ضبط الغضب مظهر قوَّة في الإنسان

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الدينية

قال الله سبحانه وتعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. صدق الله العظيم.

شعور إنسانيّ

الغضب شعور إنساني أودعه الله في الإنسان، وهو تعبير طبيعيّ عن تفاعله مع ما يجول في داخله أو من محيطه.

فمن الطبيعي للإنسان أن يغضب إن هو تعرّض لأذى جسدي أو معنوي أو مادي، أو تعرّض لقهر أو إذلال أو إحباط، أو استعاد ذكريات مؤلمة، أو تعرَّض لذلك من يرتبطون به أو من له هوى فيهم، أو عندما يساء إلى دينه وقيمه، أو إلى من هم في موقع التّقديس والإجلال عنده…

بل قد يكون من غير الطبيعي أن لا يغضب الإنسان عندما يتعرّض لمثل ذلك. فالغضب إذاً هو أمر طبيعي وصحي، وقد يصبح واجباً عندما تستحلّ محارم الله أو تنتهك، وقد يكون أسلوباً حكيماً في الردع عن المنكر او الانحراف.. فقد ورد عن الإمام زين العابدين (ع): “قَالَ مُوسَى بنُ عِمرَانَ (ع): يا ربّ! من أهلك الذين تظلّهم في ظل عرشك يوم لا ظلّ إلا ظلّك؟ فأوحى الله إليه: …والذين يغضبون لمحارمي إذا استحلّت، مثل النّمر إذا جرح”.

وقدا ورد عن عليّ (ع): “كان (ص) لا يغضب للدنيا، فإذا أغضبه الحقّ لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له”.

الغضب المتفلّت

نعم، هذا الغضب قد يكون مشكلة لنفس الإنسان أو لمن حوله إن فقد السيطرة  على نفسه. ولذا ورد أن الغضب ثورة في النفس تهدر كالبركان الغاضب، فإذا لم تتوجّه بأمر العقل، ولم تخضع لأحكام الدين، فهي تدمّر كلّ ما يقع أمامها.

ويكفي حتى يطّلع الإنسان على آثار الغضب الكارثيّة على الأفراد والمجتمعات، أن يذهب إلى المقابر أو إلى المستشفيات أو السجون أو البيوت أو الشّوارع والقرى والأحياء، حتى يرى أنّ الغضب هو السبب في الكثير ممن ماتوا أو سجنوا أو دخلوا المستشفيات، أو ينظر في أسباب المشاكل والتوترات التي تحدث داخل القرى والمدن، أو بين الفئات الدينيّة أو الاجتماعية أو السياسية.

فالغضب إن لم يقمع ويضبط، يحوّل صاحبه إلى وحش كاسر يجرح ويقتل ويدمّر، أو إلى شعلة نار تحرق نفسها وما حولها. لهذا، نحن معنيّون بإيجاد كوابح لهذا الغضب، وقد جاء الإسلام ليوجد في الإنسان هذه الكوابح.

تحفيزٌ على ضبط الغضب

ومن هنا، دعت الآيات والأحاديث الإنسان إلى أن يضبط غضبه، وأن يكبحه ويسيطر عليه مهما كانت قوّة الغضب، بحيث لا يتملّكه، ولا تنبع مواقفه منه…

وقد حفَّز الله الإنسان لبلوغ هذه القيمة، عندما اعتبر المقابل لها مغفرةً منه، وجنّة عرضها السماوات والأرض، فقال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

وهذا التّحفيز ورد في عدد من الأحاديث الشّريفة.

فقد ورد في الحديث: “من كظم غيظاً وهو يقدر على إمضائه، حشا الله قلبه أمناً وإيماناً يوم القيامة”.

وورد أيضاً: “ما مِن جَرْعَةٍ أعظم أجراً عند الله تعالى مِن جَرْعَة غَيْظٍ كَظَمَها عبدٌ”.

وقد اعتبر رسول الله (ص) أنّ ضبط هذا الانفعال، ثمّ توجيهه نحو الحقّ، يشكل مظهراً من مظاهر قوّة الإنسان لا ضعفه، حيث ورد في سيرته، أنه مرّ يوماً بقوم يرفعون حجراً، فقال: ما هذا؟ قالوا: نعرف بذلك أشدّنا وأقوانا. فقال (ص): “ألا أخبركم بأشدّكم وأقواكم؟”، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: “أشدّكم وأقواكم الذي إذا رضي، لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط، لم يخرجه سخطه من قول الحقّ، وإذا قدر، لم يتعاط ما ليس له بحقّ”.

فالله سبحانه يريد للإنسان أن يمسك بزمام انفعاله وتوتّره، وأن يتصرَّف بوحي عقله، وبوحي إيمانه.. والغضب إن هو استحكم بالإنسان، فسيفقد العقل دوره، ويوقع الإنسان فريسة غضبه وانفعاله.

ففي الحديث: “من لم يملك غضبه لم يملك عقله”. وقد ورد أنَّ الحدّة ضرب من الجنون.

فكما لم يرد الله للإنسان أن يتخلّى عن عقله بالخمر، ولذا حرَّمه، فإنّه لم لم يرد ذلك بالغضب.

والغضب هو أيضاً نقيض الإيمان، فمعه تنفتح كلّ الشّرور والأبواب للشّيطان. فقد ورد في الحديث: “الغضب مفتاح كلّ شرّ”، “الغضب جمرة من الشيطان توقَد في قلب ابن آدم”، “بئس القرين الغضب: يبدي المعائب، ويدني الشرّ، ويباعد الخير”.

 وللغضب تداعيات سلبيّة كثيرة على مصير الإنسان وموقفه أمام ربّه، لأنّ الغضب يبدأ بالمعصية، ولا ينتهي بإلحاق الأذى والضّرر بالآخرين؛ من سبّ لهم وشتم وضرب وظلم، وحتى قتل. وقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص): أنّ لجهنّم باباً لا يدخله إلا من شفى غيظه بمعصية، ليكون العذاب أشدّ وأقسى.

 الحاجة إلى تهذيب انفعالاتنا

أيها الأحبّة: إننا أحوج ما نكون إلى تهذيب انفعالاتنا وتوجيهها في هذه المرحلة، لأنّنا نعيش في واقعٍ يدعو إلى التوتر وفقدان الأعصاب، من القلق على الصحة جراء الوباء، وضيق النفس بسبب العيش تحت سقف الحجر المنزلي، فضلاً عن الأعباء المعيشيّة التي تتفاقم وتلقي بثقلها على المواطنين.

ونحن لن نستطيع أن نعزل أنفسنا عن هذا الواقع، أو أن نهرب منه، أو أن نتجرّد من أحاسيسنا، فلا نتوتر ولا نتفاعل مع ما يجري، وخصوصاً إذا واكب كلّ هذه الأوضاع السيّئة استمرار النزاعات بين القوى السياسية حول قضايا لها صلة بمصالح طائفية وفئوية ضيقة، بدلاً من أن تجتمع كلّها حول القضايا الكبرى التي تنقذ البلد مما هو عليه.

ليس أمامنا في ظلّ هذه الظروف إلا أن نبرّد التوتّر في داخلنا وأن نعقلنه، ولا نتحرّك بوحيه، وأن نقنع أنفسنا بحقيقة أنَّ الغضب لا يحلّ مشكلة، بل قد يعقّدها ويزيدها، وأن نتدبّر جيّداً في الآثار السلبيّة التي تترتّب على ترك الغضب يأخذ مداه، وفيما قد يؤدّي إليه في مجال الصحة الجسدية والنفسية، وما يؤدي إليه من إزهاق أرواح أو فتن لا ينفع بعد حدوثها النّدم.

وليس صحيحاً ما يقوله البعض عندما تسألهم: لماذا لا تضبطون أعصابكم ولا توقفون غضبكم؟ يقولون: لسنا قادرين على ذلك.. بل هم قادرون إن أرادوا، وإلا كيف يأمر الله الإنسان بما لا يقدر عليه، والدّليل، أنهم يضبطون أعصابهم وانفعالاتهم وتوتراتهم عندما يتواجدون في محضر من يخشون منهم، أو عندما يكونون تحت الرّقابة.

كيف نعالج الغضب؟

ويبقى أن نشير إلى أهمّ توجّهين لمعالجة الغضب؛ فقد ورد عن رسول الله (ص): “يا عليّ! لا تغضب، فإذا غضبت فاقعد وتفكّر في قدرة الربّ على العباد وحلمه عنهم، وإذا قيل لك: اتّق الله، فانبذ غضبك، وراجع حلمك”.

وقد ورد عن عليّ (ع): “داووا الغضب بالصّمت”.

ولم تكتف الآية القرآنية التي تلوناها في بداية الحديث بالدّعوة إلى توقي الغضب ومنع تداعياته بكظم الغيظ، بل دعت إلى تحويله إلى فرصة إيجابيّة، عندما دعت الغاضب إلى العفو، وأن يبادل الإساءة بالإحسان، وهو ما أشارت إليه الآية: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.

وقد ورد في ذلك أن أعرابياًّ أتى إلى رسول الله (ص)، فأمسك بتلابيب صدره، وقال: أعطني يا محمّد، فليس المال مالك، ولا مال أبيك. فقال (ص) له: دعني، ثم أمر له بعطاء.

وقد عبّر عن ذلك الإمام عليّ بن الحسين (ع)، عندما كانت جارية له تسكب الماء على يديه ليتوضّأ، وبسبب تسرّعها، وقع الإبريق على رأس الإمام فشجّه، فقالت له: والكاظمين الغيظ، قال لها: قد كظمت غيظي.. فقالت له: والعافين عن النّاس.. قال قد عفوت عنك، قالت: والله يحبّ المحسنين، قال: اذهبي فأنت حرّة لوجه الله..

الصبر المطلوب

أيّها الأحبّة: إنّ الغضب مدخل لكثير مما نعانيه من توتّر في بيوتنا وأحيائنا وقرانا وأوطاننا، وبسببه، بتنا نعاني الفتن والحروب والمشاكل على أكثر من صعيد، وفي أكثر من ساحة، فنحن انفعاليّون سريعو الاشتعال.

إننا مسؤولون في هذه الظروف التي من الطبيعي أن يكون الإنسان فيها متوتّراً، خوفاً على نفسه وعلى من حوله، وعندما يسمع أخباراً ومآسي تحصل في داخل الوطن أو خارجه، وعندما تضيق الأرزاق، بأن نضبط انفعالاتنا، ونمسك بزمام أنفسنا، ولا نسمح للتوتر بأن يخترق عقولنا ويلهب مشاعرنا.. أن نعدّ دائماً، كما يقال، للعشرة، قبل أن نتّخذ موقفاً، وأن نعرض كلماتنا ومواقفنا على العقل والإيمان، وأن نذكر أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالصبر. فلنصبر رجاء الحصول على ما أعدّه الله للصابرين، ولنذكر رحمته بأن نرحم عباده، ولا سيّما الضعفاء منهم، والذين يحتاجون إلى ودّنا ومحبتنا، لا إلى عضبنا وانفعالنا، وحتى تمرّ هذه الظروف بسلام.. وأن يكون دعاؤنا الدّائم الذي يعيننا على ذلك:

اللّهم إني أعوذ بك من سورة الغضب، وضعف الصّبر، وشكاسة الخلق، وملكة الصبر وقوّة الإرادة على نفسنا الأمارة بالسوء، وعلى وسوسات الشيطان لنا، وإلحاح الشهوة، وملكة الحميّة، يا أرحم الراحمين.

وفي كلّ حال، لِتبقَ ألسنتنا وقلوبنا تلهج: “يا رَبّ، إِنَّ لَنا فِيكَ أَمَلاً طَوِيلاً كَثِيراً. يا ربّ، إنَّ لَنَا فِيكَ رَجاءً عَظيماً. يا ربّ، ارزقنا اليقين وحسن الظنِّ بك، واقطع رجاءنا عمَّن سواك، حتى لا نرجو غيرك، ولا نثق إلا بك يا أرحم الرّاحمين”.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الموقف السياسيّ

استهلّ سماحة العلامة السيّد علي فضل الله حديث الجمعة بالحديث عن أهميّة ضبط مشاعرنا وانفعالاتنا، ولا سيّما الغضب، في هذه الظروف التي تبعث على التوتّر بفعل ما نعيشه من أوضاع صحيّة ومعيشيّة ضاغطة، لافتاً إلى أنّ كظم الغيظ يخفِّف الكثير من المشكلات العائليّة والاجتماعيّة، ويلقى رضا الله الذي يوفي المؤمنين أجرهم بغير حساب.

تعاطٍ مسؤول مع الوباء

ورأى سماحته أنَّ لبنان يأتي في مصاف الدّول التي تصنَّف بأنها تعاطت بشكل جدّيّ ومسؤول مع وباء كورونا، بفعل تعاون مواطنيه مع الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، ما أدّى إلى تخفيض عدد الإصابات، منبّهاً إلى أنَّ هذا لا يعني أن ننام على حرير، وأن نتخفَّف من الالتزام بالإجراءات، بل لا بدّ من بقاء الالتزام بكلّ ما يؤمّن السلامة الشخصيّة وسلامة الآخرين، لأن لبنان لم يخرج بعد من دائرة الخطر، وأيّ تهاون في الالتزام الدقيق بالتعبئة العامّة والحجر الصحي، يمكن أن يعيد لبنان إلى دائرة الخطر.

وقال سماحته إنّ الحاجة تبقى إلى المزيد من الصّبر والأناة لتخطّي هذه المرحلة بأقلّ قدر ممكن من الخسائر، مشدِّداً على ضرورة الوحدة الوطنيّة في التّعامل مع هذا الوباء، وعدم إدخاله في السجالات الطائفيّة والمذهبيّة والمناطقيّة والسياسيّة، بعد أن أصبح واضحاً للجميع أنّ هذا الفيروس لا يفرّق بين طائفة وأخرى، وبين مذهب وآخر، وبين موقع سياسيّ وآخر، فهو يصيب الجميع، ولا يمكن أن يواجَه إلا بتضافر جهود الجميع .

ونوَّه سماحته بجهود وزير الصحة ودوره وحرصه الشّديد على مواجهة الوباء في كلّ المناطق، انطلاقاً من معايير وطنية وأخلاقية باتت تحظى بتقدير الجميع.

 أولويّة الوضع المعيشيّ

وأضاف سماحته: في موازاة المواجهة الجديّة لهذا الوباء على الصعيد الصحي، وبالأهميّة والجديّة نفسهما، تبرز الحاجة إلى مواجهة الوضع الاجتماعي والمعيشي الضّاغط للناس ومعالجته، لأنّ تداعياته الخطيرة بفعل تزايد البطالة وإجراءات التعبئة العامّة والحجر المنزلي الّذي منع الكثير من المواطنين من الذهاب إلى أعمالهم، وعدم قدرة الكثير من المؤسّسات الخاصّة على دفع الرواتب كاملة لموظّفيها، باتت تستدعي جهداً مضاعفاً لمدّ يد العون إلى هذه الفئات المتضرّرة، واعتبار ذلك من الأولويّات، وإلا فإننا سوف نكون أمام كارثة حقيقيّة تقع عندما لا يجد هؤلاء قوت يومهم وحاجات عائلاتهم.

ودعا سماحته إلى الإسراع في إنجاز مشروع المساعدات للعائلات الأشدّ فقراً، بعيداً من أيّ تعقيدات بيروقراطية، مما يتّصل بحيثيّات عمل هذه الوزارة أو تلك، وفي ضوء خطّة مدروسة ومنسّقة تؤدّي إلى الغاية المطلوبة.

وتوقف سماحته عند الارتفاع العشوائي والجنوني وغير المبرّر لأسعار السلع الغذائيّة، مشيداً بموقف رئيس الحكومة الذي شدّد على أنّ لقمة عيش اللّبنانيّين خطّ أحمر، وأنّ المسّ بالأمن الغذائي أمر ممنوع ومرفوض، ومطالباً الحكومة بأن تقف بقوّة في وجه العديد من الشّركات المستوردة، والتي تتحمّل المسؤوليّة عن ارتفاع الأسعار، وأن تعمل من خلال المؤسَّسات المعنيّة على المراقبة اليوميّة لأسعار السلع.

ولفت سماحته إلى أنّه إذا كانت وزارة الاقتصاد عاجزة عن تأمين الكادر المطلوب، فإنّ في الدولة جيشاً من الموظفين الذي يمكن للحكومة أن تتّخذ قراراً بالاستعانة به لتوفير العدد المطلوب من القادرين على القيام بدور المراقب، وقد حان الوقت لكي نرى أو نسمع أنّه قد اتخذت إجراءات قانونيّة بحقّ المتلاعبين بلقمة عيش الناس.

ونوّه مجدّداً بكلّ المبادرات التي يقوم بها أفراد وجمعيات ومؤسّسات من الداخل والخارج للتّخفيف من معاناة ذوي الحاجة، داعياً إلى أقصى درجات التّنسيق بينها، حتى لا يحصل شخص على أكثر من مساعدة، بينما عائلات أخرى لا يصل إليها شيء.

معاناة مع المصارف

وتحدّث سماحته عن معاناة المواطنين على أبواب المصارف، وعدم قدرتهم على تحصيل أموالهم الّتي هي أمانة بيد المصارف، مشدِّداً على ضرورة أن تردّ هذه الأمانات إلى أهلها، لافتاً إلى أهميّة التّعميم الصّادر عن مصرف لبنان الّذي يستفيد منه قسم كبير من الناس، ومعتبراً أنّه يبقى دون المطلوب، حيث هناك شريحة كبيرة لا تزال تعاني من عدم قدرتها على سحب أموالها، وعلى الدّولة أن تحمي مواطنيها، وأن لا تتركهم فريسة لأحد، حتى لا تتكرّر المآسي اليومية على أبواب هذه المصارف.

وأوضح سماحته أنّ اللّبنانيّين ينتظرون الخطة الإصلاحيّة التي وعدت بها الحكومة لمعالجة كلّ جوانب الأزمة الماليّة والنقدية والاقتصادية التي تعانيها الدّولة، والتي تزداد قتامة بعد أزمة الكورونا، مشيراً إلى أنّ بداية الطريق لمعالجتها لا تكون إلا بمواجهة حقيقيّة وجادّة لمكامن الفساد والهدر التي لا تزال تعشّش في مفاصل الدولة، والاستثمار السليم لموارد الدولة، بعيداً من المحاصصة التي حكمت ولا تزال تحكم الكثير من المواقع السياسيّة، كما بتنا نسمع أخيراً عن أنّ هذا المرفق لهذا الموقع، وذاك لموقع آخر، وإعادة النظر في التوظيف العشوائي غير المنتج، والذي تفاقم خدمةً لمصالح السياسيّين، ومعالجة الملفّات التي تسبّبت بالعجز الدائم في الخزينة، وعلى رأسها ملفّ الكهرباء وغيره، وإجراء إصلاحات في هيكليّة مؤسّسات الدولة والقطاع المصرفي، والخروج من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج.

لتصويب مسار الدّولة

وحثّ الحكومة التي جاءت لتعالج الواقع الصّعب الذي يعانيه البلد على أن تثبت جدارتها، وأن يكون قرارها بيدها، ولحساب كلّ مواطنيها، لا لحساب هذا أو ذاك من الأفرقاء الّذين يريدون إبقاء الدّولة بقرة حلوباً ومزرعة لهم ولمحاسيبهم، رغم أنّ ما جرى في الأيام الأخيرة في طريقة التّعامل مع التشكيلات القضائيّة، إلى التعيينات الماليّة، قد خدش صورة هذه الحكومة، وكاد يشكّك في قدرتها على التخلّص من المحاصصة، وعلى مواجهة الضّغوط من هنا وهناك.

وطالب الحكومة بالمضيّ في تنفيذ تعهّداتها بتصويب مسار الدّولة وفق الصّورة التي يريدها اللّبنانيّون من هذه الحكومة، لتبقى ثقتهم بها قويّة، وهي تستطيع أن تكون أمينة لكلّ تطلّعاتهم، رغم كلّ الصعوبات التي تعترضها لتحقيق مصالح المواطنين والوطن.

اليمن: فرصة للحلّ السياسيّ

وتطرّق سماحته إلى اتفاق وقف النّار في اليمن، آملاً أن لا يكون ذلك مجرّد وقف مؤقّت للحرب، بل أن يفتح ذلك الباب على الحلّ السياسي الكامل، داعياً إلى العمل على إزالة كلّ تداعيات هذه الحرب، وإعادة إعمار هذا البلد، ونشر السّلام في ربوعه، بعد كلّ المآسي والويلات التي تسبَّبت بها هذه الحرب العبثيّة.

ذكرى استشهاد الصّدر

وختم سماحته بالتوقّف عند التّاسع من نيسان؛ ذكرى استشهاد السيّد محمد باقر الصّدر، الذي أثرى الفقه والفكر الإسلاميّين والاقتصاد والفلسفة بإسهاماته وأطروحاته وتجديده، وترك بصماته على صعيد الحركة الإسلاميّة والواقع الإسلامي، مضيفاً أنّنا وإن افتقدنا عالماً وفقهياً ومفكراً وفيلسوفاً، لكنّ عزاءنا بأنّ حضوره لا يزال ماثلاً من خلال كلّ هذا الزّاد الفكري والروحي والجهادي الّذي تركه للأجيال القادمة، والّذي يحمّلها مسؤوليّة البناء عليه ومواصلة مشروعه الإسلامي الإنساني، حتى تحقيق الأهداف الكبرى للأمّة.