عندما يهدِّد الفقر أمن المجتمعات والأوطان!

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

 

قال الله سبحانه وتعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَالله يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ}. صدق الله العظيم.

 

باب الفساد والانحراف

إنَّ أخطر ما يصيب المجتمعات والأوطان هو استشراء الفقر فيها، حين لا يجد النّاس ما يسدّ حاجاتهم من ماءٍ وطعامٍ وصحّةٍ وتعليمٍ وبنى تحتيّة وفرص عمل…

وهي أمور تُفقِد المجتمعات والأوطان قوّتها وحضورها وأمانها؛ فالحاجة مدخل للمسّ بكرامة الإنسان وإذلاله واستعباده، وهي باب لتفشّي الفساد والانحراف وتنامي الأحقاد وصولاً إلى الكفر.

وقد أشارت الأحاديث الشريفة إلى مدى خطورة هذه الآفة، حيث ورد في الحديث عن رسول الله (ص): "كاد الفقر أن يكون كفراً".

وعن عليّ (ع): "إنّ الفقر مذلّة للنفس، مدهشة للعقل، جالب للهموم".

وقد رأى القرآن الكريم أن يحارَب الفقر كما يحارَب الشيطان، لأنه مشروع الشيطان، وهو ما يدعو إليه، وذلك قوله سبحانه: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ}.

وقد رأى الإمام عليّ (ع)، أن التعامل معه ينبغي أن يكون كما هو التّعامل مع المجرمين الّذين يقتلون النّاس ويفسدون في الأرض، فقال (ع): "لو تمثّل لي الفقر رجلاً لقتلته".

وقد برّر الصحابي الجليل أبو ذرّ الغفاريّ للفقراء أن يشهروا سيوفهم، ويعلنوا الحرب على المتسبّبين بالفقر أو المساعدين عليه، فقال: "عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على النّاس شاهراً سيفه!".

لذا، كان رسول الله (ص) يستعيذ بالله منه كاستعاذته من الكفر، ويقول: "اللّهمّ إني أعوذ بك من الكفر والفقر"، فقال له رجل بعدما سمعه يدعو بهذا الدّعاء: أيعدلان؟ قال: "نعم".

ونحن عندما نتحدَّث عن تداعيات الفقر وما يتسبّب به، فهذا لا يعني أن كل الفقراء يعيشون الذل والاستعباد، أو يقعون فريسة الانحراف والفساد وفي قبضة الشّيطان، فهناك من الفقراء من لم يفقدهم الفقر عزَّتهم وكرامتهم وعفّتهم وإيمانهم، بل إنّهم حافظوا عليها، على الرّغم من كلّ ظروفهم، هؤلاء الذين أشار إليهم الله سبحانه بقوله: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَاف}. وقد قال عنهم رسول الله (ص): "الفقراء أصدقاء الله".

 

الفقر مشكلة الحياة

إذاً، الفقر هو مشكلة الحياة، ولذلك، منعاً لتداعياته، وحدّاً من مخاطره، عمل الإسلام، ومن خلال أحكامه وتشريعاته، على العمل لوقاية المجتمع منه، فحرص على أن لا يكون هناك فقير، وإن وجد، سعى للنهوض بهؤلاء الفقراء ومساعدتهم، لمنع الفقر في المجتمع، ولذلك حثّ على العمل وشجّع عليه، واعتبر أنّ العمل عبادة، بل قمّة العبادة.

فقد ورد في الحديث عنه: "العبادة سبعون جزءاً، وأفضلها جزءاً طلب الحلال". وقال لرجلٍ كان يقضي وقته في العبادة وأخوه يصرف عليه، إنّه أعبد منك.

والقرآن الكريم لم يقبل بأن يستكين الإنسان للفقر إن هو تعرَّض له، بل دعاه إلى أن يسعى للخروج من هذه الحالة إن أمكن في وطنه، وإلا من واجبه أن يهاجر إلى بلاد الله الواسعة الّتي يضمن لنفسه فيها العمل الذي يؤمّن فيه قوته وقوت عياله، وقد توعّد الله بالنار من لم يفعل، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِير}.

 

أهميّة التّكافل الاجتماعيّ

وإن حصل الفقر واستشرى في المجتمع، فقد دعا الله كلّ مكوِّنات المجتمع إلى تحمّل مسؤوليّتهم لمساعدة الفقراء منهم، واعتبر ذلك فريضةً وواجباً وليس خياراً، وهذا ما أشار إليه الله سبحانه عندما قال: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}. {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}.

ومن أجل ذلك، فرض الزكاة والخمس وزكاة الفطرة، وقد ورد في الحديث: "إنّ الله فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما متِّع به غنيّ، والله تعالى سائلهم عن ذلك".

وفي حديثٍ آخر، يتبيّن من خلاله أنّ الناس لو دفعوا زكاة مالهم وخمسه، لما بقي فقير محتاجاً، فقال: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ فرض في أموال الأغنياء للفقراء ما يكتفون به، ولو علم أنّ الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم".

وقد جاء التّحذير من عدم الإتيان بهذا الواجب بقول رسول الله (ص): "أيّما أهل عرصة (منطقة أو حيّ)، أصبح فيهم امرؤ جائعاً، فقد برئت منهم ذمّة الله ورسوله".

وفي الحديث: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع".

وهو لم يكتف بالواجبات الماليّة، بل ترك للإنسان أن يقوم بمبادرات، فحثَّ على الصَّدقات المستحبَّة ودعا إليها، مؤكّداً أنَّ الصَّدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقراء، فقال: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ الله هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}، واعتبرها باباً لدفع البلاء وردّ القضاء ولو أبرم إبراماً.

وقد اعتبر الإمام الصادق (ع) أنّ إعانة عائلة هي أفضل من سبعين حجّة مستحبّة، فقال (ع): "لأن أعول أهل بيت من المسلمين، أسدّ جوعتهم، وأكسو عورتهم، فأكفّ وجوههم عن النّاس، أحبّ إليّ من أن أحجّ حجّة وحجّة ومثلها ومثلها، حتى بلغ عشراً، ومثلها ومثلها حتى بلغ السبعين".

 

مسؤوليَّة الدَّولة

ولم يقف الإسلام عند ذلك، بل حمّل الدولة مسؤوليَّة الاهتمام بالفقراء والنهوض بهم ومساعدتهم لتأمين حياة كريمة، وهو دورٌ إن لم تقم به، ينبغي أن تسأل عليه. وقد عبَّر عن ذلك أمير المؤمنين (ع) في عهده إلى مالك الأشتر عندما ولّاه مصر: "الله الله فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى، مِنَ الَّذِينَ لا حِيلَةَ لَهُمْ: مِنَ الْمَسَاكِينِ والْمُحْتَاجِينَ وأَهْلِ الْبُؤْسَ والزَّمْنَى؛ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً ومُعْتَرّاً (الذي لا يسأل)، واحْفَظِ للهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ، واجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ (خزينة الدولة)، فإنَّ للأقصى منهم مثل الّذي للأدنى… وكلّ قد استرعيت حقّه، ولا يشغلنّك عنهم بطر (الطغيان بالنّعمة)".

ولم يكتف الإمام (ع) بذلك، بل كان موقفه حاسماً إزاء كلّ من امتدّت يده إلى المال العام وساهم في إفقار الناس، حتى قال: "والله لو وجدته قد تُزوّج به النّساء ومُلكَ به الإماء لرددته".

وهو لم يهادن أحداً على حساب مال الفقراء، حتى لو كان أقرب النّاس إليه، وهو عنّف واليه على البصرة عثمان بن حنيف، عندما ذهب إلى مائدة دعي إليها الأغنياء وأبعد عنها الفقراء.

 

الفقر سببٌ للثَّورة

ومن هذا المنطلق، كانت دعوة الإسلام إلى الوقوف في وجه الحاكم الظالم الجائر الذي يستأثر بالمال العام، ومواجهته بشتّى الوسائل، وحتى بالثّورة عليه.

وهذا ما قام به الإمام الحسين (ع)، فقد بيَّن في بيان ثورته، أنّ أهمّ أسبابها هو أن يزيد ومن معه أفقروا الناس، عندما لَزِموا طاعةَ الشيطانِ، وتَولّوا عن طاعةِ الرّحمنِ، وأظهرُوا الفسادَ وعطّلوا الحدودَ، واستأثَروا بالمال العام.

أيّها الأحبَّة: من الطبيعي أن تحدث هناك تنوّعات في المجتمع وتفاوت بين النّاس، نظراً إلى اختلاف الإمكانات التي تتوفّر للأفراد، وللظّروف التي قد يعيشون فيها، والتي أشار إليها الله عزَّ وجلَّ عندما قال: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}.

ولكن هذا لا يعني القبول بالفقر، وأن لا يجد الإنسان حاجاته، في الوقت الّذي يتنعّم آخرون بها. فلا بدّ لكلّ إنسان تحت قبّة سماء هذه الأرض، أن يحصل على فرصة عيشه الكريم، فإن لم يأخذها، فلا بدّ أن يطالب بها من يتولّون إدارة أمور البلاد والعباد، فهم معنيّون بأن يقوموا بمسؤوليّتهم تجاه الفقراء، وعليهم أن يعيدوا النظر في أسلوب ممارستهم للحكم إن أدَّى حكمهم إلى إفقار الناس وعدم تحقيق العدالة لهم. وعندما لا يحصل ذلك، فلن يكون مستغرباً أن يتحرَّك النّاس للتعبير عن احتياجاتهم ونقمتهم، أو أن يخرجوا شاهرين سيوفهم على النَّاس، بل قد يكون التحرّك واجباً، وهو الخيار عندما تكون هذه هي الوسيلة لتحصيل الحقوق.

أيّها الأحبّة: لن نكون موالين لأهل البيت (ع) أو محبّين لهم، إلا إذا ظلّ صوتنا عالياً في مواجهة كلّ ظلم اجتماعي أو سياسي لحماية حقوق الفقراء، فلهم علينا حقّ أن نشعرهم بالحبّ والاحتضان، وأن نحفظ كرامتهم ونمدّ لهم يد العون، فبهذا الطّريق نحصل على أمان الدّنيا، وبه نحصل على أمان الآخرة. فنحن لن نبلغ الجنّة إلا بالسلوك الذي سار عليه أهل البيت (ع) عندما قال: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُور}.. {فَوَقَاهُمُ الله شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِير}.

 

 

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أمير المؤمنين (ع) واليه مالك الأشتر، عندما قال له: "ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ (القضاء) أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ، مِمَّنْ لَا تَضِيقُ بِهِ الْأُمُورُ، وَلَا تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ (لا تدفعه مخاصمة الخصوم إلى الغضب، أي أن يكون واسع الصدر)، وَلَا يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ، وَلَا يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْ‏ءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ (لا يضيق صدره من الرّجوع إلى الحقّ بعدما يتبيّن له)، وَلَا تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَعٍ (يتنزّه عن الطمع)، وَلَا يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْمٍ دُونَ أَقْصَاهُ (يدقّق في أحكامه ويتعمَّق فيها)، وَأَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ، (فلا يصدر أحكامه إلا بالوضوح التامّ كالشّمس في وضح النّهار)، وَآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ، وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ (لا يملّ من مراجعة من لا يرى حكمه صائباً)، وَأَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الْأُمُورِ، وَأَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ (حاسماً عند وضوحه)، مِمَّنْ لَا يَزْدَهِيهِ إِطْرَاءٌ (لا يتأثر بالمدح)، وَلَا يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ، وَأُولَئِكَ قَلِيلٌ، ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ، وَافْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزِيلُ عِلَّتَهُ، وَتَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ، وَأَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لَا يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ، لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ، فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ نَظَراً بَلِيغاً، فَإِنَّ هَذَا الدِّينَ قَدْ كَانَ أَسِيراً فِي أَيْدِي الْأَشْرَارِ، يُعْمَلُ فِيهِ بِالْهَوَى، وَتُطْلَبُ بِهِ الدُّنْيَا".

أيّها الأحبّة، هذه صورة القاضي التي أرادها الإمام، والتي ينبغي أن نستهدي بها، ليكون عندنا قضاء نزيه خالٍ من الشوائب والهفوات، قادر على حفظ العدالة. وبذلك نكون أكثر وعياً وقدرةً على مواجهة التحدّيات.

 

لبنان: أزمات مرتقبة!

والبداية من لبنان، الّذي لايزال المواطنون فيه يشعرون بالقلق من الوضع الاقتصاديّ؛ هذا القلق الذي لا تبدّده التطمينات التي تصدر عن أركان الدولة بسلامة الوضع المالي، وهم يرون بأمّ أعينهم عدم ثبات سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي، والذي يترك تأثيراً في حياتهم، لكون أغلب المبالغ التي يدفعونها بالدولار الأمريكي، وما لم تكن كذلك، فإنها تتأثر به.

إنَّنا أمام هذا الواقع، ندعو الدّولة إلى أن تكون واضحة مع مواطنيها، فمن حقّ المواطنين على دولتهم أن يعرفوا حقيقة الأزمة التي يعانونها، وسبب عدم اتخاذ الإجراءات التي تلجم التراجع في صرف اللّيرة اللّبنانية أمام الدولار، كما كان يحصل في السّابق، وأن يعرفوا إذا ما أصبحت الأزمة في الواقع الاقتصادي تفوق قدرة الدولة اللبنانيّة على حلّها.

في هذا الوقت، تسعى الحكومة اللبنانيّة، من خلال زيارات مسؤوليها إلى الخارج، أو المؤتمرات التي تجري لمساعدة لبنان، إلى معالجة هذا الوضع الاقتصادي، بالسعي للحصول على مساعدات، أو الاستثمار فيه لإخراجه من هذا الواقع الصعب.

وقد ساهمت هذه الزيارات والمؤتمرات في خلق أجواء ارتياح بفعل الوعود التي قدِّمت، والتي نأمل أن تتحقّق، ولكنّها لن تستطيع أن تحقّق ما يصبو إليه اللّبنانيّون من تحسين واقعهم، بعدما أصبح واضحاً أنّ المساعدات هي بمثابة قروض، إن هي أتت، وقد لا تأتي سريعاً، وستكون مشروطة بإصلاحات لا بدّ للدّولة اللبنانيّة من الإسراع في القيام بها، فلا يمكن لأية دولة أن تقوم باستثمارات في ظلِّ استمرار الفساد والهدر والصفقات والمحسوبيّات وعدم الشفافية التي تطفو على السطح، وهي تحصل تحت مرأى العالم وسمعه.

ومن هنا، ورأفةً بهذا البلد، ندعو الحكومة اللّبنانية التي تسرّع في إنجاز موازنة العام 2020، إلى أن تقدّم إلى اللبنانيين والعالم الموازنة التي وعدت بها؛ الموازنة التي تحمل في طياتها بذور الإصلاح، بحيث تعيد ثقة اللّبنانيين بدولتهم وثقة العالم بها.

إنّنا نخشى، وتحت وطأة الاستعجال في إخراج الموازنة في المهلة الدستوريَّة، تأخير الإصلاحات، وإعاقة استعادة الدّولة لحقوقها الماليّة، وبناء دولة خالية من الفساد، لتكون دولة يطمئنّ فيها اللّبنانيون إلى مستقبلهم، لأنَّ ذلك سيضطرّهم إلى الخروج إلى الشّارع، كما خرجوا سابقاً، وستطفو الأزمات على السّطح، وليس آخرها أزمة الخبز المرتقبة أو المحروقات أو الدّواء أو أزمة التجار والمستوردين.

 

تصعيدٌ في سوري

وإلى سوريا، التي شهدت في الأيّام الأخيرة واقعاً جديداً، تمثَّل في الدّخول التّركي إلى الأراضي السوريّة، بداعي تأمين حدود هذا البلد. لقد جاء هذا التَّصعيد في الوقت الذي بدأت سوريا تخطو خطوات جديَّة نحو الاستقرار الأمني والسياسي، ولا سيَّما بعد تأليف اللّجنة الدستوريّة.

إنّنا أمام ما جرى، نرى أنَّ من حقِّ أيِّ دولة أن تحفظ حدودها، وأن تقي نفسها مما قد يتهدّدها من الخارج، ولكن هذا لا ينبغي أن يتمّ على حساب سيادة دولة أخرى أو بتأجيج الصّراع فيها.

إنَّ تأمين الحدود لن يكون بإضعاف سوريا، بل بالعمل على دعم هذا البلد وتعزيزه وتأمين سبل الاستقرار ومعالجة المشكلات التي تشكو منها تركيا وتهدّد حدودها.

ويبقى أن نقول، وبعد القرار الأميركي بالانسحاب من سوريا، لكلّ الذين كانوا يراهنون على أميركا لتحقيق استقرارهم: إنّ من الخطأ الرهان على الخارج الذي لا يعمل إلا لحسابه ومصالحه. إنَّ رهانكم ينبغي أن يكون على الحوار بين كلّ مكوّنات سوريا، من عرب وكرد ومسلمين ومسيحيين وشيعة وسنّة وعلويين، للوصول إلى صيغة تضمن للجميع حقوقهم في ظلّ وحدة داخلية تشكّل ضمانةً للجميع.

 

Leave A Reply