علي(ع): إمام الحق والإنسانية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

رحمك الله يا أبا الحسن

كنت والله للكافرين عذاباً صباً ونهباً، وللمؤمنين عمداً وحصناً..

كنت كالجبل لا تحركه العواصف.. شأنك الحق والصدق والرفق، وقولك حكم وحتم، وأمرك حلم وحزم، ورأيك علم وعزم، وقد نهجت السبيل وسهلت العسير وأطفئت النيران واعتدل بك الدين وقوي بك الإسلام فظهر أمر الله ولو كره الكافرون وثبت بك الإسلام والمؤمنون، وسبقت سبقاً بعيداً وأتعبت من بعدك تعباً شديداً، فجللت عن البكاء وعظمت رزيتك في السماء وهدت مصيبتك الأنام، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاه وسلمنا لله أمره، فوالله لن يصاب المسلمون بمثلك أبداً".

 

ايها الاحبة :

ان المتأمّل  والباحث في  سيرة علي عليه السلام  لا يمكن له أن يتصور  أن يسفك دمه بالصورة التي حصلت فيها ..لا في المكان ولا الزمان ولا بالشكل .. 

– كان يمكن لعلي أن يُستشهد يوم افتدى  رسول الله بنفسه وبات في فراشه ليلة الهجرة فكان بذلك أول فدائي في الاسلام.. ليلتها كان الامام جاهزا ليواجه السيوف العشرة التي كانت تنتظر الفجر لتنقض على الفراش .. ولكن الامام لم يأبه لسلامته وقالها: أوتسلم يا رسول الله " وسلم رسول الله وسلم علي .

– وكان يمكن أن يُستشهد في بدر مثلا، حيث المعركة الشرسة غير المتكافئة ألف رجل من قريش في مقابل ثلاثماية من المسلمين مع رسول الله.. برز فيها الامام لصناديد قريش وأبرز فرسانها، تصدى وكان في المقدمة يقاتل بسيفه وعينه على رسول الله يحميه. وانتصر المسلمون.

– وفي أحد حيث كان الامام علي في الخط الامامي في مواجهة قوة قريش المباغتة للمسلمين بقيادة خالد بن الوليد، يومها فر الكثيرون وصمد الإمام يتلقى السهام بجسده عن رسول الله ويحمي ساحة المسلمين بسيفه البتار سيف ذو الفقار..

– معركة الاحزاب والخندق ظنّتها قريش الفرصة السانحة للتخلص من علي واضعاف رسول الله عندما وقف عمرو بن ود العامري الذي كان يقدر بألف فارس في مواجهة علي، ولكن ضربة علي قضت على رأس الشرك ويومها قال رسول الله(ص) «ضربة علي يوم الخندق تعادل أعمال الثقلين».

 

وقد يتوقع  المرء أن معركة كمعركة خيبر بحصونها وقلاعها تشكل خطرا على حياة الامام لكنه يقتلع باب الحصن ويقف قبالة مرحب أحد أبرز قادة اليهود ليصرعه ويسقط خطر اليهود المتربصين بالمسلمين  في المدينة .

 

لقد كانت حياة علي أيها الاحبة محفوفة بالمخاطر والتحديات كان دائماً في عين العاصفة، والهدف الأول في كل معركة..

لهذا كله لا يمكن لباحث محايد، قبل أن يكون مسلما أو محبا، أن يتوقع أن تكون شهادة علي في المسجد، في بيت من بيوت الله تنتهك حرمته ويسفك فيه الدم الطاهر.

 

ولم يكن لأحد، أن يتخيل أن الامام سيباغت غدرا  أثناء السجود وفي المحراب وعلى يد من؟

ليس على يد متسلل من الروم أو الفرس وليس من فلول المشركين أو اليهود، إنما من شركاء الامس في الرسالة والجهاد الذين كانوا من الداخل، من مجتمع المسلمين، ممن يُفترض بهم أن يكونوا السند والعضد لمن حمل وحمى راية الاسلام..

 للأسف لقد كانوا من قراء القرآن وأصحاب الجباه السود من أثر السجود.. فأي مصيبة أصابت المسلمين والاسلام في الصميم بتأسيس منهج ما زلنا نعاني من تداعياته الى اليوم.. انها والله لمأساة ومصاب جلل لن يصاب المسلمون بمثله..  خسارة  ووصمة عار على مستوى الانسانية كلها…

 

 وبعيدا عن النهج والاسلوب الذي أسس لشرخ وخلل على مستوى  الحكم وعلى مستوى إدارة الفكر والاختلاف فإن المصاب الجلل يتضاعف وخسارة المسلمين تصبح مركبة، بخسارتها لقامة شامخة فذة كعلي على مستوى الاسلام والانسانية كلها…

 – مصاب المسلمين بعلي بما هو تاريخ.. وتاريخ علي ناصع، علي وليد الكعبة الذي لم يسجد لصنم قط وأوّل من أسلم. 

 – ومصاب المسلمين بعلي بما هو من قرابة، قرابته من رسول الله وما كان يفترض أن تمثله هذه القرابة من مراعاة ومن حرمة:  هو ابن عم رسول الله وزوج بضعته الزهراء وأبو الحسنين سيدي شباب أهل الجنة وهو ممن أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. 

وإن كان هذا لم يردع ولم يشفع… فماذا عن قرابة الروح والفكر والعلم من رسول الله: «هو باب مدينة علمه، هو منه بمنزلة هارون من موسى» هو وزيره ووصيه هو أخوه بل هو نفسه..  فهل هناك أوثق من هذه العلاقة لتكون مصدر ثقة وتقديس والتزام من المسلمين أجمع؟  

 

إذا ما الذي جرى ليحرم المسلمون من شخصية تضع الاسلام فوق كل مصلحة، شخصية سالمت لتسلم امور المسلمين، شخصية مثلت صمام امان لضبط المسار ومنع الفتنة.

.. لماذا لم يرتدع القوم وما الذي أصابهم ؟ 

ما أشبه الامس باليوم وما أحوجنا أن نفهم مسببات تلك المصيبة وجذورها حتى نفهم مصيبتنا اليوم، مصيبة أمة الاسلام ..

_على رأس هذه الاسباب ما يتعلق بالذهنية والعقلية: إنه الجمود والتحجر، والاقتصار على فهم واحد مغلق وقاصر. هذا ما جعل هؤلاء لا يتورعون عن تصنيف كل من اختلف معهم بأنه كافر.

 

_ والسبب الثاني الأخطر هو استباحة الدم، ولولاه لظل السبب الاول محصورا في الخلاف الفكري والعقيدي،ولكن استباحة الدم هو بمثابة القرار التنفيذي للاختلاف، اعطاء الخلاف صفة تنفيذية للعقاب والاقصاء والالغاء. استسهال الدم حصل وكأن رسول الله لم يُبعث رحمة للعالمين، وكأنه لم يأمر بالرحمة حتى مع الاعداء ومع الدواب وكأنه لم ينادِ بيوم المرحمة.

  إن القسوة وغياب الرحمة أوصلت هؤلاء أن يقتلوا صحابيا من صحابة الرسول الخباب بن الارت وان يبقروا بطن زوجته ويخرجوا جنينها.. البعض يقول انهم عادوا للجاهلية.. ونحن نقول لا. على الاقل في الجاهلية كان هناك رادع القبيلة او الاعراف والعادات.. ولكن التكفير أصعب من ممارسات الجاهلية لأنه يفعل ذلك باسم الدين والغيرة عليه فيما هو منذ انطلاقته وإلى اليوم  لا شغل له إلا أرباك ساحة الاسلام ومجتمع المسلمين ولا ينتج عنه الا الخراب والظلام .

 

_ والسبب الثالث أن الفكر الظلامي والسلوك الدامي، يصبحان صيدا سهلا للمتربصين والساعين للفتنة.. والخاسرين من الوحدة والمنعة. في هذه الحالات وهذا الجو يسهل الاستغلال حيث يغيب العقل وتشتغل الغرائز ويدخل على الخط عامل الدنيا والموقع والاغراءات والمال والسلطة.. وهذا ما حصل يومها في مواجهة علي، وهو ما يحصل اليوم وراء الكواليس وتحت الطاولات ..

 

  والسبب الرابع هو الاعلام.. منذ يوم علي لعب الاعلام دورا في تشويه الحقائق حيث استغل اصحاب المنطق التكفيري ومن ورائهم جهل الناس وسذاجتهم وتم التلاعب بعقولهم، ألم يصل يومها إلى حد التشكيك بإيمان علي(ع) وحتى بصلاته، والمحزن المبكي أنه عندما انتشر خبر استشهاد الامام علي وهو في محرابه يصلي يستغرب أحد هؤلاء السذج، وكان من الشام، ويتساءل: وهل علي كان يصلي؟ بالفعل ما أشبه اليوم بالامس …..

 

ايها الاحبة:

  كم نحتاج إلى دروس علي في مواجهته للخوارج الذين افتتحوا مسار  المنطق التكفيري لنواجه اليوم ما نعانيه من منطق مشابه (والوقت لا يتسع اليوم لعرض اسلوب الامام التفصيلي لاستيعاب ذلك) ولكن  الاساس أن عليا لم يواجه التعصب بالتعصب، ولا التكفير بالتكفير ظل يجد للجهال الاعذار وليفتح معهم باب الحوار حتى لا يحدث الشرخ..

علي لم يتعصب ولم ينقم ولم يحد قيد شعرة  واحدة عن مبادئه وقيمه في كل الحالات التي مر بها.

 

ميزان علي كان ميزان رسول الله.. هو ميزان الله لم يختل هذا الميزان عندما أصابه ابن ملجم. وقبل انتقال الروح الى بارئها كان هم الوحدة والفتنة هو الماثل أمام عينيه: ضبط ردود الفعل وضبط الغرائز والعواطف وظل فوق الحدث ويرى بوضوح فأوصى «ألا لا يقتلن بي الا قاتلي..» «أحسنوا إلى هذا الاسير وأطعموه من طعامي واسقوه من شرابي وأحسنوا إساره»

 

بصمات علي ايها الاحبة باقية في التاريخ الى يوم الدين بصمات من ذهب في تاريخ الرسالة وتاريخ الانسانية  فيما الذين ارتكبوا تلك الجريمة سيظلون لعنة التاريخ ..

  استشهاد علي أبكى المسلمين والحريصين كما ويبكينا نحن في الذكرى الاليمة، ولسان حالنا وكما علمنا أن ننصفه وأن نذكره ونربي على صفاته كما هي ومن دون الحاجة الى المغالاة:

رَحِمَكَ اللهُ يا أَبَا الْحَسَنِ كُنْتَ أَوَّلَ الْقَوْمِ إِسْلاماً وَأَخْلَصَهُمْ إِيْماناً وَأَشدَّهُم يَقِيناً وَأَخْوَفَهُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَعْظَمَهُمْ عَناءً وَأَحْوَطَهُمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَآمَنَهُمْ عَلَى أَصْحابِهِ وَأَفْضَلَهُمْ مَناقِبَ وَأَكْرَمَهُمْ (وَأَكْثَرَهُمْ) سَوابِقَ وَأَرْفَعَهُمْ دَرَجَةً وَأَقْرَبَهُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَشْبَهَهُمْ بِهِ هَدْياً وَخُلُقاً ومنطقاً وَسَمْتاً وَفِعْلاً وَأَشْرَفَهُمْ مَنْزِلَةً وَأَكْرَمَهُم

عَلَيْهِ فَجَزاكَ اللهُ عَنِ الإِسْلامِ وَعَنْ رَسُولِ اللهِ (رسوله) صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَعَنِ الْمُسْلِمِينَ خَيْراً

والحمد لله رب العالمين 

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، ونحن في شهر هدفه بناء التقوى في النّفوس والعقول والقلوب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

ولبلوغ التقوى، لا بدّ من أن نستفيد من المعاني التي عاشها المسلمون في معركة بدر؛ هذه المعركة التي استعدنا ذكراها في السابع عشر من شهر رمضان، حين استطاعوا أن يسقطوا جبروت قريش وعنفوانها، وهي الَّتي كان يقال عنها إنّها ما ذلّت منذ عزّت، وذلك رغم قلّة العدة والعدد، بإيمانهم وثقتهم بربهم، وإخلاصهم لدينهم، وتفانيهم من أجله، إذ قالوا لرسول الله(ص): "امْضِ لِمَا أَمَرَكَ الله، فَنَحْنُ مَعَكَ، ولا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى(ع): اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا مَعَكُمْ مُقَاتِلُونَ"، فألحقوا هزيمة منكرة مذلة بقريش، قلبوا بها المقاييس في الجزيرة العربية، وأكّدوا حضور الإسلام كقوّة رئيسيّة.

 

أيها الأحبّة، لقد استطاعت معركة بدر أن تغيِّر الكثير من المفاهيم السّائدة، عندما أدخلت الإيمان كعنصر مرجّح في المعركة، وأظهرت أنّ الضّعف ليس قضاءً وقدراً، وأنَّ التوكّل على الله يمكن أن يغيّر المعادلات، ويحقّق النصر.

ولم يكن انتصار بدر حالة فريدة لن تتكرّر، بل هو انتصار تكرَّر في كثير من معارك المسلمين، وقد شاهدنا صوره في لبنان في العام 2000، وإبان حرب تموز في العام 2006؛ الحرب التي نعيش ذكراها في هذه الأيام.

 

ونحن نشاهد الآن في غزة بعض تجليات هذا الانتصار، حيث تقف المقاومة الفلسطينية بكلّ شموخ لتردّ على وحشيّة العدو الصهيوني الَّذي يرتكب أبشع المجازر، ولا يوفّر فيها حتى الأطفال، وآخرها ما جرى على شاطئ غزة، علماً أنَّ أكثر من ثلث الشّهداء هم من الأطفال. ومع الأسف والأسى، يأتي كل ذلك وسط صمتٍ دولي وحتى عربي، سوى من بعض البيانات الخجولة التي لا تتناسب مع هول الحدث وفجاعته.

 

لقد استطاعت المقاومة في فلسطين، أسوةً بالمقاومة في لبنان، أن تقدّم أنموذجاً متقدماً في الصبر والثبات والعزيمة والتخطيط، وفي القدرة على نزع المبادرة من يد العدو في توقيت الحروب وإنهائها وفرض الشروط وتحقيق الأهداف، فها هو العدو يعيش المأزق، وسيبقى يعيشه حتى وهو يتحدّث عن هجوم بري، ولا سيما أنّ نتائجه لن تكون لحسابه، وستزيد من مأزقه.

إننا أمام كل ما يجري، نتوجَّه مجدداً إلى أهلنا في غزة، لنشدّ على أيديهم، وندعوهم إلى أن يعضوا على جراحهم وآلامهم، وأن يتابعوا مسيرة صمودهم، ليمنعوا العدو من تحقيق المكتسبات، وليستجيب لشروطهم، والتي هي ليست سوى حقوق طبيعية لهم، فمن حق الشعب الفلسطيني أن يعود أسراه الذين أسروا بغير حق من قبل عدو محتل غاصب، وأن يمتلك القدرة في الدفاع عن نفسه في مواجهة عدو لا يحترم القيم والمواثيق، وأن يرفع الحصار عنه، ويمارس حقّه في حياة كريمة أسوةً بغيره.

 

وهنا، ندعو الدول العربية والجامعة العربية إلى أن تكون معبّراً حقيقياً عن طموحات الشّعب الفلسطيني وأحلامه، وأن تكون السند له، فلا تنطلق منها المبادرات الَّتي تلبي حاجات الكيان الصهيوني وتخرجه من مأزقه، فيما تستمرّ معاناة الشَّعب الفلسطيني، فلا بدَّ من أن يرى الشعب الفلسطيني دولاً عربية تفاوض لحسابه لا على حسابه.

 

وإنَّه لمن المعيب جداً أن تدخل الحسابات المذهبيَّة أو الطائفيَّة أو الخلافات السياسيّة، مهما كبرت، في إطار التعامل مع ما يجري في غزة، في الوقت الذي يواجه هذا الشعب عدوّ العرب والمسلمين، وعدو الإنسانية كلّها، ذلك أنَّ كلّ حديث بهذه الطَّريقة، يمثّل قمّة في الخطورة على مصير غزة، ومبرراً للانسحاب من معركة الأمة في فلسطين، ودفعاً لإغراقها في أوحال الفتنة التي يُراد لها أن تأكل أخضرها ويابسها.

 

إننا ندعو الشّعوب العربيَّة والإسلاميَّة، وكل الأحزاب والهيئات والحركات والقطاعات الشعبية والمثقفين والعلماء، إلى تحمّل مسؤولياتهم، وأن يكونوا على مستوى التَّحدي، فلا يترك الشّعب الفلسطينيّ وحده يعاني فيما العالم من حوله يمدّ يد العون إلى الكيان الصهيوني، ويبرّر جرائمه، ويتحدَّث عن حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

ويبقى على شعوبنا العربيَّة والإسلاميَّة أن تعي أن الحرب التي تدور رحاها في غزة، لا تستهدف الفلسطينيين فقط، بل تستهدف إذلال الأمة وسحق إرادتها، لكي لا تملك قرارها، وحتى لا ترفع رأسها في وجه أيّ محتل أو غاصب أو ناهب لثرواتها ومقدراتها.

 

إنَّ المرحلة تحتاج إلى موقف موحّد من العرب والمسلمين، ومن كل الشعوب المحبة للحرية، لمواجهة غطرسة هذا الكيان، لأنَّ هذه المجازر، إن مرت من دون حساب وتجريم، فعلينا أن ننتظر مثلها في كلّ محطّة يرى فيها الكيان الصهيوني خطراً على مصالحه، فهو الكيان الذي يعتقد أن من حقّه الاعتداء على كلّ ما يراه مخالفاً لمصالحه، وهو الكيان الَّذي لم يوجد ليكون ضمن حدود محدّدة، بل ليتمدَّد إلى أبعد مدى يمكنه بلوغه. ويبقى على الشَّعب الفلسطينيّ المزيد من التَّضامن والوحدة، فلا يسمح للاعبين على الحساسيات والخلافات، بأن يجدوا مجالاً خصباً لهم، وأن يعبثوا بتماسكه في هذه المرحلة المصيريَّة من تاريخه.

 

ونصل إلى العراق، الَّذي لا يزال على حاله من الانقسام الحاد، وهو ما ينبغي أن يكون الدافع لكل الواعين فيه، للعمل لتهيئة المناخ لحوار جاد بين كلّ مكوناته، ودراسة السّبل الّتي تبقي العراق موحداً ومستقراً وآمناً، بعيداً عن تأجيج النّفوس بالعصبيات والأحقاد، والتي لن تؤدي إلى نتائج إيجابية لكلّ المكوّنات العراقيّة.

 وهنا، نأمل أن تساهم الخطوة الَّتي تمّت في المجلس النيابي، من انتخاب رئيس لهذا المجلس، في صياغة توافقات جديدة حول رئيس الجمهورية ورئاسة الحكومة ومجلس الوزراء، ليكون ذلك منطلقاً لتعزيز الاستقرار المطلوب في العراق، والَّذي سيكون له آثاره وتداعياته الإيجابيّة على المستوى الأمني، بما يخفّف من تأثر هذا البلد بتجاذبات الداخل وصراعات الخارج.

 

أما لبنان، فقد عاد يتحسَّس الهاجس الأمنيّ من باب السلسلة الشرقيَّة، ومن باب انعكاس ما يجري في فلسطين عليه، في الوقت الذي يبقى الواقع السياسي على حاله من التّعطيل، في ظلّ تفاقم الأزمات الاجتماعيّة والمعيشيّة، وعدم إيجاد الحلول لها.

إنّنا أمام هذا الواقع، ندعو اللبنانيين إلى وعي خطورة ما يجري حولهم، وندعو كلّ المكوّنات السّياسيّة إلى التكاتف فيما بينها، والخروج من كلّ الحسابات الداخليّة والخارجيّة، لإخراج البلد مما يراد له الوقوع فيه، فقد جرب اللبنانيّون وحدتهم، واكتشفوا أنهم قادرون على صنع الكثير من خلال هذه الوحدة، فلماذا لا يتابعون الطريق ويستفيدون من المناخ الدولي الذي يريد للبنان الاستقرار، وبذلك نحفظ لبنان في بقاعه وجنوبه ووسطه وأطرافه، فهو أمانة الله التي وضعت بين أيدينا جميعاً، فلا نفرّط في هذه الأمانة؟!

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 21 رمضان 1435هـ الموافق : 18 تموز 2014م

 

Leave A Reply