فضل الله في إفطار النادي الثقافي في القرعون: ينتظرون كلمة السرّ لتأتي من الخارج

أقام النادي الثقافي الاجتماعي الرياضي في بلدة القرعون مأدبة إفطار في صالة الأندلس قرب بحيرة القرعون، حضرها شخصيات علمائية وفاعليات سياسيّة وحزبية وثقافية واجتماعية وأكاديمية وبلدية، يتقدَّمهم سماحة مفتي زحلة والبقاع الشيخ علي الغزاوي، وسماحة العلَّامة السيِّد علي فضل الله.

وألقى المفتي غزاوي كلمة أشار فيها إلى أهمية تعزيز الوحدة بين المسلمين، وخصوصاً في شهر رمضان، مشدّداً على تحصين الوحدة الوطنيَّة، والعمل لإخراج لبنان من أزمته المتفاقمة، بتضافر جهود الجميع، داعياً إلى الوقوف مع الشعب الفلسطيني الَّذي يبذل كلَّ ما عنده لحماية المسجد الأقصى الشريف، مؤكدّاً على الوحدة الوجدانيَّة والإيمانيّة والإنسانيّة مع هذا الشعب وقضيته العادلة.

وألقى العلَّامة السيِّد علي فضل الله كلمة أشار في بدايتها إلى بلدة القرعون، هذه البلدة الطيّبة، بلدة المحبة والانفتاح، والتي لم تبخل على الوطن بالعطاء والتضحيات، فكانت منطلقاً للمجاهدين والمقاومين، وملاذاً لهم وحصناً.

وقال: إنَّ هذه البلدة تجاوزت كل العناوين الطائفية أو المذهبية أو السياسية، ووقفت مع محيطها بكلِّ تنوّعاته، ولم تتركهم في معاناتهم، ووقفت تواسيهم وتحمل عنهم وتمدّ يد العون إليهم، فكانت أنموذجاً طيباً في الوفاء والإخلاص والمحبة، وفي التواصل والتعاون والبذل والانفتاح، وهي ما بلغت هذا المدى الوطني والإنساني، إلا عندما وعت أنَّ الوطن لا يبنى إلا بالتواصل، وأن الدين رسالة جاءت من أجل الإنسان، وأنّه لم يأت ليبني متاريس بين النَّاس ويعمّق الصراع في الحياة، بل جاء ليمدّ الجسور فيما بينهم.

أضاف: ولذلك كان طبيعياً أن تنطلق، ومن هذا الموقع بالذات، وفي محطة حساسة وطنياً، وثيقة الأخوَّة الوطنية والإنسانية التي أطلقتها طليعة هذه البلدة وطليعة هذه المنطقة، بالتعاون مع كل المخلصين، لضمّ أجنحة الوطن، ورفض كلّ فتنة وكلّ خطاب يؤدّي إلى التنازع والتباغض والتحاقد.

ووجَّه سماحته الشكر إلى كل الإخوة في النادي الثقافي الاجتماعي الرياضي في القرعون على هذه الدعوة الَّتي جمعته بإخوة أعزاء وأحبَّة من علماء وفعاليات ثقافية واجتماعية وسياسية وتربوية ورياضية في هذه المنطقة العابقة بتنوعها، المعتزة بوحدتها، لافتاً إلى أهمية الاستمرار على هذه الروحية التي نحن أحوج ما نكون إليها في ظلّ التداعي والسقوط الذي وصلنا إليه بفعل الفساد والهدر وسوء الإدارة، ممن لم يعيشوا الانتماء الحقيقي إلى الأديان التي يمثّلونها ويعنونون أنفسهم بها، ولم يعيشوا هموم الشَّعب وآلامه، والقيم عندهم أدوات يتمّ استخدامها للاستهلاك.

وتابع: لقد أوصلت السياسات القائمة البلد إلى هذا المنحدر الذي وصل إليه والانقسام الحاصل فيه، حيث يعمل كلّ فريق ليكون البلد لحسابه، من دون أن يقدِّم لحساب وطنه، وذلك بانتظار كلمة السّرّ التي تأتي من الخارج، والتي لا يبدو أنها قريبة المنال.

وأردف: ولا يسعنا في هذه المناسبة، وأمام هذه العتمة الشَّاملة سياسياً واقتصادياً، إلَّا أن نأمل بأن تشرِّع هذه المصالحات التي نشهدها عربياً وإسلامياً، الأبواب أمام مرحلة جديدة لشعوب المنطقة وأوطانها، تطوي معها صفحات الفتن القاتلة، وما تركته من خسائر كبيرة في الأرواح والعمران، ومن استنزاف في الموارد ورؤوس الأموال، والأهمّ، من خسائر معنوية على مستوى العلاقات الدينية والمذهبية والقومية والوطنية بين أبناء الأمَّة الواحدة.

ولا شكَّ في أنَّ المهمات أمام المخلصين كبيرة في رأب الصّدوع، وتجفيف منابع الكراهية والأحقاد، وأن يستعاد السلام الأهلي والوطني في دولنا على قاعدة العدل والمساواة، وأن لا يتمّ الاكتفاء بالمصالحات على قاعدة نزع فتيل النزاعات، بل في تعميقها ببناء العلاقات المتكاملة على المستويات الاقتصادية والثقافية والدفاعية المشتركة، لتخرج هذه الأمَّة من هذا التمزق المريع، ولتنتقل من وضعيَّة العاجز والضَّعيف، إلى وضعية القادر والقويّ، وأن تستعيد دورها وحضورها الفاعل في هذا العالم، وهي تملك كلَّ القدرات البشرية والطاقات التي تؤهِّلها لذلك، وأن تواجه كلّ من يتهدَّد بلدانها ومقدّساتها وثرواتها.

وقال: إنني في هذا الموقع وهذا المكان، أشدّ على أيدي كلّ الأحبة العاملين للإصلاح والبناء والتغيير، ومنهم هذا النادي الكريم، ومنهم الطليعة الواعية في المجلس الثقافي الاجتماعي للبقاع الغربي وراشيا، ومنهم كلّ الجمعيات والمؤسَّسات والشخصيات الإعلامية والثقافية التي تزخر بها هذه المنطقة، أن يواصلوا جهودهم، وأن يتابعوا مسيرتهم في استنهاض كلّ المواقع الوطنيَّة، لتؤكِّد هذه المنطقة مجدَّداً أنها الأنموذج الحيّ للبنان الموحَّد النابذ للفتنة، والمتمسّك بقضايا الوطن الكبرى، والساعي للنهوض فوق كلِّ هذا الركام من التَّداعي الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وما إلى ذلك.