علي وفاطمة (عليهما السلام) الاسرة النموذج

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} صدق الله العظيم.

لقد أشارت روايات المسلمين جميعاً إلى أن هذه الآية نزلت في فاطمة وأبيها وزوجها وولديها الحسن والحسين(ع). وقد كثرت الروايات الواردة عن رسول الله(ص) والتي سمعها منه المسلمون في اكثر من مناسبة، ونقلها كل الصحابة والرواة فيما بعد: "فاطمة بضعة مني" "فاطمة أم أبيها" "إن الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها"، وهي "بضعة مني وروحي التي بين جنبي"، "يغضبني ما يغضبها ويؤذيني ما يؤذيها".

 

والمتأمل في هذه الاحاديث يخلص الى ان تصريح النبي عن عاطفته لابنته ليس لمجرد انها ابنته ومن باب الفخر الشخصي، انما لهذا هدف وهو تثبيت موقع فاطمة لتكون فخرا للمسلمين جميعا، والأهم لتكون انموذجا وقدوة لعلمه بضرورة وجود القدوة في حياة المرأة المسلمة.

وهنا ابدي ملاحظة في الشكل: كان رسول الله يسمي ابنته باسمها، كما كان يسمي خديجة زوجته وباقي الزوجات بأسمائهن، وهذا انما يدحض مقولة مُتخلّفة باسم الدين وتعتبر اسم المرأة عورة، فلا يسمي الرجل زوجته باسمها وكأنها كائن لا اسم له. وهذا ليس من الدين في شيء، ويبدو ان الامر منشؤه اعراف وتقاليد محلية، وحسب الشعوب، ومنها ما يعود للغرب الذي طالما تُنسب فيه الزوجة لزوجها من دون اسمها.

 

­­

أيها الأحبة، ونحن في هذه المناسبة ذكرى ولادة السيدة الزهراء لن يسعنا الاحاطة بكل مآثرها انما سنتوقف عند مرحلة من مراحل حياتها الأساسية، وهي حياتها الزوجية والتي مثلت فيها مع علي انموذجا يقتدى به.

في بداية شبابها وطبعا تختلف الروايات حول كم كان سنّها: تقدم لخطبتها من يملك مالاً وجاهاً ونسباً وحسباً، ولكن في كل ذلك كان رسول الله يقول: "أنتظر أمر ربي".. فأين أمر الله في النهاية.

 

ففي شهر ذي القعدة  من السنة الثانية للهجرة جاء علي إلى رسول الله، لم يخش فقره ولا قلة ذات يده وعبر عن رغبته في الارتباط ببضعته الزهراء، هنا انشرحت أسارير الرسول(ص) ونقل الخبر لفاطمة قائلا لها : "ان علي بن ابي طالب، من قدعرفتِ قرابته وفضله من الاسلام، واني سألت ربي أن يزوجك خير خلقه وأرضاهم له، قد ذكر من امرك شيئا فماذا ترين "وسكتت حياءا فخرج يقول: الله اكبر سكوتها إقرارها"، وهكذا تحقق أمر الله بزواج فاطمة لعلي ليؤسسا معا نواة ذرية اهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا..

 

وعن هذا التزويج قال رسول الله فيما بعد لعلي : "لقد عاتبتني رجال قريش في أمر فاطمة، فقالوا: "خطبناها إليك فمنعتنا وزوجت علياً؟! فقلت لهم: والله ما أنا منعتكم وزوجته بل الله تعالى منعكم وزوجه! لقد هبط عليَّ جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد إن الله جل جلاله يقول: "لو لم أخلق علياً لما كان لفاطمة ابنتك كفوء على وجه الأرض".

 

أيها الأحبة: ان ­­في كل تفصيل من تفاصيل حياة الزهراء وعليّ درساً ينبغي أن نستفيد منه. ففي استشارة الرسول للزهراء، وطريقة تقديمه لعلي، نتعلم كيف تكون مسؤولية الاهل أن يبصّروا البنت بجوانب اساسية لا شكلية عند من يتقدم لها، فذكر لها أولاً معرفتها به، وكونه قريباً وقد خبرته عن قرب يعني ألغى الحاجز النفسي، ثم ذكر لها جهاده، وكيف هو فضله على الاسلام، وذكر لها صفاته من باب علاقته بالله بأنه خير خلق الله، وأرضاهم لله. لم يذكر لها ما يملك من مال او ما موقعه او غير ذلك من معايير كثير من الناس مثل: تقدم لابنتي من يُعيّشها عيشة ملوك، وبدل البيت بيتين والسيارة سيارتين…

جيد أن يكون موسع عليه الرجل ولكن يجب على الاهل ان لا تكون هذه الامور اساسية في قرارهم وحذار: من أخْذ امرأة لمالها وجمالها… أو من تفضيل رجل لماله وجماله هذه هي القاعدة الاساس، التي يجب ان لا نغفل عنها في التزويج: المال والموقع لا يشتريان السعادة.

 

ونكمل مع دروس زواج فاطمة وعلي: لنجد التسامح في المهر، والتساهل في الشروط وعدم التعقيد. إذ كان يكفي من رسول الله أن يقول لعلي في ذلك: ما تملك من مال؟ فقال: لا أملك سوى درعي وسيفي، وهذه الثياب التي ألبسها، ولا أملك غيرها من حطام الدنيا. فقال لعلي: "أما سيفك فلا تستغني عنه، وبقي الدرع حيث بيع بخمسمائة درهم، وكان ذلك مهر الزهراء(ع)، ومن هذا المهر استأذن رسول الله الزهراء ليشتري به أثاثاً وحاجات بسيطة لها وللبيت، ما جعل من الزهراء مشاركة لعلي في تجهيز بيتهما الزوجي. وهذا درس مهم في المشاركة، حيث ان النبي لم يقل لها: خبئي المهر، هو لك وليدبرعليّ نفسه هذا درس للتضحية المتبادلة بين الزوجين من لحظة الارتباط بأن حالهما واحدة، ولا فرق ولا انانية ولا فصل.

 

 أما الزهراء فقد أقبلت على الزواج بكل رضا. كان يكفيها من علي(ع) أنّه كفؤها في العقل والقلب والإيمان، وستظللهما المودة والرحمة. وهنا نأتي إلى درس هو اهم ما في دروس زواج فاطمة التكافؤ والتناسب: صحيح ان النبي قال اذا اتاكم من ترضون خُلُقه ودينه فزوجوه، فهو يقصد بهذا انه الحد الادنى اي الايمان والاخلاق اما الحد الاقصى فهو الكفاءة: الرجل كفوء المرأة والمرأة كفوء الرجل…الطيّبون للطيبات والصالحون للصالحات، وهكذا فإن التناسب والتكافؤ هو المعيار الأضمن لنجاح الحياة الزوجية، وكل حالة لها كفؤها وما يناسبها.

 

وهذا ما ينبغي ان نشدد عليه حتى كمصطلح هو دقيق معبر بشدة، لأنه يمكن في حالات كثيرة ان يتوفر الايمان والاخلاق ولكن تنتهي الحياة الزوجية بالطلاق، وما أكثر حالات الطلاق هذه الايام ومعظمها ناشئ من زواج سريع وعدم تدقيق في مسألة التشارك والتلاقي والاقتصار على الشكل والجانب الحسي فقط.

 

ومن دروس زواج عليّ وفاطمة الصبر والمشاركة.

لقد صبرت الزهراء وأي صبر على شظف العيش وظروف الدنيا، ويكفي أن نشير في ذلك إلى ما قاله علي(ع) لدى تأبينها: "إنها استقت بالقربة حتى أثر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت، حتى أغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها".

عاشت الزهراء ظروف علي الذي قضى الكثير من حياته متنقلاً مع ابيها رسول الله من حرب إلى حرب ومن غزوة إلى غزوة.. ومن مسؤولية إلى مسؤولية، وكانت في كل ذلك عوناً له، تشد من أزره وتقوي من عزيمته، وتمتدح شجاعته وتضحيته وعمله، وتسري عن أتعابه، وتسكن جراحه وتخفف من آلامه. ويكفي أن نعرف سمو الحياة الزوجية، أن نسمع ما قال عنها علي(ع): "ولقد كنت أنظر اليها فتنجلي عنّي الهموم والأحزان".

 

 اما الشراكة فكانت بدءا من القرارات الكبرى في العمل الرسالي، في حمل هموم الدعوة للإسلام وفي مواجهة التحديات، وحل مشاكل الفقراء والمساكين. وصولا الى شؤون البيت، حيث كان كل منهما يعين الآخر.. فقد كانت الزهراء كما تذكر سيرتها: "تطحن وتخبز وتغسل.. وكان أمير المؤمنين(ع) يكنس ويستقي ويحتطب، ويأتي بمتطلبات البيت".. تجدر الاشارة هنا إلى ان جهاد فاطمة كان من ضمن جهاد مشترك لبناء هذه البوتقة التي كانت بكامل افرادها وعلى رأسهم رسول الله يتشاركون الهموم الحياتية نفسها والهموم الرسالية والتحديات..

كان علي وفاطمة يريان الحياة مشاركة حقيقية، غير مبنية على الحقوق والواجبات وما ينصه العقد بينهما او القانون والشروط انما مشاركة مبنية على المعروف {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. وحياة مبنية على  التسابق في نشر الخير ولطالما ردد رسول الله على مسامعهما ومسامع المسلمين "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"   

وهذا ما نحتاج إلى تأكيده هذه الأيام، حيث تحول الرجل إلى جابٍ للمال. ولا علاقة له بعد ذلك بأي شيء في البيت. حتى في تربية الابناء او تخفيف ضغوط الحياة عن شريكته وعن أهل بيته.

 

 أيها الأحبة، في ذكرى ولادة الزهراء عليها السلام نستحضر الطهر والصفاء ونستحضر الايمان والمسؤولية ولتكن الزهراء بحياتها وزواجها وبنائها لأسرتها نموذجا.. نحتاج كثيرا هذه الايام لاستحضاره بشدة عسى الله ببركة الزهراء أن تثبت أسرنا امام التفكك والشرذمة، ولتكن أسرنا نماذج في الشراكة والتواد والرحمة والبناء. والحمد لله رب العالمين 

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله ولزوم أمره، وأحذّركم وأحذّر نفسي من عصيان الله والتنكّر لأوامره، لقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}. ولبلوغ التَّقوى، علينا أن نقتدي بالزّهراء(ع) قولاً وعملاً وسلوكاً، وأن نكون كما كانت، حيث يقول ولدها الحسن(ع) عنها: "رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة الجمعة، فلم تزل راكعة ساجدة حتى انفجر عمود الصّبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين وتسمّيهم، وتُكثر الدعاء لهم، ولا تدعو بشيءٍ لنفسها، فقلت: يا أماه، لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بنيّ، الجار ثم الدار".

هذه هي الزهراء(ع)؛ حبٌّ دافقٌ لله لا ينضب، وحبٌ للناس وعطاء من أجلهم لا يقف عند حدود. وهنا نسأل: هل نسير على هديها وخطاها، ونطبّق نهجها سلوكاً في حياتنا؟ هل الجار عندنا ثم الدّار، والآخر قبل الأنا، أو أنّ الدار ثم الجار؟ وهل نقتدي بسيرتها وسلوكها؟ فبهذه الروح، لا بدَّ من أن نواجه التّحديات.

 

أقفل الأسبوع الماضي على عدّة أحداث:

أوَّلاً، ما يجري في اليمن، حيث يستمر الصّراع الدّاخليّ في هذا البلد، وما يفاقمه هو التدخّل الخارجيّ العسكريّ الجاري فيه، والَّذي يؤدّي إلى وقوع المزيد من الضّحايا، ويلحق الأضرار الكبيرة ببنيته التحتيَّة وجيشه، فضلاً عن عشرات الألوف من المشرَّدين.

ونحن أمام هذا المشهد الدّامي الَّذي يضيف جرحاً جديداً إلى كلّ الجراحات المفتوحة والنّازفة على امتداد العالم العربي والإسلامي، نضمّ صوتنا إلى كلّ الأصوات الداعية إلى الإسراع في إيقاف هذا النّزيف، الّذي إن استمر، فقد تتجاوز تداعياته حدود اليمن، نظراً إلى طبيعة الصراع الجاري وحجم التدخلات فيه، وسيورث الأحقاد الدّفينة الّتي لن تنتهي آثارها عند حدود إنهاء الحرب، بل ستمتدّ بامتداد الزّمن، وستبقى مآسيها وآثارها حديث الأبناء والأحفاد.

إننا نريد للتدخّل العربيّ والإسلاميّ إن حصل، أن يكون ممراً لصناعة التسويات ولحل المشاكل وعلاجها، لا لزيادتها وتفاقمها، بحيث يتمثّل الجميع الحديث الشَّريف القائل: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر".

وإذا كان البعض يتحدَّث عن أنَّ الحلّ يكون بالعمل العسكريّ، فقد أثبتت الوقائع السابقة والحالية، أن لا حلّ عسكرياً في هذا البلد، كما في غيره، وإننا نرى أنَّ البديل عن الحلّ العسكري، هو العمل مع كلّ الأطراف المؤثرين، لمعالجة الأسباب الداخلية الّتي أدّت إلى انفجار الأزمة الداخليَّة، من قبيل الفقر، أو الشعور بالغبن أو التهميش، أو فساد السياسيين، وعدم الإصغاء إلى طروحات الإصلاح.

إنَّ علاج أزمة اليمن، كما كلّ الأزمات الداخليَّة، لن يكون بتدمير بنية هذا البلد، أو بتقوية فريق على فريق آخر، بل بمعالجة المشكلات وتعزيز لغة الحوار.

ومن هنا، فإننا نأمل أن تسهم اللقاءات الجارية حالياً بين العديد من الأطراف الفاعلين والمؤثرين في الملف اليمنيّ، في تهيئة المناخات لحوارٍ جديّ وعميق يؤدّي إلى استعادة هذا البلد أمنه واستقراره، ويخرج أهله من معاناتهم، ويجعلهم قادرين على مواجهة التّحدّيات التي تعصف بهم، فالمستفيد مما يجري هو "القاعدة"، الَّتي تعزز نفوذها، وقد تكون هي البديل.

 

ثانياً، لقد تمّ الاتفاق المبدئي بين دول الخمسة زائد واحد وإيران حول المشروع النووي الإيراني، والَّذي أشرنا في الأسبوع الماضي إلى أهميته، لما يشكّله من انتصار لإيران في الاعتراف بمشروعها النوويّ السلميّ، ولما قد يؤدي من إعادة التواصل بين العالم الإسلامي والغرب، على قاعدة الاحترام المتبادل، وتحقيق الاستقرار في المنطقة. ولكننا في الوقت نفسه، لا بدّ من أن ننبّه إلى حساسية هذه الفترة التي تفصلنا عن التوقيع النهائي على الاتفاق في أواخر حزيران المقبل، حيث ثمّة أكثر من تفسير للاتفاق، وثمّة أكثر من طرف متضرّر منه ومن نتائجه، ما يجعل الساحة الإقليمية والدولية مهيّأة لتدخلات قد تعرقل عملية التوقيع، الأمر الذي يدعو إلى الحذر الشديد والترقب، وعدم الاستغراق في التفاؤل.

 

ثالثاً، لقد لفتنا حديث الرئيس الأميركي عن دول الخليج، عندما أشار إلى أن مشكلتها الحقيقية ليست في الأساس مع إيران، بل في عدم حصول شعوبها على الحرية السياسية، وفي الظلم والتهميش الذي تتعرض له بعض مكوّناتها. ونحن بعيداً عن قناعتنا بهذا الكلام أو عدم قناعتنا به، ننبِّه إلى كون هذا التصريح يشير إلى الثغرات الّتي يمكن أن تنفذ من خلالها أميركا للعبث باستقرار هذه الدول، ونحن حريصون على هذا الاستقرار، ما يستدعي منها الالتفات إلى واقعها الداخلي، وتعزيز المناعة الوطنية، لوقاية ساحتها ممن يسعى إلى إغراقها في الفتن ساعة يشاء، مستغلاً نقاط الضعف الموجودة فيها.

ومن هنا، نقول لكلّ العالم العربيّ والإسلاميّ، إنّ قوّته لا تختزل بقدراته العسكريَّة، لحماية نفسه من هذه الدولة أو تلك، أو بالتمادي في التشدّد الأمني والتعمية عن المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل بمناعته الوطنية في الداخل، وبنوعية العلاقة التي تحكم الحكام بشعوبهم، ومدى احترامهم لإنسانتيّهم وحقّهم في العيش الكريم، وتحقيقهم للعدالة.

 

رابعاً، لا يزال لبنان أسير المعاناة على مختلف المستويات، ولا سيما المعاناة الاقتصادية والمعيشية الحادة، والتي يزيدها تفاقماً الحصار البري على صادرات هذا البلد، من خلال إغلاق الحدود الأردنيّة. وهنا نلفت إلى ضرورة إسراع الدولة في القيام بدورها في تأمين البدائل، ولا سيّما الخطّ البحريّ.

ويُضاف إلى تلك المعاناة، ما يجري على الحدود الشرقيَّة، حيث الخوف المتزايد من اشتعال هذه الجبهة، وسعي الإرهابيين المستمرّ للتسلّل إلى السّاحة الداخليّة، ناهيك بتواصل استفزازات العدو الصهيوني الجوية والبرية، ما بات يستدعي مزيداً من العمل على كلّ هذه المستويات، وبجديّة كبيرة، لمواجهة كلّ هذه التحديات، من خلال دعم القوى الأمنيَّة اللبنانيَّة، الَّتي نثمّن جهودها وتضحياتها في مواجهة الإرهاب، ومن خلال التّوافق الدّاخليّ، لأنَّ الحلول يجب أن تنطلق من داخل البلد، وليس من خارجه.

إننا لا نزال نراهن على أنَّ الحوار في لبنان هو لمصلحة كل اللبنانيين، ولا بدّ من حمايته من كل السّجالات التي اشتدّت مؤخراً، واستبدال الخطاب العقلاني الهادئ بها، والخروج من الحسابات الخاصة أو الإقليمية أو الدولية، لحساب الوطن واستقراره.

إنَّ على اللبنانيين أن لا يعتبروا أنفسهم بمنأى عما يجري من عواصف في الخارج، فقد تصل تداعيات هذه العواصف إلى بلدهم، إن لم يُحسنوا التعامل معها.

 

خامساً، إننا نستعيد في هذه الأيام الذكرى السنوية لاستشهاد المفكر الإسلامي الكبير، السيد محمد باقر الصدر(رض)، والّذي خسر العالم الإسلامي برحيله طاقة إسلامية علميّة وفقهيَّة وفكريَّة وإنسانيَّة وروحيَّة، كان يقدّر لها أن تترك آثارها الإيجابيّة الكبيرة في العراق وفي الفكر الإسلامي والحركة الإسلامية وحضورها، لولا الجريمة التي أقدم عليه الطاغية.

إننا نرى ضرورة أن نستلهم جميعاً، وخصوصاً العراقيين، روح السيّد الصدر وفكره وخطّه وتطلّعاته الإسلاميّة الوحدويّة، وعقلانيّته العميقة في اجتراح الحلول، وإيثاره وتعاليه على المصالح الخاصّة، وتفانيه لتحقيق الحريّة والعدالة، وعمله لتفعيل دور المرجعيّة والحوزة العلميَّة على كلّ المستويات، ليكون للعراق دوره الرّيادي واللائق في هذه المرحلة الحسّاسة من تاريخه، وليكون أنموذجاً للوحدة وللصَّلاح والإصلاح.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 21 جمادي الثانية 1436هـ  الموافق : 10نيسان 2015م

 

Leave A Reply