مضاعفات لا تطيق أكثريَّة اللبنانيين تحمّلها.

رفعُ الأقساطِ المدرسيَّة!

ونتوقَّف عند الشأن التعليمي الذي بات هاجس اللبنانيّين في هذه المرحلة، وحيث باتوا ينوؤون تحت وقع الأقساط التي تفرضها المدارس الخاصَّة لضمان قدرتها على الاستمرار في أداء دورها التعليمي أو إعطاء الأساتذة حقوقهم. ونحن على هذا الصّعيد، ندعو المدارس الخاصَّة إلى أن تأخذ في الاعتبار الوضع الصَّعب للنَّاس، وأن لا يحمّلوا اللبنانيين ما لا طاقة لهم على تحمّله لضمان تعليم أولادهم.

وهنا ننوّه بكلّ المدارس التي حرصت على عدم رفع أقساطها إلا بالحدّ الأدنى الذي يسمح لها بالاستمرار، في الوقت الّذي ندعو إلى العمل سريعاً لتأمين عودة المدارس الرسميَّة إلى العمل، وإزالة كل العوائق التي تقف أمام ذلك، لضمان تأمين التعليم لمن ليسوا قادرين على تأمين مقاعد أولادهم في المدارس الخاصَّة، وأن يكون ذلك من أولويات ما تعمل عليه الدَّولة.

قرارٌ يسيءُ إلى سمعةِ البلد

أمّا على صعيد الاتهام الذي صدر أخيراً، والموجَّه إلى حاكم المصرف المركزي من قبل القضاء الفرنسي، والذي وصل إلى إصدار مذكرة بتوقيفه، فإننا، وبصرف النظر عن موقفنا من هذا القرار، نشير إلى أنَّ مجرد اتهام الموقع المالي الأوَّل في هذا البلد بمثل هذا الاتهام، يسيء إلى سمعة البلد وصورته ومصداقيَّته، وقد تكون له تداعياته على مصير المعاملات الماليَّة معه، ما يدعو الحكومة إلى الإسراع بمعالجة هذا الأمر، وعدم التهرّب من تحمّل مسؤوليّتها، وأخذ القرار فيه، منعاً لكل التداعيات والمخاطر الناجمة عنه.

ونحن هنا في هذا المجال، كنَّا قد حذّرنا مراراً من حالة اللامبالاة التي تجري، إن على الصعيد القضائي أو السياسي، وإزاء ما يحدث على صعيد المصرف المركزي أو المصارف، وقد دعونا إلى فتح الباب واسعاً لمعالجة الأمر، وكشف المرتكبين، وأخذ الإجراءات بحقّهم للحؤول دون تدخلات تمسّ بسيادة البلد.

القمّةُ العربيّةُ: التّقاربُ المطلوب

ونطلّ على القمّة العربية التي تنعقد في المملكة العربية السعودية، في مرحلة يشهد هذا العالم تقارباً عربياً عربياً وعربياً إسلامياً، والذي ظهر في عودة سوريا إلى الجامعة العربيَّة، فإننا نأمل أن يشكّل ذلك بداية مرحلة جديدة من مراحل التضامن على الصعيد العربي، وبما يعيد إلى هذا العالم وحدته وقوَّته في مواجهة التحديات، والتي من الطبيعي أن تكبر وتزداد إن هو قرَّر البدء عمليَّاً بتعزيز هذا التعاون من كلّ الذين يريدون لهذا العالم أن يبقى في حالة توتر وانقسام وانعدام وزن.

إننا نجدّد القول إن ما يمتلكه العالم العربي من ثروات، وإمكانات وطاقات بشريَّة وقدرات وكفاءات علمية، تؤهِّله لدور أكبر على المستوى العالمي، فيما لو توحَّدت قواه وطاقاته، ويكفّ عن أن يضعف بعضه بعضاً، وهو ما نأمل في هذه القمَّة أن تؤسّس وتعمل له.

فلسطينُ: منعُ هيمنةِ العدوّ

ونتوقَّف أخيراً في فلسطين الَّتي استطاعت بتضحياتها وصمود شعبها أن تفشل المخطَّط الذي أراد منه العدوّ إعادة هيمنته وكسر إرادة شعبها، وأعطى للكيان درساً جديداً أنّ غزّة، كما الضفّة، عصيّة عليه، وأثبت أنه بمستوى الآمال المعقودة عليه، فهو يراكم الإنجازات تلو الإنجازات في الطريق الطويل للوصول إلى هدفه الكبير في استعادة أرضه التي لا بدَّ من أن يصل إليها، ما دامت لديه إرادة الصّمود والتحدّي، والاستعداد للتضحية في هذا الطّريق.

***